فارس الدرس الأدبي
تنطوي برحيل الناقد والباحث شوقي ضيف طريقة من طرائق الدرس الأدبي,
والتأريخ الأدبي، هو بلا منازع رجلها وابن بجدتها كما يقال. فكل من درس الأدب
العربي في الجامعات العربية، لا بدّ وان يكون قد التقاه عبر كتبه عن الأعصر
الأدبية كلها بدءا من الأدب الجاهلي وانتهاء بشعر صلاح عبد الصبور الذي لم يعتبر
ما كتبه من حيث خرقه لعمود الشعر إهانة للشعر, أو انقلابا على الموروث الشعري, بل
راح بمحبة الأب الحاني يسبر جماليات هذا النوع. البعض يلوم تناوله الكلاسيكي
للأدب, وهذا ظلم للرجل لأنه لا يجوز لنا ان نرى أعماله على ضوء الحداثة أو ما بعد
الحداثة. فهو ابن مرحلة كان درس الأدب فيها مقرونا بالتحقيب التاريخي.
كل ما أعرفه عن الراحل النبيل شوقي
ضيف انه مدهش, مدهش بجلده على العمل, مدهش بموسوعيته الأدبية, مدهش بأناقة أسلوبه,
مدهش أيضا بأمانته العلمية, فهو حين يكتب
أتخيله يكتب بشغف, يكتب بعقله كله, وبحواسه كلها, وبذائقته الفنية العالية. كما لا
ينكر احد فيما أتصور رؤيته المتبصّرة في كتابيه الرائعين "الفن ومذاهبه في
الشعر العربي", و"الفن ومذاهبه في النثر العربي"، اللذين درس فيهما
تطور الأساليب الكتابية. وما يسجّل له على الصعيد النحوي انه اكتشف وحقّق كتاب
"الردّ على النحاة" لابن مضاء القرطبيّ الذي كان نسيج وحده في
الدرس النحوي, المتمرّد بعقلانيّة "ظاهريّة" هي بنت المذهب الظاهري في
الأندلس على نظرية" العامل النحوي", هذه النظرية التي أوجعت كثيرا الدرس
النحوي بتفلسفها المتهافت وأغلالها الصلبة, كما يسجّل له انه من أوائل من كتب عن
"مدارس النحو" العربية كتابا شاملا. وأغلب الكتب التي تناولت المدارس
بعده عيال عليه, لا ينكر أفضاله على
العربية, نحوا ونقدا, إلا عاقّ, أو ساطٍ على ثمرات فكره. وبالمصادفة وقع تحت يدي,
منذ اشهر قليلة, كتاب لذيذ له كتبه عن نفسه هو الذي كتب بمحبة عن كل الناس واسمه
"معي" نشر ضمن سلسلة "اقرأ" المصرية, وهو كتاب يكاد أن ينتمي
إلى أدب الرحلة حيث يكتب انطباعاته عن المدن والناس والمجمع اللغويّ في القاهرة
الذي كان في الفترة الأخيرة على رأسه.
بصماته وكلماته التي تركها ستبقى بعده كالنقش في جداريّة التراث العربيّ.
رحمه الله ونضّر روحه وضريحه.
بلال عبد الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق