كتبهابلال عبد الهادي ، في 14 شباط 2012 الساعة: 18:11 م
قرأت هذه
الحكاية الحزينة في كتاب صينيّ يتكلّم عن السعادة من منظور الحكيم كونفوشيوس، تسرد
الحكاية سيرة أرملة عاشت مع ابنها الوحيد في سعادة ورضا ّإلى أن جاء الموت على حين
غرّة وخطف منها ابنها وهو في زهو شبابه.حزنت
الأرملة حزناً فاق طاقة خيالها واحتمالها، فذهبت إلى حكيم قريتها، طالبة منه ان
يعيد اليها ابنها. لم يتهمها الحكيم بالجنون، ولم يقل لها: ليس الآن أوان عودة
الأموات، ولكنّه قال لها بهدوء واثق ومواسٍ: احضار ابنك يتطلّب أوّلاً ان تحضري لي
حبّة خردل واحدة لا غير من بيت لم تطرق بابه الأحزان. حبّة واحدة من الخردل تفصل
بينها وبين ابنها، طارت الثكلى من الفرح بدنوّ الفرج، وبكلّ همة أخذت السيدة تدور
على بيوت القرية كلها وتبحث عن حبّة الخردل السحرية. طرقت السيدة باباً، ففتحت لها
امرأة شابة فسألتها السيدة: هل عرف هذا البيت حزناً من قبل؟ابتسمت المرأة ابتسامة تنمّ عن حزن دفين،
وأجابت:وهل عرف بيتي إلاّ الأحزان؟ وأخذت تحكي للسيدة كيف أن
زوجها توفي منذ سنة، وترك لها أربعة أولاد صغار، ولم تجد لإعالتهم سوى بيع أثاث
الدار الذي لم يتبقّ منه إلاّ القليل الرثّ. تأثرت السيدة جداً بما رأت وسمعت وراحت
تواسيها، وقبل الغروب دخلت السيدة بيتاً آخر ولها نفس المطلب، وعلمت من سيدة الدار
أن زوجها طريح الفراش منذ أمد، وليس عندها طعام كافٍ لأطفالها منذ فترة. ذهبت
السيدة إلى السوق، واشترت بكلّ ما معها من نقود طعاماً، ورجعت إلى سيدة الدار،
وساعدتها في طبخ وجبة سريعة للأولاد، واشتركت معها في إطعامهم ثم
ودّعتها.وفي الصباح أخذت السيدة تطوف من بيت إلى بيت تبحث عن حبّة
الخردل، طال بحثها ولكنها للأسف لم تجد ذلك البيت الذي لم يعرف الحزن مطلقاً، لكي
تأخذ من أهله حبة الخردل.وبمرور الأيام أصبحت هذه السيدة
صديقة لكلّ بيت في القرية، نسيت تماماً أنها كانت تبحث في الأصل على حبّة خردل من بيت لم
يعرف الحزن.انهمكت في مشاكل الآخرين ومشاعرهم. اكتشفت الثكلى انّه لا
يوجد مخلوق في الكون يمكن أن يكون "وكيلاً حصرياً"
للأحزان.
عيون الريبة
هناك حكيم
صينيّ اسمه لْيِهْ تْزِهْ ، وهو ثالث ثلاثة يشكلون عماد "الديانة الطاوية "، له
كتاب جميل جدّا مليء بالحكايات الفاتنة منها هذه الحكاية عن رجل لم يجد فأسه في
مكانها. لم يساوره شكّ من أنّ السارق هو أبن جاره. راح يَرقب الشابّ في ذهابه
وإيابه: كانت مشيته تدلّ على إنه لصّ
.رصد ملامح وجهه: كانت تشبه ملامح
اللصّ.أصْغى إلى كلامه وكأنه يصغي إلى لصّ
محترف.بإختصار شديد، كلّ حركة من حركات الشاب
كانت تدلّ على إنّه هو سارق الفأس، ولا آخر سواه.بعد مدّة
خرج الرجل إلى الحقل فوجد فأسه هناك. وعندما عاد راح يتطلّع إلى تصرّفات الشابّ من
جديد فلم يلحظ عليه شيئاً من سلوك اللصوص. لم
يغير الشابّ من سلوكه، ولكن الرجل غيّر سلوك عينيه.
إنّ
النسيان يكون ضرباً من الاعتداء الأخرق، أحياناً، على الآخرين، فعينك لا تقدر أن
تريك غير نواياك.
ملعقة الحكمة
يحكى أنّ
أحد التجار الصينين أرسل ابنه لكي يتعلم لدى أحكم رجل في العالم.وكان هذا الحكيم
يسكن في قصر في قمة جبل.وعندما وصل
الشاب وجد في قصر الحكيم جمعاً كبيرا من
الناس.انتظر الشاب ساعتين حتىى حان لقاء الحكيم.أنصت
الحكيم بانتباه إلى الشابثم قال له:الوقت لا
يتسع الآن للكلام. وطلب منه أن يتجوّل في انحاء القصر ويعود لمقابلته بعد
ساعتين.ثمّ قدّم الحكيم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتان من الزيت
:امسك بهذه
الملعقة في يدك طوال جولتك، وحاذر أن ينسكب منها الزيت. أخذ الفتى يصعد سلالم القصر
ويهبط مثبتاً عينيه على الملعقة، وهو لا
يستوعب سرّ قطرتي الزيت. ثمّ رجع لمقابلة
الحكيم الذي بدأ بطرح مجموعة من الأسئلة:هل رأيت السجاد الفارسيّفي غرفة الطعام؟
وما رأيك بالحديقة؟ وما تعليقك على المجلدات الجميلة في مكتبتي؟ ارتبك الفتى واعترف
له بأنه لم ير شيئاً،فقد كان همّه الأول ألا
يسكب نقطتي الزيت من الملعقة. فقال الحكيم: ارجع وتعرف على معالم القصر، فلا يمكنك أن
تعتمد على شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه.عاد الفتى الى التجوال في القصر منتبها إلى الروائع الفنية
المعلقة على الجدران، شاهد الحديقة والزهور الجميلة، وعندما رجع الى
الحكيم قصّ عليه بالتفصيل ما رأى، فسأله الحكيم: ولكن أين قطرتا الزيت؟
نظر الفتى إلى الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا،فقال له الحكيم:تلك هي النصيحة التي أستطيع أن
أسديها إليك يا صغيري. سرّ السعادة هو أن ترى روائع الدنيا، وتستمتع بها دون أن
تسكب أبداً قطرتي الزيت. سرّ السعادة عبارة عن توليفة بسيطة ولكن طريفة بين ما في
يدك وما تراه عيناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق