الأحد، 3 فبراير 2013

فونيم وألوفون وصوت المرأة

كتبها بلال عبد الهادي ، في 12 كانون الثاني 2011 الساعة: 14:50 م




ساربط هنا بين شيئين، بين الفونيم والالوفون، وبين صوت المرأة من حيث هو لدى البعض عورة. تعبير "صوت المرأة عورة" ليس من عندي وانّما هو تعبير مستعمل. البعض يتحمّس للدفاع عن عورة صوتها، والبعض يرفض فكرة اعتبار صوت المرأة عورة. للناس حول كلّ موضوع أكثر من وجهة نظر. وكلّ يعتمد على تثبيت وجهة نظرة بأقوال اناس من زمن مضى او زمن راهن له ملامح ما مضى.
ولكن ما علاقة الفونيم والألوفون وهما مصطلحان من علم الأصوات بصوت المرأة؟
صبرك عليّ أخي القارىء واختي القارئة، فالعجلة في بعض الاحيان من الشيطان. واقول بعض الأحيان، لأن هذا ما اخذته العربية بالحسبان من خلال عبارة أخرى توقف الشيطان عند حدذه وهي:" خير البر عاجلة". والعجلة هنا غير العجلة هناك!
الفونيم Phoneme هو اصغر وحدة صوتية، وهو بمصطلح علم الالسنية ، صورة ذهنية للصوت ، اي هو صوت غير مسموع، بينما الألوفون allophone والبعض يترجمه بـ"بديل صوتيّ" وهي ترجمة غير موفقّة على ما اظنّ. اي انّه الصوت الذي يتغير شكله الصوتي دون ان تتعيّر دلالته، وسوف اعطي مثالا للتوضيح. صوت كلمات الانسان المزكوم ليست كصوت الكلمات حين يكون الناطق غير مزكوم. بل احيانا يكون الانسان يحكي وهو يبكي، لا يبقى الصوت محتفظا بشكله حين يتكلم الانسان وهو في حالته الطبيعية، ولكن المعنى هنا وهناك يصل الى السامع. يصل الى اذن السامع صوت المعنى مخلوطا بصوت البكاء. وهناك مثل ثالث اخير اعطيه من عالم الكتابة. من يكتب يلحظ ان الحرف الذي يكتبه تتغير صورته من كلمة الى اخرى، ولكنّه يعرف ان هذا الحرف هو هذا الحرف لا ذاك رغم تبدل شكله المكتوب. فالنقطة تحت الباء لا تقع في كل مرّة يكتب فيها تحت الباء في المكان نفسه. مرّة اقرب الى اليمين ومرة في الوسط ومرة اقرب الى الشمال، ومرة تكون المسافة بين قاعدة الباء والنقطة ابعد او اقرب … إلخ. بمعنى ان احتمالات كتاباتها لا تحصر ومع هذا اتبين رغم كل هذه الخلافات والاختلافات في كلّ مرّة حرف الباء او التاء او اي حرف آخر.
للباء المكتوبة صورة ذهنية تحتضن كل هذه الخلافات لأنّها تحذف كلّ هذه الخلافات محتفظة بالسمة المائزة التي تفصلها عن حرف التاء او الثاء…إلخ.
وهكذا الأمر في الصوت، الصوت لا يخرج من الفم مرّتين في صورة واحدة. لكلّ نطق صورة شمسية مغايرة. هي التي تجعل صوتي غير صوتك. فهناك في كلّ نطق صوتي المقسوم الى صوتين صوتي الفيزيائي وصوت الحرف الفيزيائيّ. والا كيف اعرف من يكلمني في الظلام اذا كنت اعرفه. الصوت هوية ليلية.
وعليه هناك صوتان للشخص الواحد؟
فاي صوت هو العورة واي صوت هو غير العورة؟
هل صوت الحرف ام صوت الشخص؟
المسألة محيّرة نوعا ما.
اترك الإجابة على المسألة معلقةً بين شفتي حكاية.
والحكاية هي التالية. ولقد سمعتها شخصيّا من عجوز في السنّ، رحمها الله، كانت تذهلني ببراءتها، وبساطتها، وايمانها بالقصص والحكايات والخرافات ايمانا ساذجا جميلا. وفي السذاجة، احيانا، فتنة طعمها لا ينسى! ن ينسة فتنة حكايات الطفولة والجدّات؟
قالت لي تلك العجوز رحمها الله ما يلي: حين كنت صغيرة كانت المرأة لا تكشف وجهها على رجل غريب ولا صوتها ايضا على اذن غريبة، لأن الغريب الذي يسمع صوتها يكون كأنّه " افتعل" بها. وانا هنا استعملت فعل" افتعل" الذي سمعته من فمها الطاهر.
ولكن المرأة كانت تضطرّ احيانا للحكي، كان الردّ على غريب بحكم الضرورة فماذا تفعل كي لا يأثم فمها، أو يرتكب لسانها الحرام؟ كيف تحول الحرام الى حلال؟ ثمّة وسيلة كانت تستعملها المرأة حتّى لا تلحقها حرمانيّة وهي ان تضع طرف قماشة في فمها وتحكي. فيصير صوتها غير صوتها. اي انّها تمرر الكلمات بصوت الكلمات، حسب ظنّها، لا بصوتها الشخصيّ. تفصل صوتها عن الكلمات، تغربل الكلمات من صوتها الشخصيّ! اي انها بحسّ فطريّ استطاعت ان تفصل بين الفونيم والألوفون. اعتبرت الفونيم حلالا اما الحرمانية فهي من نصيب الألوفون لا من نصيب الفونيم.
الصوت الواحد بفضل قماشة أو طرف كمّ انشطر الى قسم محرّم وقسم محلّل، قسم مباح وقسم محظور.
هذه الطريقة كانت تمارس في طرابلس في بدايات القرن الماضي. اما اليوم!
فلم يعد أحد يعرف، في زمن اختلال المعايير، اين موطن العورة، وما هي حدودها، فهي عورة نقّالة وجوّالة. أمّا الحدود فعهي رخوة ومطّاطة تحتاج لشدّ البراغي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق