كتبهابلال عبد الهادي ، في 11 أيار 2011 الساعة: 15:17 م
تعظيم زرادُشت لشأن
النار
وزرادُشت هو الذي عظم النار وأمر بإحيائها ونهى عن إطفائها
ونهى الحيَّض عن مسها والدنوِّ منها وزعم أن العقاب في الآخرة إنما هو بالبردِ
والزمهرير والدَّمَق .
علة تخويف زرادشت أصحابه بالبرد والثلج
وزعم أصحاب الكلام أن زَرَادُشت وهو صاحب المجوس جاء من
بَلْخ وادعى أن الوحي نزل عليه عَلَى جبال سيلان وأنه حين دعا سكان تلك الناحية
الباردة الذين لا يعرفون إلا الأذى بالبرد ولا يضربون المثل إلا به حتى يقول الرجل
لعبده : لئن عدت إلى هذا لأنزعنَّ ثيابك ولأقيمنَّك في الريح ولأُوقفنَّك في الثلج
فلما رأى موقِع البردِ منهم هذا الموقع جعل الوعيد بتضاعُفِه وظنَّ أنّ ذلك أزجَرُ
لهم عما يكره .
وزَرادُشت في توعده تلك الأمة بالثلج دون النار مُقِرٌّ بأنه لم يُبعث إلا إلى أهل تلك الجبال وكأنه إذا قيل له : أنت رسول إلى من قال لأهل البلاد الباردة الذين لابدّ لهم من وعيدٍ ولا وعيدَ لهم إلا بالثلج . وهذا جهلٌ منه ومن استجاب له أجهلُ منه .
وزَرادُشت في توعده تلك الأمة بالثلج دون النار مُقِرٌّ بأنه لم يُبعث إلا إلى أهل تلك الجبال وكأنه إذا قيل له : أنت رسول إلى من قال لأهل البلاد الباردة الذين لابدّ لهم من وعيدٍ ولا وعيدَ لهم إلا بالثلج . وهذا جهلٌ منه ومن استجاب له أجهلُ منه .
رد على زرادشت في
التخويف بالثلج
والثلج لا يكْمُل لمضادَّة النار فكيف يبلغ مبلغها والثلج يُؤْكَلُ ويشرب ويُقضم قضماً ويمزَج بالأشربة ويدفن فيه الماء وكثير من الفواكه . وربما أخذ بعض المترفين القطعة منه كهامَة الثور فيضعها عَلَى رأسه ساعة من نهار ويتبرّد )
بذلك . ولو أقام إنسان عَلَى قطعة من الثلج مقدارِ صخرة في حَمدان ريح ساعةً من نهار لماخيفَ عليه المرض قَطُّ . فلو كان المبالغة في التنفير والزجر أراد وإليه قَصدَ لذَكَر ما هو في الحقيقة عند الأمم أشدُّ والوعيد بما هو أشد وبما يعم بالخوف سكان البلاد الباردة والحارة أشبه إذا كان المبالغةَ يريد . والثلج قد يداوَى به بعض المرضى ويتولد فيه الدود وتخوضه الحوافرُ والأظلاف والأخفاف والأقدام بالليل والنهار في الأسفار .
وفي أيام الصيد يهون عَلَى من شرِب خمسة أرطال نبيذ أن يعدوَ عليه خمسة أشواط . معارضة بعض المجوس في عذاب النار وقد عارضني بعض المجوس وقال : فلعلَّ أيضاً صاحبكم إنما توعَّد أصحابه بالنار لأن بلادهم ليست ببلاد ثلج ولا دَمقَ وإنما هي ناحية الحرور والوهَج والسَّموم لأن ذلك المكروه أزجر لهم فرأي هذا المجوسي أنه قد عارضني فقلت له : إن أكثر بلاد العرب موصوفة بشدة الحر في الصيف وشدة البرد في الشتاء لأنها بلاد صخور وجبال والصخر يقبل الحر والبرد ولذلك سمت الفرس بالفارسية العرب والأعراب : كَهْيَان والكَه بالفارسية هو الجبل فمتى أحببت أن تعرف مقدار برد بلادهم في الشتاء وحرِّها في الصيف فانظر في أشعارهم وكيف قسَّموا ذلك وكيف وضعوه لتعرف أن الحالتين سواء عندهم في الشدة .
القول في البرودة والثلج والبلاد ليس يشتد بردها عَلَى كثرة الثلج فقد تكون بلدة أبرد وثلجها أقل والماء ليس يجمدُ للبرد فقط فيكون متى رأينا بلدة ثلجها أكثر حكمنا أن نصيبها من البرد أوفر .
وقد تكون الليلة باردة جداً وتكون صِنّبْرَةً فلا يجمد الماء ويجمد فيما هو أقلُّ منها برداً وقد يختلف جمود الماء في الليلة ذات الريح عَلَى خلاف ما يقدِّرون ويظنون .
وقد خبرني من لا أرتاب بخبره أنهم كانوا في موضعٍ من الجبَل يستَغْشُونَ به بلبس المبطَّنات ومتى صبوا ماءً في إناء زجاجٍ ووضعوه تحت السماء جَمَدَ من ساعته .
فليس جُمُود الماء بالبرد فقط ولا بد من شروطٍ ومقادير واختلافِ جواهر ومقابلات أحوال كسرعة البرد في بعض الأدهان وإبطائه عن بعض وكاختلاف عمله في الماء المغْلَى وفي الماء المتروك عَلَى حاله وكاختلاف عمله في الماء والنبيذ وكما يعتري البَوْل من الخُثُورة والجمود عَلَى قدر طبائع الطعام والقلة .
والزَّيت خاصة يصيبه المقدار القليل من النار فيستحيل من الحرارة إلى مقدار لا يستحيل إليه ما هو أَحرّ .
ردٌّ آخر على المجوس وحجةٌ أخرى عَلَى المجوس
وذلك أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم لو كان قال : لم أُبعثْ
إلا إلى أهل مكة لكان له متعلق من جهة هذه المعارضة فأما وأصل نبوَّته والذي عليه
مخرجُ أمرهِ وابتداءُ مبعثه إلى ساعة وفاته
أنه المبعوث إلى الأحمر والأسود وإلى الناس كافة وقد قال
اللّه تعالى : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللّه إلَيْكُم جَمِيعاً
وقد قال تعالى : نذِيراً لِلْبَشَرِ فلم يبق أن يكون مع ذلك قولهم معارضة وأن
يُعَدّ في باب الموازنة .
مما قيل في البرد ومما قالوا في البرد قول الكميت :
مما قيل في البرد ومما قالوا في البرد قول الكميت :
( إذا التفّ دون الفتاةِ
الضَّجِيعُ ** ووَحْوَحَ ذو الفَرْوَةِ المُرْمِلُ )
( ( وراح الفنيق مع الرائحات
** كإحدى أوائلها المرسل )
وقال الكميت أيضاً في مثل ذلك :
( وجاءت الريح من تلقاء
مَغْرِبها ** وَضَنَّ من قِدْره ذُو القِدْرِ بالْعُقَبِ )
( وكهْكَهَ المدْلِجُ المقرورُ في يَدِهِ ** واستدفأ الكلب
في المأسور ذي الذِّئب )
وقال في مثله جِرَانُ العَودِ :
( ومشبوح الأشاجعِ أريحيٍ ** بعيد السمعِ كالقمر المنير
)
( رفيع الناظرين إلى المعالي ** عَلى العِلاتِ في الخلقُ
اليسير )
( يكاد المجدُ ينضحُ من يديهِ ** إذا دُفع اليتيمُ عن الجزورِ
)
( وألجأتِ الكلاب صباً بليلٌ ** وآل نباحهنّ إلى الهرير
)
( وقد جعلتْ فتاةُ الحي تدنو ** مع الهلاك من عَرَنِ القدور
)
وقال في مثل ذلك ابن قميئة : ليس طعمي طعم الأنامل إذ قلَّص
درُّ اللقاح في الصنبرِ
( ورأيتَ الإماء كالجعثنِ البا ** لي عكوفاً عَلى قرارة قِدر
)
( ورأيتَ الدخَان كالودع الأه ** جنِ ينباع من وراء السترِ )
( حاضر شركم وخيركمُ دَ ** رُّ خروسٍ من الأرانبِ بكرِ
)
( وإذا العَذارى بالدُّخان تَقَنَّعتْ ** واستعجلت نَصْبَ
القدور فملَّتِ )
( دَرَّتْ بأرزاق العيالِ مَغَالِقٌ ** بيديَّ من قَمَع
العشار الجِلَّةِ )
وقال الهذليّ :
( وليلة يصطلي بالفرث جازرُها ** يختصُّ بالنَّقَرَى
المثْرينَ دَاعيها )
( لا ينبح الكلبُ فيها غيرَ واحدةٍ ** من الشِّتاء ولا
تَسرِي أفاعيها )
وفي الجَمدِ والبرد والأزمات يقول الكميت
:
( وفي السنةِ الجمادِ يكون غيثاً ** إذا لم تعط دِرَّتها
الغضوبُ )
( ورُوِّحت اللِّقاحُ مُبْهَلاَتٍ ** ولم تُعْطَف عَلَى
الرُّبَعِ السَّلوبُ )
( وكان السَّوف للفتيان قوتاً ** تعيش به وهُيِّبت الرقوب
)
وفي هذه القصيدة يقول في شدة الحر :
( وخَرْقٍ تعزف الجِنَّانُ فيه ** لأفئدة الكماةِ لها وَجِيب
)
( قطعتُ ظلامَ ليلته ويوماً ** يكاد حَصَى الإكام به يذوب
)
وقال آخر لمعشوقته :
( وأنتِ التي كلفتني البرد شاتياً ** وأوردتِنيه فانظري أيَّ
مورِدِ )
فما ظنك ببرد يؤدِّي هذا العاشق إلى أن يجعل شدَّته عذراً له في تركه الإلمام بها وذلك قوله في هذه القصيدة :
فما ظنك ببرد يؤدِّي هذا العاشق إلى أن يجعل شدَّته عذراً له في تركه الإلمام بها وذلك قوله في هذه القصيدة :
( فيا حسنها إذ لم أعُجْ أن يقالَ لي ** تروَّحْ فشيعنا إلى
ضحوة الغَدِ )
( فأصبحتُ مما كان بيني وبينها ** سِوى ذكرها كالقابض الماءَ
باليد )
ومما يقع في الباب قبل هذا ولم نجد له باباً قول مسكين
الدَّارِميّ :
( وإني لا أقومُ على قناتي ** أسبُّ الناسَ كالكلب العقور
)
( وإني لا أحلُّ ببطن وادٍ ** ولا آوي إلى البيتِ القصيرِ
)
( وإني لا أحاوِص عقدَ ناد ** ولا أدعو دعائي بالصغيرِ
)
( ولستُ بقائل للعَبْدِ أو قدْ ** إذا أوقدتَ بالعودِ
الصغيرِ )
ولو تأملتَ دخان أتُّون واحد من ابتدائه إلى انقضائه لرأيت
فيه الأسود الفاحم والأبيض الناصع .
والسواد والبياض هما الغاية في المضادَّة وذلك عَلَى قدر البخار والرطوبات وفيما بينهما ضروب من الألوان .
وكذلك الرماد منه الأسود ومنه الأبيض ومنه الأصهب ومنه الخَصِيف وذلك كله على فهذا بعضُ ما قالوا في البرد .
والسواد والبياض هما الغاية في المضادَّة وذلك عَلَى قدر البخار والرطوبات وفيما بينهما ضروب من الألوان .
وكذلك الرماد منه الأسود ومنه الأبيض ومنه الأصهب ومنه الخَصِيف وذلك كله على فهذا بعضُ ما قالوا في البرد .
من كتاب الحيوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق