السبت، 15 مارس 2014

حكايات أحزان كرمة عنب وكرة الكريستال والرسن الخفيّ


أحزان كرمة عنب

في عالم الحكايات، كلّ شيء يحكي، كما في عالم الواقع تماماً، ولكن ليس بمقدور الإنسان مهما عظمت قدرتة وطاقاته العقليّة ان يتقن استخدام او قراءة كلّ اللغات الموجودة في عالم الطبيعة: لغات النبات، والحيوانات، والجمادات ( وكنت قد كتبت في هذه الزاوية مقالاً عن "غيرة" درَج من تمثال!). وفي التراث البشريّ المكتوب حكايات بألسنة كلّ كائنات الكون وأفلام الرسوم ىالمتحركة ليست أكثر من نقلّ حيويّ لما في الكتب أو خيالات البشر، ومن حسن حظّ الخيال البشريّ انه لا يعترف بالخطوط الحمر.

ولقد قرأت حكاية منذ فترة عن كرمة عنب، تشعر بالحزن، والحيرة، وتجول في أغصانها المعرّشة اسئلة كثيرة حارقة عن الناس الذين يأتون في كلّ موسم ويقطفون عناقيدها، دون أن تصدر من فم اي واحد منهم كلمة شكر، كما لا يخطر ببال قاطف  عناقيدها ان يطيّب خاطرها المكسور بكلمة تبلسم جراحات هذا الفقد الطارىء لعناقيدها.

وذات يوم بينما كانت مشغولة بتلك الأسئلة التي لا تنفكّ تنخر في بالها، إذ بحكيم يقعد بعد أن أضناه السير على مقربة منها، فقالت بينها وبين نفسها: إنّ الفرصة قد سنحت، فلا بدّ من أن يملك هذا الحكيم جواباً يبرّد غليل اسئلتي. فندهت له بصوت ينمّ عن احترام، وقالت: ايها الحكيم الفاضل، انت تعرف أني في كلّ عام وبعد ان تنضج عناقيدي، يأتي الناس ويأخذونها منّي، من غير أن يعترف احد لي بفضل، هل الجحود طبع بشريّ أم أني أستحقّ نكلاران الجميل من دون أن أدري؟ هل يمكنك ايها الحكيم الحليل ان تشرح لي أسباب هذا السلوك الآدميّ  عسى كلامك ينزل على مسمعيّ كبرد اليقين؟

نظر اليها الحكيم باسماً، وبعد هنيهة، قال لها: ربّما كان السبب، ايتها الكرمة الفاضلة المعطاء، هو أنّ الناس لديهم انطباع في انه ليس بمقدرورك أن تمنعي نفسك من انتاج العناقيد.

 

كرة الكريستال

تروي احدى الحكايات ان شابّا في اوّل طلعته، كان طموحا جدا، يحبّ ان يغمس يديد في لحم التجربة. كان يقول ان النظريات وحدها لا تطعم خبزاً، وان خوض الحروب بالنظّارات ليس كخوضها باللحم والدم والأعصاب. كان يعرف ان قدرات الانسان خارقة، لا حدود لها، قدرات تفوق المعتاد أليس هذا ما تقوله النظريّان حول " لدونة الدماغ"؟.فراح يتنقل من حكيم الى آخر ليأخذ خبرته بالحياة ويضيفها ّإلى خبرته التي كانت تنمو يوماً اثر يوم، وكانت معرفته- وهذا سحر العلم- كلّما زادت نقصت!

وبينما كان في أحد الايام يسير في إحدى الغابات لفت نظره مدخل مغارة، فدفعه فضوله الى ولوج عتمتها، ( من الطريف ان العتمة ضرورة أحيانا للكشف وسبر الأغوار، ودائما أتساءل لماذا يغلق المطرب أحياناً عينيه في لحظة التجلّي؟ أو لماذا يستعين الانسان بالعتمة ليغوص في ذاكرته، الإنسان لا يغلق عينيه لينام دائما، أحيانا يغلقها ليرى) وفي داخل المغارة وجد رجلا عجوز وأمامه كرة كريستال كتلك التي يستعملها الحالمون برؤية الايام الاتية رأي العين، قعد قبالة الرجل العجوز ولم يكن بينهما الاّ هذه الكرة العجيبة، تملاّها الفتى مشدوهاً، كانت تتماوج في داخلها اشكال الحياة كلّها، لكأنّها كون مصغّر يعجّ بالألوان والحركات، عالم مُنمنم بديع، نظر الى العجوز وقال له: ايها الشيخ الجليل: لقد خطفت هذه الكرة منّي الروح والبصر، ولكن لا يمتعني المشهد الاّ ّإذا رأيته من الداخل، اما من سبيل لأعيش في قلب هذه الكرة الساحرة، وألامس عن قرب ما رأته عيناي؟

نظر اليه الرجل باسماً، وقال له: يمكنك الدخول إذا احببت، سرّ الفتى بالجواب الذي أزال غصّته، فدنا من الكرة ولمسها بيده، وإذ بها تصير كالماء وتسحبه الى اعماقها البهيّة، راح الفتى يتجوّل في المشاهد، ويعيش التجارب كلّها، وكأنّ الزمن مطويّ بيده!

بعد وقت قصير بحساب الزمن البشريّ خرج من أعماق الكرة السحرة، وكان العجوز على قعدته الأولى، وحين رآه العجوز مدّ يده وتناول مطرقة وقدّمها للفتى،  أخذها منه الفتى وراح ينهال على الكرة بالطرق حتى أضحت حطاماً، ثمّ أدار ظهره ورحل ، وكان يمشي متلويّا كمن تعتعه سكر الرؤيا!

 

الحمار والرسن

كان رجل يملك خمسة حمير، يشركها في قافلة لنقل البضائع، ويعتاش من خدمات هذه الحمير. وكان في رحتله الى مقاصده يعبر اماكن شاسعة وخطرة. وذات ليل، بينما كان يريد ان يستريح، بدأ كالعادة بربط الحمير، وحين وصل الى الحمار الخامس، لاحظ ان الرسن قد سقط في الطريق، ولا بدّ من ربط الحمار، فقد يخطر ببال الحمار أن يغامر في الهواء الطلق حيث قد ينتظره حيوان مفترس، فالليل غدّار. تذكر انه يعرف في تلك الناحية حكيماً كان يستعين بآرائه حين تعترضه أزمة من الازمات، فذهب اليه ومعه حماره، وروى له حكاية الرسن، بحث الحكيم عن شيء يقوم مقام الرسن، فلم يجد. التفت الى صديقه وقال له: ماذا تفعل كلّ مساء لتربطه. ارني الحركات التي تستخدمها؟ تظاهر الرجل بأنه يأخد بالرسن، ويربطه حول عنق الحمار، ويعقد الطرف الأخر إلى حلقة ثقوم مقام الوتد.

قال له الحكيم: قم بالحركات إياها، حين تعود، تصرّف معه كما انك تربطه حقيقة، ولسوف يعتقد الحمار أنك ربطته، افعل ما فعلت امامي هذا المساء، ونم قرير العين.

نفذ المكاري ما قاله الحكيم حرفيا، ونام هانىء البال، وفي صبيحة اليوم التالي استيقظ الرجل ورأى ان حماره لا يزال حيث هو، كما لو كان انه مربوط حقيقة لا مجازاً. وهل تفهم الحمير في المجاز؟! فكّ الرجل أرسنة الحمير الاربعة، وهمّ بالسير، ولكنه انتبه الى ان الحمار الخامس لم يتزحزح من مطرحه رغم كلّ محاولات المكاريّ في تحريك الحمار، ظلّ الحمار واقفاً، والعناد من شيم الحمير! استغرب الرجل، وتساءل : أية لعنة أصابت هذا الحمار، قرّر أن يذهب الى صديقه الحكيم ليفسّر له سلوك الحمار الغريب.

قال له الحكيم: كيف تريده أن يمشي وهو لا يزال مربوطاً، إذهب وفكّ رسنه غير المرئيّ.

بلال عبد الهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق