الثلاثاء، 12 فبراير 2013

مقدمة كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشيّ

كتبها بلال عبد الهادي ، في 16 أيار 2011 الساعة: 17:05 م



بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العلامة وحيد الدهر وفريد العصر جامع شتات الفضائل وناصر الحق بالبرهان من الدلائل أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي بلغه الله منه ما يرجوه:
الحمد لله الذي نور بكتابه القلوب وأنزل في أوجز لفظه وأعجز أسلوبه فأعيت بلاغته البلغاء وأعجزت حكمته الحكماء وأبكمت فصاحته الخطباء.
أحمده أن جعل فاتحة أسراره وخاتمة تصاريفه وأقداره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله المصطفى ونبيه المرتضى الظافر من المحامد بالخصل الظاهر بفضله على ذوي الفضل معلم الحكمة وهادي الأمة أرسله بالنور الساطع والضياء اللامع صلى الله عليه وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار أما بعد:
فإن أول ما أعملت فيه القرائح وعلقت به الأفكار اللواقح فحص عن أسرار التنزيل والكشف عن حقائق التأويل الذي تقوم به المعالم وتثبت الدعائم فهو العصمة الواقية والنعمة الباقية والحجة البالغة والدلالة الدامغة وهو شفاء الصدور والحكم العدل عند مشتبهات الأمور وهو الكلام الجزل والفصل الذي ليس بحزن سراج لا يخبو ضياؤه وشهاب لا يخمد نوره وثناؤه وبحر لا يدرك غوره
بهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول وتظافر إيجازه وإعجازه وتظاهرت حقيقته ومجازه وتقارن في الحسن مطالعه ومقاطعه وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه قد أحكم الحكيم صيغته ومعناه وقسم لفظه ومعناه إلى ما ينشط السامع ويقرط المسامع من تجنيس أنيس وتطبيق لبيق وتشبيه نبيه وتقسيم وسيم وتفصيل أصيل وتبليغ بليغ وتصدير بالحسن جدير وترديد ماله مزيد إلى غير ذلك مما أجرى الصياغة البديعة، والصناعة الرفيعة، فالآذان بأقراطه حالية، والأذهان من أسماطه غير خالية فهو من تناسب ألفاظه وتناسق أغراضه قلادة ذات اتساق، ومن تبسم زهره وتنسم نشره، حديقة مبهجة للنفوس والأسماع والأحداق، كل كلمة منه لها من نفسها طرب، ومن ذاتها عجب، ومن طلعتها غرة، ومن بهجتها درة، لاحت عليه بهجة القدرة، ونزل ممن له الأمر، فله على كل كلام سلطان وإمرة، بهر تمكن فواصله، وحسن ارتباط أواخره وأوائله وبديع إشاراته وعجيب انتقالاته من قصص باهرة إلى مواعظ زاجرة وأمثال سائرة وحكم زاهرة وأدلة على التوحيد ظاهرة وأمثال بالتنزيه والتحميد سائرة ومواقع تعجب واعتبار ومواطن تنزيل واستغفار إن كان سياق الكلام ترجية بسط وإن كان تخويفاً قبض وإن كان وعداً أبهج وإن كان وعيداً أزعج وإن كان دعوة حدب وإن كان زجرة أرعب وإن كان موعظة أقلق وإن كان ترغيباً شوق.
هذا وكم فيه من مزايا … وفي زواياه من خبايا
ويطمع الحبر في التقاضي … فيكشف الخبر عن قضايا
فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب وصرفه بأبدع معنى وأغرب أسلوب،

لا يستقصي معانيه فهم الخلق ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق فالسعيد من صرف همته إليه ووقف فكره وعزمه عليه والموفق من وفقه الله لتدبره واصطفاه للتذكير به وتذكره فهو يرتع منه في رياض ويكرع منه في حياض
أندى على الأكباد من قطر الندى … وألذ في الأجفان من سنة الكرى
يملأ القلوب بشراً ويبعث القرائح عبيراً ونشراً يحيي القلوب بأوراده ولهذا سماه الله روحاً فقال: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}] غافر: من الآية15[ فسماه روحاً لأنه يؤدي إلى حياة الأبد ولولا الروح لمات الجسد فجعل هذا الروح سببا للاقتدار وعلماً للاعتبار
يزيد على طول التأمل بهجة … كأن العيون الناظرات صياقل
وإنما يفهم بعض معانيه ويطلع على أسراره ومبانيه من قوي نظره واتسع مجاله في الفكر وتدبره وامتد باعه ووقت طباعه وامتد في فنون الأدب وأحتط بلغة العرب.
قال الحرالي في جزء سماه مفتاح الباب المقفل لفهم الكتاب المنزل: لله تعالى مواهب جعلها أصولا للمكاسب فمن وهبه عقلا يسر عليه السبيل ومن ركب فيه خرقاً نقص ضبطه من التحصيل ومن أيده بتقوي الاستناد إليه في جميع

أموره علمه وفهمه قال: وأكمل العلماء من وهبه الله تعالى فهماً في كلامه ووعياً عن كتابه وتبصرة في الفرقان وإحاطة بما شاء من علوم القرآن ففيه تمام شهود ماكتب الله لمخلوقاته من ذكره الحكيم بما يزيل بكريم عنايته من خطأ اللاعبين إذ فيه كل العلوم
وقال الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع السنة شرح للقرآن وجميع القرآن شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العليا زاد غيره: وجميع الأسماء الحسنى شرح لاسمه الأعظم وكما أنه أفضل من كل كلام سواه فعلومه أفضل من كل علم عداه قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} وقال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}.
قال مجاهد: الفهم والإصابة في القرآن. وقال. وقال مقاتل: يعني علم القرآن. وقال سفيان بن عيينة في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}. قال: أحرمهم فهم القرآن
وقال سفيان الثوري: لا يجتمع فهم القرآن والاشتغال بالحطام في قلب مؤمن أبدا.

وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: مثل علم القرآن مثل الأسد لا يمكن من غيله سواه.
قال ذو النورين المصري: أبى الله عز وجل إلا أن يحرم قلوب البطالين مكنون حكمة القرآن.
وقال عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} . وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}.
وقال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} . قال: القرآن، يقول: أرشدنا إلى علمه.
وقال الحسن البصري: علم القرآن ذكر لا يعلمه إلا الذكور من الرجال.
وقال الله جل ذكره {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} يقول: إلى كتاب الله.

وكل علم من العلوم منتزع من القرآن وإلا فليس له برهان.
قال ابن مسعود: من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين رواه البيهقي في المدخل وقال: أراد به أصول العلم.
وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم علماء كل منهم مخصوص بنوع من العلم كعلي رضي الله عنه بالقضاء وزيد بالفرائض ومعاذ بالحلال والحرام وأبي بالقراءة فلم يسم أحد منهم بحراً إلا عبد الله بن عباس لاختصاصه دونهم بالتفسير وعلم التأويل وقال فيه علي بن أبي طالب: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال فيه عبد الله بن مسعود: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وقد مات ابن مسعود في سنة ثنتين وثلاثين وعمر بعده ابن عباس ستاً وثلاثين سنة فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود نعم كان لعلي فيه اليد السابقة قبل ابن عباس وهو القائل: لو أردت أن أملي وقر بعير على الفاتحة لفعلت.
وقال ابن عطية: فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب ويتلوه ابن عباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما وكان جلة من السلف كسعيد بن المسيب والشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم.

ثم جاء بعدهم طبقة فطبقة فجدوا واجتهدوا وكل ينفق مما رزق الله ولهذا كان سهل بن عبد الله يقول: لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودعه الله في آية من كتابه لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه وإنما يفهم كل بمقدار ما يفتح الله عليه وكلام الله غير مخلوق ولا تبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة.
ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر ومعانيه لا تستقصى وجبت العناية بالقدر الممكن ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه وكما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث فاستخرت الله تعالى ـ وله الحمد ـ في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه وخاضوا في نكته وعيونه وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما يهز القلوب طرباً ويبهر العقول عجباً ليكون مفتاحاً لأبوابه وعنواناً على كتابه معيناً للمفسر على حقائقه ومطلعاً على بعض أسراره ودقائقه والله المخلص والمعين وعليه أتوكل وبه أستعين وسميته البرهان في علوم القرآن.
هذه فهرست أنواعه:
الأول: معرفة سبب النزول
الثاني: معرفة المناسبات بين الآيات
الثالث: معرفة الفواصل
الرابع: معرفة الوجوه والنظائر
الخامس: علم المتشابه

السادس: علم المبهمات
السابع: في أسرار الفواتح
الثامن: في خواتم السور
التاسع: في معرفة المكي والمدني
العاشر: معرفة أول ما نزل
الحادي عشر: معرفة على كم لغة نزل
الثاني عشر: في كيفية إنزاله
الثالث عشر: في بيان جمعه ومن حفظه من الصحابة
الرابع عشر: معرفة تقسيمه
الخامس عشر: معرفة أسمائه
السادس عشر: معرفة ما وقع فيه من غير لغة الحجاز
السابع عشر: معرفة ما فيه من لغة العرب
الثامن عشر: معرفة غريبه
التاسع عشر: معرفة التصريف
العشرون: معرفة الأحكام
الحادي والعشرون: معرفة كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح
الثاني والعشرون: معرفة اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقصان
الثالث والعشرون: معرفة توجيه القراءات
الرابع والعشرون: معرفة الوقف والابتداء
الخامس والعشرون: علم مرسوم الخط
السادس والعشرون: معرفة فضائله

السابع والعشرون: معرفة خواصه
الثامن والعشرون: هل في القرآن شيء أفضل من شيء
التاسع والعشرون: في آداب تلاوته
الثلاثون: في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل والخطب استعمال بعض آيات القرآن
الحادي والثلاثون: معرفة الأمثال الكائنة فيه
الثاني والثلاثون: معرفة أحكامه
الثالث والثلاثون: في معرفة جدله
الرابع والثلاثون: معرفة ناسخه ومنسوخه
الخامس والثلاثون: معرفة توهم المختلف
السادس والثلاثون: في معرفة المحكم من المتشابه
السابع والثلاثون: في حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصفات
الثامن والثلاثون: معرفة إعجازه
التاسع والثلاثون: معرفة وجوب تواتره
الأربعون: في بيان معاضدة السنة للكتاب
الحادي والأربعون: معرفة تفسيره
الثاني والأربعون: معرفة وجوب المخاطبات
الثالث والأربعون: بيان حقيقته ومجازه
الرابع والأربعون: في الكناية والتعريض
الخامس والأربعون: في أقسام معنى الكلام

السادس والأربعون: في ذكر ما يتيسر من أساليب القرآن
السابع والأربعون: في معرفة الأدوات
واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز إلى بعض فصوله فإن الصناعة طويلة والعمر قصير ماذا عسى أن يبلغ لسان لتقصير
قالوا خذ العين من كل فقلت لهم في العين فضل ولكن ناظر العين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق