الثلاثاء، 12 فبراير 2013

ماذا تفعل اللغة بدلالات المنامات؟


ثمة أبواب كثيرة للدخول إلى عالم المنامات الرحيب، ومن أطرف الأبواب تلك المرتبطة بالتفسير اللغوي، أي ربط المنام ليس بأحداثه وإنما باللغة التي ينتسب إليها الرائي، بمعنى أن المنام الواحد قد يكون له تفاسير بعدد لغات الأرض، وهي لا تقلّ عن خمسة آلاف لغة، وهذه النظرة إلى المنامات من منطلق لغوي ليست حصراً على العالم العربي، ومن يتتبع تفاسير المنامات لدى الشعوب يلحظ اعتمادها على ما توفّره لها لغاتها من مفاتيح لأبواب الأحلام الكثيرة.

لماذا الأسنان في اللغة المناميّة لها تفسير سيىء؟ لماذا حين يرى المرء  في المنام أن أسنانه قد سقطت يقوم منزعجاً، مستعيذاً بالله من هذا المنام العاجز عن العضّ؟ وهل هذا الشخص في حال لم يكن عربياً كان سيقوم من فراشه متكدّر الجسد والأنفاس على الهيئة التي قام فيها ؟ لو أن العربية اختارت لأسماء الأسنان اسماً آخرَ هل كانت قادرة أن تحتفظ بمدلولها المناميّ إيّاه؟ أليس ارتباط الأسنان بالعمر هو الذي أنجب هذا التأويل؟ أليس دنوّ مفردة السنّ الذي في الفم من مفردة السنّ الذي تحسب به الأعمار هو الذي جعل الأسنان كأوراق الروزنامة، سقوط أوراقها كسقوط ورقات الأيام من روزنامة العمر؟

ولماذا التفت العربي إلى الأظفار وأعطاها تفاسير معينة  لا تخلو من دلالة ايجابية، واعتبر الظُفْر دليل الظَفَر كما يقول بعض معبّري المنام؟ وهل التفاسير التي يحملها الظُفْر كانت ستبقى هي نفسها لولا تلك الصلة الصوتيّة الكبيرة بين الظُفْر والظَفَر، حيث الخلاف هو في الحركات لا غير؟ إنّ البرنامج الفكاهي "بسمات وطن" لا تختلف نظرته عن نظرة مفسري المنامات، من حيث توليد دلالات متناقضة من وحي التجاور الصوتيّ، ولا عن نظرة المتشائمين، ففي البسـ"مات" يرنّ فعل أسود مرهوب الأصداء هو مات. ويقول مفسرّو الأحلام إنّ من يرى سوسنة في منامه فسوف تخترق أيّامه الأزمات. ما الرابط بين السوسنة وبين ما يقوله المعبّرون؟ السوسنة لا تحمل في طياتها أي مادة تعكّر الأمزجة والأيام، ولكن السبب يكمن في طبيعتها الصوتية، لأنّ انشطار الكلمة يمكن له أن يولّد "سوءاً" يمتدّ على مدى "سنة". من أين كان للسوسنة أن تحمل هذه المعنى الكالح لو لم تفكّك الكلمة الواحدة إلى كلمتين لا تحملان معنى مشكوراً.

وما الذي جعل الذهب سوءاً أصفر اللون في المنام، أليس السبب لغوياً لا علاقة له بطبيعة المعدن النفيس على الإطلاق؟ إنّ المفسر العربي ربط بين الذهب وفعل الذهاب أي الرحيل، فأخذه دلالة على ذهاب الذهب، ألم يكن الذهب في المنام، على ما نرى، ضحية لغويّة؟ والعمامة رغم ما لها في التراث العربي من مقام عليّ أوجدت العبارة المأثورة" العمائم تيجان العرب" إلاّ أنّ حياتها المناميّة بائسة مغايرة لحياتها الواقعية، لأنها إذا ما وقعت في المنام على الوجه وسترت العينين تدلّ على العمى. هل كان لها أن تدلّ على العمى لولا وجود "العين والميم والألف" في أول العمامة؟ أمّا الأشجار في المنام فهي لا تدلّ على الخير والبركة ووفرة الماء وإنّما على المشاجرة. من أين جاء هذا التفسير لو لم يكن ثمة رابط لغوي بين الشجرة والمشاجرة.والسراويل ماذا تعني في المنامات؟ تدلّ على الولاية، ولكن ما علاقة السراويل بالولاية؟ الكلمة هنا لا تشير من قريب أو بعيد إلى الولاية إلاّ إذا كانت الولاية عورة يجب سترها! فمن أين جاء هذا التفسير الغريب والسورياليّ؟ إنّ سرّ التفسير كامن في التصحيف اللغويّ، لأنّ المعبّر رأى في السراويل" سرْ والياً". وهنا نلحظ أنّ التصحيف طريف لأنّه أصاب جزءاً من الكلمة وليس الكلمة كلّها. وفي تراثنا العربيّ أنّ احد الأشخاص رأى أنّ الأمير أعطاه سروالاً فتولى القضاء، ولا ريب أنّ الرابط بين القضاء والسروال هنا غامض بعض الشيء!

والتصحيف، في تفاسير الأحلام، مباح، أي أن تقلب المعنى رأساً على عقب كما تقلب أصوات الكلمة تقديماً وتأخيراً. فاللوز ليس أمرا مشكوراً في المنام، واللوز من حيث التركيب اللغويّ لا يرتبط ذهنيا بأيّ مدلول سلبيّ، ولكن تصحيفه يدلّ على "الزوال"، إلاّ أنّ اللوز هنا مرتبط بحال الرائي فإن كان في كربة زالت عنه، أو كان له منصب عال زال، أيضاً، عنه، أي أن التصحيف، هنا، سيف ذو حدين.

وفي الأقوال العربية المأثورة أن "فلاناً ضرْس لفلان"، أي عدوّ له. ومن هذا التركيب اللغويّ تولدت تفاسير تخصّ الضرس فمن رأى في المنام ضرسا له سقط، مات عدوّ له. إنّ الاختلاف بين الأسنان والأضراس في التأويل المناميّ ثمرة من ثمرات اللغة العربية لا غير.

والمسألة ليست عربية فقط، فرؤية "البوّابة" في منام ألمانيّ تدل على رجل أحمق أو مغفّل. من أين جاء الحمق الألماني كتفسير للبوّابة؟ إنّ التفسير لغويّ محض لأنّ "tor" تعني في الألمانية البوابة وهي قريبة صوتياً من كلمة أحمق أيضاً.

إنّ اللغة لا تتحكّم بمصير الإنسان فقط وهو في حال اليقظة وإنما تتحكّم به أيضاً وهو في عالم النوم.ولعلّ من أطرف ما يمكن أن يدرس هو علاقة إنسان ثنائي اللغة بعالم أحلامه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق