كتبهابلال عبد الهادي ، في 14 أيار 2011 الساعة: 10:02 ص
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ أبو القاسم الحسين ابن محمد بن الفضل الراغب رحمه الله: أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير والشر بصورتيهما.
ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتيهما، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، ومن الموصوفين بقوله تعالى (هو الذى أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) وبقوله: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه).
كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا مختتمة، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة متممة كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) جعل كتابه المنزل عليه متضمنا ثمرة كتبه التى أولاها أوائل الامم كما نبه عليه بقوله تعالى: (يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة) وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم، وبحيث تقصر الالباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله تعالى: (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه، ونفع ما يوليه، فإنه: كالبدر من حيث التفت رأيته * يهدى إلى عينيك نورا ثاقبا
كالشمس في كبد السماء وضوءها * يغشى البلاد مشارقا ومغاربا لكن محاسن أنواره لايثقفها إلا البصائر الجلية وأطايب ثمره لا يقطفها إلا الايدى الزكية، ومنافع شفائه لا ينالها إلا النفوس النقية كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) وقال في وصف سامعيه (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى).
وذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر وحرص، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات.
ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد الذى يرقى كاسبه في درجات المعارف حتى يبلغ من معرفته أقصى ما في قوة البشر أن يدركه من الاحكام والحكم فيطلع من كتاب الله على ملكوت السموات والارض ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) جعلنا الله ممن تولى هدايته حتى يبلغه هذه المنزلة ويخوله هذه المكرمة، فلن يهديه البشر من لم يهده الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء).
وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية.
ومن العلوم اللفظية تحقيق الالفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه.
وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم.
وما عداها وعدا الالفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالاضافة إليها كالقشور والنوى بالاضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالاضافة إلى لبوب الحنطة.
وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجى، فنقدم ما أوله الالف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم
معتبرا فيه أوائل حروفه الاصلية دون الزوائد، والاشارة فيه إلى المناسبات التى بين الالفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الالفاظ على الرسالة التى عملتها مختصة بهذا الباب.
ففى اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبطات عن المسارعة في سبيل الخيرات، وعن المسابقة إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى: (سابقوا إلي مغفرة من ربكم) سهل الله علينا الطريق إليها.
وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الاجل، بكتاب ينبئ عن تحقيق الالفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الالفاظ المترادفة دون غيره من أخواته، نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة.
ونحو ذكره تعالى في عقب قصة: (إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون) وفى أخرى: (لقوم يتفكرون) وفى أخرى: (لقوم يعلمون) وفى أخرى: (لقوم يفقهون) وفى أخرى: (لاولى الابصار) وفى أخرى: (لذى حجر) وفى أخرى: (لاولى النهى) ونحو ذلك مما يعده من لا يحق الحق ويبطل الباطل أنه باب واحد، فيقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله، ولاريب فيه بلا شك فيه فقد فسر القرآن ووفاه التبيان، جعل الله لنا التوفيق رائدا والتقوى سائقا.
ونفعنا بما أولانا وجعله لنامن معاون تحصيل الزاد المأمور به في قوله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق