كتبهابلال عبد الهادي ، في 24 نيسان 2011 الساعة: 15:30 م
اعلم أن من زيّ الرجال الظرفاء، وذوي
المُروّة الأدباء، الغلائلَ الرقاق، والقُمُص السِّفاق، من جيّد ضُروب مَطارف
السوسية، والكسية الفارسية، الكتّان، الناعمة النقيّة الألوان، مثل: الدَّبيقي،
والجُنّابي، والمبطَّنات التاختَجِ، والخامات، ودراريع الدَّرْجَرَد والإسكندرانيّ،
والمُلْحَم الخَزّي والخُراساني، ومُبطَّناتِ القوهيّ الرَّطب، وأُزُر الشَّرْب،
والأردية المحشّاة العَدَنيّة، وطَيالسة المُلحَم النيسابورية، والمُصمتة
الدَّبيقيّة، والجِباب النيسابورية، والمصمتة الطرازية، والوشْي السعيدية، والحزوز
الكوفية، والمطارف السوسية، والأكسية الفارسية، والطيالسة التومسية االزُّرق
السلولية، وكل ما أشبه ذلك وقاربه، ودنا منه وصاحبه.
وليس يُستحسن لُبسُ الثياب الشنعة الألوان، المصبوغة بالطيب والزعفران، مثل المُلحَم الأصفر، والدَّبيقي المعَنبَر، لأن ذلك من لُبس النساء، ولبس القَينات والإماء، وقد يلبسون في الفَصد، والعِلاجات، ووقت الشراب، والخَلَوات، الغلائل الممسَّكة، والقُمُص المُعنبرة، والأردية الملونة، والأُزُر المعصْفَرة، وربما استعملوها لفرشهم، لبسوها في وقت قصفهم، وتظرّفوا بها في مجالسهم، وتخفّفوا بها في منازلهم، والظهور فيها قبيحٌ بالسُّوقة والظرفاء، مستحسنٌ من أهل النعم وأبناء الخلفاء، وليس يُجيز أهل الظرف والأدب لُبس شيء من الثياب الدَّتسة مع غسيل، ولا غسيلاً مع جديد، ولا الكتّان مع المَروي، ولا البابياف مع القوهي أيضاً. وأحسن الزيِّ ما تَشاكل وانطبق، وتقارب واتفق.
وليس يُستحسن لُبسُ الثياب الشنعة الألوان، المصبوغة بالطيب والزعفران، مثل المُلحَم الأصفر، والدَّبيقي المعَنبَر، لأن ذلك من لُبس النساء، ولبس القَينات والإماء، وقد يلبسون في الفَصد، والعِلاجات، ووقت الشراب، والخَلَوات، الغلائل الممسَّكة، والقُمُص المُعنبرة، والأردية الملونة، والأُزُر المعصْفَرة، وربما استعملوها لفرشهم، لبسوها في وقت قصفهم، وتظرّفوا بها في مجالسهم، وتخفّفوا بها في منازلهم، والظهور فيها قبيحٌ بالسُّوقة والظرفاء، مستحسنٌ من أهل النعم وأبناء الخلفاء، وليس يُجيز أهل الظرف والأدب لُبس شيء من الثياب الدَّتسة مع غسيل، ولا غسيلاً مع جديد، ولا الكتّان مع المَروي، ولا البابياف مع القوهي أيضاً. وأحسن الزيِّ ما تَشاكل وانطبق، وتقارب واتفق.
زي الظراف في التكك
والنعال والخِفاف
ومن زيّهم لُبس النعال الزيجية،
والثِّخان الكَنْباتية، والمُشعَّرة اليمانية، والحَذْو اللطاف، والمُحتَّمة
الخِفاف، ويُشرك أسودها بأحمرَ، وأصفرها بأسودَ. ويلبسون الخِفاف الهاشمية،
والمكسورة الكُتّابية، زمن الأدَم الثخين، والأسود الرزين، بالجَوارب الخَزّ،
والمِرعِزّي والقزّ، ويعيبون لُبس الأحمر من الخِفاف، ولُبس الدارشية الخِفاف،
ويتخذون التِّكَكَ الإبريسَمية، والتِّكَك الخَزّيّة، والمطارِف القُطنية،
والمنقوشة الأرمنية.
زيهم المخصوص في الخواتيم والفصوص
التختم بالعَقيق الأحمر، والفيروزَج الأخضر، والفضّة المحرَقة، والياقوت الأسمانْجوني والبَجاذي الخراساني، والمغرانيّة الحمر، والياقوتية الصُّفر، واليَمانية السود، الحسنة القُدود المِهرانية، والمضروبة المتوكلّية، ولا يتختّمون بالذهب، وليس من زيّ ذوي الأدب، وإنما هو من لُبس النساء، ولُبْس الصبيان والإماء.
زيهم في التعطر والطيب الذي من خالفه كان غير مُصيب
ومن زيّهم في التعطّر والطيب بالمِسك
المَسحول بماء الورد المحلول، واستعمال العَود المُعَتبر بماء القَرَنفُل المخمَّر،
والنَّدّ السلطاني، والعَنبَر البَحْراني، والعبير، والذّرائر المفتوقة بالعبائر،
وسوى ذلك من الطيب لا يقرَبونه، والكافور لعلّة برده لا يستعملونه إلا من حرارة
ظاهرة، أو من غالبة، أو موضوعاً على الجَمر، مخلوطاً بعبير المِسك وزَعْفران الشعر،
وهو بهذه الصفة أطيب البخور، وليس البَرمكية وما أشبهها عليهم بمحظورٍ، وإنّ
الجيِّد من البَرمكية ومن البَخور الذكية، وإنما يكره استعمالها المتظرّفون إذ هي
مما يستعمله المتقلّلون.
وكذلك اجتنبوا ماء الخَلوق لأنه من طيب النساء، والغالية إذ هي من طيب الصبيان والإماء. ولا يستعملون شيئاً من الطيب الذَّفِر مما يبدو له لونٌ ويبقى له أثرٌ؛ وفي ذلك حديث مأثورٌ عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: طيبُ الرجال ما ظهر رائحته. ومتى استعملوا شيئاً من الغالية، أو طيبِ النساء، كانت في أصول الشعر، بحيث يُشمّ ولا يُرى له أثر.
في متظرّفات النساء..
وكذلك اجتنبوا ماء الخَلوق لأنه من طيب النساء، والغالية إذ هي من طيب الصبيان والإماء. ولا يستعملون شيئاً من الطيب الذَّفِر مما يبدو له لونٌ ويبقى له أثرٌ؛ وفي ذلك حديث مأثورٌ عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: طيبُ الرجال ما ظهر رائحته. ومتى استعملوا شيئاً من الغالية، أو طيبِ النساء، كانت في أصول الشعر، بحيث يُشمّ ولا يُرى له أثر.
في متظرّفات النساء..
في اللباس المخالف لزيّ الظرفاء
لُبس الغَلائل الدُّخانية، والأردية الرشيدية، والشُّروب المُزَنَّرة، والأردية الطبَرية، والقصب الملوّن، والحرير المعيَّن، والمقانع النيسابورية، وأُزُر المُلْحَم الخُراسانية، والجُرُبّانات المخانِقية، والكِمام المفتوحة، والسَّراويلات البيض المذيَّلة، والمعاجِرِ السود المسَنْبَلة، ولا يَلبَسن شيئاً من التِّكَك، ولا شيئاً من المَرشوش والمطيب، ولا النقيّة الألوان، ولا من الثياب الكتّان، إلا ما كان ملوّناً في نفسه، أو مصبوغاً، من جنسه، أو مُغيَّراً بلونٍ من أجناس المُمَسَّكِ، والمُصَنْدَل وأجناس المعنبَر والمسنْبل، ليحول بالطيب عن تلك الحال، إذ لُبس البياض عندهم من زيّ الرجال، ولا يلبسن أيضاً من الثياب الأصفر والأسود والأخضر والمورَّد والأحمر، إلا ما كان الصُّفرة، والتزْريقَ، والخُضرة، والتوريد، والحمرة مثل اللاذِ، والحرير، والقزّ، والديباج، والوَشْي، والخَزّ، لأن لُبس المورَّد والأحمر والسَّنيري الأخضر، إنما هو من لُبس النساء النَّبطيّات، ولُبس الإماء المتَقيِّنات. والبياض عندهم من لُبس المهجوات، والأزرق والحداد من لُبس الأرامل والمقرَّعات. وأحسنُ الذي عندهم ما ذكرناه، وليس يتجاوز حدّ ما رسمناه.
زيهن المخالف لزي الرجال في لبس التِّكك والخِفاف والنعال
لُبس النعال الكَنْباتية المُشعَّرة، والمدهونة المخضَّرة، والخِفاف الزَّنانية، والمكسورة، والرهاوية، والتِّكك الإبريسَمية، والرجال يَشركونهن في التّكك الإبريسَمية، ولا يَشركن الرجال في التِّكَك الديباج المنسوجة، وشَرّابات الإبريسَم المفتولة، والزنانير العِراض، ولا يَذهبن في ألوانها إلى البياض، ولا ما كان كمها كثيرَ الألوان والتخطيط، ويتطيّرن من الألوان، وقد يلبسن أيضاً التِّكك الخزّيّة والمُطْرفة القُطنية.
ومن زيّهن أيضاً في الطيب الذي ليس
للرجال فيه نصيب استعمال اللَّخالِخ والصّندل، والصَّيّاح والقَرَنفُل، والساهرية
والأدقال، والمَعجونات، والزعفران، والخَلوق، وماء الخَلوق، والكافور، وماء
الكافور، والمُثَلَّثة الخَزاشنيّة، والبرمكية السلطانية، وسائر صنوف الأدهان من
البنفسج، والزنبق، والبان، إلا أنهن اجتنبن استعمال التُّرْشُتام. والرجال لا
يستعملون شيئاً من ذلك، والنساء يستعملن جميع طيب الظُّرفاء، والظرفاء لا يستعملون
شيئاً من طيب النساء.
ومن زيّهن المعلوم في لُبس الحَلْي
المنظوم لُبس مخانق القَرَنفل المخمَّر، ومراسل الكافور والعنبر، والقلائد
المفصَّلة، والمعاذات المُخرَّمة بشرّابات الذهب المشبَّكة، والإبريسَمية
المسلسَلة، واتخاذ السَّبَح اللِّطاف من المخروطة الخِفاف، ومثل السَّبَج الحَلِك،
والكَوهَر، والكَرك، والبُلُّور النقيُّ، وحَبُّ اللؤلؤ السَّريّ، والحبُّ الأحمر،
والكارَبا الأصفرُ، وسائر صنوف الياقوت والجَوهر، وينظمن بالحبّ وصُنوف الجَوهر
كرازنَهن، وينقُشن بالإبريسَم والذهب عَصائبهنّ، ويتخذن الخَواتيم المقرَّنة
والمناقير المُطبَقة بفُصوص الياقوت الأحمر، والزُّمُرُّد الأخضر، والأسمانجونيّ،
والأصفر، ولا يَحسُن بهن التختُّم بالمِينا والعَقيق والفضّة والحديد، والملوَّح
والفِيروزَج، والبجاذيّ، والمَسانيح، وذلك من لُبس الرجال والإماء، وليس من لُبس
متظرّفات النساء، ولا يتّخذن منها ما ضاق وعَسُر ما جَفا وكبُر، وقد تطيّر بعضُ
الظرفاء من هديّة الخاتَم، وزعموا أنه يدعو إلى القَطيعة، وتهاداه آخرون، وأقاموه
مَقام التذكِرة والوديعة؛ فأما الذين تطيّ؟روا منه فيُنشدون:
وما كان هذا الهجر من طول بغضةٍ، … ولكن بعض المَزح للمَرء قاتلُ
مَزَحتُ، لحَيني، مرّةً بخواتِمٍ، … لآخذةٍ، حلّت عليّ النَوازلُ
فصدّت، ولم تعلم عليّ خِيانةً، … وطول صُدود الخلِّ للعقل ساملُ
وينشدون أيضاً:
إني مَزَحْتُ، ولم أعلم بخاتَمه، … فكان منه ابتداءُ الهَجر والغَضَبِ
قد كنتُ ما قال أهلُ الظّرف أُنكره … وكان قولُهُم عندي من اللعِبِ
إن الخَواتيمَ فيها قطعُ مَصلكُمُ، … فقلتُ: هذا لعَمْري غايةُ الكَذِبِ
حتى ابتُليتُ، فكان الحقّ قولهُمُ، … أخذُ الخَواتيمِ فيه أكثرُ العَطَبِ
وأنشدني صديقٌ لي في ضدّ ذلك:
يقول أناسٌ في الخواتيم إنها … تُقطِّع أسبابَ الهوى؟ وأقولُ
بأنّ خَواتيم المِلاح وَصولةٌ، … وخاتَمُ من تَهوى المِلاحُ وَصولُ
والعِلّة فيما كَرِهَه الظرفاء، وتطيّر منه الأدباء، من هديّة التِّكّة والخاتَمِ، حتى صار مستفيضاً في العالم أن هذين وحدهما من جميع اللباس إنْ يُستطرَفا فيُستلبا، ويُستحسنا فيُستَوهَبا، وأن الواحدَ إذا أهدى إلى خليله، وأرسل إلى حبيبه بخاتَمه، أو تِكّته، ففُقد ذلك من يده أو حَوزته، بعثه باعث من غَيرته على قَطيعته وهجرته، فأما من يَتَلقّى هدية إخائه بالقَبول، ويُنزلها منه بالمنزل الجليل، ويحفظّها كحفظه لبصره، ويُشفق عليها من الدهر وغيره، فهو آمنٌ من المُجانبة، مستريحٌ من المعاتبة، وقد رأيناهم ربما أهدّوا ذلك فيُهدونه على سبيل البيع، ويأخذون منهم الشيء الطفيف اليَسير، كالدرهم الصغير، والقِطعة من البَخور، فيُخرَجُ بهذا البيع عن حدّ الهديّة، ويأمنون ما فيه من مكْروه البليّة. وقد بلغني أن أبا نُواس دخل على خالد خَيْلَوَيه، فنظر في إصبعه إلى خاتَم، فقال: أرنيه، فدفعه إليه، وكان علامةً بينه وبين جاريةٍ يُحبّها، فانصرف، فاستعمل واحداً على مِثاله، ثم بعث به إليها، فأنكرتِ الفَصَّ، فبعثت به إليه، ولن تأته، فدخل على حِياله، فلما رآه مَثلَ بين يديه، وأنشأ يقول:
تفديك روحي، يا أبا جعفر، … جاريةٌ كالقمر الأزهرِ
تعلّقَتْني، وتعلّقتُها، … طِفلين في المَهدِ إلى المَكْبَرِ
كنتُ إليها نتهادى الهوى … بخاتَمٍ لي غير مُستنكَرِ
فأنكرَتْهُ إذ رأت فَصَّهُ، … فأدركتها غَيْرةُ المُنكِرِ
قالت: لقد كان له خاتَمٌ … أحمرُ أهداه إلينا سَري
فاليوم قد عُلّقَ غيري، فقد … أهدى له الخاتَمَ، لا أمتري
آمنتُ بالله وآياته … إنْ أنا لم أهجُرْهُ، فليَصْبِرِ
أو يأتِ بالحُجّة في تُهمتي … إياه في خاتَمه الأحمر
فاردُدْهُ تردُدْ وصلَها، إنها … قُرّةُ عيني، يا أبا جعفرِ
فأخرجه من إصبعه فدفعه إليه. فهذا
دليل على إجازة تَهادي الخواتيم، وحفظها لأربابها، وشدة الغضَب والغَيرة عند
ذهابها.
فأما الطعام فعيوبه أشدّ الأشياء على الظُّرفاء ضَرراً، وهم من عيوبه أشدّ توقّياً وحذراً، لتكاثُف عيوبه، وكثرة مَعيبه، وأنا أبيّن لك زِيَّهم في ذلك، وما استحسنوه في ذلك واستعملوه، وما استقبحوه فاجتنبوه، إن شاء الله.
فأما الطعام فعيوبه أشدّ الأشياء على الظُّرفاء ضَرراً، وهم من عيوبه أشدّ توقّياً وحذراً، لتكاثُف عيوبه، وكثرة مَعيبه، وأنا أبيّن لك زِيَّهم في ذلك، وما استحسنوه في ذلك واستعملوه، وما استقبحوه فاجتنبوه، إن شاء الله.
ذكر زي الظرفاء في الطعام الذي بانوا به عن منزلة اللّئام
اعلم أن أول ما استعملوه تصغير اللُّقَم، والتجالُل عن الشَّرَه والنهم، وأكل أوساط الرِّقاق، والبَزْماورد الدِّقاق، وليس يأكلون العَصَبة والعضلة، ولا العِرق والكُلوة، ولا الكَرِش والقِبّة، ولا الطِّحال والرئة، ولا يأكلون القَديد؛ ولا يأكلون الثريد، ولا ما في القِدر من الورق، ولا يتحسّون المرَق، ولا يتّبعون مواضع الدسم، ولا يملأون أيديهم بالزَّهَم، ولا يُجلّلون الملح، وهو عندهم من أكبر القُبح، ولا يُكوكِبون في الخلّ، ولا يُمنعون في أكل البَقل، ولا يأكلون الطَّلع لشبه رائحته برائحة الماء الدافق، ولا يُمشِّشون من العظام كراديس قصَب الساق الغليظ، وإنما مُشاشهم ما لانَ وصَغُر، لا ما غلُظ وكبُر؛ ويأخذون ما ثقُل من المُشاش على ظهر الأصابع، ويطرحونه ناحيةً من الخِوان، ولا يُزَهِّمون ما بين أيديهم من الرُّغفان، ولا يتعدّون مواضعهم، ولا يَلطعون أصابعهم، ولا يملأون باللُّقَم أفواههم، ولا يُدسّمون بكُبرها شفاههم، ولا يُقطِّرون على أكفّهم، ولا يعجلون في مضغهم، ولا يأكلون بجانبي الشِّدقين، ولا يُزاوجون بين الاثنين، ولا يُجاوزون ما بين أيديهم شيئاً من الفُتات، ولا يأكلون قِدراً بائنةً، ولا قِدراً مسخّنةً، ولا يغمسون في مرقةٍ، ولا يضعون لُقمةً، ولا يأكلون شيئاً من الكُوريج والصِّحناة، ولا الرُّبَيثاء والسُّميكات، ولا شيئاً من الكَواميخ والمالح، وأكل ذلك عندهم من الفضائح.
إلا أن القَينات المُتظرِّفات،
والنساء القَصريّات، ربما تظرّفن بأكل المالح والمملوح في منازل متعشّقيهن، وبيوت
مرابطيهن، فيذهبن به مذهب طَرْح المؤونات، وخفّة النفقات. ولا يأكلون الجراد
والإرْبيان، لعلة شبههما بالأشياء القبيحة من الحيوان، ولا يأكلون الحبوب التي
تهيّج الأرياح وتُولِّد القَرْقَرة والانتفاخ؛ ولا يأكلون في النهار أكثر من أكلةٍ،
ويُكثرون القيام في مجالسهم، ولا يُكثرون من الضحك والكلام عند حضور المائدة
والطعام، ولا يتخلّلون على المائدة قبل أن تَفرُغ، ولا يتحفّزون لمجيئها قبل أن
تُوضع، وإذا غسلوا أيديهم لم يطلبوا الغسل قبل طلب إيتائها من الوسخ والكَدر، ولم
يقصدوا التقصير الذي يبقى منه رائحة الغَمَر، وكذلك أيضاً إذا تَمَندلوا فعلوا
كفعلهم إذا غسلوا.
فأما النُّفلُ فإنهم يُحضِرونه
موائدهم، ويُطعِمونه ولائدهم، ولا يُكثرون من أكله، ولا يأتون على كُلّه، وإنما
يعبثون منه بالشيء اليسير من النعنع، ويجتنبون من ذلك الهِندَبا والأُكشوث لبردهما،
والفُجل والحُرف لنتهما، والكُرّاث والبصل لرائحتهما، والقَدّاح والحَنْدَقوقا
لخشنهما، ولأنهما أيضاً يُخضّران الأسنان والعُمور، ويُحدِثان الرائحة والتغيير،
ولم يقع الثوم في قِدرٍ فيذوقونه، ولا البصل فيقرَبونه، ولا يلفظون باسم الطَّرخون
لابتداء اسمه، وشناعة لفظه، فيَككنون عنه، فيُضيفونه إلى النعنع، وقد سماه آخرون
كافور الفؤاد، وكلّ يقصد إلى معناه.
والخسّ لا يقربونه لموضع تفقئته، والخيار لا يأكلونه لعلّة برده، والجُزر يتجلَلون عن مسّه، ولا يَرَون النظر إليه دون أكله؛ وكذلك القثّاء، والهِلْيَون؛ ولموضع النوى أيضاً رغبوا عن أكل الزيتون، ورغبوا عن أكل ما خالطه النوى من فاكهة الصيف والشتاء مثل القَسْبِ والبُسر والمُشقَّق أيضاً والتمر؛ وكذلك سائر الأرطاب والمِشمِش، والنَّبْق والعُنّاب؛ وكذلك في الخوخ، والشّاهلوج، والإجّاص، وهو عندهم من أكل العَوامّ، لا من أكل الخواصّ، ولا يَنفُقُ عندهم الرُّمّان والتين، وهذان عندهم والبطّيخ من التجين؛ خاصة إذا انشقّت الرّمّانة، وتصدّعت البطيخة، وإذا انكسرت جَوزةٌ ولوزةٌ، وتينة، وموزةٌ، ولا يدفع بعضهم إلى بعض وردةً واحدة، ولا نَبقةً واحدةً، ولا لوزة واحدة، للتسفيل، ولِما يقع فيه من التمثيل.
والخسّ لا يقربونه لموضع تفقئته، والخيار لا يأكلونه لعلّة برده، والجُزر يتجلَلون عن مسّه، ولا يَرَون النظر إليه دون أكله؛ وكذلك القثّاء، والهِلْيَون؛ ولموضع النوى أيضاً رغبوا عن أكل الزيتون، ورغبوا عن أكل ما خالطه النوى من فاكهة الصيف والشتاء مثل القَسْبِ والبُسر والمُشقَّق أيضاً والتمر؛ وكذلك سائر الأرطاب والمِشمِش، والنَّبْق والعُنّاب؛ وكذلك في الخوخ، والشّاهلوج، والإجّاص، وهو عندهم من أكل العَوامّ، لا من أكل الخواصّ، ولا يَنفُقُ عندهم الرُّمّان والتين، وهذان عندهم والبطّيخ من التجين؛ خاصة إذا انشقّت الرّمّانة، وتصدّعت البطيخة، وإذا انكسرت جَوزةٌ ولوزةٌ، وتينة، وموزةٌ، ولا يدفع بعضهم إلى بعض وردةً واحدة، ولا نَبقةً واحدةً، ولا لوزة واحدة، للتسفيل، ولِما يقع فيه من التمثيل.
ولا تقول متظرّفة لأخرى هذه وردتكِ،
ولوزتكِ، ونبقتُكِ، وجوزتك، ورمانتك، وتينتك، وذلك عندهم أجلّ العيوب، تشمئزّ منه
القلوب، ويَجتنبونه أشدّ الاجتناب، ويكتئبون له أمرَّ اكتئابٍ.
وكذلك لا تقول واحدةٌ لأخرى: ارفعي رجلكِ، ولا ذيلك، ولا اقعُدي عليه، ولا أدخليه وأخرجيه، ولا أصعديه، ولا صُبيّه، ولا انفُخيه، ولا سيّبي، ولا سرّحي، ولا شيلي، ولا انتحي، ولا اعملي، ولا قد عملتِ، ويَجتنبون ذلك وما أشبهه من الكلام، مما كثُر استعماله في خِطاب العوامّ، ولا يَكادون يلفظون به، ولا يُطيف بألسنتهم، ولا يُجيزونه في شيء من مُخاطبتهم، ويَحذرونه، ويتوقّون منه، ويَعيبون المتكلّم به، ويُعرضون عنه.
وكذلك لا تقول واحدةٌ لأخرى: ارفعي رجلكِ، ولا ذيلك، ولا اقعُدي عليه، ولا أدخليه وأخرجيه، ولا أصعديه، ولا صُبيّه، ولا انفُخيه، ولا سيّبي، ولا سرّحي، ولا شيلي، ولا انتحي، ولا اعملي، ولا قد عملتِ، ويَجتنبون ذلك وما أشبهه من الكلام، مما كثُر استعماله في خِطاب العوامّ، ولا يَكادون يلفظون به، ولا يُطيف بألسنتهم، ولا يُجيزونه في شيء من مُخاطبتهم، ويَحذرونه، ويتوقّون منه، ويَعيبون المتكلّم به، ويُعرضون عنه.
ذكر زيهم في الشراب الذي يتخيّره ذوو الألباب
أما ما عليه الظرفاء، وأهل المروّة والأدباء، فإنهم لا يشربون من الشراب أسوده، ولا يشربون إلا أجوده، مثل المشمّس، والزّبيبي، والمعسَّل، والمطبوخ، والطلاء، والمعدَّل، ولا يقربون ما لاءمه الخثَرُ، ولا ما خالطه الكَدَر؛ ولا يشربون إلا ما صفا من الشراب، ويتجاللون عن المسحوري الدوشاب، إذ هو من شراب العامّة والرَّعاع، وشُرب السوقة والأتباع؛ ولا يتنقّلون على شرابهم بالأشياء الزَّذْلة مثل الباقلي والبلّوط، والبُسر المقلوّ، والقَريثاء، والحنطة، والغُبيراء، والشاهْبَلوط، والخُرنوب الشامي، وما أشبه من الأنفال.
وأكثر ما يتنقّل به المتظرّفون،
ويعبث به المُتزيّكون، مملوح البُندق، ومقشَّر الفستق، والملح النِّفطي، والعود
الهندي، والطين الخراساني، والملح الصَّنعاني، والسَّفرجل البلخي، والتفّاح الشامي،
ويتّخذون من كل شيء من الآنية أسراه، ومن الزجاج أجوده وأنقاه.
وأما ما اجتنبوه من الهدايا، وتخوّفوا من هديته البَلايا، فأشياء يكثُرُ بها العَدد، ويطول بها الأمد؛ وأنا أذكر من يسيرها ما يُستدلّ به على كثيرها.
وأما ما اجتنبوه من الهدايا، وتخوّفوا من هديته البَلايا، فأشياء يكثُرُ بها العَدد، ويطول بها الأمد؛ وأنا أذكر من يسيرها ما يُستدلّ به على كثيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق