كتبهابلال عبد الهادي ، في 24 نيسان 2011 الساعة: 08:39 ص
روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم،
أنه قال: لا يصلح الكذب في جد، ولا هزل.
وقال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: إذا كذب العبد تباعد الملك منه ميلاً لنتن ما جاء منه. وقال: لسان الصدق خير للمرء من المال يأكله ويورثه.
وقال المهلب بن أبي صفرة: ما السيف الصارم في يد الرجل الشجاع بأعز له من الصدق. وكان يقال: الصدق قوة، والكذب عجز. أنشدني بعض الأدباء:
لا يكذب المرء إلا من مهانته، … أو عادة السوء أو من قلة الأدب
لجيفة الكلب عندي خير رائحة … من كذبة المرء في جد وفي لعب
وكان يقال: لا رأي لكذوب ولا مروة لكذاب. ويقال: لا تستعن بكذاب، فإنه يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب. وأنشدني آخر:
وكن صادقاً في كل شيء تقوله، … ولا تك كذاباً، فتدعى منافقا
وقال آخر:
الكذب عار، وخير القول أصدقه، … والحق ما مسه من باطل زهقاً
وأنشدني غيره:
الصدق منجاة لمن هو صادق، … وترى الكذوب بما يقول يوبخ
وقال أبو العتاهية:
كن في أمورك ساكناً، … فالمرء يدرك في سكونه
واعمد إلى صدق الحدي … ث، فإنه أزكى فنونه
رب امرئ متيقن … غلب الشقاء على يقينه
وحدثني بعض شيوخ الكتاب قال: حدثني علي بن هشام قال: قال لي محمد بن الجهم ذات يوم: يا أبا الحسن، الكذاب والموات بمنزلة واحدة. قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن علامة الحي النطق، ومن لم يوثق بنطقه، فقد بطلت حياته.
والذي جاء في ذلك يطول شرحه، ويكثر وصفه، والكلام فيه يتسع، وأنا أفرد لهذا الباب كتاباً، وأرصفه أبواباً أبين فيه فضل الصدق على الكذب، ليرغب فيه ذوو المروة والأدب، إن شاء الله تعالى.
وأما ما جاء في إنجاز العدات عن ذوي الأخطار والمروات، فكثير يكثر عدده ويطول أمده. وقد شرحت لك بعض ذلك لتقف عليه، إن شاء الله تعالى.
ما جاء في قبح خلف المواعيد
وما يلحق صاحبّه من اللّوم والتفنيد
اعلم أن أقبح ما استعمله أهل الأدب مطل العدات. وقال المثنى ابن خارجة: لأن أموت عطشاً أحب إلي من أن أخلف موعداً. وروينا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ثلاث علامات في المنافق، وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف. وروي عنه أنه قال: عدة المؤمن أخذ بالكف.وقال بعض الأعراب: وعد الكريم تعجيل، ووعد اللئيم مطلٌ وتسويف. وكان يقال: اليأس إحدى الراحتين. وأنشدني يعقوب بن يزيد التمار:
متى ما أقل يوماً لطالب حاجة: … نعم، يا فتى، أفعل، وذلك من شكلي
وإن قلت: لا، بينتها من مكانها، … ولم أوذه فيها بجر، ولا مطل
وأنشدني آخر:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه … فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل: لا استراح وأرح بها … لكي لا يقول الناس إنك كاذب
وأنشدني آخر:
لا تقولن، إذا ما لم ترد … أن يتم الوعد في شيء نعم
وقال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: إذا كذب العبد تباعد الملك منه ميلاً لنتن ما جاء منه. وقال: لسان الصدق خير للمرء من المال يأكله ويورثه.
وقال المهلب بن أبي صفرة: ما السيف الصارم في يد الرجل الشجاع بأعز له من الصدق. وكان يقال: الصدق قوة، والكذب عجز. أنشدني بعض الأدباء:
لا يكذب المرء إلا من مهانته، … أو عادة السوء أو من قلة الأدب
لجيفة الكلب عندي خير رائحة … من كذبة المرء في جد وفي لعب
وكان يقال: لا رأي لكذوب ولا مروة لكذاب. ويقال: لا تستعن بكذاب، فإنه يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب. وأنشدني آخر:
وكن صادقاً في كل شيء تقوله، … ولا تك كذاباً، فتدعى منافقا
وقال آخر:
الكذب عار، وخير القول أصدقه، … والحق ما مسه من باطل زهقاً
وأنشدني غيره:
الصدق منجاة لمن هو صادق، … وترى الكذوب بما يقول يوبخ
وقال أبو العتاهية:
كن في أمورك ساكناً، … فالمرء يدرك في سكونه
واعمد إلى صدق الحدي … ث، فإنه أزكى فنونه
رب امرئ متيقن … غلب الشقاء على يقينه
وحدثني بعض شيوخ الكتاب قال: حدثني علي بن هشام قال: قال لي محمد بن الجهم ذات يوم: يا أبا الحسن، الكذاب والموات بمنزلة واحدة. قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن علامة الحي النطق، ومن لم يوثق بنطقه، فقد بطلت حياته.
والذي جاء في ذلك يطول شرحه، ويكثر وصفه، والكلام فيه يتسع، وأنا أفرد لهذا الباب كتاباً، وأرصفه أبواباً أبين فيه فضل الصدق على الكذب، ليرغب فيه ذوو المروة والأدب، إن شاء الله تعالى.
وأما ما جاء في إنجاز العدات عن ذوي الأخطار والمروات، فكثير يكثر عدده ويطول أمده. وقد شرحت لك بعض ذلك لتقف عليه، إن شاء الله تعالى.
ما جاء في قبح خلف المواعيد
وما يلحق صاحبّه من اللّوم والتفنيد
اعلم أن أقبح ما استعمله أهل الأدب مطل العدات. وقال المثنى ابن خارجة: لأن أموت عطشاً أحب إلي من أن أخلف موعداً. وروينا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ثلاث علامات في المنافق، وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف. وروي عنه أنه قال: عدة المؤمن أخذ بالكف.وقال بعض الأعراب: وعد الكريم تعجيل، ووعد اللئيم مطلٌ وتسويف. وكان يقال: اليأس إحدى الراحتين. وأنشدني يعقوب بن يزيد التمار:
متى ما أقل يوماً لطالب حاجة: … نعم، يا فتى، أفعل، وذلك من شكلي
وإن قلت: لا، بينتها من مكانها، … ولم أوذه فيها بجر، ولا مطل
وأنشدني آخر:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه … فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل: لا استراح وأرح بها … لكي لا يقول الناس إنك كاذب
وأنشدني آخر:
لا تقولن، إذا ما لم ترد … أن يتم الوعد في شيء نعم
وإذا قلت: نعم، فامض بها … بنجاح
الوعد إن الخلف ذم
وأنشدني إبراهيم بن محمد النحوي:
أنت الفتى كل الفتى، … لو كنت تفعل ما تقول
لا خير في كذب الجوا … د وحبذا صدق البخيل
وكان يقال: اعتذار من منع أجمل من وعد ممطول. وقال علي بن هشام: أمرني المأمون بحاجة، فأخرتها، فكتب إلي:
تعجيل جود المرء أكرومة، … تنشر عنه أحسن الذكر
والحر لا يمطل معروفه، … ولا يليق المطل بالحر
وكان يقال: المعروف يحتاج إلى ثلاث: تعجيله وكتمانه وإتمامه. وأنشدنا ليزيد بن جبل:
يا صانع المعروف كن تاركاً … ترداد ذي الحاجة في حاجته
فشرُّ معروفك ممطوله، … وخيره ما كان من ساعته
لكل شيء يُرتجى آفة، … وحسبك المعروف من آفته
وقال آخر:
صل من أردت وصاله، وإخاءه، … إن الأخوة خيرها موصولها
وإذا ضمنت لصاحب لك حاجة، … فاعلم بأن تمامها تعجيلها
وقال آخر:
لا تنشرن مواعيداً، وتسندها … إلى المطال، فما يرضى به الأدب
لا تطلبن بمنع المال محمدة … إن المحامد بالأموال تكتسب
وكان يقال: لكل شيء آفة، وآفة المعروف المطل. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: لكل شيء رأس ورأس المعروف تعجيله.
وفي وصية عبد الملك بن مروان لبنيه: يا بني، لا تعدوا الناس بما لا تناله أيديكم. ويقال: إذا وعدت الرجل نائلاً ثم مطلته به، فقد أوفاك ثمن معروفك عنده. وأنشدونا لدعبل بن علي الخزاعي:
إياك والمطل أن تفارقه، … فإنه آفة لكل يد
إذا مطلت امرأً بحاجته، … فامض على مطله ولا تجد
فلست تلقاه شاكراً ليدٍ، … قد كدها المطل، آخر الأبد
وللفقيمي أيضاً في مثله:
ما كلف الله نفساً فوق طاقتها، … ولا تجود يد إلا بما تجد
فلا تعد عدة إلا وفيت بها، … ولا تكونن مخلافاً لما تعد
ولدعبل أيضاً في مثله:
وأرى النوال يزينه تعجيله، … والمطل آفة نائل الوهاب
وكان يقال: بذل جاه السائل ثمن معروف المساءل. وقال أكثم بن صيفي: السؤال وإن قل ثمن لكل معروف وإن جل.
أنشدني محمد بن إبراهيم الهمداني لعلي بن ثابت الكاتب:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله … بذلاً، ولو نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته، … رجح السؤال، وخف كل نوال
وقال بعض الحكماء: أحي معروفك بإماتة ذكره، وعظمه بتصغيرك له. أنشدني أبو العباس ثعلب لأبي يعقوب الخريمي:
زاد معروفك عندي عظماً، … أنه عندك مستور حقير
وتناساه كأن لم تأته، … وهو عند الناس مشهور كبير
وقال عدي بن حاتم: لا يصلح المعروف إلا بثلاث: تعجيله، وكتمانه، وتصغيره، لأنك إذا عجلته هنَّيته، وإذا كتمته استهنته، وإذا صغرته عظمته.
وشرح كل ما جاء في ذلك يطول والاختصار أحسن من الإكثار، وقد ذكرت معنى هذا الباب مع ما يلائمه من الأخبار في كتاب لطيف التأليف والاختصار، هو كتاب البث والحث، غنينا بما فيه عن الزيادة، وعن التطويل والإعادة، ونحن نتتبع هذا الباب بما ضمنّاه من الحث على كتمان السر ليرغب فيه ذوو الأدب والقدرة، إن شاء الله تعالى.
الحث على كتمان السر
والترغيب في حفظ ما حنّت عليه ضلوع الصدّر
روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: استعينوا على حوائجكم بكتمان السرّ.
وكان يقال: سرّك من دمك، فانظر أين تجعله.
وكان يقال: ما كتمته من عدوك، فلا تطلع عليه صديقك.
وقال المهلب بن أبي صفرة: من ضاق قلبه اتسع لسانه. وأنشدني أحمد ابن يحيى لقيس بن الحُدادية الخزاعي:
بكت من حديث نمّه، وأشاعه، … ولفقه واش من القوم واضع
بكت عين من أبكاك لا يشجك البكا … ولا تتخالجك الأمور النوازع
ولا تسمعي سرّي وسرّك ثالثاً، … ألا كل سر جاوز اثنين ضائع
وأنشدني لبعض الطالبيين:
وأنشدني إبراهيم بن محمد النحوي:
أنت الفتى كل الفتى، … لو كنت تفعل ما تقول
لا خير في كذب الجوا … د وحبذا صدق البخيل
وكان يقال: اعتذار من منع أجمل من وعد ممطول. وقال علي بن هشام: أمرني المأمون بحاجة، فأخرتها، فكتب إلي:
تعجيل جود المرء أكرومة، … تنشر عنه أحسن الذكر
والحر لا يمطل معروفه، … ولا يليق المطل بالحر
وكان يقال: المعروف يحتاج إلى ثلاث: تعجيله وكتمانه وإتمامه. وأنشدنا ليزيد بن جبل:
يا صانع المعروف كن تاركاً … ترداد ذي الحاجة في حاجته
فشرُّ معروفك ممطوله، … وخيره ما كان من ساعته
لكل شيء يُرتجى آفة، … وحسبك المعروف من آفته
وقال آخر:
صل من أردت وصاله، وإخاءه، … إن الأخوة خيرها موصولها
وإذا ضمنت لصاحب لك حاجة، … فاعلم بأن تمامها تعجيلها
وقال آخر:
لا تنشرن مواعيداً، وتسندها … إلى المطال، فما يرضى به الأدب
لا تطلبن بمنع المال محمدة … إن المحامد بالأموال تكتسب
وكان يقال: لكل شيء آفة، وآفة المعروف المطل. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: لكل شيء رأس ورأس المعروف تعجيله.
وفي وصية عبد الملك بن مروان لبنيه: يا بني، لا تعدوا الناس بما لا تناله أيديكم. ويقال: إذا وعدت الرجل نائلاً ثم مطلته به، فقد أوفاك ثمن معروفك عنده. وأنشدونا لدعبل بن علي الخزاعي:
إياك والمطل أن تفارقه، … فإنه آفة لكل يد
إذا مطلت امرأً بحاجته، … فامض على مطله ولا تجد
فلست تلقاه شاكراً ليدٍ، … قد كدها المطل، آخر الأبد
وللفقيمي أيضاً في مثله:
ما كلف الله نفساً فوق طاقتها، … ولا تجود يد إلا بما تجد
فلا تعد عدة إلا وفيت بها، … ولا تكونن مخلافاً لما تعد
ولدعبل أيضاً في مثله:
وأرى النوال يزينه تعجيله، … والمطل آفة نائل الوهاب
وكان يقال: بذل جاه السائل ثمن معروف المساءل. وقال أكثم بن صيفي: السؤال وإن قل ثمن لكل معروف وإن جل.
أنشدني محمد بن إبراهيم الهمداني لعلي بن ثابت الكاتب:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله … بذلاً، ولو نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته، … رجح السؤال، وخف كل نوال
وقال بعض الحكماء: أحي معروفك بإماتة ذكره، وعظمه بتصغيرك له. أنشدني أبو العباس ثعلب لأبي يعقوب الخريمي:
زاد معروفك عندي عظماً، … أنه عندك مستور حقير
وتناساه كأن لم تأته، … وهو عند الناس مشهور كبير
وقال عدي بن حاتم: لا يصلح المعروف إلا بثلاث: تعجيله، وكتمانه، وتصغيره، لأنك إذا عجلته هنَّيته، وإذا كتمته استهنته، وإذا صغرته عظمته.
وشرح كل ما جاء في ذلك يطول والاختصار أحسن من الإكثار، وقد ذكرت معنى هذا الباب مع ما يلائمه من الأخبار في كتاب لطيف التأليف والاختصار، هو كتاب البث والحث، غنينا بما فيه عن الزيادة، وعن التطويل والإعادة، ونحن نتتبع هذا الباب بما ضمنّاه من الحث على كتمان السر ليرغب فيه ذوو الأدب والقدرة، إن شاء الله تعالى.
الحث على كتمان السر
والترغيب في حفظ ما حنّت عليه ضلوع الصدّر
روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: استعينوا على حوائجكم بكتمان السرّ.
وكان يقال: سرّك من دمك، فانظر أين تجعله.
وكان يقال: ما كتمته من عدوك، فلا تطلع عليه صديقك.
وقال المهلب بن أبي صفرة: من ضاق قلبه اتسع لسانه. وأنشدني أحمد ابن يحيى لقيس بن الحُدادية الخزاعي:
بكت من حديث نمّه، وأشاعه، … ولفقه واش من القوم واضع
بكت عين من أبكاك لا يشجك البكا … ولا تتخالجك الأمور النوازع
ولا تسمعي سرّي وسرّك ثالثاً، … ألا كل سر جاوز اثنين ضائع
وأنشدني لبعض الطالبيين:
أكافي خليلي ما استقام بوده، …
وأمنحه ودي، إذا يتعتب
ولست ببادي صاحبي بقطيعة، … ولا أنا مفش سره، حين أغضب
عليك بإخوان الثقات، فإنهم … قليل، فصلهم دون من كنت تصحب
وما الخدن إلا من صفا لك وده، … ومن هو ذو نصح، وأنت مغيب
إذا ما وضعت السر عند مُضيِّع، … فذو السر ممن ضيّع السّرّ أذنب
وقال معاوية بن أبي سفيان: الحازم من كتم سره من صديقه مخافة أن تبدَّل صداقته عداوة، فيذيع سره. وقال بعض الشعراء:
تواقف معشوقين من غير موعد … وغيب عن نجواهما كل كاشح
وكلّت جفون الماء عن حمل مائها، … فما ملكت فيض الدموع السوافح
وإني لأطوي السرّ عن كل صاحب، … وإن كان للأسرار عدل الجوانح
وكتب عبد الملك بن مروان ببعض سره إلى الحجاج بن يوسف، ففشا، حتى بلغه ذلك، فكتب إليه عبد الملك يعاتبه، فكتب إليه: والله ، يا أمير المؤمنين، ما أخبرت به إلا إنساناً واحداً. فكتب إليه عبد الملك: إن لكل إنسان نصيحاً يفشي إليه سره.
وقال بعض الشعراء في ذلك:
ألم ترَ أن وشاة الرجا … ل لا يتركون أديماً صحيحاً
فلا تفش سرك إلا إليك، … فإن لكل نصيح نصيحا
وقال آخر:
إذ أنت لم تحفظ لنفسك سرها، … فسرك عند الناس أفشى وأضيع
وقال آخر:
أمت السر بكتمان، ولا … يبدون منك إذا استودعت سرّ
فإذا ضقت به ذرعاً فلا … تجعلن سرك إلا عند حرّ
وقيل لأعرابي استودع سراً فكتمه: أفهمت؟ قال: لا، بل نسيت. وأخبرني أحمد بن عبيد قال: أخبرني ابن الأعرابي قال: قيل لأعرابي: كيف كتمانك السر؟ فقال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
وقيل لأعرابي: كيف حفظك للسر؟ فقال: أنا لحده.
ومما استحسنته في كتمان السر قول كثُير:
أتى دون ما تخشون من بث سركم … أخو ثقة، سهل الخلائق، أروع
ضنين ببذل السر، سمح بغيره، … أخو ثقة، عفُّ الوصال، سميدع
أبى أن يبث، الدهر، ما عاش، سركم … سليماً، وما دامت له الشمس تطلع
وله أيضاً:
كريم يميت السر، حتى كأنه، … إذا استنطقوه عن حديثك، جاهله
رعى سركم في مضمر القلب والحشا، … شفيق عليكم، لا تخاف غوائله
وأكتم نفسي بعض سري تكرماً، … إذا ما أضاع السر في الناس حامله
وقول صاحبه أيضاً:
لعمري ما استودعت سري وسرها … سوانا، حذاراً أن تشيع السرائر
ولا خاطبتها مقلتاي بنظرة، … فتعلم نجوانا العيون النواظر
ولكن جعلت اللحظ بيني وبينها … رسولاً،فأدى ما تجن الضمائر
ومنه قول الآخر:
ليهنك مني أنني غير مظهر … هواك، ولو أشرفت منه على نحبي
ولو أن خلقاً كاتم الحب قلبه … لمتُّ، ولم يعلم بحبكم قلبي
وقال آخر:
لو أن امرأً أخفى الهوى عن ضميره، … لمتُّ، ولم يعلم بذاك ضمير
ولكن سألقى الله، والقلب لم يبح … بسرّك، والواشون عنك كثير
وقال العباس بن الأحنف:
أيا من سروري به شقوة، … ومن صفو عيشي به أكدر
تجنيت تطلب ما أستحق … به الهجر، هيهات لا يقدر
وماذا يضرك من شهرتي، … إذا كان سرّك لا يشهر
أمني يُخاف انتشار الحديث، … وحظي في صونه أكثر
ولو لم يكن فيه بقيا عليك، … نظرت لنفسي، كما تنظر
وأنشدني لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ومؤتمن بالحزم في كل أمره، … وأسراره منه بحيث المقاتل
فلا سره عن ساحة الصدر نازح، … ولا هو عن سرٍّ تعداه سائل
ولغيره في مثله:
فلنقل الجبال أهون من بث … حديث حنت عليه الضلوع
فلك الله أنني لك راعٍ، … ما بدا كوكب، وبرق لموع
ولست ببادي صاحبي بقطيعة، … ولا أنا مفش سره، حين أغضب
عليك بإخوان الثقات، فإنهم … قليل، فصلهم دون من كنت تصحب
وما الخدن إلا من صفا لك وده، … ومن هو ذو نصح، وأنت مغيب
إذا ما وضعت السر عند مُضيِّع، … فذو السر ممن ضيّع السّرّ أذنب
وقال معاوية بن أبي سفيان: الحازم من كتم سره من صديقه مخافة أن تبدَّل صداقته عداوة، فيذيع سره. وقال بعض الشعراء:
تواقف معشوقين من غير موعد … وغيب عن نجواهما كل كاشح
وكلّت جفون الماء عن حمل مائها، … فما ملكت فيض الدموع السوافح
وإني لأطوي السرّ عن كل صاحب، … وإن كان للأسرار عدل الجوانح
وكتب عبد الملك بن مروان ببعض سره إلى الحجاج بن يوسف، ففشا، حتى بلغه ذلك، فكتب إليه عبد الملك يعاتبه، فكتب إليه: والله ، يا أمير المؤمنين، ما أخبرت به إلا إنساناً واحداً. فكتب إليه عبد الملك: إن لكل إنسان نصيحاً يفشي إليه سره.
وقال بعض الشعراء في ذلك:
ألم ترَ أن وشاة الرجا … ل لا يتركون أديماً صحيحاً
فلا تفش سرك إلا إليك، … فإن لكل نصيح نصيحا
وقال آخر:
إذ أنت لم تحفظ لنفسك سرها، … فسرك عند الناس أفشى وأضيع
وقال آخر:
أمت السر بكتمان، ولا … يبدون منك إذا استودعت سرّ
فإذا ضقت به ذرعاً فلا … تجعلن سرك إلا عند حرّ
وقيل لأعرابي استودع سراً فكتمه: أفهمت؟ قال: لا، بل نسيت. وأخبرني أحمد بن عبيد قال: أخبرني ابن الأعرابي قال: قيل لأعرابي: كيف كتمانك السر؟ فقال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
وقيل لأعرابي: كيف حفظك للسر؟ فقال: أنا لحده.
ومما استحسنته في كتمان السر قول كثُير:
أتى دون ما تخشون من بث سركم … أخو ثقة، سهل الخلائق، أروع
ضنين ببذل السر، سمح بغيره، … أخو ثقة، عفُّ الوصال، سميدع
أبى أن يبث، الدهر، ما عاش، سركم … سليماً، وما دامت له الشمس تطلع
وله أيضاً:
كريم يميت السر، حتى كأنه، … إذا استنطقوه عن حديثك، جاهله
رعى سركم في مضمر القلب والحشا، … شفيق عليكم، لا تخاف غوائله
وأكتم نفسي بعض سري تكرماً، … إذا ما أضاع السر في الناس حامله
وقول صاحبه أيضاً:
لعمري ما استودعت سري وسرها … سوانا، حذاراً أن تشيع السرائر
ولا خاطبتها مقلتاي بنظرة، … فتعلم نجوانا العيون النواظر
ولكن جعلت اللحظ بيني وبينها … رسولاً،فأدى ما تجن الضمائر
ومنه قول الآخر:
ليهنك مني أنني غير مظهر … هواك، ولو أشرفت منه على نحبي
ولو أن خلقاً كاتم الحب قلبه … لمتُّ، ولم يعلم بحبكم قلبي
وقال آخر:
لو أن امرأً أخفى الهوى عن ضميره، … لمتُّ، ولم يعلم بذاك ضمير
ولكن سألقى الله، والقلب لم يبح … بسرّك، والواشون عنك كثير
وقال العباس بن الأحنف:
أيا من سروري به شقوة، … ومن صفو عيشي به أكدر
تجنيت تطلب ما أستحق … به الهجر، هيهات لا يقدر
وماذا يضرك من شهرتي، … إذا كان سرّك لا يشهر
أمني يُخاف انتشار الحديث، … وحظي في صونه أكثر
ولو لم يكن فيه بقيا عليك، … نظرت لنفسي، كما تنظر
وأنشدني لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ومؤتمن بالحزم في كل أمره، … وأسراره منه بحيث المقاتل
فلا سره عن ساحة الصدر نازح، … ولا هو عن سرٍّ تعداه سائل
ولغيره في مثله:
فلنقل الجبال أهون من بث … حديث حنت عليه الضلوع
فلك الله أنني لك راعٍ، … ما بدا كوكب، وبرق لموع
وأنشدني أحمد بن عبد الله قال:
أنشدني ابن الكلبي لابن أمينة:
وإني على السر الذي هو داخل، … إذا باح أصحاب الهوى، لضموم
وإني ما استودعت، يا أم مالك، … على قدم من عهدنا، لكتوم
وقال أبو الطيب: الضموم: الممسك، وكذلك الزميت أيضاً. وقال آخر:
وحاجة دون أخرى قد شجيت بها، … خلفتها للذي أخفيت عنوانا
إني كأني أرى من لا حياء له، … ولا أمانة، وسط الناس، عريانا
وأنشدني أحمد بن يحيى بن الخطيم:
وإن ضيع الأحرار سراً، فإنني … كتوم لأسرار العشير، أمين
يكون له عندي إذا ما ضمنته … مكان بسوداء الفؤاد مكين
وقال بشار بن برد المرعث:
أبكي الذين أذاقوني مودتهم، … حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
لأخرجن من الدنيا وسرهم … بين الجوانح، لم يعلم به أحد
وأحسن، والله، الذي يقول:
يأبى لي الذم أخلاق ومكرمة … مني، وأذن عن الفحشاء صماء
والنجم أقرب من سري إذا اشتملت … مني على السر أضلاع وأحشاء
والذي قيل في ذلك كثير جداً يطول به الخطب ويتسع فيه القول. وليس قصدنا في كتابنا هذا المعنى، وإنما تقدمنا بذكر ما شرحناه ونعت ما وصفناه، لأنه لا بد للظريف من استعمال كل ما ذكرناه من حدود الأدب وشرائع المروة، واعلم أن مذهبنا في هذا المتاب إلى معنى صفة الظرف، وما يجب على الظريف استعماله، وذكر ما يجب عليه تركه، وما اخترعنا في كتابنا هذا علماً من عند أنفسنا، يجب لنا به الامتحان، ولا يلحقنا فيه عيب من عاب، إن عاب، ولا على أنه لا يطلب لفظه، ولا يمتنع عند معايبهم إلا معيب. وأنشدنا أحمد بن يحيى قال: أنشدني ابن السكيت:
رب غريب ناصح الجيب، … وابن أب متهم الغيب
ورب عيّاب له منظر … مشتمل منه على العيب
ولكنا ألفناه وجمعناه من أقاويل جماعة من الظرفاء والمتظرفات، وأهل الأدب والمروات، سمعناهم، ورأيناهم يتكلمون به، ويستعملونه، فأحببنا أن نجمع ذلك، ونجعله لهواً لمن أراد سماعه، وعلماً لمن أراد اتباعه، وهدياً لمن أراد رشده، ومناراً لمن أراد قصده، وطيباً لمن أراد شمّه، وأدباً لمن أراد فهمه. وكتابنا هذا روضة تتنزه فيها العقول، وعقود جوهر زينتها الفصول، إذ لم نخله من أخبار طريفة، وأشعار ظريفة، وأشياء نمت إلينا من زي ظرفاء الناس في الطعام، والشراب، والعطر، واللباس، ومذهبهم فيما اجتنبوه من ذميم الأفعال، واستحسنوه من جميل الشيم والأخلاق، وسأشرح ذلك وأبينه باباً باباً لتقف عليه، إن شاء الله.
سنن الظرف
اعلم أن عماد الظرف، عند الظرفاء وأهل المعرفة والأدباء، حفظ الجوار، والوفاء بالذمار، والأنفة من العار، وطلب السلامة من الأوزار، ولن يكون الظريف ظريفاً، حتى تجتمع فيه خصال أربع: الفصاحة، والبلاغة، والعفة، والنزاهة.
وسألت بعض الظرفاء عن الظرف فقال: التودد إلى الإخوان، وكف الأذى عن الجيران.
وقال آخر: الظرف ظلف النفس، وسخاء الكف، وعفة الفرج.
وأخبرني أحمد بن عبيد قال: قال الأصمعي وابن الأعرابي: لا يكون الظرف إلا في اللسان. يقال: فلان ظريف، أي هو بليغ، جيد المنطق، ومنه حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع أي لأنه يكون له لسان فيحتج به، فيدفع عن نفسه.
قال: وروي عن محمد بن سيرين أنه قال: الظرف مشتق من الفطنة.
وقال غيره: الظرف حسن الوجه والهيئة. وقال بعض المشيخة: الظريف الذي قد تأدب، وأخذ من كل العلوم، فصار وعاءً لها، فهو ظرف.
وقال أحمد بن عبيد: معناه أنه يعي أدباً وعلماً، كما يعي ظرف الشيء ما يكون فيه، ولذلك معنى: إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع، إذا كان واعياً للعلم لم يسرق إلا بتأول، كما فعل الشعبي، وقد دخل بيت المال، فأخذ منه دراهم، وإنما أراد به التأول لما له فيه من الحق.
وسألت بعض متظرفات القصور عن الظرف، فقالت: من كان فصيحاً عفيفاً كان عندنا متكاملاً ظريفاً، ومن كان غنياً عاهراً كان ناقصاً فاجراً.
وقال بعض الأدباء: الظرف ظلف النفس، ورقة
الطبع، وصدق اللهجة، وكتمان السر. وسألت بعض الظرفاء فقال: الظرف في أربع خصال:
الحياء، والكرم، والعفة، والورع؛ وأنشدني أبو عبد الله الواسطي لنفسه في هذا
المعنى:وإني على السر الذي هو داخل، … إذا باح أصحاب الهوى، لضموم
وإني ما استودعت، يا أم مالك، … على قدم من عهدنا، لكتوم
وقال أبو الطيب: الضموم: الممسك، وكذلك الزميت أيضاً. وقال آخر:
وحاجة دون أخرى قد شجيت بها، … خلفتها للذي أخفيت عنوانا
إني كأني أرى من لا حياء له، … ولا أمانة، وسط الناس، عريانا
وأنشدني أحمد بن يحيى بن الخطيم:
وإن ضيع الأحرار سراً، فإنني … كتوم لأسرار العشير، أمين
يكون له عندي إذا ما ضمنته … مكان بسوداء الفؤاد مكين
وقال بشار بن برد المرعث:
أبكي الذين أذاقوني مودتهم، … حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
لأخرجن من الدنيا وسرهم … بين الجوانح، لم يعلم به أحد
وأحسن، والله، الذي يقول:
يأبى لي الذم أخلاق ومكرمة … مني، وأذن عن الفحشاء صماء
والنجم أقرب من سري إذا اشتملت … مني على السر أضلاع وأحشاء
والذي قيل في ذلك كثير جداً يطول به الخطب ويتسع فيه القول. وليس قصدنا في كتابنا هذا المعنى، وإنما تقدمنا بذكر ما شرحناه ونعت ما وصفناه، لأنه لا بد للظريف من استعمال كل ما ذكرناه من حدود الأدب وشرائع المروة، واعلم أن مذهبنا في هذا المتاب إلى معنى صفة الظرف، وما يجب على الظريف استعماله، وذكر ما يجب عليه تركه، وما اخترعنا في كتابنا هذا علماً من عند أنفسنا، يجب لنا به الامتحان، ولا يلحقنا فيه عيب من عاب، إن عاب، ولا على أنه لا يطلب لفظه، ولا يمتنع عند معايبهم إلا معيب. وأنشدنا أحمد بن يحيى قال: أنشدني ابن السكيت:
رب غريب ناصح الجيب، … وابن أب متهم الغيب
ورب عيّاب له منظر … مشتمل منه على العيب
ولكنا ألفناه وجمعناه من أقاويل جماعة من الظرفاء والمتظرفات، وأهل الأدب والمروات، سمعناهم، ورأيناهم يتكلمون به، ويستعملونه، فأحببنا أن نجمع ذلك، ونجعله لهواً لمن أراد سماعه، وعلماً لمن أراد اتباعه، وهدياً لمن أراد رشده، ومناراً لمن أراد قصده، وطيباً لمن أراد شمّه، وأدباً لمن أراد فهمه. وكتابنا هذا روضة تتنزه فيها العقول، وعقود جوهر زينتها الفصول، إذ لم نخله من أخبار طريفة، وأشعار ظريفة، وأشياء نمت إلينا من زي ظرفاء الناس في الطعام، والشراب، والعطر، واللباس، ومذهبهم فيما اجتنبوه من ذميم الأفعال، واستحسنوه من جميل الشيم والأخلاق، وسأشرح ذلك وأبينه باباً باباً لتقف عليه، إن شاء الله.
سنن الظرف
اعلم أن عماد الظرف، عند الظرفاء وأهل المعرفة والأدباء، حفظ الجوار، والوفاء بالذمار، والأنفة من العار، وطلب السلامة من الأوزار، ولن يكون الظريف ظريفاً، حتى تجتمع فيه خصال أربع: الفصاحة، والبلاغة، والعفة، والنزاهة.
وسألت بعض الظرفاء عن الظرف فقال: التودد إلى الإخوان، وكف الأذى عن الجيران.
وقال آخر: الظرف ظلف النفس، وسخاء الكف، وعفة الفرج.
وأخبرني أحمد بن عبيد قال: قال الأصمعي وابن الأعرابي: لا يكون الظرف إلا في اللسان. يقال: فلان ظريف، أي هو بليغ، جيد المنطق، ومنه حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع أي لأنه يكون له لسان فيحتج به، فيدفع عن نفسه.
قال: وروي عن محمد بن سيرين أنه قال: الظرف مشتق من الفطنة.
وقال غيره: الظرف حسن الوجه والهيئة. وقال بعض المشيخة: الظريف الذي قد تأدب، وأخذ من كل العلوم، فصار وعاءً لها، فهو ظرف.
وقال أحمد بن عبيد: معناه أنه يعي أدباً وعلماً، كما يعي ظرف الشيء ما يكون فيه، ولذلك معنى: إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع، إذا كان واعياً للعلم لم يسرق إلا بتأول، كما فعل الشعبي، وقد دخل بيت المال، فأخذ منه دراهم، وإنما أراد به التأول لما له فيه من الحق.
وسألت بعض متظرفات القصور عن الظرف، فقالت: من كان فصيحاً عفيفاً كان عندنا متكاملاً ظريفاً، ومن كان غنياً عاهراً كان ناقصاً فاجراً.
ليس الظريف بكامل في ظرفه، … حتى يكون عن الحرام عفيفا
فإذا تورع عن محارم ربه، … فهناك يدعوه الأنام ظريفا
ومثله لبعض المتأدبين:
إن أكن طامح اللِّحاظ، فإني، … والذي يملك العباد، عفيف
ليس ظرف الظريف بالنفس لكن … كل ذي عفة، فذاك ظريف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق