باب من القول في المعاني الظاهرة باللفظ الموجز/البيان والتبيين للجاحظ
كتبهابلال عبد الهادي ، في 26 كانون الأول 2011 الساعة: 19:05 م
من ملتقطات كلام الناس
قال بعض النّاس: من التوقِّي ترك الإفراط في
التوقّي، وقال بعضهم: إذا لم يكن ما تريد فأرِدْ ما يكون، وقال الشاعر: مجزوء
الخفيف
قدَرُ الـلَّــه واردٌ |
|
حِين يُقضَى ورودُه |
فأرِدْ ما يكـون إنْ |
|
لم يكن ما
تـريدُهُ |
وقيل لأعرابيّ في شَكَاتِه: كيف تُجدُكَ? قال:
أجِدُني أجِدُ مالا أشتهي وأشتهي ما لا أجد، وأنا في زمانٍ من جاد لم يَجِد، ومن
وَجَدَ لم يَجُدْ، وقيل لابن المقفّع: ألا تقول الشعر? قال: الذي يجيئني لا أرضاه،
والذي أرضاه لا يجيئني، وقال بعض النُّسَّاك: أنَا لما لا أرجُو أرجَى مِنِّي لما
أرْجو، وقال بعضُهم: أعجبُ من العجَب، تركُ التعجُّب من العَجَب، قال عمرُ بنُ عبد
العزيز لعَبد بني مَخزوم: إني أخافُ اللَّه فيما تقلَّدتُ، قال: لستُ أخاف عليك أن
تخاف، وإنّما أخاف عليك ألاّ تخاف، وقال الأحنف لمعاوية: أخافك إن صدَقْتُكَ، وأخاف
اللَّه إن كذَبْتُكَ، وقال رجلٌ من النُّسّاك لصاحبٍ له وهو يَكِيدُ بنفْسِه: أمّا
ذنوبي فإني أرجو لها مغفرةَ اللَّه، ولكنِّي أخافُ على بناتي الضَّيعة، فقال له
صاحبه: فالذي ترجوه لمغفرةِ ذنوبِك فارجُه لحفظ بناتك، وقال رجلٌ من النُّسَّاك
لصاحبٍ له: ما لي أراك حزيناً? قال: كان عندي يَتِيمٌ أربّيه لأُوجَر فيه، فمات
وانقطع عنا أجْرُه، إذْ بطَلَ قيامُنا بمؤُونته، فقال له صاحبُه: فاجتلِبْ يتيماً
آخر يَقوم لك مَقام الأوّل، قال: أخاف ألاّ أصيبَ يتيماً في سوء خُلُقه قال له
صاحبه: أمّا أنا فلو كنت في موضعك منه لما ذكرت سوءَ خُلُقه، وقال آخر، وسمعه أبو
هريرة النحويّ وهو يقول: ما يمنعُني مِن تعلُّم القرآن إلاّ أني أخاف أَنْ
أُضَيّعه، قال: أمّا أنت فقد عجّلت له التَّضييع، ولعلّك إذا تعلّمْتَه لم تضيِّعه،
وقال عمر بنُ عبد العزيز لرجلٍ: مَن سيِّدُ قومك? قال: أنا، قال: لو كنت كذلك لم
تَقُلْه،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق