كتبهابلال عبد الهادي ، في 1 أيار 2011 الساعة: 14:59 م
فصل في المتنبئين
قال أبو الطيب اليزيدي: أخذ رجل ادعى النبوة في أيام المهدي، فأدخل عليه، فقال له: أنت نبي? قال: نعم، قال: وإلى من بعثت? قال: أو تركتموني أذهب إلى أحد? ساعة بعثت ثقفتموني في السجن، فضحك المهدي وخلى سبيله.وادعى آخر النبوة بالبصرة، فأتى به سليمان بن علي مقيداً، فقال له: أنت نبي مرسل? قال: أما الساعة، فإنني نبي مقيد، قال: ويلك، من بعثك? قال: ما هذه مخاطبة الأنبياء يا ضعيف العقل، والله، لولا أني مقيد لأمرت جبريل يدمدمها عليكم، وقال: والمقيد لا تجاب دعوته? قال: نعم، الأنبياء خاصة إذا قيدوا لا يرتفع دعاؤهم، فضحك سليمان، وقال: إني أطلقك الآن، فأمر جبريل، فإن أطاعك آمنا بك وصدقناك، قال: صدق الله حيث يقول: (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فضحك سليمان، وسأل عبد الله بن حازم عنه فشهد له أنه ممرور، فخلى سبيله.
وقال خلف بن خليفة: إني لجالس في مجلس عبد الله بن حازم ببغداد، وإذا بجماعة قد أحاطوا برجل ادعى النبوة، فقال له عبد الله بن حازم: أنت نبي? قال: نعم، قال: فإلى من بعثت? قال: إلى الشيطان الرجيم، فضحك عبد الله، وقال: دعوه يذهب إلى الشيطان الرجيم.
وقال ثمامة بن أشرس صاحب المأمون: كنت في السجن فأدخل علينا رجل ذو هيئة جميلة ومنظر حسن، فقلت له: من أنت - جعلت فداك -? قال: أنا نبي مرسل، قلت: فهل عندك دليل? فإنك تعلم أن النبوة لا تقبل إلا بالأدلة، قال: نعم، معي أكبر الأدلة، ادفعوا إلي امرأة؛ فإني أحبلها لكم، فتأتي بولد ذكر، يشهد لي بالرسالة.
وقال محمد بن غياث: رأيت في أيام الرشيد جماعة، قد أحاطوا برجل له هيئة حسنة، فقلت: ما قصة هذا? قالوا: ادعى النبوة، قلت: كذبتم عليه، مثل هذا لا يدعي الباطل، فرفع رأسه إلي وقال: وما علمك أنهم قالوا على الباطل? قلت: فأنت نبي? قال: نعم، قلت: وما دليلك على ذلك قال: دليلي أنك ولد زنى، قلت: نبي يقذف المحصنات? قال: لهذا بعثت قلت: أنا كافر بما بعثت به، قال: (ومن كفر فعليه كفره) فإذا بحصاة قد وقعت على رأسه، فرفع رأسه إلى السماء، وقال: ما أردتم بي خيراً؛ إذا طرحتموني في أيدي هؤلاء الجهال.
وقال محمد بن غياث أيضاً: ادعى النبوة في أيام المأمون رجل، فقال المأمون ليحيى بن أكثم: امض بنا مستترين حتى ننظر إلى هذا الرجل، وإلى دعواه، فركبا في الليل متنكرين، ومعهما خادم، حتى ضربا عليه الباب، وكان مستتراً بمذهبه، فقال: من أنتما? قالا: رجلان يريدان أن يسلما على يديك، ففتح لهما ودخلا، فجلس المأمون عن يمينه ويحيى عن يساره، فقال له المأمون: إلى من بعثت? قال: إلى الناس كافة، قال: فيوحى إليك، أم ترى في المنام أم تناجي? قال: بل أناجي وأكلم، قال: ومن يكلمك? قال: جبريل، قال: ومتى يكون عندك? قال: أول الليل قبل مجيئكم بيسير، قال: فما قال لك? قال: إنه سيدخل عليك رجلان، فيجلس أحدهما عن يمينك، والآخر عن يسارك والذي يجلس عن يسارك ألوط خلق الله، قال المأمون: أشهد أنك رسول الله، وضحك من قوله، وخرجا من عنده.
وحدث بعض الكوفيين قال: بينما أنا جالس في منزلي، إذ جاءني صديق لي، فقال: إنه ظهر بالكوفة رجل يدعي النبوة، فقم بنا إليه نكلمه ونعرف ما عنده، فقمت معه إلى أن دخلنا عليه، فإذا شيخ خراساني، أخبث من رأيت على وجه الأرض، فقال صاحبي، وكان أعور: دعني حتى أسائله، قلت: افعل، قال له: - جعلت فداك - من أنت? قال: نبي، قال: وما دليلك? قال: أنت أعور من عينك اليمنى، فاقلع عينك اليسرى، حتى تصير أعمى، وادعني فنرد عليك بصرك، فقلت لصاحبي: أنصفك الرجل، فاقلع عينك، قال: إقلع أنت عينيك جميعاً، وخرجنا من عنده.
وأتي المأمون برجل يدعي النبوة، فقال له: ألك علامة? قال: نعم، علامتي أن أعلم ما في نفسك، قال: قربت علي، فما في نفسي? قال: في نفسك أني كذاب، قال: صدقت، وأمر به إلى السجن، فأقام فيه أياماً ثم أخرجه، فقال: أوحي إليك شيء? قال: لا، قال: ولم? قال: الملائكة لا تدخل السجن، فأمر بإطلاقه.
وتنبأ رجل، وتسمى نوحاً صاحب الفلك، وذكر أنه سيكون طوفان على يديه يهلك الناس إلا من ابتعه، ومعه صاحب له قد آمن به وصدقه، فأتى به الوالي، فلم يتب، فأمر به فصلب، وأتى بصاحبه فتاب، فناداه من الخشبة: يا فلان، أسلمتني في مثل هذه الحال? قال له: يا نوح، قد علمت أنه لا يصحبك من السفينة إلا الصاري.
وتنبأ رجل في أيام المأمون، فقال: يا ثمامة، ناظره، فقال: ما أكثر المتنبئين في دولتك يا أمير المؤمنين فهون عليك، ثم التفت إلى المتنبئ فقال: ما دليلك على نبوتك? قال: تحضر لي امرأتك يا ثمامة، فأنكحها بين يديك، فتلد غلاماً ينطق في المهد، ويخبرك أني نبي، قال ثمامة: أشهد أنك رسول الله، قال له المأمون: ما أسرع ما آمنت به، قال: وأنت يا أمير المؤمنين ما أهون عليك أن ينكح امرأتي على بساطك، فضحك المأمون وأطلقه.
وادعى رجل النبوة في أيام المهدي، فأتى به، فقال له: من أنت? قال: نبي، قال: ومتى تنبأت? قال: وما تصنع بالتاريخ? قال: في أي موضع جاءتك النبوة? قال: وقعنا في شغل، ليس هذا من مسائل الأنبياء، إن كان رأيك أن تصدقني في كل ما أقول لك فاعمل بقولي، وإن كنت عزمت على تكذيبي، فدعني، أذهب عنك، قال المهدي: هذا لا يجوز؛ إذ فيه فساد الدين، قال: وا عجباً لك تغضب لفساد دينك، ولا أغضب لفساد نبوتي، أما والله، ما قدرت علي إلا بمعن بن زائدة، والحسن بين قحطبة، وما أشبههما من قوادك، وكان عن يمين المهدي شريك القاضي، فقال له: ما تقول في هذا النبي? قال: شاورت هذا في أمري، ولم تشاورني في أمره، قال له القاضي: هات ما عندك، قال: أخاصمك بما جاء به من قبلي من الرسل، قال القاضي: قد رضيت، قال: أكافر أنا عندك أم مؤمن? قال: كافر، قال: فإن الله تعالى يقول: (ولا تطع الكفرين والمنفقين) فلا تطعني ولا تؤذني، ودعني أذهب إلى الضعفاء والمساكين؛ فإنهم أتباع الأنبياء، وادع الملوك والجبابرة؛ فإنهم حطب جهنم، فضحك المهدي وخلى سبيله.
وقال ثمامة بن أشرس: شهدت المأمون، وأتي برجل يدعي النبوة، وأنه إبراهيم الخليل، فقال المأمون: سمعتم أجرأ على الله من هذا? فقلت له: يا هذا، إن إبراهيم - عليه السلام - كانت له براهين، قال: وما براهينه? قلت: أضرمت له نار، فألقي فيها، فصارت عليه برداً وسلاماً، ونحن نضرم لك ناراً، ونطرحك فيها، فإن كانت عليك كما كانت على إبراهيم عليه السلام آمنا بك، قال: هات ما هو أقرب من هذا، قلت: فبراهين موسى عليه السلام، قال: وما كانت? قلت: عصاه التي ألقاها فصارت حية تسعى، وضرب بها البحر فانفلق، قال: هذا صعب، هات ما هو أقرب من هذا، قلت: فبراهين عيسى عليه السلام، قال: وما هي? قلت: كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، قال: ما معي من هذا كله شيء، وقد قلت لجبريل: إنكم توجهونني إلى شياطين، فأعطوني حجة أذهب بها إليهم، وأحتج عليهم، فغضب علي وقال: بدأت بالشر، اذهب الآن، فانظر ماذا يقول لك القوم، قلت: هاجت بي مرارة يا أمير المؤمنين، قال: قد صدقت فدعه.
وتنبأ رجل بخراسان فأتى به العامل، فقال: من أنت? قال: نبي، قال: وما صناعتك? قال: حائك، قال: فنبي حائك? قال له: فأردت أنت صيرفياً? (الله أعلم حيث تجعل رسالته) فضحك منه وأمر بإطلاقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق