كتبهابلال عبد الهادي ، في 1 أيار 2011 الساعة: 19:26 م
حدث محمد بن مسلم الرجل الصالح قال: رأيت يحيى
بن أكثم في المنام فقلت: ما فعل الله بك? قال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا شيخ
السوء، لولا شيبتك لأحرقت بالنار، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه، فلما أفقت،
قالها ثانياً وثالثاً، فقلت: يا رب، ما هكذا حدثت عنك، فقال تعالى: وما حدثت عني؛
قلت: حدثني عبد الرزاق قال: حدثني معمر بن راشد عن الزهري عن أنس بن مالك عن نبيك
صلى الله عليه وسلم عن جبريل، عنك يا عظيم أنك قلت: "ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة
إلا استحييت أن أعذبه بالنار"، فقال الله تعالى: صدق عبد الرزاق وصدق معمر، وصدق
الزهري، وصدق أنس، وصدق نبيي، وصدق جبريل، أنا قلت ذلك، انطلقوا به إلى
الجنة.
وجاء في حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يتجر من بلاد الشام إلى المدينة ولا يصحب القافلة توكلاً على الله، فبينما هو جاء من الشام إذ عرض له لص على فرس، فصاح بالتاجر: قف، فوقف التاجر وقال له: شأنك ومالي? فقال له اللص: المال مالي، وإنما أردت نفسك، فقال له: أنظرني حتى أصلي، فقال: افعل ما بدا لك، فصلى أربع ركعات، ورفع رأسه إلى السماء وجعل يقول: يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على خلقك، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات، وإذا بفارس بيده حربة، فلما نظر إليه اللص ترك التاجر ومضى نحوه، فلما دنا منه طعنه الفارس فأداره عن فرسه وقتله، وقال للتاجر: اعلم أني ملك من السماء الثالثة، دعوت الأولى فسمعنا لأبواب السماء قعقعة، فقلنا: أمر حدث، ثم دعوت الثانية ففتحت أبواب السماء ولها شرر، ثم دعوت الثالثة، فهبط جبريل ينادي: من لهذا المكروب? فدعوت الله أن يوليني قتله، واعلم يا عبد الله أنه من دعا بدعائك هذا في كل شدة أغاثه وفرج عنه، ثم جاء التاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: لقد لقنك الله أسماء الله الحسنى التي إذا دعي بها أجاب، وإذا سئل بها أعطى.
ووجه سليمان بن عبد الملك محمد بن يزيد إلى العراق، فأطلق أهل سجون الحجاج، وضايق على يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج، فظفر به بعد ذلك يزيد، لما ولي أفريقية فجعل محمد يقول: اللهم احفظ لي إطلاق الأسرى، وإعطاء الفقراء، فلما دنا يزيد منه، وفي يده عنقود قال: يا محمد، مازلت أسأل الله أن يظفرن بك، فقال له محمد: وما زلت أستجير الله منك، قال: فوالله، ما أجارك ولا أعاذك مني، والله، لأقتلنك قبل أن آكل هذه الحبة من العنب، والله لو رأيت ملكاً يريد قبض روحك لسبقته إليها، وأقيمت الصلاة، ووضعت حبة العنب بين يديه، وتقدم فصلى بهم، وكان أهل أفريقية قد اجتمعوا على قتل يزيد، فلما ركع ضربه رجل بعمود فقتله، وقيل لمحمد: اذهب حيث شئت.
وقال أبو علي الدارني: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكاً ولا مبتسماً إلا يوم مات ابنه، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله تعالى أحب أمراً فأحببته، والفضيل هذا من رجال رسالة القشيري، مشهور بزهد وصلاح، وكان يقول: إذا رأيت الليل مقبلاً فرحت، وقلت: أخلو لربي، وإذا أبصرت الصبح استرجعت؛ كراهة أن يجيء من يشغلني، وكان في أول أمره شاطراً يقطع الطريق، وسبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو ذات ليلة، يرتقب الجواز إليها، إذ سمع تالياً يتلو: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)، فقال: يا رب، قد آن، فرجع إلى خربة، فإذا فيها قافلة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى يصبح؛ فإن الفضيل على الطريق يقطع علينا، فأمنهم وجاور الحرم.
وقال محمد بن المبارك: كنت مع إبراهيم بن أدهم في طريق بيت المقدس فنزلنا وقت القيلولة تحت شجرة رمان، فصلينا ركعات، فسمعت صوتاً من أصل الرمانة يقول: يا أبا إسحاق، أكرمنا بأن تأكل منا، فطأطأ رأسه قال ذلك ثلاث مرات، ثم قال: يا محمد، كن شفيعنا إليه، ليتناول منا شيئاً، فقلت: يا أبا إسحاق، لقد سمعت، فقام فأخذ رمانتين، فأكل الواحدة وناولني الأخرى، فأكلتها، وهي حامضة، وكانت قصيرة، فلما رجعنا مررنا بها، وهي شجرة عالية، ورمانها حلو، وهي تثمر في كل عام مرتين، وسموها رمانة العابدين، وإبراهيم هذا من كبار شيوخ الصوفية وهو من رجال رسالة القشيري.
وركب في مركب فهاجت ريح شديدة، فلف رأسه، وطرح نفسه مع الناس، فسمعوا من البحر صوت يقول: لا تخافوا؛ ففيكم إبراهيم بن أدهم، وصاح الناس في المركب: أين إبراهيم بن أدهم، ثم سكنت الريح، فخرجوا وما عرفوه.
وتوفي رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مسرفاً على نفسه، وحين حضرته الوفاة رفع رأسه، فإذا أبواه يبكيان عليه، فقال: ما يبكيكما فقالا: نبكي؛ لإسرافك على نفسك، فقال: لا تبكيا؛ فوالله ما سرني أن الذي بيد الله من أمري بأيديكما، فأتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن فتى توفي اليوم، فأشهده بأنه من أهل الجنة، فاستكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه عن عمله، فقالا: ما علمنا عنده شيئاً من خير إلا أنه قال عند الموت: كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ها هنا، إن حسن الظن بالله من أفضل العمل عنده".
وكان محمد بن نافع الناسك صديقاً لأبي نواس، قال: لما بلغني موته أشفقت عليه، فرأيته في المنام، فقلت: أبو نواس فقال: لات حين كنية، قلت: الحسن? قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك? قال: غفر لي، قلت: بأي شي? قال: بتوبة تبتها قبل موتي بأبيات شعر قلتها، قلت: وما هي? قال: هي عند أهلي، فسرت إلى أمه، فلما رأتني أخذت في البكاء، فأخبرتها بما رأيت، وبما قال، فسكتت، وأخرجت إلي كتباً منظمة، فوجدت بخطه كأنه قريب:
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا=وجميل ظني، ثم إني
مسلم وقال سفيان الثوري لرابعة العدوية: ما حقيقة إيمانك? قالت: ما عبدته خوف
النار، ولا رجاء الجنة، فأكون كالأجير السوء، بل عبدته حباً فيه وشوقاً إليه، وقالت
في معنى ذلك:
واحتاجت إلى شيء، فقيل لها: لو بعثت إلى فلان،
فقالت: والله، لا أطلب الدنيا ممن يملكها، فكيف من لا يملكها.
وزارها أصحابها، فذكروا الدنيا، وأقبلوا على ذمها، فقالت: اسكتوا من ذمها؛ فلولا موضعها من قلوبكم، ما أكثرتم من ذكرها، ألا من أحب شيئاً أكثر من ذكره.
وقال عبد الواحد بن زيد: رأيت ليلة مات الحسن البصري في النوم أبواب السماء، كأنها منفتحة، وكأن الملائكة صفوف، فقلت: إن هذا لأمر عظيم، فقال لي قائل: الحسن البصري قدم على الله، وهو عنه راض.
وكان للمأمون غلام، فبينما هو يصب الماء على يده، إذ سقط الإناء، فغضب المأمون، فقال له الخادم: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: (والكاظمين الغيظ)، قال: قد كظمت غيظي، قال: (والعافين عن الناس)، قال: قد عفوت عنك، قال: (والله يحب المحسنين) قال: اذهب، فأنت حر.
وقال بكر بن سليمان الصواف: دخلنا على مالك بن أنس رضي الله عنه في العشية التي قبض فيها، فقلنا: يا عبد الله، كيف تجدك? فقال: لا أدري ما أقول لكم، ستعاينون من عفو الله تعالى ما لم يكن في حسابكم، ثم ما خرجنا حتى غمضنا عينيه.
وقيل: إن ثلاثة نفر من العابدين اجتمعوا في الموقف، فقالوا: تعالوا، حتى نعرض أنفسنا على مولانا، ونصف حالتنا، فتقدم أحدهم ورمى بثوبه عن عاتقه، وبقي في المتزر، ثم قال: نفسي معيوب، وكلامي معيوب، والكل مني معيوب، فإن كنت تقبل معيوباً، فلبيك اللهم لبيك، قال: فنودي في سره: عبدي، لم تعيب نفساً أنا خلقتها وبلطفي رزقتها، ولولا أني غفرت لها لما أدنيتها، وتقدم الثاني فقال: نفسي مطلوب، وعقلي مغلوب، ولساني مقر بالذنوب، فما حيلتي يا علام الغيوب? فنودي في سره: عبدي، لم تقبح نفسك ولم أجعل بيني وبينك ثالثاً، عصيتني سراً، وغفرت لك سراً، وتقدم الثالث فقال: مولاي، ما لي لسان أناديك، ولا سر أناجيك، ولا يد أرفعها لك، فارحم تضرعي وتذللي بين يديك، فنودي في سره: عبدي حجك مبرور، وسعيك مشكور، وذنبك مغفور، وقد وهبنا لك أهل الموقف، فمن جاءنا، بالذلة والافتقار، استقبلناه بالعز والافتخار، ومن جاءنا بالذلة والخضوع استقبلناه بحسن الرجوع.
وسئل سهل بن عبد الله التستري عن أصل عبادته فقال: اعلموا، رحمكم الله، أني كنت ألفت حوضاً من الجامع أصلي فيه، فلما كان في بعض الأيام، وكان يوم جمعة، توضأت وأسرعت إلى المسجد، فوجدته قد غص بالناس، فبقيت متحيراً، فأسأت الأدب، وتخطيت رقاب الناس، حتى وصلت إلى ذلك الحوض، فركعت وجلست، فإذا عن يميني شاب حسن الصورة، وعليه ثياب صوف بيض، وعلى كتفيه طيلسان أبيض، فنظر إلي وقال: كيف تجدك يا سهل? فقلت: بخير، أصلحك الله، وبقيت مفكراً في معرفته لي، وأنا لم أعرفه، فبينما أنا كذلك إذ أخذتني حرقة بول، فأكربتني، وبقيت على وجل حياء من الناس أن أسيء أدبي وأتخطاهم ثانية، وإن جلست لم يكن لي صلاة، فبينما أنا كذلك، إذ التفت إلي الشاب وقال: يا سهل، هل أخذتك حرقة البول? فقلت: أجل، فنزع طيلسانه من منكبيه، وغشاني به، ثم قال لي: يا سهل اقضي حاجتك، وأسرع تلحق الصلاة، قال: فأغمي علي ثم فتحت عيني، فإذا أنا باب مفتوح، وسمعت قائلاً يقول: لج، يرحمك الله فولجت الباب، فإذا قصر على البنيان شامخ الأركان، وإذا في وسطه نخلة قائمة، وإذا جانبها مطهرة مملوءة ماء، ونظرت إلى موضع إراقة الماء، وإذا منشفة معلقة وسواك، فحللت سراويلي وبلت واغتسلت، وتوضأت وضوءاً كاملاً، وتنشفت، فسمعته يقول: قد قضيت أربك? قلت: نعم، فوضع الطيلسان، فإذا أنا جالس في مكاني، لم يشعر بي أحد، فبقيت متحيراً، لا أدري ما حل بي، وأنا مكذب لروحي فيما جرى، وقامت الصلاة، فلم أدر ما صليت، ولم يكن همي غير الفتى، فلما خرج تتبعت أثره، فإذا به قد دخل إلى درب عظيم وأنا خلفه، فالتفت إلى ورائه، فلما رآني قال: يا سهل، كأنك ما أيقنت? فقلت: كلا، فقال: لج الباب يرحمك الله، فنظرت إلى الباب بعينه، فولجت القصر، فرأيت النخلة والمطهر والحال بعينه، والمنشفة مبلولة بحالها، فقلت: آمنت بالله تعالى فقال: يا سهل، من أطاع الله أطاعه كل شيء، يا سهل، اطلبه تجده، فتغرغرت عيناي بالدموع، فلما مسحتهما فتحتهما، فلم أر الفتى ولا القصر، فبقيت متحيراً على ما فاتني منه متأسفاً، فاجتهدت عند ذلك في الخدمة، واستعنت بالله تعالى فأعانني.
وقيل: إن سهلاً هذا صام من يوم خروجه من بطن أمه إلى دخوله إلى القبر، لم يفطر في عمره إلا أيام العيدين، وذلك أن أمه كانت تعرض عليه ثديها بالنهار فلا يرضعه فإذا كان المغرب رضعه، فلم يزل كذلك إلى أن بلغ سبع سنين، فأخذ في الصيام والعبادة، حتى لقي الله عز وجل.
وقيل: لما كان يوم وفاته، خرج الناس بنعشه في يوم حر وشمس، فإذا بيهودي يصيح: معشر الناس، هل ترون ما أرى? فنظروا، فإذا بنسور قد سدت الأفق، ونشرت أجنحتها؛ تستر الناس من الشمس، فقال اليهودي عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله حقاً حقاً، ثم قضى نحبه من ساعته، فأخذوا في غسله وتكفينه، وصلى عليهما جميعاً، ودفن إلى جانب قبر سهل.
وقال ابن شريح في مرضه الذي مات فيه: رأيت البارحة في المنام كأن قائلاً يقول: هذا ربك يخاطبك، فسمعت: "ماذا أجبتم المرسلين فوقع في قلبي أنه يراد مني زيادة في الجواب، فقلت؛ بالإيمان والتصديق، غير أنا قد أصبنا من هذه الذنوب، فقال: أما أني سأغفرها لكم.
وكان رجل شريف جمع قوماً من ندمائه ودفع إلى غلام له أربعة دراهم ليشتري بها فواكه للمجلس، فمر الغلام بمجلس منصور بن عمار الواعظ، وهو يسأل لفقير شيئاً، ويقول: من دفع له أربعة دراهم دعوت له ?أربع دعوات، فدفع له الغلام الدراهم، فقال له المنصور: ما الذي تريد أن أدعو لك به? فقال: أن يعتقني الله من العبودية، فدعا منصور، وأمن الناس على دعائه، قال: والثانية يا غلام? فقال أن يخلف الله على الدراهم فدعا له وأمن الناس، ثم قال له والثالثة يا غلام? فقال: أن يتوب الله على مولاي، فدعا وأمن الناس، ثم قال: والرابعة يا غلام? قال: أن يغفر الله لي ولمولاي ولك يا منصور وللحاضرين، فدعا منصور، وأمن الناس على دعائه، فرجع الغلام فقال له مولاه: لم أبطأت? فقص عليه القصة، قال: وبم دعا? قال: سألت لنفسي العتق، قال: اذهب، فأنت حر، قال: والثانية? قال: أن يخلف الله على الدراهم، قال: لك أربعة آلاف درهم، قال: والثالثة? قال: أن يتوب الله عليك، قال: تبت إلى الله عز وجل، قال: والرابعة? قال: أن يغفر الله لي ولك وله وللحاضري، قال: هذه واحدة ليست إلي، فلما بات رأى في المنام كأن قائلاً قال له: أنت فعلت ما كان إليك، أتراني لا أفعل ما كان إلي? قد غفرت لك وللغلام ولمنصور وللحاضرين أجمعين.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
وجاء في حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يتجر من بلاد الشام إلى المدينة ولا يصحب القافلة توكلاً على الله، فبينما هو جاء من الشام إذ عرض له لص على فرس، فصاح بالتاجر: قف، فوقف التاجر وقال له: شأنك ومالي? فقال له اللص: المال مالي، وإنما أردت نفسك، فقال له: أنظرني حتى أصلي، فقال: افعل ما بدا لك، فصلى أربع ركعات، ورفع رأسه إلى السماء وجعل يقول: يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على خلقك، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات، وإذا بفارس بيده حربة، فلما نظر إليه اللص ترك التاجر ومضى نحوه، فلما دنا منه طعنه الفارس فأداره عن فرسه وقتله، وقال للتاجر: اعلم أني ملك من السماء الثالثة، دعوت الأولى فسمعنا لأبواب السماء قعقعة، فقلنا: أمر حدث، ثم دعوت الثانية ففتحت أبواب السماء ولها شرر، ثم دعوت الثالثة، فهبط جبريل ينادي: من لهذا المكروب? فدعوت الله أن يوليني قتله، واعلم يا عبد الله أنه من دعا بدعائك هذا في كل شدة أغاثه وفرج عنه، ثم جاء التاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: لقد لقنك الله أسماء الله الحسنى التي إذا دعي بها أجاب، وإذا سئل بها أعطى.
ووجه سليمان بن عبد الملك محمد بن يزيد إلى العراق، فأطلق أهل سجون الحجاج، وضايق على يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج، فظفر به بعد ذلك يزيد، لما ولي أفريقية فجعل محمد يقول: اللهم احفظ لي إطلاق الأسرى، وإعطاء الفقراء، فلما دنا يزيد منه، وفي يده عنقود قال: يا محمد، مازلت أسأل الله أن يظفرن بك، فقال له محمد: وما زلت أستجير الله منك، قال: فوالله، ما أجارك ولا أعاذك مني، والله، لأقتلنك قبل أن آكل هذه الحبة من العنب، والله لو رأيت ملكاً يريد قبض روحك لسبقته إليها، وأقيمت الصلاة، ووضعت حبة العنب بين يديه، وتقدم فصلى بهم، وكان أهل أفريقية قد اجتمعوا على قتل يزيد، فلما ركع ضربه رجل بعمود فقتله، وقيل لمحمد: اذهب حيث شئت.
وقال أبو علي الدارني: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكاً ولا مبتسماً إلا يوم مات ابنه، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله تعالى أحب أمراً فأحببته، والفضيل هذا من رجال رسالة القشيري، مشهور بزهد وصلاح، وكان يقول: إذا رأيت الليل مقبلاً فرحت، وقلت: أخلو لربي، وإذا أبصرت الصبح استرجعت؛ كراهة أن يجيء من يشغلني، وكان في أول أمره شاطراً يقطع الطريق، وسبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو ذات ليلة، يرتقب الجواز إليها، إذ سمع تالياً يتلو: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)، فقال: يا رب، قد آن، فرجع إلى خربة، فإذا فيها قافلة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى يصبح؛ فإن الفضيل على الطريق يقطع علينا، فأمنهم وجاور الحرم.
وقال محمد بن المبارك: كنت مع إبراهيم بن أدهم في طريق بيت المقدس فنزلنا وقت القيلولة تحت شجرة رمان، فصلينا ركعات، فسمعت صوتاً من أصل الرمانة يقول: يا أبا إسحاق، أكرمنا بأن تأكل منا، فطأطأ رأسه قال ذلك ثلاث مرات، ثم قال: يا محمد، كن شفيعنا إليه، ليتناول منا شيئاً، فقلت: يا أبا إسحاق، لقد سمعت، فقام فأخذ رمانتين، فأكل الواحدة وناولني الأخرى، فأكلتها، وهي حامضة، وكانت قصيرة، فلما رجعنا مررنا بها، وهي شجرة عالية، ورمانها حلو، وهي تثمر في كل عام مرتين، وسموها رمانة العابدين، وإبراهيم هذا من كبار شيوخ الصوفية وهو من رجال رسالة القشيري.
وركب في مركب فهاجت ريح شديدة، فلف رأسه، وطرح نفسه مع الناس، فسمعوا من البحر صوت يقول: لا تخافوا؛ ففيكم إبراهيم بن أدهم، وصاح الناس في المركب: أين إبراهيم بن أدهم، ثم سكنت الريح، فخرجوا وما عرفوه.
وتوفي رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مسرفاً على نفسه، وحين حضرته الوفاة رفع رأسه، فإذا أبواه يبكيان عليه، فقال: ما يبكيكما فقالا: نبكي؛ لإسرافك على نفسك، فقال: لا تبكيا؛ فوالله ما سرني أن الذي بيد الله من أمري بأيديكما، فأتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن فتى توفي اليوم، فأشهده بأنه من أهل الجنة، فاستكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه عن عمله، فقالا: ما علمنا عنده شيئاً من خير إلا أنه قال عند الموت: كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ها هنا، إن حسن الظن بالله من أفضل العمل عنده".
وكان محمد بن نافع الناسك صديقاً لأبي نواس، قال: لما بلغني موته أشفقت عليه، فرأيته في المنام، فقلت: أبو نواس فقال: لات حين كنية، قلت: الحسن? قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك? قال: غفر لي، قلت: بأي شي? قال: بتوبة تبتها قبل موتي بأبيات شعر قلتها، قلت: وما هي? قال: هي عند أهلي، فسرت إلى أمه، فلما رأتني أخذت في البكاء، فأخبرتها بما رأيت، وبما قال، فسكتت، وأخرجت إلي كتباً منظمة، فوجدت بخطه كأنه قريب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كـثـرة | فلقد علمت بأن عفوك أعـظـم | |
إن كان لا يرجوك إلا محـسـن | فمن الذي يرجو المسيء المجرم | |
أدعوك رب، كما أمرت تضرعـاً | فإذا رددت يدي، فمن ذا يرحم? |
أحبك حبـين، حـب الـهـوى | وحبـا لأنـك أهـل لـذاكـا | |
فأما الذي هو حـب الـهـوى | فشغلي بذكرك عمن سواكـا | |
وأمـا الـذي أنـت أهـل لـه | فكشفك لي الحجب حتى أراكا | |
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لـي | ولكن لك الحمد في ذا وذاكـا |
وزارها أصحابها، فذكروا الدنيا، وأقبلوا على ذمها، فقالت: اسكتوا من ذمها؛ فلولا موضعها من قلوبكم، ما أكثرتم من ذكرها، ألا من أحب شيئاً أكثر من ذكره.
وقال عبد الواحد بن زيد: رأيت ليلة مات الحسن البصري في النوم أبواب السماء، كأنها منفتحة، وكأن الملائكة صفوف، فقلت: إن هذا لأمر عظيم، فقال لي قائل: الحسن البصري قدم على الله، وهو عنه راض.
وكان للمأمون غلام، فبينما هو يصب الماء على يده، إذ سقط الإناء، فغضب المأمون، فقال له الخادم: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: (والكاظمين الغيظ)، قال: قد كظمت غيظي، قال: (والعافين عن الناس)، قال: قد عفوت عنك، قال: (والله يحب المحسنين) قال: اذهب، فأنت حر.
وقال بكر بن سليمان الصواف: دخلنا على مالك بن أنس رضي الله عنه في العشية التي قبض فيها، فقلنا: يا عبد الله، كيف تجدك? فقال: لا أدري ما أقول لكم، ستعاينون من عفو الله تعالى ما لم يكن في حسابكم، ثم ما خرجنا حتى غمضنا عينيه.
وقيل: إن ثلاثة نفر من العابدين اجتمعوا في الموقف، فقالوا: تعالوا، حتى نعرض أنفسنا على مولانا، ونصف حالتنا، فتقدم أحدهم ورمى بثوبه عن عاتقه، وبقي في المتزر، ثم قال: نفسي معيوب، وكلامي معيوب، والكل مني معيوب، فإن كنت تقبل معيوباً، فلبيك اللهم لبيك، قال: فنودي في سره: عبدي، لم تعيب نفساً أنا خلقتها وبلطفي رزقتها، ولولا أني غفرت لها لما أدنيتها، وتقدم الثاني فقال: نفسي مطلوب، وعقلي مغلوب، ولساني مقر بالذنوب، فما حيلتي يا علام الغيوب? فنودي في سره: عبدي، لم تقبح نفسك ولم أجعل بيني وبينك ثالثاً، عصيتني سراً، وغفرت لك سراً، وتقدم الثالث فقال: مولاي، ما لي لسان أناديك، ولا سر أناجيك، ولا يد أرفعها لك، فارحم تضرعي وتذللي بين يديك، فنودي في سره: عبدي حجك مبرور، وسعيك مشكور، وذنبك مغفور، وقد وهبنا لك أهل الموقف، فمن جاءنا، بالذلة والافتقار، استقبلناه بالعز والافتخار، ومن جاءنا بالذلة والخضوع استقبلناه بحسن الرجوع.
وسئل سهل بن عبد الله التستري عن أصل عبادته فقال: اعلموا، رحمكم الله، أني كنت ألفت حوضاً من الجامع أصلي فيه، فلما كان في بعض الأيام، وكان يوم جمعة، توضأت وأسرعت إلى المسجد، فوجدته قد غص بالناس، فبقيت متحيراً، فأسأت الأدب، وتخطيت رقاب الناس، حتى وصلت إلى ذلك الحوض، فركعت وجلست، فإذا عن يميني شاب حسن الصورة، وعليه ثياب صوف بيض، وعلى كتفيه طيلسان أبيض، فنظر إلي وقال: كيف تجدك يا سهل? فقلت: بخير، أصلحك الله، وبقيت مفكراً في معرفته لي، وأنا لم أعرفه، فبينما أنا كذلك إذ أخذتني حرقة بول، فأكربتني، وبقيت على وجل حياء من الناس أن أسيء أدبي وأتخطاهم ثانية، وإن جلست لم يكن لي صلاة، فبينما أنا كذلك، إذ التفت إلي الشاب وقال: يا سهل، هل أخذتك حرقة البول? فقلت: أجل، فنزع طيلسانه من منكبيه، وغشاني به، ثم قال لي: يا سهل اقضي حاجتك، وأسرع تلحق الصلاة، قال: فأغمي علي ثم فتحت عيني، فإذا أنا باب مفتوح، وسمعت قائلاً يقول: لج، يرحمك الله فولجت الباب، فإذا قصر على البنيان شامخ الأركان، وإذا في وسطه نخلة قائمة، وإذا جانبها مطهرة مملوءة ماء، ونظرت إلى موضع إراقة الماء، وإذا منشفة معلقة وسواك، فحللت سراويلي وبلت واغتسلت، وتوضأت وضوءاً كاملاً، وتنشفت، فسمعته يقول: قد قضيت أربك? قلت: نعم، فوضع الطيلسان، فإذا أنا جالس في مكاني، لم يشعر بي أحد، فبقيت متحيراً، لا أدري ما حل بي، وأنا مكذب لروحي فيما جرى، وقامت الصلاة، فلم أدر ما صليت، ولم يكن همي غير الفتى، فلما خرج تتبعت أثره، فإذا به قد دخل إلى درب عظيم وأنا خلفه، فالتفت إلى ورائه، فلما رآني قال: يا سهل، كأنك ما أيقنت? فقلت: كلا، فقال: لج الباب يرحمك الله، فنظرت إلى الباب بعينه، فولجت القصر، فرأيت النخلة والمطهر والحال بعينه، والمنشفة مبلولة بحالها، فقلت: آمنت بالله تعالى فقال: يا سهل، من أطاع الله أطاعه كل شيء، يا سهل، اطلبه تجده، فتغرغرت عيناي بالدموع، فلما مسحتهما فتحتهما، فلم أر الفتى ولا القصر، فبقيت متحيراً على ما فاتني منه متأسفاً، فاجتهدت عند ذلك في الخدمة، واستعنت بالله تعالى فأعانني.
وقيل: إن سهلاً هذا صام من يوم خروجه من بطن أمه إلى دخوله إلى القبر، لم يفطر في عمره إلا أيام العيدين، وذلك أن أمه كانت تعرض عليه ثديها بالنهار فلا يرضعه فإذا كان المغرب رضعه، فلم يزل كذلك إلى أن بلغ سبع سنين، فأخذ في الصيام والعبادة، حتى لقي الله عز وجل.
وقيل: لما كان يوم وفاته، خرج الناس بنعشه في يوم حر وشمس، فإذا بيهودي يصيح: معشر الناس، هل ترون ما أرى? فنظروا، فإذا بنسور قد سدت الأفق، ونشرت أجنحتها؛ تستر الناس من الشمس، فقال اليهودي عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله حقاً حقاً، ثم قضى نحبه من ساعته، فأخذوا في غسله وتكفينه، وصلى عليهما جميعاً، ودفن إلى جانب قبر سهل.
وقال ابن شريح في مرضه الذي مات فيه: رأيت البارحة في المنام كأن قائلاً يقول: هذا ربك يخاطبك، فسمعت: "ماذا أجبتم المرسلين فوقع في قلبي أنه يراد مني زيادة في الجواب، فقلت؛ بالإيمان والتصديق، غير أنا قد أصبنا من هذه الذنوب، فقال: أما أني سأغفرها لكم.
وكان رجل شريف جمع قوماً من ندمائه ودفع إلى غلام له أربعة دراهم ليشتري بها فواكه للمجلس، فمر الغلام بمجلس منصور بن عمار الواعظ، وهو يسأل لفقير شيئاً، ويقول: من دفع له أربعة دراهم دعوت له ?أربع دعوات، فدفع له الغلام الدراهم، فقال له المنصور: ما الذي تريد أن أدعو لك به? فقال: أن يعتقني الله من العبودية، فدعا منصور، وأمن الناس على دعائه، قال: والثانية يا غلام? فقال أن يخلف الله على الدراهم فدعا له وأمن الناس، ثم قال له والثالثة يا غلام? فقال: أن يتوب الله على مولاي، فدعا وأمن الناس، ثم قال: والرابعة يا غلام? قال: أن يغفر الله لي ولمولاي ولك يا منصور وللحاضرين، فدعا منصور، وأمن الناس على دعائه، فرجع الغلام فقال له مولاه: لم أبطأت? فقص عليه القصة، قال: وبم دعا? قال: سألت لنفسي العتق، قال: اذهب، فأنت حر، قال: والثانية? قال: أن يخلف الله على الدراهم، قال: لك أربعة آلاف درهم، قال: والثالثة? قال: أن يتوب الله عليك، قال: تبت إلى الله عز وجل، قال: والرابعة? قال: أن يغفر الله لي ولك وله وللحاضري، قال: هذه واحدة ليست إلي، فلما بات رأى في المنام كأن قائلاً قال له: أنت فعلت ما كان إليك، أتراني لا أفعل ما كان إلي? قد غفرت لك وللغلام ولمنصور وللحاضرين أجمعين.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق