كتبهابلال عبد الهادي ، في 3 أيار 2012 الساعة: 15:14 م
ذكر التفاح وما كره الأدباء من أكله
اعلم أن التفاح عن ذوي الظرف والعشّاق، وذوي الاشتياق، لا يعدله شيء من الثمر، ولا النور والزَّهر. كيف وبه تهدأ أشجانهم، وبوروده تسكن أحزانهم، وعنده يضعون أسرارهم، وإليه يبدون أخبارهم، إذ كان عندهم بمنزلة الحبيب والأنيس، وبموضع الصاحب والجليس، وليس في هداياهم ما يُعادله، ولا في ألطافهم ما يُشاكله، لغلبة شَبَهه بالخدود المورَّدة، والوجنات المُضرَّجة، وهو عندهم رهينة أحبابهم، وتذكُّر أصحابهم، إلى وردته يتطرّبون، وبرؤيته يستبشرون، ولهم عند نظرهم إليه أنينٌ، وعند استنشاق رائحته حنين، حتى إن أحدهم، إذا غلب عليه القلق، وأزعجه الأرق، لم يكن له مُعوَّلٌ إلا عليه، ولا مُشتكىً إلا إليه. وأندشني بعض أهل الأدب:لمّا نأى عن مجلسي وجهه، | ودارتِ الكأسُ بمجراهـا | |
صيّرتُهُ تفـاحةً بـينـنـا، | إذا ذكرناه شممـنـاهـا | |
واهاً لها تفاحةً أشبـهَـت | خديه في بهجتهـا، واهـا |
تفاحةٌ جاءت، وقد عُلّـقـتْ، | ورُكّبَـت بـالـورد والآس | |
أشرب من كأسي على ريحها، | بالرغم من أهلي وجُلاّسـي |
تفاحةٌ أُهديت، ظَرفاً، معضَّـضةً، | وقد جرى ماءٌ ثغري في ضواحيها | |
بيضاء في حمرةٍ عُلّت بـغـالـيةٍ، | كأنما جُنِيَت من خـدّ مُـهـديهـا | |
قد أتحفتني بها في النـوم جـاريةٌ، | رُوحي من السوء والأسقام تفديهـا | |
لو كنتُ ميتاً، ونادتني بنغمـتـهـا | لخِلتُ للصوت من لَحْدي ألبّـيهـا |
حيّاه من يهوى بتفـاحةٍ، | قد عضّ أعلاها بأسنانه | |
جاد، ولم يبخل بها، بعدما | عذّبه دهراً بهِجـرانـه |
تفاحةٌ تأكـل تـفـاحةً، | يا ليتني كنتُ الذي يوكَلُ | |
فألثم الثغر لكي أشتفـي | بعلّة الأكل ولا أُوكَـلُ |
تفاحةٌ من عند تفـاحةٍ | قريبةُ العهد بكفّـيهـا | |
أحبِب بها تفاحةً أشبهَتْ | حمرتها حُمرة خدّيها |
تفاحةٌ حمراءُ منـقـوشةٌ | ركّبتها في خُضرة الآسِ | |
فلم تزل في كفّ ندماننـا | تدور من كأسٍ إلى كأسِ |
تفاحة مـن عـنـد تـفـاحةٍ | ضمّخها المهدي لها بالعبـيرْ | |
يا مُهديَ الحسرة يا قاتـلـي | أهديتَ لي والله قَصمَ الظهورْ | |
قد كنتُ في بحرين من حبّكـم | فصرتُ مذ أُهديتها في بُحورْ |
فلو أني اشتكيتُ لأجل حُزني | وما ألقاه في دار الخُـلـودِ | |
وكان طعامنا فيهـا جَـنـيّاً | من التفاح والورد النضـيدِ | |
لقلتُ دعوا لها حِصَصي فإني | أشبّهها بـألـوان الـخـدودِ |
حيّاه مَن يهوى بتـفـاحةٍ | قد جُنيَت باللحظ من خدّهِ | |
معضوضةٍ باللحظ محفوفةٍ | بعسكر الآجال من صـدّهِ | |
لو شمّها الخلْق لماتوا معاً | لعُسر ما يلقاه من جُهـدهِ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق