كتبهابلال عبد الهادي ، في 16 نيسان 2012 الساعة: 09:34 ص
وقد كان يحيى بن خالد ذا علم ومعرفة وبحث ونظر،
وله مجلس يجتمع فيه أهل الكلام من أهل الإسلام وغيرهم من أهل الأراء والنحل، فقال
لهم يحيى وقد اجتمعوا عنده: قد أكثرتم الكلام في الكمون والظهور، والقدم والحدوث،
والإثبات والنفي، والحركة والسكون، والمماسة والمباينة، والوجود والعدم، والجر
والطفرة، والأجسأم والأعراض، والتعديل والتجريح ونفي الصفات وإثباتها، والاستطاعة
والأفعال والكمية والكيفية، والمضاف، والإمامة أنص هي أم اختيار، وسائر ما توردونه
من الكلام في الأصول والفروع، فقولوا الآن في العشق على غير منازعة، وليورد كل واحد
منكم ما سنح له فيه، وخطر إيراده بباله.
حديث لهم عن العشق
فقال علي بن هيثم وكان أمامي المذهب من المشهورين من متكلمي الشيعة: أيها الوزير، العشق ثمرة المشاكلة، وهو دليل تمازج الروحين، وهومن بحر اللطافة، ورقة الصنيعة، وصفاء الجوهر وليس يحد لسعته، والزيادة فيه نقصان من الجسد.
وقال أبو مالك الحضرمي، وهو خارجي المذهب وهم الشراة: أيها الوزير، العشق نفث السحر، وهو أخفى وأحر من الجمر، ولا يكون إلا بازدواج الطبعين، وامتزاج الشكلين، وله نفوذ في القلب كنفوذ صيب المزن في خلل الرمل وهو ملك على الخصال تنقاد له العقول، وتستكين له الأراء.
وقال الثالث: وهو محمد بن الهذيل العلاف، وكان معتزلي المذهب وشيخ البصريين: أيها الوزير، العشق يختم على النواظر، ويطبع على آلأفئدق، مرتقى في الأجساد، ومسرعة في الأكباد، وصاحبه متصرف الظنون، متغير الأوهام، لا يصفو له، ولا يسلم له موعود، تسرع إليه النوائب، وهو جرعة من نقيع الموت، وبقية من حياض الثكل، غير إنه من أريحية تكون في الطبع، وطلاوة توجد في الشمائل، وصاحبه جواد لا يصغي إلى داعية المنع، ولا يسنح به نازع العذل.
العشق وعلة وقوعه
قال المسعودي: تنازع الناس ممن تقدم وتآخر في ابتداء وقوع الهوى وكيفيته، وهل ذلك من نظر وسماع، واختيار واضطرار، وما علة وقوعه بعد إن لم يكن، وزواله بعد كونه، وهل ذلك فعل النفس الناطقة أو الجسم وطباعه، فقال بقراط: هو امتزاج النفسين، كما لو امتزج الماء بماء مثله عسر تخليصه بحيلة من الإحتيال، والنفس ألطف من الماء، وأرق مسلكا، فمن أجل ذلك لا تزيله الليإلي، ولا تخلقه الدهور ولا يدفعه دافع دق عن الأوهام مسلكه، وخفى عن الأبصار موضعه وحارت العقول عن كيفية تمكنه غير أن ابتداء حركته من القلب، ثم تسير إلى سائر الأعضاء، فتظهر الرعدة في الأطراف، والصفرة في الألوان، واللجلجة في الكلام، والضعف في الرأي والويل والعثار حتى ينسب صاحبه إلى النقص.
وذهب بعض الأطباء إلى أن العشق طمع يتولد في القلب وينمى وتجتمع إليه مواد من الحرص فإذا قوي زاد بصاحبه الإهتياج واللجاج والتمادي والتفكر والأماني والهيمان والأحزان وضيق الصدر وكثرة الفكر وقلة الطعم وفساد العقل ويبس الدماغ، وذلك إن التمادي في الطمع للدم محرق، " فإذا احترق استحال إلى السوداء، فإذا قويت جلبت الفكر فتستعلي الحرارة، وتلتهب الصفراء، ثم تستحيل الصفراء إلى الفساد فتلحق حينئذ بالسوداء، وتصير مادة لها، فتقوى، ومن طبائع السوداء الفكر، فإذا فسد الفكر اختلطت الكيموسات بالفساد، ومع الإختلاط تكون الفدامة ونقصان العقل ورجاء ما لا يكون ولا يتم فحينئذ يشتد ما به، فيموت أو يقتل نفسه، وربما شهق فتخفى روحه أربعا وعشرين ساعة فيظن إنه مات فيقبرونه حيا، وربما تنفس الصعداء فتخفى روحه في تامور قلبه، وينضم القلب ولا ينفرج حتى يموت، وربما ارتاح وتشوق بالنظر، ويرى من يحب فجاة، وأنت ترى العاشق إذا سمع ذكر من يحب كيف يهرب دمه ويحول لونه.
وقال بعضهم: إن الله خلق كل روح مدورة على هيئة الكرة، وجزأها أنصافا، وجعل في كل جسد نصفأ، فكل جسد لقي الجسد فيه النصف الذي قطع من النصف الذي معه كان بينهما عشق ضرورة للمناسبة القديمة. وتفاوت أحوال الناس في ذلك من القوة والضعف على قدر طبائعهم.
ولأهل هذه المقالة خطب طويل فيما ذكرنا. وإن النفوس نورية جوهر بسيط نزل من علو إلى هذه الأجساد فسكنها، وإن النفوس تلي بعضا على حسب مجاورتها في عالم النفس في القرب والبعد، وذهب إلى هذا المذهب جماعة ممن يظهر الإسلام، واعتلوا بدلائل من القرآن والسنن ودلائل القياس عند أنفسهم. من ذلك قوله عز وجل: " يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " قالوا: فالرجوع إلى الحال لا يكون إلا بعد كون متقدم، ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف " .
حديث لهم عن العشق
فقال علي بن هيثم وكان أمامي المذهب من المشهورين من متكلمي الشيعة: أيها الوزير، العشق ثمرة المشاكلة، وهو دليل تمازج الروحين، وهومن بحر اللطافة، ورقة الصنيعة، وصفاء الجوهر وليس يحد لسعته، والزيادة فيه نقصان من الجسد.
وقال أبو مالك الحضرمي، وهو خارجي المذهب وهم الشراة: أيها الوزير، العشق نفث السحر، وهو أخفى وأحر من الجمر، ولا يكون إلا بازدواج الطبعين، وامتزاج الشكلين، وله نفوذ في القلب كنفوذ صيب المزن في خلل الرمل وهو ملك على الخصال تنقاد له العقول، وتستكين له الأراء.
وقال الثالث: وهو محمد بن الهذيل العلاف، وكان معتزلي المذهب وشيخ البصريين: أيها الوزير، العشق يختم على النواظر، ويطبع على آلأفئدق، مرتقى في الأجساد، ومسرعة في الأكباد، وصاحبه متصرف الظنون، متغير الأوهام، لا يصفو له، ولا يسلم له موعود، تسرع إليه النوائب، وهو جرعة من نقيع الموت، وبقية من حياض الثكل، غير إنه من أريحية تكون في الطبع، وطلاوة توجد في الشمائل، وصاحبه جواد لا يصغي إلى داعية المنع، ولا يسنح به نازع العذل.
وقال
الرابع: وهو هشام بن الحكم الكوفي شيخ الأمامية في وقته وكبير الصنعة في عصره: أيها
الوزير، العشق حبالة نصبها الدهر فلا يصيد بها إلا أهل التخالص في النوائب، فإذا
علق المحب في شبكتها ونشب في اثنائها فأبعد به أن يقوم سليما أو يتخلص وشيكا، ولا
يكون إلا من اعتدال الصورة، وتكافؤ في الطريقة، وملاءمة في الهمة، له مقتل في صميم
الكبد، ومهجة القلب، يعقد اللسان الفصيح، ويترك المالك مملوكا والسيد خولا حتى يخضع
لعبد عبده.
وقال النظام إبراهيم بن يسار المعتزلي وكان نظار البصريين في عصره: أيها الوزير العشق أرق من السراب، وأدب من الشراب، وهو من طينة عطرة عجنت في إناء الجلالة، حلو المجتنى ما اقصد، فإذا أفرط عاد خبلا قاتلأ، وفسادا معضلأ، لا يطمع في إصلاحه، له سحابة غزيرة تهمي على القلوب، فتعشب شعفا، وتثمر كلفا، وصريعه دائم اللوعة، ضيق المتنفس، مشارف الزمن، طويل الفكر، إذا أجنه الليل أرق، وإذا أوضحه النهار قلق، صومه البلوى، وإفطاره الشكوى.
ثم قال السادس والسابع والثامن والتاشع والعاشر ومن يليهم، حتى طال الكلام في العشق بألفاظ مختلفة ومعان تتقارب وتتناسب، وفيما مر دليل عليه.
وقال النظام إبراهيم بن يسار المعتزلي وكان نظار البصريين في عصره: أيها الوزير العشق أرق من السراب، وأدب من الشراب، وهو من طينة عطرة عجنت في إناء الجلالة، حلو المجتنى ما اقصد، فإذا أفرط عاد خبلا قاتلأ، وفسادا معضلأ، لا يطمع في إصلاحه، له سحابة غزيرة تهمي على القلوب، فتعشب شعفا، وتثمر كلفا، وصريعه دائم اللوعة، ضيق المتنفس، مشارف الزمن، طويل الفكر، إذا أجنه الليل أرق، وإذا أوضحه النهار قلق، صومه البلوى، وإفطاره الشكوى.
ثم قال السادس والسابع والثامن والتاشع والعاشر ومن يليهم، حتى طال الكلام في العشق بألفاظ مختلفة ومعان تتقارب وتتناسب، وفيما مر دليل عليه.
العشق وعلة وقوعه
قال المسعودي: تنازع الناس ممن تقدم وتآخر في ابتداء وقوع الهوى وكيفيته، وهل ذلك من نظر وسماع، واختيار واضطرار، وما علة وقوعه بعد إن لم يكن، وزواله بعد كونه، وهل ذلك فعل النفس الناطقة أو الجسم وطباعه، فقال بقراط: هو امتزاج النفسين، كما لو امتزج الماء بماء مثله عسر تخليصه بحيلة من الإحتيال، والنفس ألطف من الماء، وأرق مسلكا، فمن أجل ذلك لا تزيله الليإلي، ولا تخلقه الدهور ولا يدفعه دافع دق عن الأوهام مسلكه، وخفى عن الأبصار موضعه وحارت العقول عن كيفية تمكنه غير أن ابتداء حركته من القلب، ثم تسير إلى سائر الأعضاء، فتظهر الرعدة في الأطراف، والصفرة في الألوان، واللجلجة في الكلام، والضعف في الرأي والويل والعثار حتى ينسب صاحبه إلى النقص.
وذهب بعض الأطباء إلى أن العشق طمع يتولد في القلب وينمى وتجتمع إليه مواد من الحرص فإذا قوي زاد بصاحبه الإهتياج واللجاج والتمادي والتفكر والأماني والهيمان والأحزان وضيق الصدر وكثرة الفكر وقلة الطعم وفساد العقل ويبس الدماغ، وذلك إن التمادي في الطمع للدم محرق، " فإذا احترق استحال إلى السوداء، فإذا قويت جلبت الفكر فتستعلي الحرارة، وتلتهب الصفراء، ثم تستحيل الصفراء إلى الفساد فتلحق حينئذ بالسوداء، وتصير مادة لها، فتقوى، ومن طبائع السوداء الفكر، فإذا فسد الفكر اختلطت الكيموسات بالفساد، ومع الإختلاط تكون الفدامة ونقصان العقل ورجاء ما لا يكون ولا يتم فحينئذ يشتد ما به، فيموت أو يقتل نفسه، وربما شهق فتخفى روحه أربعا وعشرين ساعة فيظن إنه مات فيقبرونه حيا، وربما تنفس الصعداء فتخفى روحه في تامور قلبه، وينضم القلب ولا ينفرج حتى يموت، وربما ارتاح وتشوق بالنظر، ويرى من يحب فجاة، وأنت ترى العاشق إذا سمع ذكر من يحب كيف يهرب دمه ويحول لونه.
وقال بعضهم: إن الله خلق كل روح مدورة على هيئة الكرة، وجزأها أنصافا، وجعل في كل جسد نصفأ، فكل جسد لقي الجسد فيه النصف الذي قطع من النصف الذي معه كان بينهما عشق ضرورة للمناسبة القديمة. وتفاوت أحوال الناس في ذلك من القوة والضعف على قدر طبائعهم.
ولأهل هذه المقالة خطب طويل فيما ذكرنا. وإن النفوس نورية جوهر بسيط نزل من علو إلى هذه الأجساد فسكنها، وإن النفوس تلي بعضا على حسب مجاورتها في عالم النفس في القرب والبعد، وذهب إلى هذا المذهب جماعة ممن يظهر الإسلام، واعتلوا بدلائل من القرآن والسنن ودلائل القياس عند أنفسهم. من ذلك قوله عز وجل: " يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " قالوا: فالرجوع إلى الحال لا يكون إلا بعد كون متقدم، ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف " .
وذهب
إلى هذا القول جماعة من الأعراب، ففي ذلك يقول جميل ابن عبد الله بن معمر العذري في
بثينة:
تعلق روحي روحها قبل خلقنا … ومن قبل ماكنا نطافا، وفي
المهد
فزاد كما زدنا، فأصبح ناميا … وليس وإن متنا بمنتقض العهد
ولكنه باق على كل حالة … وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
فزاد كما زدنا، فأصبح ناميا … وليس وإن متنا بمنتقض العهد
ولكنه باق على كل حالة … وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
وقال جالينوس: المحبة تقع
بين العاقلين لتشاكلهما فى العقل، ولا تقع بين الأحمقين وإن كانا متشاكلين في
الحمق، لأن العقل يجري على ترتيب، فيجوز أن يتفق فيه إثنان على طريق واحدة، والحمق
لا يجري على ترتيب، ولا يجوز أن يتفق فيه إثنان.
وقسم بعض العرب الهوى فقال:
وقسم بعض العرب الهوى فقال:
ثلأثة أحباب، فحب علأقة وحب تملاق، وحب هو القتلوقال
الصوفية من البغداديين: إن الله عز وجل إنما امتحن الناس بالهوى ليأخذوا أنفسهم
بطاعة من يهوونه، ليشق عليهم سخطه، ويسرهم رضاه. فيسبتدل بذلك على قدر طاعة الله،
إذ كان لا مثل له، ولا نظير وهو خالقهم غير محتاج إليهم، ورازقهم مبتدئا بالمن
عليهم فإذا أوجبوا على أنفسهم طاعة سواه، كان تعالى أحرى أن يتبع
رضاه.
وللباطنية المتصوفة في هذا كلام كثير وخطب طويل.
وقال أفلاطون: ما أدري ما الهوى، غير إنه جنون إلهي، والهوى لا محمود ولا مذموم.
وكتب بعض ظرفاء الكتاب إلى أخ له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمود على الإنقياد إليك بغير زمام لأن النفس يتبع بعضها بعضا.
وللناس ممن خلف وسلف من الفلاسفة والفلكيين والإسلاميين وغيرهم كلام كثير في العشق، وقد أتينا على ذلك في كتابنا أخبار الزمان ومن أباده الحدثان، من الامم الماضية والأجيال الخالية، والممالك الداثرة وإنما خرجنا مما كنا فيه أنفا من أخبار البرامكة عند ذكرنا العشق، فتغلغل بنا الكلام إلى إيراد لمع مما قيل في ذلك.
فلنرجع الآن إلى ما كنا فيه من أخبارهم، واتساق أيامهم، وانتظامها لهم بالسعود، ثم انعكاسها إلى النحوس.
وللباطنية المتصوفة في هذا كلام كثير وخطب طويل.
وقال أفلاطون: ما أدري ما الهوى، غير إنه جنون إلهي، والهوى لا محمود ولا مذموم.
وكتب بعض ظرفاء الكتاب إلى أخ له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمود على الإنقياد إليك بغير زمام لأن النفس يتبع بعضها بعضا.
وللناس ممن خلف وسلف من الفلاسفة والفلكيين والإسلاميين وغيرهم كلام كثير في العشق، وقد أتينا على ذلك في كتابنا أخبار الزمان ومن أباده الحدثان، من الامم الماضية والأجيال الخالية، والممالك الداثرة وإنما خرجنا مما كنا فيه أنفا من أخبار البرامكة عند ذكرنا العشق، فتغلغل بنا الكلام إلى إيراد لمع مما قيل في ذلك.
فلنرجع الآن إلى ما كنا فيه من أخبارهم، واتساق أيامهم، وانتظامها لهم بالسعود، ثم انعكاسها إلى النحوس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق