كتبهابلال عبد الهادي ، في 11 أيار 2011 الساعة: 15:49 م
وأنَا أعوذُ باللّه أنْ أُغَرَّ من نفسي عند
غَيبةِ خَصمي وتصفحِ العلماءِ لكلامي فإني أعلم أن فِتنةَ اللسانِ والقلم أشدّ من
فِتنة النساء والحرص على المال .
وقد صادف هذا الكتابُ مني حالاتٍ تمنعُ من بلوغِ الإرادة فيهِ أوَّلُ ذلك العِلة الشديدة والثانية قلة الأعوان والثالثة طولُ الكتاب والرابعة أني لو تكلفت كتاباً في طوله وعدَدِ ألْفاظِهِ ومعانيهِ ثمَّ كان من كُتب العَرَض والجوهر والطَّفرة والتولد والمداخَلة والغرائز والتماس لكان أسهَلَ وأقصَرَ أياماً وأسْرَعَ فراغاً لأني كنت لا أفزَعُ فيه إلى تلقُّط الأشعار وتتبُّعِ الأمثال واستخراج الآيِ من القرآنِ والحجَجِ من الرِّواية مع تفرُّقِ هذه الأمورِ في الكتب . وتباعُدِ ما بين الأشكال فإنْ وجَدْتَ فيه خللاً من اضطرابِ لفظٍ ومن سوءِ تأليف أو من تقطيعِ نظامٍ ومن وقوع الشيء في غير موضعه فلا تنكِرْ بعدَ أنْ صوَّرتُ عندك حالي التي ابتدأتُ عليها كتابي .
ولولا ما أرجو من عَوْنِ اللّه على إتمامه إذْ كنتُ لم ألتمسْ به إلاَّ إفهامَك مواقعَ الحُجَج للّه وتصاريفَ تدبيره والذي أَوْدَعَ أصنافَ خلْقه من أصناف حكمته لَمَا تعرَّضْتُ لهذا المكروه فإنْ نَظَرْتَ في هذا الكتاب فانظُرْ فيه نظَرَ مَنْ يلتمس لصاحبه المخارجَ ولا يَذْهَبُ مذهبَ التعنُّتِ وَمَذْهَبَ مَنْ إذا رأى خيراً كتَمَهُ وإذا رأى شَرّاً أذاعه . وليعْلم مَنْ فَعَلَ ذلك أنَّه قد تعرَّض لبابٍ إن أُخِذَ بمثله وتُعَرِّض له في قوله وكتبه أنْ ليس ذلك إلاّ من سبيل العُقوبةِ والأخْذ منه بالظلامة فلينظرْ فيه على مثال ما أدَّب اللّه به وعرَّف كيف يكون النظر والتفكير والاعتبار والتعليم فإنَّ اللّه عزَّ وجلّ يقول : وَإذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ .
الحكمة الجليلة في دقيق الأشياء فينبغي أنْ تكون إذا مررْتَ بذكر الآية والأعجوبةِ في الفراشة والجِرجسَة أَلاَّ تحقِرَ تلك الآية وتصغِّر تلك الأعجوبة لصغر قدرهما عندك ولقلَّة معرفتهما عِنْدَ معرفتك لِصغَر أجسامهما عند جسمك ولكن كنْ عند الذي يظهَر لك من تلك الحكم ومن ذلك التَّدبير كما قال اللّه عزّ وجلّ : وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ثم قال : فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ثمّ قال اللّه تعالى : وَإذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ وقد قال عامرُ بن عبد قيس : الكلمة إذا خرجتْ من القَلْبِ وقعَتْ في القَلب وإذا خَرَجَتْ من اللسانِ لم تجاوز الآذان . )
حث على الإخلاص والتنبه عند النظر وأنا أعيذ نفسي باللّه أنْ أقول إلاّ لَهُ وأعيذك باللّه أن تسمع إلاّ لَهُ وقد قال اللّه عزّ وجلّ : وَإنْ تَدْعُهُمْ إلَى الْهُدَى لاَ يَهْتَدُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ فَاحْذَرْ من أنْ تكونَ منهم وممَّن يَنْظُرُ إلى حكمة اللّه وهو لا يبصرها وَمِمَّنْ يبصرها بفَتْح العَيْنِ واستماعِ الآذان ولكن بالتوقف من القلْب والتثبت من العقْل وبتحفيظه وتمكينه من اليقين والحجَّة الظاهرة ولا يراها من يُعرِضُ عنها .
وقد قال اللّه عزّ وجلّ : وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وقال : إنَّ شَرَّ الدّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ولو كانوا صمّاً بُكماً وكانوا هم لا يعقلون لَمَا عيَّرهم بذلك كما لم يعيِّر مَنْ خَلقَهُ معتوهاً كيف لم يعقل وَمَنْ خَلَقُه أعمى كيف لم يبصر وكما لم يَلُمِ الدوابَّ ولم يعاقب السِّباع ولكِنَّهُ سمّى البصير المتعامي أعمى والسميعَ المتصامِمَ أصمَّ والعاقلَ المتجاهلَ جَاهلاً .
وقد قال اللّه عزّ وجلّ : فَانْظُرْ إلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنّ ذلِكَ لَمُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَانْظُرْ كما أمرك اللّه وانظرْ من الجهة التي دلّك مِنْهَا وخذْ ذلك بقوَة قال تعالى : خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ .
من كتاب الحيوان
وقد صادف هذا الكتابُ مني حالاتٍ تمنعُ من بلوغِ الإرادة فيهِ أوَّلُ ذلك العِلة الشديدة والثانية قلة الأعوان والثالثة طولُ الكتاب والرابعة أني لو تكلفت كتاباً في طوله وعدَدِ ألْفاظِهِ ومعانيهِ ثمَّ كان من كُتب العَرَض والجوهر والطَّفرة والتولد والمداخَلة والغرائز والتماس لكان أسهَلَ وأقصَرَ أياماً وأسْرَعَ فراغاً لأني كنت لا أفزَعُ فيه إلى تلقُّط الأشعار وتتبُّعِ الأمثال واستخراج الآيِ من القرآنِ والحجَجِ من الرِّواية مع تفرُّقِ هذه الأمورِ في الكتب . وتباعُدِ ما بين الأشكال فإنْ وجَدْتَ فيه خللاً من اضطرابِ لفظٍ ومن سوءِ تأليف أو من تقطيعِ نظامٍ ومن وقوع الشيء في غير موضعه فلا تنكِرْ بعدَ أنْ صوَّرتُ عندك حالي التي ابتدأتُ عليها كتابي .
ولولا ما أرجو من عَوْنِ اللّه على إتمامه إذْ كنتُ لم ألتمسْ به إلاَّ إفهامَك مواقعَ الحُجَج للّه وتصاريفَ تدبيره والذي أَوْدَعَ أصنافَ خلْقه من أصناف حكمته لَمَا تعرَّضْتُ لهذا المكروه فإنْ نَظَرْتَ في هذا الكتاب فانظُرْ فيه نظَرَ مَنْ يلتمس لصاحبه المخارجَ ولا يَذْهَبُ مذهبَ التعنُّتِ وَمَذْهَبَ مَنْ إذا رأى خيراً كتَمَهُ وإذا رأى شَرّاً أذاعه . وليعْلم مَنْ فَعَلَ ذلك أنَّه قد تعرَّض لبابٍ إن أُخِذَ بمثله وتُعَرِّض له في قوله وكتبه أنْ ليس ذلك إلاّ من سبيل العُقوبةِ والأخْذ منه بالظلامة فلينظرْ فيه على مثال ما أدَّب اللّه به وعرَّف كيف يكون النظر والتفكير والاعتبار والتعليم فإنَّ اللّه عزَّ وجلّ يقول : وَإذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ .
الحكمة الجليلة في دقيق الأشياء فينبغي أنْ تكون إذا مررْتَ بذكر الآية والأعجوبةِ في الفراشة والجِرجسَة أَلاَّ تحقِرَ تلك الآية وتصغِّر تلك الأعجوبة لصغر قدرهما عندك ولقلَّة معرفتهما عِنْدَ معرفتك لِصغَر أجسامهما عند جسمك ولكن كنْ عند الذي يظهَر لك من تلك الحكم ومن ذلك التَّدبير كما قال اللّه عزّ وجلّ : وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ثم قال : فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ثمّ قال اللّه تعالى : وَإذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ وقد قال عامرُ بن عبد قيس : الكلمة إذا خرجتْ من القَلْبِ وقعَتْ في القَلب وإذا خَرَجَتْ من اللسانِ لم تجاوز الآذان . )
حث على الإخلاص والتنبه عند النظر وأنا أعيذ نفسي باللّه أنْ أقول إلاّ لَهُ وأعيذك باللّه أن تسمع إلاّ لَهُ وقد قال اللّه عزّ وجلّ : وَإنْ تَدْعُهُمْ إلَى الْهُدَى لاَ يَهْتَدُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ فَاحْذَرْ من أنْ تكونَ منهم وممَّن يَنْظُرُ إلى حكمة اللّه وهو لا يبصرها وَمِمَّنْ يبصرها بفَتْح العَيْنِ واستماعِ الآذان ولكن بالتوقف من القلْب والتثبت من العقْل وبتحفيظه وتمكينه من اليقين والحجَّة الظاهرة ولا يراها من يُعرِضُ عنها .
وقد قال اللّه عزّ وجلّ : وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وقال : إنَّ شَرَّ الدّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ولو كانوا صمّاً بُكماً وكانوا هم لا يعقلون لَمَا عيَّرهم بذلك كما لم يعيِّر مَنْ خَلقَهُ معتوهاً كيف لم يعقل وَمَنْ خَلَقُه أعمى كيف لم يبصر وكما لم يَلُمِ الدوابَّ ولم يعاقب السِّباع ولكِنَّهُ سمّى البصير المتعامي أعمى والسميعَ المتصامِمَ أصمَّ والعاقلَ المتجاهلَ جَاهلاً .
وقد قال اللّه عزّ وجلّ : فَانْظُرْ إلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنّ ذلِكَ لَمُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَانْظُرْ كما أمرك اللّه وانظرْ من الجهة التي دلّك مِنْهَا وخذْ ذلك بقوَة قال تعالى : خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ .
من كتاب الحيوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق