كتبهابلال عبد الهادي ، في 17 كانون الأول 2010 الساعة: 18:06 م
قال أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري:
كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع فيه إلى طبع، ولم أكن أقف على تسهيل مأخذه،
ووجوه اقتضائه، حتى قصدت أبا تمام؛ فانقطعت فيه إليه، واتكلت في تعريفه عليه، فكان
أول ما قال لي: يا أبا عبادة، تخير الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم، واعلم
أن العادة في الأوقات أن يقصد الإنسان لتأليف شيء أو حفظه في وقت السحر، وذلك أن
النفس قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم، فإن أردت النسيب فاجعل اللفظ رقيقا،
والمعنى رشيقا، وأكثر فيه من بيان الصبابة، وتوجع الكآبة، وقلق الأشواق، ولوعة
الفراق، وإذا أخذت في مدح سيد ذي أياد فأشهر مناقبه، وأظهر مناسبه، وأبن معالمه،
وشرف مقامه، وتقاض المعاني، واحذر المجهول منها، وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ
الزرية، وكن كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الأجسام، وإذا عارضك الضجر فأرح
نفسك، ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب، واجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إلى حسن نظمه؛
فإن الشهوة نعم المعين، وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من شعر الماضين: فما
استحسنته العلماء فاقصده، وما تركوه فاجتنبه، ترشد إن شاء الله تعالى.
من كتاب العمدة لابن رشيق
من كتاب العمدة لابن رشيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق