كتبهابلال عبد الهادي ، في 11 أيار 2011 الساعة: 13:40 م
قال عبد الرحمان بن عيسى بن حماد الهمذاني
الكاتب: الصناعات مختلفات. و لها درجات متفاوتات. فمنها ما يرفع اهله و يشرفهم و
يغنيهم عند المساجلة و المكاثرة عن كرم المناسب. و شرف المناصب. و منها ما يضع
المحترفين له اشد الضعة و يخملهم اقبح الخمول حتى لا يكونوا لاحد ممن سواهم نظراء
في منزلة و لا اكفاء في معاشرة. و ان كان لبعضهم قديم يذكره او اب معروف يعتزي
اليه. و قد قال سيد المسلمين و امام المتقين امير المؤمنين علي ابن ابي طالب رضي
الله عنه: قيمة كل امرئ ما يحسنه. و قال: الناس ابناء ما يحسنون. و هذه الكتابة من
اعلى الصناعات و اكرمها و اسمقها باصحابها الى معالي الامور و شرائف الرتب. فهم بين
سيد و مدبر سيادة و ملك و سائس دولة و مملكة. و بلغت بقوم منهم منزلة الخلافة و
اعطتهم ازمة الملك. و المتصرفون فيها في الحظ منها بين متعلق بالسماك مضاء و نفاذا.
و بين متنكس في الحضيض نقصا و تخلفا. و من افاتها على ذوي الفضل منهم ان المتأخر
فيها لا يمتنع من ادعاء منزلة المتقدم فيها بل لا يعفيه من ادعاء الفضل عليه. و
المتقدم لا يقدر على تثبيت نقص المتخلف في كل حال من الاحوال او مشهد من المشاهد
لدروس اعلام هذه الصناعة و قلة من يرجع اليه فيها. الا اذا اتفق حضور مميز وامكن
قرب محصل. وهيهات ان يكون ذلك في كل وقت واوان. ووجدت من المتأخرين في الالة قوما
اخطأهم الاتساع في الكلام فهم متعلقون في مخاطباتهم و كتبهم باللفظة الغريبة و
الحرف الشاذ ليتميزوا بذلك من العامة ويرتفعوا عند الاغبياء عن طبقة الحشو. والخرس
و البكم احسن من النطق في هذا المذهب الذي تذهب اليه هذه الطائفة في الخطاب. و
الفيت اخرين قد توجهوا بعض التوجه و علوا عن هذه الطبقة. غير انهم يمزجون الفاظا
يسيرة قد حفظوها من الفاظ كتاب الرسائل بالفاظ كثيرة سخيفة من الفاظ العامة استعانة
بها وضرورة اليها لخفة بضاعتهم. ولا يستطيعون تغيير معنى بغير لفظه لضيق وسعهم.
فالتكلف و الاختلال ظاهران في كتبهم ومحاوراتهم اذ كانوا يؤلفون بين الدرة و البعرة
في نظامهم. فجمعت في كتابي هذا لجميع الطبقات اجناسا من الفاظ كتاب الرسائل من
التقعير. المحمولة على الاستعارة و التلويح على مذاهب الكتاب و اهل الخطابة دون
مذاهب المتشدقين و المتفاصحين, من المتأدبين و المؤدبين المتكلفين. البعيدة المرام
على قربها من الافهام. في كل فن من فنون المخاطبات. ملتقطة من كتب الرسائل وافواه
الرجال و عرصات الدواوين و محافل الرؤساء. و متخيرة من بطون الدفاتر ومصنفات
العلماء. فليست لفظة منها الا وهي تنوب عن اختها في موضعها من المكاتبة. او تقوم
مقامها في المحاورة. اما بمشاكلة او بمجانسة او بمجاورة. فاذا عرفها العارف بها
وباماكنها التي توضع فيها كانت له مادة قوية وعونا وظهيرا. فان كتب عدة كتب في معنى
تهنئة او تعزية او فتح او وعد او وعيد او احتجاج او جدل او شكر او استبطاء او
اعتذار او عهد من عهود الولاة والحكام او تأسيس جماعة او تشبيب بحاجة او مطلب او
موافقة او صدر دستور او حكاية حساب او كتاب ضمان او غير ذلك امكنه تغيير الفاظها مع
اتفاق معانيها. وان يجعل مكان (اصلح الفاسد) لم الشعث. ومكان: (لم الشعث) رتق
الفتق. و شعب الصدع. وهذا قياس فيما سواه من ابواب الفاظ هذا الكتاب. وان قعد به
حسن المعنى لم يعدم من الفاظه ما هو من بناء الكلمة. ولا غنى بالكاتب البليغ ولا
الشاعر المفلق ولا الخطيب المصقع عن الاقتداء بالاولين و الاقتباس من المتقدمين و
احتذاء مثال السابقين فيما اخترعوه من معانيهم و سلكوه من طرقهم. كأن الاول لم يترك
للاخر شيئا. فمن اخذ منهم معنى بلفظه فقد سرقه. و من اخذه ببعض لفظه فقد سلخه. و من
اخذه عاريا و كساه من عنده لفظا فهو احق به ممن اخذه منه. والمقل من الالفاظ يعجز
عن تغيير معنى صورته و نقله عن حليته. و من كان كذلك لم تكمل الته و لم تجتمع اداته
و كان النقص لازما له.
واللفظ زينة المعنى. و المعنى عماد اللفظ. و لكن مما يحمد من التأليف و النظم ان يكون كما قلت تزين معانيه الفاظه. و الفاظه زائنات المعاني. فاذا كانت الالفاظ مشاكلة للمعاني في حسنها و المعاني موافقة للالفاظ في جمالها وانضاف الى ذلك قوة من الصواب و صفاء من الطبع ومادة من الادب و علم بطرق البلاغات و معرفة برسوم الرسائل و المكاتبات كان الكمال و بالله التوفيق.
واللفظ زينة المعنى. و المعنى عماد اللفظ. و لكن مما يحمد من التأليف و النظم ان يكون كما قلت تزين معانيه الفاظه. و الفاظه زائنات المعاني. فاذا كانت الالفاظ مشاكلة للمعاني في حسنها و المعاني موافقة للالفاظ في جمالها وانضاف الى ذلك قوة من الصواب و صفاء من الطبع ومادة من الادب و علم بطرق البلاغات و معرفة برسوم الرسائل و المكاتبات كان الكمال و بالله التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق