كتبهابلال عبد الهادي ، في 24 نيسان 2011 الساعة: 08:35 ص
روي عن بعض الحكماء أنه قال: لا يفرط
الأديب في محبة الصديق، ولا يتجاوز في عداوة العدو، فإنه لا يدري متى تنتقل صداقة
الصديق عداوة، ولا متى تنتقل عداوة العدو صداقة.
وحكي عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، أنه قال: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
وروي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً.
ومن أمثال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة للملال. قال أبو عبيدة: يريد أن الاقتصاد أدنى إلى السلامة.
قال أبو زيد: من أمثالهم: لا تكن حلواً فتُسترط ولا مراً فتعفى أي تلفظ من المرارة.
زمثله قول مطرف بن الشخير: الحسنة. بين السيئتين، وخير الأمور أوسطها.
وكان يقال: لا تهذر في منطقك، ولا تخبر بذات نفسك، ولا تغتر بعدوك، ولا تفرط في حب صديقك، ولا تفزع إلى من لا يرحمك، ولا تألف من لا يرشدك، ولا تبغض من ينصح لك، فإن شر الأخلاق ملالة الصاحب، وتقريب المتباعد.
وأنشدني أحمد بن يحيى للمقنع الكندي:
وكن معدناً للحلم، واصفح عن الأذى … فإنك راءٍ ما علمت وسامع
وأحبب، إذا أحببت، حباً مقارباً، … فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباعد، … فإنك لا تدري متى أنت راجع
وأنشدني أحمد بن يحيى لسعيد المساحقي:
فهونك في حب وبغض فربما … يُرى جانب من صاحب بعد جانب
وسمعت عبد الله بن عبد الله بن طاهر ينشد هذين البيتين، وأحسبهما له:
إذا أنا أكرمت اللئيم، فعدني … مهيناً له، حققت باطل ما عدَّا
فإن صلاح الأمر يرجع كله … فساداً إذا الإنسان جزت به الحدَّا
وهذا طويل يقنعك منه القليل. وأما طول الزيارة، فقد يجب على أهل الصداقة ترك المداومة عليها، وكثرة الجنوح إليها، فإن ذلك يخلق الحب، ويذهل الصبّ، ويُضجر المَزورَ، ويُعدم السرور، ويُوقع البدل، ويبدي الملل. وقد شرحنا في ذلك باباً، فاعرفه وقف عليه، إن شاء الله تعالى.
الأمر بإغباب زيارة الأحباب
والنهي عن مداومة غشيان الأصحاب
روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: زُر غباً تزدد حباً. وقال بعض الحكماء: من كثرت زيارته قلت بشاشته. وقال آخر: من أدمن زيارة الأصدقاء عدم الاحتشاد عند اللقاء. وقال آخر:
أقلل زيارتك الصدي … ق تكون كالثوب استجده
إن الصديق يُملُّه … أن لا يزال يراك عنده
وقال آخر:
عليك بإقلال الزيارة إنها … تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
فإني رأيت القطر يسأم دائباً، … ويُسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وأنشدت لأبي تمام حبيب بن أوس:
وطول مقام المرء في الحي مخلق … لديباجتيه، فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة … إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
وحكي عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، أنه قال: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
وروي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً.
ومن أمثال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة للملال. قال أبو عبيدة: يريد أن الاقتصاد أدنى إلى السلامة.
قال أبو زيد: من أمثالهم: لا تكن حلواً فتُسترط ولا مراً فتعفى أي تلفظ من المرارة.
زمثله قول مطرف بن الشخير: الحسنة. بين السيئتين، وخير الأمور أوسطها.
وكان يقال: لا تهذر في منطقك، ولا تخبر بذات نفسك، ولا تغتر بعدوك، ولا تفرط في حب صديقك، ولا تفزع إلى من لا يرحمك، ولا تألف من لا يرشدك، ولا تبغض من ينصح لك، فإن شر الأخلاق ملالة الصاحب، وتقريب المتباعد.
وأنشدني أحمد بن يحيى للمقنع الكندي:
وكن معدناً للحلم، واصفح عن الأذى … فإنك راءٍ ما علمت وسامع
وأحبب، إذا أحببت، حباً مقارباً، … فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباعد، … فإنك لا تدري متى أنت راجع
وأنشدني أحمد بن يحيى لسعيد المساحقي:
فهونك في حب وبغض فربما … يُرى جانب من صاحب بعد جانب
وسمعت عبد الله بن عبد الله بن طاهر ينشد هذين البيتين، وأحسبهما له:
إذا أنا أكرمت اللئيم، فعدني … مهيناً له، حققت باطل ما عدَّا
فإن صلاح الأمر يرجع كله … فساداً إذا الإنسان جزت به الحدَّا
وهذا طويل يقنعك منه القليل. وأما طول الزيارة، فقد يجب على أهل الصداقة ترك المداومة عليها، وكثرة الجنوح إليها، فإن ذلك يخلق الحب، ويذهل الصبّ، ويُضجر المَزورَ، ويُعدم السرور، ويُوقع البدل، ويبدي الملل. وقد شرحنا في ذلك باباً، فاعرفه وقف عليه، إن شاء الله تعالى.
الأمر بإغباب زيارة الأحباب
والنهي عن مداومة غشيان الأصحاب
روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: زُر غباً تزدد حباً. وقال بعض الحكماء: من كثرت زيارته قلت بشاشته. وقال آخر: من أدمن زيارة الأصدقاء عدم الاحتشاد عند اللقاء. وقال آخر:
أقلل زيارتك الصدي … ق تكون كالثوب استجده
إن الصديق يُملُّه … أن لا يزال يراك عنده
وقال آخر:
عليك بإقلال الزيارة إنها … تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
فإني رأيت القطر يسأم دائباً، … ويُسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وأنشدت لأبي تمام حبيب بن أوس:
وطول مقام المرء في الحي مخلق … لديباجتيه، فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة … إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
وأنشدني لإبراهيم بن المهدي:
إني كثرت عليه في زيارته، … والشيء مستثقل جداً إذا كثرا
ورابني منه أني لا أزال أرى … في طرفه قصراً عني إذا نظرا
وقال عمر بن أبي ربيعة:
لا تجعلن أحداً عليك، إذا … أحببته، وهويته، ربَّا
وصل الصديق، إذا كلفت به … واطوِ الزيارة دونه غبا
فلذاك خير من مواصلة، … ليست تزيدك عنده قُربا
لا بل يملك عند دعوته، … فيقول: آه، وطالما لبَّى
وقال آخر:
أغبَّ الزيارة لما بدا … له الهجر، أو بعض أسبابه
وما صدّ هجراً، ولكنه … طريد ملالة أحبابه
وكتب بعض الظرفاء رقعة، وطرحها في مجلس محمد بن عبد الله بن طاهر حيث حرم القيان:
عزمات الأمير، أصلحه الل … ه بحسن الإرشاد، والتوفيق
باعدت بيننا وبين عُجابٍ، … ومديل، ومنصف، وصديق
فوقع محمد في ظهر الرقعة:
حسن رأي الأمير في العشاق، … وفّرَ الحظ في بعاد التلاقي
خاف أن يحدث الوصال ملالاً، … فتلافى الهوى ببعض الفراق
وأنشدني بعض الأدباء:
إني رأيتك لي محباً، … وإليّ حين أغيب صبّا
فهجرت لا لملالة … حدثت، ولا استحدثت ذنبا
إلا لقول نبينا: … زوروا على الأيام غبّا
ولقوله: من زار غ … باً منكم يزداد حباً
وهجرت، حين هجرت، كي … أزداد بالهجران قربا
الله يعلم أنني … لك أخلص الثَّقلين قلبا
أرعى لك الود القدي … م، وإن جنيت عليَّ حربا
ومن ذلك ما روي أن العتابي دخل على يحيى بن خالد البرمكي، وكانت له جارية، يقال لها خلوب، تجالس الأدباء، وتناقض الشعراء، فقال لها: سليه لإبطائه عنا جائزة، فقالت له: قل له هذه القافية:
إذا شئت أن تقلى، فزر متواتراً، … وإن شئت أن تزداد حباً، فزر غبا
فأنشأ يقول:
بقيت بلا قلب لأني هائم، … فهل من معير، يا خلوب، بكم قلبا
حلفت لها بالله أنك منيتي، … فكوني لعيني حيث ما نظرت نصبا
عسى الله يوماً أن يرينيك خالياً، … فأجني بلحظي من محاسنكم عجبا
يقولون لا تكثر زيارة صاحب، … فإنك إن أكثرته كره القربا
وكيف يطيق الصبّ سلوان حبه، … إذا كان مشغوفاً قد استشعر الكربا
وقد قال بيتاً، ما سمعت بمثله، … خليٌّ من الأحزان لم يذق الحبا
إذا شئت أن تقلى، فزر متواتراً؛ … وإن شئت أن تزداد حباً فزر غبا
فقال له: لله أبوك أحسنت، خذ بيدها فهي لك! وأمر له بألف درهم.
واعلم أن كل ما رسمناه في هذه الأبواب، وذكرناه، وشرطناه على الأدباء، ووجدناه داخلاً في باب حدود الأدب، على ما أصبناه، غير خارج منه، ولا منفصل عنه، وأن يكون الأديب عاقلاً واللبيب كاملاً، حتى تكون له مودة قد قرنها بأدبه، وثابر عليها في طلبه، فإذا جمع ذلك رهب منه الأعداء، ورغب فيه الأولياء. وسنذكر من أنشأته المروة، فيكون فيه بلاغ وهداية، إن شاء الله تعالى.
إني كثرت عليه في زيارته، … والشيء مستثقل جداً إذا كثرا
ورابني منه أني لا أزال أرى … في طرفه قصراً عني إذا نظرا
وقال عمر بن أبي ربيعة:
لا تجعلن أحداً عليك، إذا … أحببته، وهويته، ربَّا
وصل الصديق، إذا كلفت به … واطوِ الزيارة دونه غبا
فلذاك خير من مواصلة، … ليست تزيدك عنده قُربا
لا بل يملك عند دعوته، … فيقول: آه، وطالما لبَّى
وقال آخر:
أغبَّ الزيارة لما بدا … له الهجر، أو بعض أسبابه
وما صدّ هجراً، ولكنه … طريد ملالة أحبابه
وكتب بعض الظرفاء رقعة، وطرحها في مجلس محمد بن عبد الله بن طاهر حيث حرم القيان:
عزمات الأمير، أصلحه الل … ه بحسن الإرشاد، والتوفيق
باعدت بيننا وبين عُجابٍ، … ومديل، ومنصف، وصديق
فوقع محمد في ظهر الرقعة:
حسن رأي الأمير في العشاق، … وفّرَ الحظ في بعاد التلاقي
خاف أن يحدث الوصال ملالاً، … فتلافى الهوى ببعض الفراق
وأنشدني بعض الأدباء:
إني رأيتك لي محباً، … وإليّ حين أغيب صبّا
فهجرت لا لملالة … حدثت، ولا استحدثت ذنبا
إلا لقول نبينا: … زوروا على الأيام غبّا
ولقوله: من زار غ … باً منكم يزداد حباً
وهجرت، حين هجرت، كي … أزداد بالهجران قربا
الله يعلم أنني … لك أخلص الثَّقلين قلبا
أرعى لك الود القدي … م، وإن جنيت عليَّ حربا
ومن ذلك ما روي أن العتابي دخل على يحيى بن خالد البرمكي، وكانت له جارية، يقال لها خلوب، تجالس الأدباء، وتناقض الشعراء، فقال لها: سليه لإبطائه عنا جائزة، فقالت له: قل له هذه القافية:
إذا شئت أن تقلى، فزر متواتراً، … وإن شئت أن تزداد حباً، فزر غبا
فأنشأ يقول:
بقيت بلا قلب لأني هائم، … فهل من معير، يا خلوب، بكم قلبا
حلفت لها بالله أنك منيتي، … فكوني لعيني حيث ما نظرت نصبا
عسى الله يوماً أن يرينيك خالياً، … فأجني بلحظي من محاسنكم عجبا
يقولون لا تكثر زيارة صاحب، … فإنك إن أكثرته كره القربا
وكيف يطيق الصبّ سلوان حبه، … إذا كان مشغوفاً قد استشعر الكربا
وقد قال بيتاً، ما سمعت بمثله، … خليٌّ من الأحزان لم يذق الحبا
إذا شئت أن تقلى، فزر متواتراً؛ … وإن شئت أن تزداد حباً فزر غبا
فقال له: لله أبوك أحسنت، خذ بيدها فهي لك! وأمر له بألف درهم.
واعلم أن كل ما رسمناه في هذه الأبواب، وذكرناه، وشرطناه على الأدباء، ووجدناه داخلاً في باب حدود الأدب، على ما أصبناه، غير خارج منه، ولا منفصل عنه، وأن يكون الأديب عاقلاً واللبيب كاملاً، حتى تكون له مودة قد قرنها بأدبه، وثابر عليها في طلبه، فإذا جمع ذلك رهب منه الأعداء، ورغب فيه الأولياء. وسنذكر من أنشأته المروة، فيكون فيه بلاغ وهداية، إن شاء الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق