كتبهابلال عبد الهادي ، في 11 أيار 2011 الساعة: 01:52 ص
قال أبو عثمان: وهي أربعة أحرف: القاف، والسين،
واللام، والراء، فأما التي هي على الشين المعجمة فذلك شيء لا يصوِّره الخَطّ؛ لأنه
ليس من الحروف المعروفة، وإنما هو مَخْرجٌ من المخارج، والمخارجُ لا تُحصَى ولا
يُوقف عليها، وكذلك القولُ في حروف كثيرة من حروف لغات العجم؛ وليس ذلك في شيء
أكثَرَ مِنه في لغة الخوز، وفي سواحل البحر من أسياف فارسَ ناسٌ كثير، كلامُهم يشبه
الصَّفير، فمَنْ يستطيع أن يصوِّر كثيراً من حروف الزَّمزمة، والحروفِ التي تظهر من
فم المجوسيّ إذا تَرك الإفصاحَ عن معانيه، وأخَذَ في باب الكناية وهو على الطعام?،
فاللُّثغة التي تعرِض للسّين تكون ثاء، كقولهم لأبي يَكسوم: أبي يَكثوم؛ وكما
يقولون: بُثْرَةٌ، وبِثْم اللَّهِ، إذا أرادوا بُسْرة، وبسم اللَّه، والثانية
اللثْغة التي تعرِض للقاف؛ فإن صاحبها يجعل القاف طاءً، فإذا أراد أن يقول: قلت له،
قال: طُلْت له؛ وإذا أراد أن يقول: قال لي، قال: طال لي، وأما اللثغة التي تقع في
اللام فإن مِن
أهلها مَن يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله: اعتَلَلْتُ: اعتيْيت، وبدل جَمَل: جَمَيْ، وآخرون يجعلون اللامَ كافاً، كالذي عرض لعُمَر أخي هلال، فإنه كان إذا أراد أن يقول: ما العلة في هذا، قال: مَكْعِكّة في هذا، وأمّا اللُّثغة التي تقع في الراء فإنَّ عددَها يُضعِف على عدد لثغة اللام؛ لأنّ الذي يعرِض لها أربعةُ أحرف: فمنهم مَن إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْي، فيجعل الراء ياءً، ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْغ، فيجعل الراء غيناً، ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْذ، فيجعل الراء ذالاً، وإذا أنشد قول الشاعر: من الرمل
قال:
فمن هؤلاء عليّ بن الجُنيد بن فُرَيدى، ومنهم من
يجعل الراء ظاءً معجمة، فإذا أراد أن يقول:
يقول:
ومنهم من يجعل الرّاء غَيناً معجمة، فإذا أراد
أن ينشد هذا البيت قال:
كما أن الذي لُثْغته بالياء، إذا أراد أن يقول:
واستبدّت مرة واحدة يقول: واستبدت مَيَّةً واحدة، وأما اللثغة الخامسة التي كانت
تعرض لواصل بن عطاء، ولسليمان بن يزيدَ العدويِّ الشاعر، فليس إلى تصويرها سبيل،
وكذلك اللثغة التي تعرض في السين كنحو ما كان يعرِض لمحمَّد بن الحجاج، كاتب داود
بن محمد، كاتب أم جعفر؛ فإنّ تلك أيضاً ليست لها صورةٌ في الخط تُرى بالعين، وإنما
يصوِّرها اللِّسان وتتأدَّى إلى السمع، وربَّما اجتمعت في الواحد لثُغْتان في
حرفين، كنحو لثغة شَوْشَى، صاحب عبد اللَّه خالد الأموي؛ فإنه كان يجعل اللامَ ياءً
والراء ياء، قال مرّةً: مَويايَ وييُّ أيّيّ، يريد: مولاي وليّ الرَّيّ، واللُّثغة
التي في الراء إذا كانت بالياء فهي أحقرهنَّ وأوضَعُهنَّ لذي المروءة، ثم التي على
الظاء، ثم التي على الذال، فأمَّا التي على الغين فهي أيسرهنَّ، ويقال إنّ صاحبَها
لو جَهَدَ نفسَه جَهْدَه، وأحَدّ لسانَه، وتكلّف مَخرج الراء على حقِّها والإفصاح
بها، لم يكُ بعيداً من أن تُجيبه الطَّبيعة، ويؤثِّر فيها ذلك التعهُّد أثراً
حسناً، وقد كانت لثُغة محمَّد بن شبيبٍ المتكلّمُ، بِالغَين، وكان إذا شاء أن يقول:
عَمْرو، ولعمري، وما أشبه ذلك على الصحَّة قاله، ولكنه كان يستثقل التكلُّف
والتهيؤَ لذلك، فقلت له: إذا لم يكن المانعُ إلا هذا العذرَ فلستُ أشكُّ أنك لو
احتملتَ هذا التكلُّفَ والتتبُّعَ شهراً واحداً أنّ لسانك كان يستقيم، فأمَّا من
تعتريه اللُّثغة في الضاد وربَّما اعتراه أيضاً في الصَّاد والراء، حتَّى إذا أراد
أن يقول: مُضَر، قال: مُضَى، فهذا وأشباهُه لاحقون بشَوشَى، وقدْ زعم ناسٌ من
العوامّ أن موسى عليه السلام كان ألثَغ، ولم يقِفوا من الحروف التي كانت تعرِض له
على شيء بعينه، فمنهم مَن جعل ذلك خِلقة، ومنهم من زعَم أنَّه إنما اعتراه حين قالت
آسيةُ بنتُ مُزاحِمٍ امرأة فرعون لفرعون: لا تَقْتُلْ طفلاً لا يعرف التَّمر من
الجمر، فلمَّا دعا له فرعونُ بهما جميعاً تناول جَمرةً فأهوى بها إلى فِيه، فاعتراه
من ذلك ما اعتراه، وأما اللُّثغة في الراء فتكون بالياء والظّاء والذال والغين، وهي
أقلُّها قبحاً وأوجدُها في ذَوِي الشرف وكبار الناس وبُلغائهم وعلمائهم، وكانت لثغة
محمد بن شبيبٍ المتكلّمُ، بالغين، فإذا حَمَل على نفسه وقوَّم لسانَه أخرج الرَّاء
على الصّحة فتأتَّى له ذلك، وكان يَدَعُ ذلك استثقالاً، أنا سمعت ذلك منه، قال:
وكان الواقديُّ يروي عن بعض رجالِه، أنّ لسان موسَى كانت عليه شأْمة فيها شَعَرات،
وليس يدلُّ القرآنُ على شيءٍ من هذا؛ لأنّه ليس في قوله: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ
لِسَانِي) طه: 72 دليلٌ على شيءٍ دونَ شيء، وقال الأصمعيّ: إذا تتعتع اللسانُ في
التاء فهو تمتام، وإذا تتعتع في الفاء فهو فأفاء، وأنشد لرؤبة بن العجّاج: وأنشد
أيضاً للخَوْلانيِّ في كلمةٍ له:
فجعل الخَولانيُّ التمتامَ غيرَ مُعْرِبٍ عن
معناه، ولا مفصحٍ بحاجته، وقال أبو عبيدة: إذا أدخَلَ الرَّجلُ بعضَ كلامه في بعض
فهو أَلفُّ، وقيل بلسانه لَفَفٌ، وأنشدني لأبي الزَّحْف الراجز: من الزجر
كأنّه لما جلس وحْدَه ولم يكن له مَن يكلِّمه،
وطال عليه ذلك، أصابه لففٌ في لسانه، وكان يزيدُ بن جابر، قاضي الأزارقة بعد
المُقَعْطل، يقال له الصَّموت؛ لأنّه لما طال صمتُه ثُقل عليه الكلام، فكان لسانُه
يلتوي، ولا يكاد يبين، وأخبرني محمدُ بنُ الجهم أنّ مثل ذلك اعتراه أيامَ محاربة
الزُّطّ، من طول التفكُّر ولزوم الصَّمت، قال: وأنشدَني الأصمعيّ:
قال ذلك حين كان في كلامهم عَجَلة، وقال سلمة بن
عَيَّاش:
فقال ذلك لدِقّة أصواتهم وعَجَلة كلامهم، وقال
اللَّهَبيُّ في اللجلاج:
وقال محمد بن سَلاَّم الجُمَحي: كان عمرُ بن
الخطاب، رحمه اللَّه، إذ رأى رجلاً يتلجلج في كلامه، قال: خالقُ هذا وخالقُ عمرِو
بن العاصي واحد، ويقال: في لسانه حُبْسة، إذا كان الكلام يثقُل عليه ولم يبلُغْ
حدَّ الفأْفاء والتمتام، ويقال في لسانه عُقْلةٌ، إذا تَعقَّل عليه الكلام، ويقال:
في لسان لكنَةٌ، إذا أدخل بعض حروف العجَم في حروف العرب، وجَذبت لسانَه العادةُ
الأولى إلى المخرج الأوَّل، فإذا قالوا: في لسانه ُ حكْلة، فإنما يذهبون إلى نُقصان
آلة المنطق، وعَجْز أداة اللفظ، حتى لا تُعْرَفَ معانيه إلا بالاستدلال، وقال رؤبة
بن العجاج:
وقال محمد بن ذُويبِ، في مديح عبد الملك بن
صالح:
وقال التَّيمي في هجائه لبني تَغلب:
قال: وأنشَدَني سُحيمُ بن حفص، في الخطيب الذي
تَعرِض له النّحنحة والسُّعلة، وذلك إذا انتفخَ سَحْرُه، وكَبا زَنده، ونَبا حدُّه؛
فقال:
وأنشدني ابنُ الأعرابيِّ:
وأنشدني بعض أصحابنا:
وقال آخر:
وقال بشر بن المُعتَمِرِ، في مثل ذلك:
وذلك أنّه شهد رَيْسان، أبا بُجَير بن رَيْسانَ،
يخطُب، وقد شهدتُ أنا هذه الخطبةَ ولم أر جباناً قط أجرأَ منه، ولا جريئاً قطُّ
أجبنَ منه، وقال الأشلُّ الأزرقيّ - من بعض أخوالِ عمرانَ بنِ حِطّان الصُّفريِّ
القَعَديِّ - في زيد بن جندبٍ الإياديِّ خطيبِ الأزارقة، وقد اجتمعا في بعض
المحافل، فقال بعد ذلك الأشَلُّ البكريّ:
وقد ذكر الشَّاعر زيدَ بنَ جندبٍ الإياديّ،
الخطيبَ الأزرقيَّ، في مرثيِتِه لأبي دُوَادِ بنِ حَرِيز الإيادي، حيثُ ذكره
بالخطَابة وضرب المثلَ بخطباء إياد، فقال:
وبعضهم ينشد : يا حَمْد ذاتَ المنطق
النَّمْنَامِ وليس ذلك بشيء، وإنما هو كما قال أبو الزَّحْف:
أهلها مَن يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله: اعتَلَلْتُ: اعتيْيت، وبدل جَمَل: جَمَيْ، وآخرون يجعلون اللامَ كافاً، كالذي عرض لعُمَر أخي هلال، فإنه كان إذا أراد أن يقول: ما العلة في هذا، قال: مَكْعِكّة في هذا، وأمّا اللُّثغة التي تقع في الراء فإنَّ عددَها يُضعِف على عدد لثغة اللام؛ لأنّ الذي يعرِض لها أربعةُ أحرف: فمنهم مَن إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْي، فيجعل الراء ياءً، ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْغ، فيجعل الراء غيناً، ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْذ، فيجعل الراء ذالاً، وإذا أنشد قول الشاعر: من الرمل
واستبدَّت مَـرَّةً واحـدة | إنما العاجزُ مَن لا يستبدّ |
واستبدَّت مَـذَّة واحـدة | إنما العاجز من لا يستبدّ |
واستبدت مـرة واحـدة | إنما العاجز من لا يستبدّ |
واستبدَّت مَظَّة واحـدة | إنما العاجز من لا يستبدّ |
واستبدت مـغَّةً واحـدة | إنما العاجز من لا يستبدّ |
إنَّ السِّياط تَرَكن لاستِك منطِقاً | كمقالة التمتامِ ليس بِمُعْـرِبِ |
كأنّ فيه لَفَـفـاً إذا نـطَـقْ | من طُولِ تحبيسٍ وهَمٍّ وأرَقْ |
حديث بني قُرْطٍ إذا ما لقيتَـهـم | كنَزْو الدَّبا في العرفج المتقارِبِ |
كَأنَّ بني رألانَ إذْ جاء جمعُهم | فراريجُ يُلقَى بينهنّ سَـويق |
ليس خَطيبُ القوم باللجلاجِ | ولا الذي يَزْحلُ كالهِلباجِ | |
ورُبَّ بـيداءَ ولــيلٍ داجِ | هتكتُه بالنَّـصِّ والإدلاجِ |
لو أنّني أوتيتُ عِلْم الحُكَلِ | عِلمَ سليمانَ كلامَ النملِِ |
ويفهمُ قول الحُكْلِ لو أَنَّ ذَرَّةً | تساوِدُ أُخرى لم يَفُتْه سِوَادُها |
ولكنَّ حُكْلاً لا تُبِينُ ودينُهـا | عبادةُ أعلاجٍ عليها البرانسُ |
نَعوذُ باللَّـه مِـن الإهـمـالِ | ومِن كَلالِ الغَرْب في المَقالِ | |
ومن خطيب دائِم السُّـعـالِ |
إنَّ زياداً ليس بالبكيِّ | ولا بَهيَّابٍ كثيرِ العِيِّ |
ناديتُ هَيْذَانَ والأبوابُ مغلقةٌ | ومثلُ هَيْذانَ سَنَّى فتحةَ البابِ | |
كالهُنِدُوانيِّ لم تُفْلَلْ مَضارِبـهُ | وجهٌ جميلٌ وقلبٌ غيرُ وَجَّابِ |
إذا اللَّه سَنَّى عقْدَ شيءٍ تيسراِ |
ومِن الكبائرِ مِقْوَلٌ متتَعتعٌ | جمُّ التنحنح مُتعَبٌ مبهورُ |
نَحنَحَ زيدٌ وسَـعَـلْ | لمّا رأى وَقْعَ الأسَلْ | |
ويلُ أمِّه إذا ارتَجَـلْ | ثمَّ أطالَ واحتَـفَـلْ |
كقُسِّ إياد أو لَقيطِ بن مَـعْـبـدٍ | وعُذْرَةَ والمِنطيقِ زَيدِ بن جُندبِ |
يا حَمْدَ ذَاتَ المنطِق التّمتامِ | كأنّ وَسْواسَكِ في اللِّمـامِ | |
حديثُ شيطانِ بني هِنّامِ |
لست بفأفأءٍ ولا تَـمـتـامِ | ولا كثيرِ الهُجْرِ في الكلام |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق