السبت، 19 يناير 2013

كتاب الطعام من عيون الاخبار لابن قتيبة

بين عمر بن الخطاب والأحنف قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة اللّه عليه: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه للأحنف: أيّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: الزّبد والكمأة. فقال عمر: ما هما بأحبّ الأطعمة إليه، ولكنه يحبّ الخصب للمسلمين.
الأحنف والتمر والزبد قال الأصمعيّ: قال رجلٌ في مجلس الأحنف: ليس شيءٌ أبغض إليّ من التمر والزّبد. فقال الأحنف: ربّ ملومٍ لا ذنب له.
الحجاج والزبد والتمر عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال الحجّاج لجلسائه: ليكتب كلّ رجلٍ في رقعةٍ أحبّ الطعام إليه ويجعلها تحت مصلاّي. فإذا في الرّقاع كلّها الزّبد والتمر.
لمدني في الكبادات عن الأصمعيّ قال: قال مدنيّ: الكبادات أربع: العصيدة والهريسة والحيسة والسّميذة.
بين مالك بن حقبة وحسان بن الفريعة في الحيس عن الأصمعيّ عن حزم قال: قال مالك بن حقبة لحسّان بن الفريعة: ما تزوّدت إلينا؟ قال: الحيس. قال: ثلاثة أسقية في وعاء.
لبعض الأعراب يشتهي طعاماً قال الأصمعيّ: قال بعض لأعراب: أشتهي ثريدةً دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمّص، ذات جفافين من اللحم، لها جناحان من العراق، أضرب فيها ضرب وليّ السّوء في مال اليتيم.
لابن الأعرابي في اللحم وقال ابن الأعرابيّ: يقال: أطيب اللحم عوّذه. أي أطيبه ما ولي العظم، كأنه عاذ به.
بين الفرزدق ويحيى بن الحصين بن المنذر عن أبي عبيدة قال: مرّ الفرزدق بيحيى بن الحصين بن المنذر الرّقاشيّ، " ف " قال له: هل لك يا أبا فراسٍ في جديٍ سمين ونبيذ زبيبٍ جيّد؟ فقال الفرزدق: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة! يعني جريراً.
بين الأحوص وجرير وقال الأحوص لجرير: ما تحبّ أن يعدّ لك: قال: شواءٌ وطلاءٌ وغناءٌ؛ قال: قد أعدّت لك.
بين المدني اشتهى الكشك وصديق له وقال مدنيّ لصديق له: واللّه أشتهي كشكيّةً، ومدّ بها صوته فخرجت منه ريح؛ فقال له: ما أسرع ما لفحتك يابن عمّ.
لشيخ مدني وعن الأصمعيّ قال: قال شيخ من أهل لمدينة: أتيت فلاناً فأتاني بمرقةٍ كان فيها مسقّى، فلم أر فيها إلا كبداً طافيةً، فغمست يدي فوجدت مضغة، فمددتها فامتدّت حتى كأني أزمر في ناي.
بين كسرى وأعرابي أدخل أعرابيّ على كسرى ليتعجّب من جفائه وجهله؛ فقال له: أيّ شيء أطيب لحماً؟ قال: الجمل. قال: فأيّ شيء أبعد صوتاً؟ قال: الجمل قال: فأيّ شيء أنهض بالحمل الثقيل؟ قال: الجمل. قال كسرى: كيف يكون لحم الجمل أطيب من البطّ والدّجاج والفراخ والدّرّاج والجداء؟ قال: يطبخ لحم الجمل بماءٍ وملح، ويطبخ ما ذكرت بماءٍ وملح حتى يعرف ما بين الطعمين. قال: كيف يكون الجمل أبعد صوتاً ونحن نسمع الصوت من الكركيّ من كذا وكذا ميلاً؟ قال الأعرابيّ: ضع لكركيّ في مكان الجمل في مكان الكركيّ حتى تعرف أيّهما أبعد صوتاً. قال كسرى: كيف تزعم أنّ الجمل أحمل للحمل الثقيل ولفيل يحمل كذا وكذا رطلاً؟ ليبرك الفيل ويبرك الجمل وليحمل على الفيل حمل الجمل، فإن نهض به أحمل للأثقال.: لجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان قال: شيئان لا يزهدهما كثرة النفقة طيباً: الطّيب والقدر، ولكن تطيّبهما إصابة القدر.
أبو عبد الرحمن الثوري والرؤوس وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر الجاحظ من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثوريّ يعجب بالرؤوس ويصفها، ويسميّ الرأس عرساً لما تجمّع فيه من الألوان الطيّبة، وكان يسميّه مرّةً الجامع ومرّةً الكامل، ويقول: الرأس شىء واحد وهو ذو ألوانٍ عجيبةٍ وطعومٍ مختلفةٍ؛ وكلّ قدرٍ وكلّ شواءٍ فإنما هو شىء واحد، والرأس فيه الدماغ وطعمه مفرد، والعنيان وطعمهما مفرد، " وفيه الشحمة التي بين أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة " على أن هذه الشّحمة " خاصةً " أطيب من المخّ وأنعم من الزّبد وأدسم من السّلاء، ثم يعدّ أسقاطه كلها.


ويقول: الرأس سيدّ البدن وفيه الدّماغ وهو معدن العقل ومنه يتفرّق العصب الذي فيه الحسّ، وبه قوام البدن، وإنما القلب باب العقل؛ كما أنّ النفس هي المدركة والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن بابان ولولا أنّ العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه؛ وفي الرأس الحواسّ الخمس.
وكان ينشد:
همو ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري … وغودر عند الملتقى ثمّ سائري
وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر لمكان زيادة الدماغ ولا يشتريه إلايوم السبت لأن الرؤوس يوم السبت أكسد للفضلات التي تبقى في منازل التّجار عن يوم الجمعة وكان إذا فرغ من غدائه يوم الرأس، عمد إلى القحف وإلى اللّحيين فوضعه قرب بيوت النمل والذّر فإذا اجتمعن عليه أخذه ونفضه في طستٍ فيه ماء ولا يزال يعيد ذلك على تلك المواضع حتى يقلع النمل والذّر من داره، فإذا فرغ من ذلك ألقاه مع الحطب فاستوقده في التّنور.
في الأرز الأبيض بالسمن الأصمعيّ قال: قال أبو صوّارة أو ابن دقّة: الأرز الأبيض بالسّمن المسّلي بالسكر الطّبرزذ، ليس من طعام أهل الدنيا.
أطول الليالي قال:وقال أبو صوّارة أو ابن دقّة: أطول الليالي ثلاث: ليلة العقرب، وليلة الهريسة، وليلة جدّة إلى مكة.
لأبي كامل بن الزبد الأصمعيّ عن جعفر بن سليمان قال: قال أبو كامل مولى عليّ رضي اللّه عنه: أطعموني حفنة زبدٍ ثم اختموا سراويلي ثلاثاً.
بين الثوري ورجل وقال رجل للثّوريّ: في حديث: " إن اللّه يبغض البيت اللّحم " فقال: ليس هو الذي يؤكل فيه اللحم، وإنما هو الذي يؤكل فيه لحوم الناس.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر عن أبي الصّدّيق الناجي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: " خير تمراتكم البرني يذهب بالداء ولا داء فيه " لعمر في العصيدة وعن ابن عمر عن عمر أنه قال: يا غلام أنضج العصيدة تذهب حرارة الزيت.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر أيضاً وعن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " بيتٌ ليس فيه تمرٌ جياعٌ أهله " أيضاً في التمر شيخٌ من أهل البادية قال: أضافنا فلان فأتانا بحنطة كأنها مناقير الغربان، وتمرٍ كأنه أعناق الوزّ يوحل فيه الضّرس.
الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ: تمرنا جرد فطسٌ يغيب فيه الضّرس، كأن نواه ألسن الطير،تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبيك.
الأصمعيّ عن أبيه قال: أسر رجلٌ رجلين في الجاهلية فخيّرها بم يعشّيهما، فاختار أحدهما اللحم واختار الآخر التمر، فعشيّا وألقيا في الفناء وذلك في شتاءٍ شديدٍ، فأصبح صاحب اللحم خامداً، وأصبح صاحب التمر تزرّ عيناه.
وقال غير الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: ما رأيك في أكل الجريّ قال: تمرة نرسيانةٌ غرّاء الطّرف صفراء السائر عليها مثلها زبداً أحبّ إليّ منها. ثم أدركه الورع فقال: وما أحرّمهما.
وقال بعض الأعراب:
ألا ليت لي خبزاً تسربل رائباً … وخيلاً من البرنيّ فرسانها الزّبد
قال: ورأى أعرابيٌّ دقيقاً وتمراً فاشترى التمر؛ قيل له: كيف وسعر الدقيق والتمر واحد! قال: إنّ في التمر أدمه وزيادة حلاوةٍ.
عن زياد النّميريّ قال: قالت عائشة: من أكل التمر وتراً لم يضرّه.
الأصمعيّ قال: حدّثني شيخٌ عالمٌ قال: أطيب التمر صيحانيّة مصلّبة.
الأصمعيّ قال: حدّثني رجلٌ من آل حزمٍ قال: كان يقال: من خلا على التمر فالعجوة، ومن أكله على ثقلٍ فالصّيحانيّ.
لأعرابي في تفضيل الرطب على العسل الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ يفضّل الرّطب على العسل: أتجعل عسلةً في أخثاء البقر كعسلةٍ في جوّ السماء لها محارس من جريدٍ وذوائب من زمردٍ! في أطيب انواع التمر وقال الأصمعيّ: قيل لابن القدّاح: أيّ التمر أطيب؟ فدعا بأنواع التمر، فلمّا أكلوا قال: انظروا أيّ النوى أكثر؟ قالوا: نوى الصيحانّي. قال: هو أطيب.
للعرب في البخيل الأكول وقال الأصمعيّ: العرب تقول للبخيل الأكول: " أبرماً قروناً " أي لا يخرج مع أصحابه شيئاً ويأكل تمرتين تمرتين.
شعر للنابغة يصف تمراً وقال النابغة يصف تمراً:
صغار النوى مكنوزةٌ ليس قشرها … إذا طار قشر التمر عنها بطائر
الحسن ( بن عليّ) والفالوذج


سمع الحسن رجلاً يعيب الفالوذج فقال: فتات البرّ بلعاب النحل بخالص السّمن! ما عاب هذا مسلمٌ.
الحسن وفرقد السبخي وقال لفرقدٍ السّبخيّ: يا أبا يعقوب، بلغني أنك لا تأكل الفالوذج. فقال: يا أبا سعيد، أخاف ألاّ أؤدّي شكره. فقال: يا لكع! وهل تؤدّي شكر الماء البارد " في الصّيف والحارّ في الشتاء! أما سمعت قول اللّه تعالى: " يأيّها الّذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " تحكيم شيخ في الطعام الرومي والفارسي الأصمعيّ قال: اختصم روميّ وفارسيّ في الطعام، فحكّما بينهما شيخاً قد أكل طعام الخلفاء، فقال: أمّا الروميّ فذهب بالحشو والأحشاء، وأما الفارسيّ فذهب بالبارد والحلواء.
جشع مزرّد أخي الشماخ ونهمه وعن الأصمعيّ قال: كنا عند الرشيد فقدّمت إليه فالوذجةٌ، فقال: يا أصمعيّ حدّثنا بحديث مزرّدٍ. فقلت: إن مزرّداً أخا الشمّاخ كان غلاماً جشعاً وكانت أمّه تؤثر عيالها بالطعام عليه وكان ذلك يحفظه، فخرجت أمّه ذات يوم تزور بعض أهلها، فدخل مزرّدٌ الخيمة وعمد إلى صاعي دقيقٍ وصاعٍ من تمر وصاعٍ من سمن ثم جعل يأكله وهو يقول:
ولمّا غدت أمي تمير بناتها … أغرت على العكم الذي كان يمنع
لبكت بصاعي حنطةٍ صاع عجوةٍ … إلى صاع سمنٍ فوقه يتريّع
ودبّلت أمثال الأثافي كأنها … رؤؤس نقادٍ قطّعت يوم تجمع
وقلت لبطني أبشر اليوم إنه … حمى أمّنا مما تحوز وترفع
فإن كنت مصفوراً فهذه دواؤه … وإن كنت غرثاناً فذا يوم تشبع
فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، ثم قال: كلوا باسم اللّه، هذا يوم تشبع " يا أصمعيّ " .
الحجاج يطلب عسلاً قال: وكتب الحجاج إلى عامله بفارس: إبعث إليّ عسلاً من عسل خلاّر، من النحّل الأبكار، من الدّستفشار الذي لم تمسّه النار.
مثله لبعض الخلفاء وقال الأصمعيّ: كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أن أرسل إليّ بعسلٍ أخضر في سقاء، أبيض في الإناء، من عسل الندّغ والسّحاء، من حداب بني شبابة.
والعرب تصف العسل بالبرودة.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر للأعشى وفي حديث ابن عباس أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل عن أفضل الشراب قال: " الحلواء البارد " يعني العسل.
وقال الأعشى:
كما شيب بماءٍ با … رد من عسل النحل
في العسل ومنافعه ويقال: أجود العسل الذهبيّ الذي إذا قطرت منه قطرةٌ على وجه " الأرض " استدار كما يستدير الزئبق ولم ينقش ولم يختلط بالأرض والتراب.
والروم تقول: أجوده ما يلطخ على فتيلةٍ ثم تشعل فيه النار فيعلق.
وسئل ديقراطيس العالم عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد اللّه بذلك في عمره.
والعسل إن جعل فيه اللحم الطريّ بقي كهيئته حتى ينتن.
ويقال: من كان به داء قديمٌ فليأخذ درهماً حلالاً وليشتر بع عسلاً ثم يشربه بماءٍ سواءٍ فإنه يبرأ بإذن اللّه تعالى.
وكان الحسن يعجبه إذا استمشى الرجل أن يشرب اللبن والعسل.
ويزعم أصحاب الطبائع أن العسل إذا ديف بالماء وخلط معه زيتٌ أو دهن سمسمٍ نافعٌ لمن شرب السّموم والأدوية القاتلة يتقيأ به.
في إكرام الخبز ميمون بن مهران عن ابن عباس قال - ولا أعلمه إلاّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال: " أكرموا الخبز فإنّ اللّه سخرّ له السموات والأرض " لإمرأة من بكر بن وائل في السويق الأصمعيّ قال: كانت امرأةٌ من بكر بن وائل تنزل الطّفاوة وكانت قد أدركت بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكان العبّاد يغشونها في منزلها؛ فعاب عائبٌ عندها السّويق، فقالت: لا تفعل! إنه طعام المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكّر، وبلغة المريض، ويشدّ فؤاد الحزين، ويردّ من نفسٍ الضّعيف؛ وهو جيدٌ في التّسمين ونقاوة البلغم، ومسمونه يصفّي الدم، إن شئت كان ثريداً، وإن شئت كان خبيصاً، وإن شئت كان خبزاً.
لغسّان بن عبد الحميد في السويق أيضاً وكان غسّان بن عبد الحميد كاتب سليمان بن عليّ يقول لجاريته: خوّضي لنا سويقاً فأخثريه، فإنّ الرجل لا يستحي أن يزداد ماءً فيرقّقه، ويستحي أن يزداد سويقاً فيخثره به.
شعر لعبد اللّه بن معاوية في الطبرزد


مرّ عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بعبد الحميد بن عليّ وهو في مزرعته وقد عطش، فاستسقاه فخاض له سويق لوزٍ فسقاه إياه؛ فقال عبد اللّه:
شربت طبرزداً بغريض مزنٍ … ولكنّ الملاح بكم عذاب
وما " هو " بالطّبرزد طاب لكن … بمسّك إنه طاب الشراب
وأنت إذا وطئت تراب أرضٍ … يطيب إذا مشيت به التراب
لأن نداك ينفي المحل عنها … وتحييها أياديك الرّطاب
للحسن في السويق والنساء وقال الحسن: لا تسقوا نساءكم السّويق، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فاحفظوهنّ.
للرقاشي وقال الرّقاشيّ: السّمنة للنّساء غلمةٌ وهي للرجال غفلةٌ للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " ثلاثةٌ لا تردّ: اللّبن والسّواك والدّهن " أبو يزيد وشرب اللبن الحار الرّياشيّ قال: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رجلاً كأنّ أسنانه الذّهب لشربه اللّبن حاراً.
لذي الرّمة الأصمعيّ عن ذي الرّمة أنه قال: إذا قلت للرّجل: أيّ اللّبن أطيب؟ فإن قال: قارصٌ فقل: عبد من أنت؟ وإن قال: الحليب. فقل: ابن من أنت؟.
بين قريشي وامرأة من البادية مرّ رجل من قريشٍ بامرأة من العرب في باديةٍ، فقال، هل من لبنٍ يباع؟ فقالت: إنك لئيمٌ أو قريب عهد بقوم لئامٍ.
وكان يقال: اللبن أحد اللّحمين.
لبعض المدنيين وقال بعض المدنيّين: من تصبّح بسبع موزاتٍ وبقدحٍ من لبن إبلٍ أوارك تجشّأ بخور الكعبة.
بين معاوية وامرأة وقف معاوية على امرأةٍ فقال: هل من قرىً؟ فقالت: نعم. قال: وما هو؟ قالت: خبزٌ خمير ولبنٌ فطير وماءٌ نمير.
والعرب تقول: " إنّ الرّثيئة تفتأ الغضب " . والرّثيئة: اللبن الحامض يحلب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.
شعر لبعض الأعراب في اللبن قال بعض الأعراب:
وإذا خشيت على الفؤاد لجاجةً … فاضرب عليه بجرعةٍ من رائب
في طبخ اللبن باللحم وعن مطر الورّاق: أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى اللّه تعالى الضعف، أوحى اللّه إليه: أن أطبخ اللبن باللحم، فإنّ القوّة فيهما.
أعرابي يصف خصب البادية وصف أعرابيّ البادية فقل: كنت أشرب رثيئةً تجرّها الشّفتان جرّاً، وقارصاً إذا تجشّأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها، وخلاصةً يشمّها الكلب فيعطس.
في ترويب اللبن وتقول الأطبّاء: إنّ اللبن إذ سخّن بالنار وسيط بعودٍمن عيدان شجر التّين راب من ساعته.
وقالوا: وإن أراد صاحبه ألاّ يروب وإن كان فيه روبة جعل فيه شيئاً من الحبق، وهو الفوذنج النهريّ،فإنه يبقى كهيئته.
أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهمللمعلّى الربعي المعلّى الرّبعيّ قال: مكثت ثلاثاً لا أذوق طعاماًوأشرب فيهنّ شراباً، فدعوت اللّه تعالى، وإذا دعا العبد اللّه بقلبٍ صادقٍ كانت معه من اللّه عينٌ بصيرةٌ، فدفعت إلى ذئبين في جفرٍ، فرميتهما فقتلتهما، ثم أتيت جفراً فيه ماء فاستقيت، ثم أتيتهما وإذا هما علىمهيديتيهما، وإذا لهما نحفةٌ - يعني شبه الزّفير - فاشتويت واحتذيت واذّهنت.
بين ابن قرفة وصياد أعرابي قال ابن قرفة " شيخ من سليم " : أضافني رجل من الأعراب فجاءني بقدرٍ جماعٍ ضخمةٍ ليس فيها شيء من طعام إلا قطع لحم، فإذا بضعة تنماتّ في فمي، وبضعة كأنّها بضع ساقٍ، وبضعة كأنها شحمٌ زخمٌ؛ فقلت: ما هذا؟ فقال: إني رجل صيّاد، جمعت بين ذئبٍ وظبيٍ وضبع.
بين مدني وأعرابي قال مدنيّ لأعرابيّ: ما تأكلون وما تدعون؟ قال: نأكل ما دبّ ودرج إلا أمّ حبينٍ. فقال المدنيّ: ليهنيء أمّ حبينٍ العافية.
لرجل من بني هلال على مائدة الفضل بن يحيى قعد على مائدة الفضل بن يحيى رجلٌ من بني هلال بن عامر، فذكروا الضّبّ ومن يأكله، فأفرط الفضل في ذمّه وتابعه القوم، فغاط الهلاليّ ما سمع منهم، ولم يكن على المائدة عربيّ غيره، ثم لم يلبث أن أتي الفضل بصحفةٍ فيها فراخ الزّنانير، فلم يشك الأعرابيّ أنها ذبّان البيوت، فقال حين خرج:
وعلجٍ يعاف الضبّ لؤماً وبطنةً … وبعض إدام العلج هام ذباب
ولو أنّ ملكاً ناك أمّه … لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب
شعر لأبي الهندي، ثم لبعض الأعراب وقال أبو الهندي " رجل من العرب " :


أكلت الضّباب فما عفتها … وإنّي لأشهي قديد الغنم
ولحم الخروف حنيذاً وقد … أتيت به فاتراً في الشّبم
فأمّا البهطّ وحيتانكم … فما زلت منها كثير السّقم
وقد نلت منها كما نلتم … فلم أر فيها كضبّ هرم
ولا في البيوض كبيض الدّجاج … وبيض الدجاج شفاء القرم
ومكن الضّباب طعام العريب … ولا تشتهيه نفوس العجم
وقال بعض الأعراب:
وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد … لما تركت الضّبّ يعدو بالواد
ونزل رجل من العرب برجل من الأعراب فقدم إليه جراداً؛ فقال:
لحى اللّه بيتاً ضمّني بعد هجعةٍ … إليه دجوجيّ من الليل مظلمٌ
فأبصرت شيخاً قاعداً بفنائه … هو العنز إلا أنه يتكلم
أتانا ببرقان الدّبى في إنائه … ولم يك برقان الدّبى لي مطعم
فقلت له غيّب إناءك واعتزل … فهل ذاق هذا، لا أبا لك، مسلم
لبعض لعباسين وقال بعض العباسيين:
ليت شعري متى تخبّ بي ال … قة نحو العذيب فالصّنّين
محقباص زكرةً وخبز رقاقٍ … وجبيناً وقطعةً من نون
وقال بعض الأعراب:
أقول له يوماً وقد راح صحبتي … ترى أبتغي من صيده وأخاتله
فلما التقت كفّي على فضل ذيله … وشالت شمالي زايل الضّبّ باطله
فأصبح محنوذاً نضيجاً وأصبحت … تمشّي على القيزان حولاً حلائله
شديد اصفرار الكشيتين كأنما … تطلّى بورسٍ بطنه وشواكله
فذلك أشهى عندنا من نتاجكم … لحى اللّه شاريه وقبّح آكله
للفرزدق يعيّر بني أسد بأكل الكلاب وبنو أسدٍ تعيّر بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق:
إذا أسديّ جاع يوماً ببلدةٍ … وكان سميناً كلبه فهو آكله
لآخر يعير بني أسد بأكل لحوم الناس وتعيّر أيضاً بأكل لحوم الناس، كما قال الشاعر:
إذا ما ضفت ليلاً فقعسيّاً … فلا تأكل له ابداً طعاما
فإنّ اللحم إنسانٌ فدعه … وخير الزاد ما منع الحرام
لرجل في قوم يأكلون الحيات قال رجل: كنت بالبادية فرأيت ناساً حول نارٍ، فسألت عنهم فقالوا: صادوا حيّات فهم يشتوونها ويأكلونها.فأتيتهم فرأيت رجلاً منهم قد أخرج حيّةً من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه، فجعل يمدّها كما يمدّ عصيب لم ينضج، فما صرفت بصري عنه حتّى لبج به فمات، فسألت عن شأنه فقيل لي: عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمّها النار.
بين أعرابي وأولاده يصفون لحماً قال رجل من الأعراب لولده: إشتروا لي لحماً.فاشتروه فطبخه حتى تهرّي، وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده فقال: ما أنا بمطعمه أحداً منكم إلا من أحسن وصف أكله؛ فقال الأكبر منهم: آكله يا آبت حتى لا أدع للذةٍ فيه مقيلا. قالك لست بصاحبه. فال الآخر: آكله حتى لا يدري ألعامه هو أم لعامٍ أوّل. قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقّه يا أبت دقّاً وأجعل إدامه المخّ. قال: أنت صاحبه، هو لك.
شعر لأعرابي سقط بعيره فذبحه وأكله بينا أعرابيّ يسير وهو يوضع بعيره إذ سقط بعيره فنحره وأكله، فأنشأ يقول:
إن السّعيد من يموت جمله … يشبع لحماً ويقلّ عمله
شعر لسلولي سكر فذبح بعيره ومرّ رجلٌ من سلول بفتيانٍ يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى بعيره فنحره، وقال:
علّلاني إنما الدّنيا علل … ودعاني من ملامٍ وعذل
وأنشلا ما أغبرّ من قدريكما … واسقياني أبعد اللّه الجمل
آداب الأكل والطعاممن حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: " الأكل في السّوق دناءةٌ " وعن عبد الرحمن بن عراكٍ قال: بلغني أنه من غسل يده قبل الطعام كان في سعة من الرّزق حتى يموت.
للحسن في الوضوء قبل الطعام وبعده عن الحسن أنه قال: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللّمم سمرة بن جندب


وعنه قال: قيل لسمرة بن جندبٍ: إنّ أباك أكل طعاماً كاد يقتله. قال: لو مات ما صلّيت عليه.
لأبي الدرداء وعن شرحبيل بن مسلم قال: قال أبو الدّرداء: بئس العون على الدّين قلبٌ نخيب، وبطنٌ رغيب، ونعظٌ شديدٌ.
بين الجارود وعمر أكل الجارود مع عمر طعاماً ثم قال: يا جارية هات الدّستورد. فقال عمر: امسح باستك أوذر.
نصيحة فرقد السبخي لأصحابه قال جعفر: كنا نأتي فرقداً السّبخيّ ونحن شببةٌ فيعلمنا: إن من ورائكم زماناً شديداً، فشدّوا الأزر على أنصاف البطون، وصغّروا اللّقم، وشدّدوا المضغ، ومصوا الماء مصّاً. وإذا أكل أحدكم فلا يحلّنّ إزاره فتتّسع أمعاؤه. وإذا جلس أحدكم ليأكل فليقعد على أليتيه، وليلزق بطنه بفخديه، وإذا فرغ فلا يقعد وليجئ وليذهب؛ واحتموا فإن من ورائكم زماناً شديداً.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " ساقي القوم آخرهم شرباً " طعام عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر وعن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام هذا الشيخ؟ - يعني عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر - ؛ فقلت: أيّهاً واللّه؛ فقال: حدثني عنه. فقلت: نأتيه وكان سكّيتاً، إن حدثنا أحسن الحديث، وإن حدّثناه أحسن الإستماع، فإذا حضر الغداء جاء خبّازه فمثل بين يديه؛ فيقول: ما عندك؟ فيقول: بطّةٌ بكذا، ودجاجةٌ بكذا وكذا. قال: وما يريد بذاك؟ قلت: كي يحبس كلّ إنسانٍ نفسه إلى ما يشتهي، فإذا وضع الخوان خوّى تخوية الظليم فما له إلا موضع متّكئه فيجدّ ويهزل، حتى إذا رآهم قد فتروا وكلّوا أكل معهم الجائع المقرور حتى ينشّطهم بأكله.
ما يستحب أن يجتمع للطعام وكان يقال: إذا اجتمع للطعام أربعٌ كمل: أن يكون حلالاً، وأن تكثر عليه الأيدي، وإن يفتح باسم اللّه، ويختتم بحمد اللّه.
وكان يقال: سمّوا إذا أكلتم ودنّوا وسمتّوا أبرويز لصحابي طعامه وشرابه قال أبرويز لصحابي طعامه وشرابه: إنّي سلّطتكما على المعيشة، وأشركتكما في الحياة، وجعلتكما أمينين على نفسي، وولّيتكما من طعامي وشرابي ما التوسعة فيه مروءةٌ والتضييق فيه دناءة؛ فاجعلاه في فضله على ما سواه كفضلي على من سواي، وفي كثرته ككثرة من معي على من مع غيري. ولا يشهدنّ طعامي الذي آكل عينٌ تراه ولا نفسٌ تحسّه ولا يدٌ تداوله خلا نفساً واحدةً؛ وإنما أفردته بذلك لتستحكم الحجّة فيه على من أضاع، وتنقطع الشبهة فيه عمن غفل ولأجعل صاحب ذاك رهناً بدم نفسه إن هو قصّر في صنعه أو أوقع بغائلةٍ.
إبراهيم بن صالح وحب الرمان الأصمعيّ قال: حدذثني إبراهيم بن صالح: أنه كانم له جامٌ من حبّ رمّانٍ مدقوقٍ يسفّ منه بين كل لونين ملعقةً حتى يعرف اختلاف الألوان.
أبو عبد الرحمن الثوري وولده وفيما أجاز لنا عمرو بن بحرٍ من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثّوريّ يقعد ابنه معه على خوانه يوم الرأس، ثم يقول: إياك ونهم الصبيان وأخلاق النوائح، و " دع عنك " خبط الملاّحين والفعلة، ونهش الأعراب والمهنة، وكل من بين يديك؛ فإنّ حظّك الذي وقع وصار إليك. واعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريفٌ أو لقمةٌ كريمةٌ أو بضعة شهيّةٌ، فإنما ذلك للشيخ المعظّم والصبيّ المدلّل، ولست واحداً منهما. وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب الولائم، وتدخل منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريبٌ، وإخوانك أشدّ قوماً إليك منك، وإنما هو رأس واحدٌ، فلا عليك أن تتجافى عن بعضٍ وتصيب بعضاً. وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم؛ فإن اللّه يبغض أهل البيت اللّحمين.
وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
ورأى رجلاً يأكل لحماً، فقال: لحمٌ يأكل لحماً، أفٌ لهذا عملاً؟؟؟؟؟؟؟ وكان عمر يقول: إيّاكم وهذه المجازر، فإنّ لها ضراوةً كضراوة الخمر.
يا بنيّ عودّ نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوى، ولا تنهش نهش السّباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النّعاج، ولا تلقم لقم الجمال؛ فإن اللّه تعالى جعلك إنساناً وفضّلك، فلا تجعل نفسك بهيمةً ولا سبعاً. واحذر سرعة الكظّة وسرف البطنة.
قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعدّ نفسك من الزّمني. وقال الأعشى:
…………………والبط … نة ممّا تسفّه الأحلاما


واعلم أنّ الشّبع داعية البشم، وأن البشم داعية السّقم، وأنّ السقم داعية الموت، فمن مات بهذه الميتة فقد مات ميتةً لئيمةً، وهو مع هذا قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره.
يا بنيّ، واللّه ما أدّى حقّ الركوع والسجود ذو كظمة، ولا خشع للّه ذو بطنة، والصوم مصحّة، والوجبات عيش الصالحين.
أي بنيّ، لأمرٍ مّا طالت أعمار الهند، وصحّت أبدان الأعراب. فللّه در الحارث بن كلدة حيث يزعم أنّ الدواء هو الأزم، وأنّ الداء إدخال الطعام إثر الطعام.
أي بنيّ، لم صفت أذهان الأعراب، وصحّت أبدان الرّهبان، مع طول الإقامة في الصوامع حتى لم تعرف النقّرس ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلّة الرّزء وخفّة الزاد. وكيف لا ترغب في تدبيرٍ يجمع لك صحّة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعي، وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة؟! أي بنيّ، لم صار الضبّ أطول شيء ذماءً إلا أنه يتبلّغ بالنسيم؛ ولم قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم إنّ الصوم وجاء إلاّ ليجعله حجازاً دون الشهوات. إفهم تأديب اللّه، فإنه لم يقصد به إلاّ إلى مثلك.
أي بنيّ، قد بلغت تسعين عاماً ما نغص لي سنّ، ولا انتشر لي عصبٌ، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول؛ ما لذلك علّةٌ إلاّ التخفيف من الزاد. فإن كنت تحبّ الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد الموت فلا يبعد اللّه إلاّ من ظلم نفسه.
أبو نهشل وابنته، ثم ابنه وقال أبو نهشل: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفّاً كأنها طلعة، في ذراع كأنه جمّارة، فلا تقع عينها على أكلة نفسية إلا خصّتني بها، فزوّجتها وصرت أجلس معي على المائدة ابناً لي فيبرز كفّاً كأنه كرنافة في ذراع كأنه كربة، فواللّه ما تسبق عيني إلى لقمة طيّبة إلاّ سبقت يده إليها.
وقال بعضهم: غلبت بطنتي فطنتي.سس عمرو بن العاص لمعاوية يوم التحكيم قال عمرو بن العاص لمعاوية يوم تحكّم الحكمان: أكثروا الطعام، فواللّه ما بطن قومٌ قطّ إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطيناً.
وكان يقال: أقلل طعاماً تحمد مناماً.
الأصمعيّ قال: كان يقال: ليس لشعبة خير من جوعة تحفزها.
بين عبد الملك ورجل دعا عبد الملك بن مروان إلى الغداء رجلاً فقال: ما فيّ فضل. فقال عبد الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يبقى فيه فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.
وقال لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة.
للحسن وقال الحسن: إنّ ابن آدم أسير الجوع، صريع الشبع.
عبد الملك وأبا الزعيرة وسأل عبد الملك أبا الزعيرة فقال: هل اتّخمت قطّ؟ قال لا؛ قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دقّقنا، ولا نكظّ المعدة ولا نخليها.
للأحنف وقال الأحنف: جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون وصّافاً لبطنه وفرجه، وإنّ من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.
للأصمعي الأصمعيّ قال: بلغني أنّ أقواماً لبسوا المطارف العتاق، والعمائم الرّقاق؛ وأوسعوا دورهم،وضيّقوا قبورهم؛ وأسمنوا دوابّهم، وهزّلوا دينهم؛ طعام أحدهما غصب، وخادمه سخرة، يتّكىء على شماله، ويأكل من غير ماله؛ حتى إذا أدركته الكظّة قال: يا جارية هاتي حاطوماً؛ ويلك! وهل تحطم إلا دينك! أين مساكينك! أين يتاماك! أين ما أمرك اللّه به! أين أين!.
لبعض الحكماء في صلاح الأمور قال بعض الحكماء: مدار صلاح الأمور في أربع: الطعام لا يؤكل ألاّ على شهوة، والمرأة لا تنظر إلا إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل.
من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من أكل من سقط المائدة عاش في سعةٍ وعوفي في ولده وولد ولده من لحمق " .
وقيل لأعرابي: أتحسن أن تأكل الرأس؟ قال نعم، أبخص عينيه، وأسحى، خدّيه، وأفكّ لحييه،، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج منّي إليه. وكانوا يكرهون أكل الدماغ؛ ولذلك يقول قائلهم: أنّا من قبيلة تبقي المخّ في الجماجم.
دعبل لابنه دعبل قال: يا بنيّ لا تأكل ألية الشاة لأنها طبق الاست وقبريبٌ من الجواعر.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:


إذا لم أرى إلاّ لآكل أكلةً … فلا رفعت يمنى يديّ طعامي
فما أكلةٌ إن نلتها بغنيمةٍ … ولا جوعةٌ إن جعتها بغرام
للأصمعي عبد الملك بن عمير عن عمه عن الأصمعيّ قال: لا تخرج يا بنيّ من منزلك حتى تأخذ حلمك. يعني حتى تتغذىّ.
وقال هلال بن جشم:
وإنّ قراب البطن يكفيك ملؤه … ويكفيك سوءآت الأمور اجتنابها
وصية رجل لولده وقرأت في الآيين: أن رجلاً من خدم دار المملكة أوصى ابنه فقال: إذا أكلت فضمّ شفتيك، ولا تتلفّتنّ يميناً وشمالاً. ولا تّتخذنّ خلالك قصبا. ولا تلقمنّ بسكّين أبداً، وإذا كان في يدك سكّين وأوردت التقاماً فضعها على مائدتك ثم التقم. ولا تجلس فوق من هو أسنّ منك وأرفع منزلة. ولا تتخلّل بعود آس. ولا تسمح بثياب بدنك. ولا ترق ماء وأنت قائم ولا تحفر أرضاً بأظفارك. ولا تجلس على حائط أو باب أو تكتب عليهما فتلعن، ولا تسترح على أسكفّة فتجهّل، ولا تستنج بمدر فيورثك البواسير، ولا تمتخط حيث يسمع امتخاطك، ولا تبصق في الأماكن المنظّفة.
بين معاوية ورجل يؤاكله وأجلس معاوية على مائدته رجلاً يؤاكله، فأبصر في لقمته شعرة، فقال: خذ الشعرة من لقمتك. فقال له الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر الشعرة في لقمتي! واللّه لا أكلت معك أبداً! ثم خرج الاعرابيّ وهو يقول:
وللموت خيرٌ من زيارة باخلٍ … يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
دعاء لسعيد بن جبير وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من طعامه قالك اللهمّ أشبعت وأوريت فهنّئنا، وأكثرت وأطبن فزدنا.
الجوع والصومقيل لبعض الحكماء: أيّ الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم.
وكان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيت إليه قبله.
نصيحة لقمان لابنه قال لقمان لابنه يا بنيّ، كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش. يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام.
شعر لأعرابي إشتاق أعرابيّ بالبصرة إلى البادية فقال:
أقول بالمصر لمّا ساءني شبعي … ألا سبيل إلى أرضٍ بها جوع
ألا سبيل إلى أرضٍ بها عرسٌ … جوعٌ يصدّع منه الرأس برقوع
وقال آخر:
وعادة الجوع فاعلم عصمةٌ وغنىً … وقد يزيدك جوعاً عادة الشّبع
بين العتبي وبدوي العتبيّ قال: قلت لرجلٍ من أهل البادية: يا أخي، إني لأعجب من " أن " فقهاءكم أظرف من فقهائنا، وعوامّكم أظرف من عوامّنا، ومجانينكم أظرف من مجانينا، قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت لا قال: " من " الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لخلوّ جوفه!.
لبعض حكماء الروم وقيل لبعض حكماء الرّوم: أيّ وقت الطعام فيه أطيب وأفضل؟ قال: أمّا لمن قدر فإذا جاع، وأمّا لمن لم يقدر فإذا وجد.
لأعرابي في هلال شهر رمضان ونظر أعرابيّ إلى قومٍ يلتمسون هلال شهر رمضان، فقال: أما اللّه لئن أثرتموه لتمسكنّ منه بذنابي عيشٍ أغبر.
وقيل لآخر: ألا تصوم البيض من شعبان! فقال: بين يديها ثلاثون كأنها القباطيّ.
لمدنيّ في السحور وقيل لمدنيّ: بم تتسحّر الليلة؟ فقال: باليأس من فطور القابلة.
الرّياشيّ قال: قيل لأعرابيّ: إشرب. فقال: إني لا أشرب على ثميلة. وقال:
إذا لم يكن قبل النبيذ ثريدة … مبقّلةٌ صفراء شحمٌ جميعها
فإنّ النبيذ الصّرف إن كان وحده … على غير شيءٍ أوجع الكبد جوعها
لأعرابي في شهر رمضان قدم أعرابيّ على ابن عمٍّ له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له: أبا عمرٍ ولقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام. قال: أبا لليل أم النهار؟ قالوا: لا بل بالنهار. قال: أفيرضون بدلاً من الشهر؟ قالوا لا قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس. فصام أياماً فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول:
يقول بنو عمّي وقد زرت مصرهم … تهّيأ أبا عمرٍ ولشهر صيام
فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي … سلامٌ عليكم فاذهبوا بسلام
فبادرت أرضاً ليس فيها مسيطرٌ … عليّ ولا منّاع أكل طعام
وأدرك أعرابيّاً شهر رمضان فلم يصم؛ فعذلته امرأته في الصوم، فزجرها وأنشأ يقول:
أتأمرني بالصّوم لا درّ درّها … وفي القبر صومٌ يا أميم طويل


عبد اللّه بن الزبير والصيام دعا عبد اللّه بن الزبير الحسين فحضر وأصحابه، فأكلوا ولم يأكل؛ فقيل له: ألا تأكل! فقال: إنّي صائمٌ، ولكن تحفة الصائم قيل: وما هي؟ قال: الدّهن والمجمر.
أخبار من أخبار الأكلةالأصمعيّ قال: قال رجلٌ: أحبّ أن أرزق ضرساً طحوناً، ومعدةً هضوماً، وسرماً نثوراً.
لأنس بن مالك عن إسحاق بن عبد الّه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: رأيت عمر يلقي إليه لصلع من التمر فيأكله حتى حشفه.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
همّ الكريم كريم الفعل يفعله … وهمّ سعدٍ بما يلقي إلى المعدة
لرجل سمين وقيل لرجل رئي سميناً: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحارّ، وشربي القارّ، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي.
وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: قلّة الفكرة، وطول الدّعة، والنّوم على الكظّة.
الحجاج والغضبان بن القبعثري قال الحجّاج للغضبان بن القبعثري في حبسه ما أسمنك؟ قال: القيد والدّعة، ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن.
وقال آخر لرجل رآه سميناً: أرى عليك قطيفةً من نسج أضراسك.
وقيل لآخر: إنك لحسن الشّحمة ليّن البشرة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بدهن البنفسج، وألبس الكتّان.
طعام ميسرة الأكول قيل لميسرة الأكول وأنا أسمع: كم تأكل في كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال غيري؟ قالوا: من مالك قال: دونان. قالوا: فمن مال غيرك؟ قال: اخبز واطرح.
والعرب تقول: " العاشية تهيج الآبية " . يريدون أنّ الذي لا يشتهي أن يأكل إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل.
جرير يهجو بني الهجيم قال جرير:
وبنو الهجيم سخيفةٌ أحلامهم … ثطّ اللّحى متشابهو الألوان
لا يسمعون بأكلةٍ أو شربةٍ … بعمان أصبح جمعهم بعمان
متأبطين بنيهم وبناتهم … صعر الأنوف لريح كلّ دخان
بين المغيرة ورجل يؤاكله قعد رجلٌ على مائدة المغيرة وكان منهوماً وجعل ينهش ويتعرّق، فقال المغيرة: ناولوه سكّيناً. فقال الرجل: كلّ امرىءٍ سكّينه في رأسه.
لأعرابي في اللحم وقيل لأعرابيّ: ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد؟ فقال: لأن اللحم ظاغن والثريد باقٍ.
وقيل لآخر: ما تسمعون المرق؟ قال: السّخين. قال: فإذ برد؟ قال: لا ندعه يبرد نهم هلال بن أسعر وزوجته قال أبو اليقظان: كان هلال بن أسعر التّميميّ، من بني دارم بن مازن شديداً أكولاً؛ يزعمون أنه أكل جملاً إلا ما حمل على ظهره منه، وأكل مرةً فصيلاً، وأكلت امرأته فصيلاً، فلما ضاجعها لم يصل إليها؛ فقال: كيف تصل إليّ وبننا بعيران! أيضاً في نهم هلال بن أسعر الأصمعيّ قال: دعا عبّاد بن أخضر هلال بن أسعر إلى وليمةٍ، فأكل مع الناس حتى فرغوا ثم أكل ثلاث جفانٍ تصنع كلّ جفنةٍ لعشرة أنفسٍ؛ فقال له: شبعت؟ قال: لا؛ فأتوه بكل خبزٍ في البيت فلم يشبع، فبعثوا إلى الجيران؛ فلّما اختلفت ألوان الخبز علم أنه قد أضرّ بهم فأمسك؛ فقالوا: هل لك في تمر شهريزٍ ولبنٍ؟ فأتوه به فأكل منه قواصر؛ فقالوا له: أشبعت؟ قال: لا؛ قالوا: فهل لك في السّويق؟ قال: نعم؛ فأتوه بجرابٍ ضخم مملوء؛ فقال: هل عندكم نبيذٌ؟ قالوا: نعم؛ قال: أعندكم تورٌ تغتسلون فيه من الجنابة؟ فأتي به فغسله وصبّ السّويق فيه وصبّ عليه النبيذ، فما زال يفعل ذلك حتى فني.
نهم سليمان بن عبد الملك


الشّمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف وقد عرفت شجاعته، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز " وأيوب ابنه بستاناً لعمرو؛ قال: فجال في البستان ساعةً ثم قال " : ناهيك بمالكم هذا " مالاً " لاولا جرارٌ فيه! فقلت: يا أمير المؤمنين، إنها ليست بجرارٍ ولكنها جرب الزّبيب. فجاء حتى أقلى صدره على غصن، ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى واللّه! إن عندي لجدياً تغدو عليه بقرةٌ وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عكّةٌ، وتشمّر فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذاً. فقال: يا أبا حفصٍ هلمّ؛ قال: إنّي صائمٌ؛ ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى واللّه! دجاجاتٌ ستٌ كأنهن رئلان النّعام. فأتيته بهنّ، فكان يأخذ رجل الدجاجة حتى يعري عظمها ثم يلقيها " بفيه " حتى أتى عليهنّ: ثم قال: ويلك! أما عندك شيء؟ فقلت: بلى واللّه! إن عندي لحريرةً كقراضة الذّهب. فقال: اعجل بها؛ فأتيته بعسٍّ يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقّمها بيده ويشرب، فلما فرغ تجشّأ كأنه صاح في جبّ؛ ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا؟ قال: نعم. قال: وما هو؟ قال: نيفٌ وثمانون قدراً،؛ قال: فأتني بها قدراً قدراً؛ فأتاه به وبقناع عليه رقاقٌ؛ فأكثر ما أكل من قدرٍ ثلاث لفمٍ وأقلّ ما أكله لقمةٌ، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس ووضعت الخوانات فجعل يأكل مع الناس.
الخطّابيّ عن الدّيرانيّ أنه قال: إني لأعرف الطعام الذي يأكله سليمان؛ قال: لما استخلف سليمان قال لي: لا تقطع عنّي ألطافك التي كنت تلطفني بها قبل أت أستخلف. فأتيته بزنبيلين أحدهما بيضلإ والآخر تينٌ؛ فقال: لقّمنيه، فجعلت أقشر البيضة وأقرنها بالتينة حتى أكل الزّنبيلين.
طعام عبيد اللّه بن زياد العتبي عن أبيه قال: كان عبيد اللّه بن زياد يأكل كلّ يومٍ أربع جرادق أصبهانية وجبناً قبل غدائه.
طعام الحجاج وعن سلم بن قتيبة قال: عددت للحجاج أربعاً وثمانين لقمةً رغيفٌ من خبز لماء فيه ملء كفّه سمكٌ طريٌ.
معاوية وعبد الرحمن بن أبي بكرة وكان لعبد الرحمن بن أبي بكرة ابن أكولٌ؛ فقال له " معاوية " : مافعل ابنك التّلقامة؟ قال: اعتلّ. قال: مثله لا يعدم علّةً.
لأبي الأسود أكل أبو الأسود الدؤلي وأقعد معه أعرابياً فرأى له لقماً منكراً؛ فقال له: ما اسمك؟ قال: لقمان؛ قال: صدق أهلك، إنك لقمان.
مساور الوراق وابن أبي ليلى ولد لابن أبي ليلى غلامٌ فعمل الأخبصة للجيران، فلما أكلوا قام مساورٌ الورّاق فقال:
من لا يدسّم بالثريد سبالنا … بعد لثّريد فلا هناه الفارس
وقال العجيف في أمه:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها … إمّا إلى جنّة إمّا إلى نار
ليست بشعبى وإن أسكنتها هجراً … ولا بريّاً ولو حلّت بذي قار
تلّهم الوسق مشدوداً أشظّته … كأنما وجهها قد طلي بالقار
خرقاء في الخير لا تهدي لوجهته … وهي صناع الأذى في الأهل والجار
لأبي الحارث جميز رأى أبو الحارث جميّزٌ سلّةُ بين يدي رجلٍ من الملوك، فقال له: جعلت فداك، أيّ شيء في تلك السّلّة؟ فقال: بظر أمّك. قال: فأعضّني به.
نهم الحارثيّ قيل للحارثيّ: لم لا تأكل الناس؟ فقال: لو لم تأكل أترك مؤاكلتهم إلا لنزوعي عن الأسواريّ لتركتها، ما ظنّكم برجل نهش بضعة لحم بقرٍ فانقلع ضرسه وهو لا يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت عيناه وسكر وسدر وتربّد وجهه وغضب ولم يسمع ولم يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا آذن له إلا ونحن نأكل الجوز والتمر وتناول القطعة منه كجمجمة الثّور كدمها كدماً، ونهشها طولاً وعرضاً، ورفعاً وخفضاً، حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضّه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنواةٍ قطّ، ولا نزع قمعاً ولا نفى عنه قشراً، ولا فتّشه مخافة السوس والدود.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
تبيت تدهده القرّان حولي … كأنك عند رأسي عقربان
فلو أطعمتني حملاً سميناً … شكرتك والطعام له مكان
وقال بعض الأعراب:
وإنّ طعاماً ضمّ كفيّ وكفّها … لعمرك عندي في الحياة مبارك


فمن أجلها أستوعب الزاد كلّه … ومن أجلها أهوي يدي فأدارك
وقال آخر:
عريض البطان جديد الخوان … قريب المراث من المرتع
فنصف النهار لكرياسه … ونصفٌ لمأكله أجمع
لأعربي في عسل قصب السكر الأصمعيّ قال: قيل لأعرابيّ: ما يعجبك من هذا القند؟ قال: يعجبني خضده وبرده قال الأصمعيّ: الخضد: المضغ والأكل الشديد خالد بن صفوان وجاريته قال خالد بن صفوان يوماً لجريته: يا جارية، أطعمينا جبنً، فإنه يشهيّ الطعام ويهيج المعدة، وهو يعدّ من حمض العرب، قالت: ما عندنا منه شيء. قال: لأعلمك إنه واللّه ما علمت ليقدح في الأسنن ويستولي على البطن وأنه من طعام أهل الذمّة.
كان يقل: إذا كثرت المقدرة، ذهبت الشهوة.
شعر لبعض الظرفاء وقال بعض الظرفاء:
زرعنا فلما سلّم اللّه زرعنا … وأوفى عليه منجلٌ بحصاد
بلينا بكوفّي حليف مجاعةٍ … أضرّ علينا من دبي وجراد
من حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " من دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللّه ورسوله " عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإنّ ذلك له إذنٌ " ابن عمر وعن مجاهد: أن ابن عمر كان إذا دعي إلى طعام وهو صائم يجيب، وكان يهيء اللقمة بيده ثم يقول: كلوا باسم اللّه فإني صائم للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أسماء بنت رفيد قالت: دخلنا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأتي بطعام فعرض علينا فقلنا: لا نشتهيه. فقال: " لا تجمعنّ كذباً وجوعاً " لعلي بن أبي طلب رضي اللّه عنه دعا رجل عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه إلى طعام، فقال: نأتيك على ألاّ تتكلّف ما ليس عندك، ولا تدّخر عن ما عندك.
وكان يقول: شرّ الإخوان من تكلّف له.
من آداب الدعوة دعا رجل رجلاً إلى الغداء ثم قال له: هذه بكر زيارة ولم نستعدد، فلعل تقصيراً فيم أحبّ بلوغه. فقال الآخر: حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلّف.
بين إسحاق لموصلي والزبير بن دحمان قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: أتني الزبير بن دحمان يوماً فسألته أن يقيم عندي، فقال: قد أرسل إليّ الفضل بن الربيع وليس يمكنني التخلّف عنه. فقلت له:
أقم يا أبا العواّم ويحك نشرب … ونله مع اللاّهين يوماً ونطرب
إذا ما رأيت اليوم قد خيره … فخذه بشكر واترك الفضل يغضب
وقال بعض المحدثين:
نحن قوم متى دعينا أجبنا … ومتى نلس يدعنا التطفيل
ونقل علّنا دعينا فغبنا … وأتانا فلم يجدنا الرسول
نصيحة طفيل العرائس لأصحابه كان طفيل العرائس الذي ينسب إليه الطّفيليونّ يوصي أصحابه فيقول لأحدهم: إذا دخلت عرساً فلا تتلّفت تلّفت المريب، وتخّير المجالس، وأجد ثيابك، واعمل على أنها العقدة التي تشغل. وإن " كان " العرس كثير الزحام فمر وأنه ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنك من هؤلاء أنك من هؤلاء. وإن كان البوّاب غليظاً وقاحاً فأبدأ به ومره وانهه من غير أن تعنّف عليه، وعليك بكلام بين النصيحة والإدلال.
عرض رجل على رقبة الغداء؛ فقال: إن أقسمت عليّ وإلا فدعني.
شعر لطفيلي ومن أشعار الطّفيلين:
دعوت نفسي حين لم تدعني … فالحمد لي لا لك في الدعوة
وقلت ذا أحسن من موعدٍ … إخلافه يدعو إلى جفوه
وقال آخر:
إذا جاء ضيفّ جاء للضيف ضيفن … فأودي بما تقرى الضيوف الضّيافن
شعر لإسحاق الموصلي وقال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:
نعم الصديق صديقٌ لا يكلّفني … ذبح الدّجاج ولا شىءّ الفراريج
يرضي بلونين من كشك ومن عدس … وإن تشهّى فزيتون بطسّوج
لسعيد بن أسعد الأنصاري كان سعيد بن أسعد الأنصاري إمام الجامع بالبصرة طفيليّاً؛ فإذا كانت وليمةٌ سبق الناس إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم. فقيل له في ذلك فقال: إني أبادر برد الماء، وصفو لقدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان، وغفلة الذّبّان، وجفاف المنديل.
لطفيلي


وقيل لبعض الطفيليّين: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفةٍ.
باب الضيافة وأخبار البخلاء على الطعاممن حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم في حق الضيف عن المقدام أبي كريمة أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلميقول: " أيّما مسلم ضافه قومٌ فأصبح الضيف محروماً كان له على كلّ مسلم نصره حتى يأخذ بقربى ليلته من زرعه وماله " .
لأبي هريرة روى ابن العجلان عن أبيه قال: قال أبو هريرة: إذا نزلت برجل ولم يقرك فقاتله.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أنس قال: قال رسول الّه صلى اللّه عليه وسلم: " الخير أسرع إلى مطعم الطّعام من الشّفرة في سنام البعير " .
الحسن وداود داود قال: قلت للحسنك إنك تنفق من هذه الأطعمة وتكثر. قال: ليس في الطعام سرفٌ.
للثوري وقال الثوريّ: ليس في الطعام ولا في النساء سرفٌ.
من حديث النبي صلى الّله عليه وسلم، ثم لابن عباس عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : " إنّ من السّنّة أن يمشي الرجل مع ضيفه إلى باب الدار " .
عن عبد الرحمن بن عباس قال: رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخبّاز درهماً.
في قرى الضيف الأصمعيّ قال: سئل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى؟ قال: بأنا لا نتكلّف ما ليس عندنا.
عن بعض النّساك قال: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً.عن عون بن عبد اللّه قال: ضلّ رجلٌ صائمٌ في عام سنةٍ، فابتلي برجل عند فطره وقد أتي بقرصين فألقى إليه أحدهما، ثم قال: ما هذا بمشبعه ولا بمشبعي، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان؛ وألقى إليه الآخر. فلما أوى إلى فراشه آتاه آت فقال: سل. فقال: أسأل المغفرة. قال: قد فعل ذلك بك. قال: فإني أسأل أن يغاث الناس.
عن الحسن: أنّ رجلاً جهده الجوع، ففطن له رجلٌ من الأعيان، فلمّا أمسى أتى به رحله، فقال لامرأته: هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا؟ قالت: نعم. قال: فإذا قدّمت الطعام فادني إلى السراج كأنك تصلحيه فأطفئيه. ففعلت وجاءت بثريدة كأنها قطاة فوضعتها بين أيديهما، ثم دنت إلى السراج كأنّها تصلحه فأطفأته، فجعل الأنصاريّ يضع يده في القصعة ثم يرفعها خالية؛ فأطلع على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فلما أصبح الأنصاريّ صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفجر، فلما سلّم أقبل على الأنصاريّ وقال: " أنت صاحب الكلام الليلة؟ " ؛ ففزع الأنصاريّ وقال: أيّ كلامٍ يا رسول اللّه؟ قال: كذا وكذا - قوله لامرأته - قال: كن ذاك يا رسول اللّه. قال: " فواللّه لقد عجب اللّه من صنعكما الليلة " .
لعمر بن عبد العزيز الأصمعيّ قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا قدم عليه بريدٌ قال: هل رأيت في الناس العرسات؟ يعني الخصب للمسلمين.
وقيل لأعرابيّ كان في مجلس: فيم كنتم؟ قال: كنا في قدر تفور، وكأس تدور، وغناء يصور، وحديث لا يخور.
عذري يحدّث بما رأى في حضر المسلمين


بلغني أن محمد " بن خالد " بن يزيد بن معاوية كان نازلاً بحلب على الهيثم بن يزيد التّنوخيّ، فبعث إلى ضيف له من عذرة فقال: حدّث أبا عبد اللّه ما رأيت في حاضرة المسلمين من أعاجيب لأعراس. قال: نعم، ؤرأيت أموراً معجبة: منها أني رأيت قرية عاصم بن بكر الهلالّي، فإذا أنا بدورٍ متباينة، وإذا أخصاصٌ منظّمٌ بعضها إلى بعض ، وإذا بها ناس كثيرٌ مقبلون ومدبرون وعليهم ثياب حكو بها ألوان الزّهر،فقلت لنفسي: هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر؛ثم رجع إليّ ما عزب عنّي من عقلي، فقلت: خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك؛ فبينما أنا واقفٌ ومتعجّب أتاني رجل فأخذ بيدي " فأدخلني داراً قوراء " وأدخلني بيتاً قد نجّد في وجهه فرش قد مهّدت وعليها شابٌ ينال فروع شعره كتفيه، والناس حوله سماطان؛ فقلت في نفسي: هذا الأمير الذي يحكى لنا جلوسه وجلوس الناس حوله؛ فقلت وأنا ماثلٌ بين يديه: السلام عليك أيها الأمير ورحمة اللّه وبركاته؛ فجذب رجلٌ بيدي وقال: اجلس فإن هذا ليس بالأمير؛ فقلت: ومن هو؟ قال عروس؛ قلت: واثكل أمّاه! ربّ عروسٍ رأيت بالبادية أهون على أصحابه من هن أمّه؛ فلم ألبث إذ دخلت الرجال عليها هناتٌ مدوّراتٌ من خشب وقضبان، أمّا ما خفّ فيحمل حملاً، وأمّا ما ثقل فيدحرج، فوضعت أمامنا وتحلّق القوم حلقاً حلقاً، ثم أتينا بخرقٍ بيضٍ فألقيت بين أيدينا، فظننتها ثياباً وهممت عندها أن أسأل القوم خرقاً أقطع منها قميصاً، وذلك أني رأيت نسجاً متلاحكاً لا تبين له سدىً ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم إذا هو يتمزّق سريعاً وإذا هو " فيما زعموا " صنف من الخبز لا أعرفه ثم أتينا بطعام كثير من حلوٍ وحامضٍ وحارّ وبارد، فأكثرت منه وأنا لاأعرف ما في عقبه من التّخم والبشم. ثم أتينا بشرابٍ أحمر في عساس، فلما نظرت إليه قلت: لا حاجة لي فيه، أخاف أن يقتلني. وكان في جانبي رجل ناصح لي - أحسن اللّه جزاءه - كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال: يا أعرابيّ، إنك قد أكثرت من الطّعام، وإن شربت الماء انتفخ بطنك - فلما ذكر البطن تذكرت شيئاً كان أوصاني به " أبي و " الأشياخ " من أهلي " قالوا: لا تزال حيّاً م دام شديداً " يعني البطن " فإذا اختلف فأوص - فلم أزل أتداوى به ولا أملّ من شربه، فتداخلني - نالك الخير - صلف لا أعرفه " من نفسي، وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله، واقتدارٌ على أمر أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو شأوت الأسد لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي " بهتم أسنانه وهشم أنفه، وأهم أحياناً بأن أقول له: يابن الزنية؛ فينما نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين ربعةٌ: أحدهم قد علّق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين دقيقة الوسط قد شبحت بالخيوط شبحاً منكراً، وقد ألبست قطعة فرو كأنهم يخافون علها القرّ. ثم بدر الثاني فاستخرج من كمّه هنة " سوداء " كفيشلة الحمر فوضع طرفها في فيه فضرب فيها فاستتمّ بها أمرهم، ثم حسبعلى جحرة فيها فاستخرج منها صوتاً ملائماً مشاكلاً بعضه بعضاً " كأنه - علم اللّه - ينطق " . ثم بدر الثالث عليه عليه قميص وسخ وقد غرق شعره بالدّهن معه مرآتان فجعل يمري إحداهما على الأخرى مرياً. ثم بدر الرابع عليه قميصٌ قصير وسراويل قصير وخفّان أجذمان لا ساقين لهما، فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط بالأرض، فقلت: معتوه وربّ الكعبة! ثم ما برح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي، ورأيت الناس يحذفونه بالدراهم حذفاً منكراً. ثم أرسلت إلينا النساء أن أمتعونا من لهوكم، فبعثوا بهم إليهن وبقيت الأصوات تدور في آذاننا. وكان معنا في البيت شابٌ لا آبه له، فعلت الأصوات له بالدعاء، فخرج فجاء بخشبة عينها في صدرها فيه خويطاتٌ أربعة، فاستخرج من جنبها عوداً فوضعه على أذنه، ثم زمّ الخيوط الظاهرة، فلما أحكمها وعرك آذانها حرّكها بمجسةٍ في يده، فنطقت وربّ الكعبة! وإذ هي أحسن قينة رأيتها قطّ، " وغنىً عليه " فاستخفنيّ في مجلسي حتى قمت فجلست بين يديه، فقلت: بأبي أنت وأميّ! ماهذه الدابّة؟ " فلست أعرفها " للأعراب وما خلقت إلا حديثاً! فقال: يا أعرابيّ، هذا البربط الذي سمعت به فقلت: بأبي أنت وأمي! فما هذا الخيط الأسفل؟ قال: زير؛ قلت: فما الذي يليه؟ قال: مثنى؛ قلت: فالثالث؟ قال: المثلث؛ قلت: فالرابع؟ قال: ألبمّ؛ قلت: آمنت

باللّه أوّلاً وبالبم ثانياً.ه أوّلاً وبالبم ثانياً.
شعر للخريمي في إكرامه الضيف وقال الخريمي:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله … ويخصب عندي والمحلّ جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى … ولكنّما وجه الكريم خصيب
مثله لأرطأة بن سهية، وغيره وقال أرطأة بن سهيّة:
وإنّي لقوامٌ إلى الضيف موهناً … إذا أغدف السّتر البخيل المواكل
دعا فأجابته كلابٌ كثيرةٌ … على ثقةٍ منّي بما أنا فاعل
وما دون ضيفي من تلادٍ تحوزه … لي النفس إلا تصان الحلائل
آخر:
إذ نزل الأضياف كان عذوّراً … على الأهل حتى تستقلّ مراجله
يقول: يسوّىء خلقه حتى يطعم أضيافه، لإعجاله إياهم ولخوف تقصيرٍ يكون منهم.
لدعبل وقال دعبل:
وإني لعبد الضيف من غير ذلةٍ … وما فيّ إلا تلك من شيمة العبد
وقال آخر:
لحافي لحاف الضّيف والبيت بيته … ولم يلهني عنه الغزال المقنّع
أحدثه، إن الحديث من القرى … وتعلم نفسي أنه سوف يهجع
وقال الفرزدق في العذافر:
لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها … بأكثر خيراً من خوان عذافر
ولو ضافه الدّجّال يلتمس القرى … وحلّ على خبّازه بالعساكر
بعدّة يأجوجٍ ومأجوج كلّهم … لأشبعهم يوماً عداء العذافر
وقال مسكين الدارميّ:
ناري ونار الجار واحدةٌ … وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضرّ جاراً لي أجاوره … ألاّ يكون لبابه ستر
بين أبي الرمكاء ورجل ضافه ضاف رجلٌ من كلب أبا الرّمكاء الكلبيّ، ومع الرجل فضلة من حنطة، فراحت معزى " أبي " الرّمكاء، فحلب وشرب، ثم حلب وسقى ابنه، ثم حلب وسقى امرأته؛ فقال الرجل: ألا تسقون ضيفكم؟ فقال أبو الرّمكاء: ما فيها فضل. فاستخرج الرجل ما عكمه من طعام وقال: هل من رحىً؟ فأسرعوا بها نحوه، فطحن وعجن وأوقد خبزته فنفضها، فإذا رسول أبي الرمكاء يقول: يقول لك أبو الرمكاء: لا عهد لنا بالخبز؛ فقال الرجل: ما فيها فضل. ثم أكل وارتحل ، وقال:
بات أبو الرمكاء لم يسق ضيفه … من المحض ما يطوي عليه فيرقد
فقمت إلى حنّانةٍ فوق أختها … ونارٍ وباتت وهي تورى وتوقد
فلما نفضت الخبز بالعود أقبلت … رسائل تشكو الجوع والحيّ سهّد
وقال أبو الرمكاء بالخبز عهده … قديمٌ له حولٌ كريب مطّرد
فقلت ألا لا فضل فيها لباخلٍ … ولا مطمعٌ حتى يلوح لنا الغد
فبات أبو الرمكاء من فرط ريحها … يئن كما أنّ السليم المسهّد
أعرابي يصف قوماً بخلاء ذكر أعرابيّ قوماً فقال: ألغوا من الصلاة الأذان، مخافة أن تسمعه الآذان، فيهلّ عليهم الضّيفان.
لبعضهم وغيره في البخلاء وقال بعضهم في ذلك:
أقاموا الدّيدبان على يفاعٍ … وقالوا لا تنم للدّيدبان
فإن أبصر شخصاً من بعيدٍ … فصفّق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرساً … يصلّون الصلاة بلا أذان
وقال زياد الأعجم:
وتكعم كلب الحي من خشية القرى … وقدرك كالعذراء من دونها ستر
وقال آخر:
وإني لأجفو الضيف من غير عسرة … مخافة أن يضرى بنا فيعود
وقال آخر:
أعددت للضيفان كلباً ضارياً … عندي وفضل هراوةٍ من أرزن
ومعاذراً كذباً ووجهاً باسراً … متشكياً عض الزمان الألزن
رأى رجلٌ الحطيئة وبيده عصا؛ فقال: ما هذه؟ قال: عجراء من سلم، قال: إني ضيف. قال: للضيفان أعددتها.
وقال آخر:
وأبغض الضيف ما بي جلّ مأكله … إلا تنفخه حولي إذا قعدا
ما زال ينفخ جنبيه وحبوته … حتى أقول لعلّ الضيف قد ولدا
حميد الأرقط يذكر ضيفاً وقال حميدٌ الأرقط يذكر ضيفاً:
إذا ما أتانا وارد المصر مرملاً … تأوب ناري أصفر العقل قافل


فقلت لعبدي اعجلا بعشائه … وخير عشاء الضيف ما هو عاجل
فقال وقد ألقى المراسي للقرى … أبن لي ما الحجاج بالناس فاعل
فقلت ما لهذا طرقتنا … فكل ودع الأخبار ما أنت آكل
تجهّز كفّاه فيحدر حلقه … إلى الزور ما ضمّت عليه الأنامل
أتانا ولم يعدله سحبان وائلٍ … بياناً وعلماً بالذي هو قائل
فما زل منه اللقم حتى كأنه … من العيّ لما أن تكلّم باقل
وقال أيضاً في نحو ذلك:
ومرملين على الأقتاب برهم … حقائب وعباءٌ فيه بعرين
مقدمين أنوفاً في عصائبهم … هجناً، ألا جدعت تلك العرانين
يسطرون لنا الأخبار إذ نزلوا … وكلّ ما سطروا للقم تمكين
باتوا وجلتنا الصهباء بينهم … كأن أظفارهم فيها سكاكسن
فأصبحوا والنوى عالي معرّسهم … وليس كلّ النوى تلقي المساكين
وقال أيضاً في نحو ذلك:
وعاوٍ عوى والليل مستحلس الندى … وقد ضجعت للغور تالية النجم
فسلّم تسليم الصّديق ولم يكن … صديقاً لنا إلاليأنس باللقم
فقلت له والنار تأخذ صدره … لقمت لسمتٍ أم سريت على علم
لبعض الرجاز وقال بعض الرجاز:
برّح بالعينين خطّاب الكثب … يقول إني خاطبٌ وقد كذب
وإنما يطلب عسّاً من حلب
وقال آخر:
إني لمثلكم من سوء فعلكم … إن زرتكم أبداً إلا معي زادي
حماد عجرد يهجو حريثاً وقال حمّد عجرد:
حريثٌ أبو الصلت ذو خبرةٍ … بما يصلح المعدة الفاسده
تخوّف تخمة أضيافه … فعوّدهم أكلةً واحده
زياد وغيلان بن خرشة عن قتادة قال: قال زيادٌ لغيلان بن خرشة: أحبّ أن تحدثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها، لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها. فقال غيلان: حدّثني عمّي قال: توالت على العرب سنون تسعٌ في الجاهلية حطمت كل شيء، فخرجت على بكرٍ لي في العرب. فمكثت سبعاً لا أطعم شيئاً إلا ما ينال منه بعيري أو من حشرات الأرض، حتى دفعت في اليوم السابع إلى حواء عظيم، فإذا بيتٌ جحش عن الحيّ فعملت إليه فخرجت إليّ امرأة طوالةٌ حسّانةٌ، فقالت: من؟ قلت: طارق ليلٍ يلتمس القرى. فقالت: لو كان عندنا شيء لآثرناك به، والدّالّ على الخير كفاعله، حسّ هذه البيوت ثم انظر إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه. ففعلت حتى دفعت إليه، فرحب بي صاحبه وقال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى. فقال: يا فلان؛ فأجابه، فقال: هل عندك طعامٌ؟ فقال لا؛ فوالله ما وقر في أذني شيء كان أشدّ منه. قال: فهل عندك شراب؟ قال لا؛ ثم تأوه فقال: بلى، قد بقّينا في ضرع الفلانة شيئاً لطارق إن طرقك. قال: فأت به. فأتى العطن فابتعثها. فحدّثي عمّي أنه شهد فتح أصبهان وتستر ومهرجا وكور الأهواز وفارس وجاهه عند السلطان وكثرة ماله وولده، قال: فما سمعت شيئاً قطّ كان أشد من شخب تيك الاقة في تلك العلبة؛ حتى إذا ملأها " و " فاضت من جوانبها وارتفعت عليها شمكرةٌ كجمة الشيخ، أقبل بها يهوي نحوي، فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدّثني أنه أصيب بأبيه وأمّه وولده وأهل بيته فما أصيب بمصيبةٍ أعظم من ذهاب العلبة. فلما رأى ذلك ربّ البيت خرج شاهراً سيفه فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناماً ودفع إليه مدية وقال: يا عبد الله اصطل واحتمل. قال: فجعلت أهوي بالبضعة إلى النار فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم مسحت ما في يدي من إهالتها على جلدي وقد كا قحل عليّ عظمي حتى كنه شنٌّ، ثم شربت شربة ماءٍ وخررت مغشياً عليّ فما أفقت إلى السحر. وقطع زيادٌ الحديث وقال: لا عليك ألا تخبرنا بأكثر من هذا، فمن المنزول به؟ قلت: أبو علي عامر بن الطّفيل.
لبعض الشعراء يهجو قوماً قال بعض الشعراء يهجو قوماً:
وتراهم قبل الغداء لضيفهم … يتخللون صبابةً للزاد
لآخر يهجو أبي المقاتل وقال آخر:
إستبق ودّ أبي المقا … تل حين تأكل من طعامه
سيّان كسر رغيفه … أو كسر عظمٍ من عظامه


فتراه من خوف النز … يل به يرّوع في منامه
فإذا مررت ببابه … فاحفظ رغيفك من غلامه
وقال آخر:
صدّق أليّته إن قال مجتهداً … لا والرغيف، فذاك البرّ من قسمه
قد كان يعجبني لو أنّ غيرته … على جراذقه كانت على حرمه
إن رمت قتلته بخبزته … فإن موقعها من لحمه ودمه
طعام أبي دلف قلت لرجل كان يأكل مع أبي دلف: كيف كان طعامه؟ قال: كان على مائدته رغيفا بينهما نقرة جوزةٍ؛ وقال:
أبو دلفٍ يضيّع ألف ألفٍ … ويضرب بالحسام على الرغيف
أبو دلفٍ لمطبخه قتارٌ … ولكن دونه ضرب السيوف
لأبي الشمقمق، ثم لدعبل
وقال أبو الشمقمق:
رأيت الخبز عزّ لديك حتى … حسبت الخبز في جوّ السحاب
وما روحتنا لتذبّ عنا … ولكن خفت مرزئة الذئاب
وقال دعبل:
إ من ضنّ بالكنيف على الضي … ف بغير الكنيف كيف يجود!
ما رأينا ولا سمعا بحشٍّ … قبل هذا لبابه إقليد
إ يكن في الكنيف شيء تخبّا … ه فعندي إن شئت فيه مزيد
ولهذا الشعر قصة قد ذكرتها في باب الشعراء: بخل جعفر بن سليمان الهاشمي قال أبو محمد: شوي لجعفر بن سلمان الهاشمي دجاجٌ ففقد فخذٌ من دجاجةٍ فأمر فنودي في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر! والله لا أخبز في هذا التنور شهراً أو يردّ! فقال ابنه الأكبر: أتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!.
قال بعض الشعراء:
يا تارك البيت على الضيف … وهارباً منه من الخوف
ضيفك قد جاء بخبزٍ له … فارجع فكن ضيفاً على الضيف
أبو نواس وخبز إسماعيل وقال أبو نواس:
خبز إسماعيل كالوش … ي إذا ما شقّ يرفا
عجباً من أثر الصن … عة فيه كيف يخفى
إن رفاءك هذا … أحذق الأمة كفّا
فإذا قابل بالنصر … ف من الجردق نصفا
مثل ما جاء من التن … ور ما غادر حرفا
أحكم الصنعة حتى … لا يرى موضع إشفى
وله في الماء أيضاً … عملٌ أبدع ظرفا
مزجه العذب بماء ال … بئر كي يزداد ضعفا
فهو لا يشرب منه … مثل ما يشرب صرفا
بين عبد العزيز بن عمران وبنت ابن هرمة عن عبد العزيز بن عمران قال: نزلت ببنت " ابن " هرمة فقلت: انحروا لا جزوراً؛ قالت: والله ما هي عندنا؛ قلت: فبقرة، قالت: لا؛ فشاة؛ قالت: لا، قلت: فدجاجة؛ قالت: لا؛ قلت: فأين قول أبيك:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا … أبتاع إلا قريبة الأجل
قالت: ذاك أفناها. فبلغ ابن هرمة ما قالت، قال: أشهد أنها ابنتي، وأشهد أن داري لها دون الذكور من أولادي.
بخل ابن أبي فنن قال ابن أبي فنن:
لا أشتم الضيف ولكنني … أدعو له بالقرب من طوق
بقرب من إن زاره زائرٌ … مات إلى الخبز من الشوق
من أخبار البخلاء دخل على ابنٍ لرجلٍ من الأشراف داخلٌ وبين يديه فراريج، فغطّى الطبق بمنديله وأدخل رأسه في جيبه وقال للداخل عليه: كن في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من بخوري.
وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: دخل رجل على رجلٍ قد تغدّى مع قومٍ ولم ترفع المائدة قال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى. يريد كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا إلى الصحيح.
قال: وقال لقوم يؤاكلونه: يزعمون أن خبزي صغار! أيّ ابن زانيةٍ يأكل من هذا رغيفين!. قال: ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث: تغدّيت اليوم؟ فإن قال نعم، قال: لولا أنك تفدّيت لغدّيتك بطعامٍ طّيب. وإن قال لا، قال: لو كنت تغدّيت لسقيتك خمسة أقداح. فلا يكون له على الوجهين لا قليلٌ ولا كثير.
بين أبي نواس وخراساني وحكي عن أبي نواس أنه قال: قلت لرجلٍ من أهل خراسان: لم تأكل وحدك؟ قال: ليس عليّ في هذا الموضع سؤال، إنما السؤال على من آكل مع الجماعة، لأن ذاك تكلّف وأكلي وحدي هو الأكل الأصليّ.
بخل الحزاميّ


وكنّا عند داود بن أبي بواسط أيام ولايته كسكر، فأتته من البصرة هدايا، وكان فيها زقاق دوشابٍ فقسمها بيننا، فكلّنا أخذ ما أعطي، غير الحزاميّ، فأنكرنا ذلك وقلنا: إنما يجزع الحزاميّ من الإعطاءوهو عدوّه، فأما الآخذ فهو ضالّته وأمنيّته؛ فإته لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرّارات الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعاً عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك، فتعسّر قليلاً ثم باح بسرّه وقال: وضيعته أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار؛ قلت: أوّل وضائعه احتمال ثقل السّكر؛ قال: هذا لم يخطر ببالي قطّ،، ولكن أوّل ذاك كراء الحمّال، فإذا صار إلى المنزل صار سبباً لطلب العصيدة والارزّة والستندفود، فإن بعته فراراً من هذا البلاء صيّرتموني شهرة، وإن أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباهها، وجذب ذلك شراء السّمن، ثم جذب السمن غيره، وصار هذا الدّوشاب علينا أضرّ من العيال؛ وإن أنا جعلته نبيذاً احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الحبّ وإلى شراء الماء، وإلى كراء من يوقد تحته؛ فإن ولّيت ذلك الخادم اسودّ ثوبها وغّرمتنا ثمن الأشنان ولصابون، وازدادت في لطّعم على قدر الزيادة في العمل؛ فإن فسد ذهبت النفقة باطلاً ولم نستخلف منها عوضاً بوجه من الوجوه، لأن خلّ الدّاذيّ يخصب اللّحم ويغيّر الطّعم ويسوّد المرقة ولا يصلح " إلا " للاصطباغ. وإن سلم - وأعوذ باللّه - وجاد وصفا فلم نجد بدّا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه؛ فإن قعدت في البيت أشربه لم يمكن ذلك إلا بترك سلاف الفارسيّ المعسّل، والدّجاج المسمّن، وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنّقل الهشّ والرّيحان الغضّ، عند من لا يغيض ماله، ولا تنقطع مادّته، وعند من لا يبالي على أي قطريه سقط، مع فوت الحديث المؤنس والسّماع الحسن؛ وعلى أني إن جلست في البيت أشربه لم يكن بدّ من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من لحمٍ بدرهم، ونقلٍ بطسّوج، وريحانٍ بقيراط، ومن أبرارٍ للقدر وحطبٍ للوقود؛ وهذا كله غرم وشؤم وحرمان وحرفة وخروجٍ من العادة الحسنة. فإن كان النديم غير موافقٍ فأهل السجن أحسن حالاً مني، وإن كان موافقاً فقد فتح اللّه على مالي به باباً من التلّف، لأنه حينئذ يسير في مالي كسيري في مال غيري ممّن هو فوقي. فإذا علم الصديق أن عندي داذياً أو نبيذاً دقّ على الباب دقّ المدلّ، فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء. وإن بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه " مني " من أكون عنده، فقد شاركت المسرفين، وفارقت إخواني الصالحين، وصرت من إخوان الشياطين؛ واللّه تقدّست أسماؤه يقول: " إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين " ؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكتسب منّي؛ وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم به فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ، وبأن أوكل ولا آكل! أعوذ باللّه من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور بعد الكور؛ ولو كان هذا في الحداثة أهون. هذا الدّوشاب دسيسٌ من الحرفة، وكيدٌ من الشيطان، وخدعةٌ من الحسود، وهو الحلاوة التي تعقب المرارة. ما أخوفني أن يكون أبو سليمان قد ملّني فهو يحتال لي الحيل!.
الحارثي


وحكي عن الحارثي أنه قال: الوحدة خيرٌ من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء؛ لأن كل أكيلٍ جليس وليس كل جليس أكيلاً؛ فإن كان لا بدّ من المؤاكلة ولا بدّ من المشاركة فمع من لايستأثر عليّ بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة؛ ولا يلتقم كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ السّلاّءة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة الكركيّ، ولا ينتزع شاكلة الحمل، ولا يبتلع سرّة السمك، ولا يعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدّرّاج، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا " ما " بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة، ولا ينتهك استار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجوداً؛ فكيف تصلح الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية التقط الأكباد والأسمنة، وإذا عاين بقريةً استولى على العراق والقطنة، وإن عاين بطن سمكةٍ اخترق كلّ شيء فيه، وإنأتوا بجنب شواءٍ اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سنٍّ لضعفه، ولا يرقّ على حدثٍ لحدّة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت الحال. وأشدّ من كل ما وصفناه أن الطبّاخ ربما أتى باللون الظريف الطّريف، والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم، فيقدّمه حارّاً ممتنعاً، وربما كان من جوهرٍ بطيء الفتور، وأصحابنا في سهولة ازدراد الحارّ عليهم في طبائع النّعام، وأنا في شدة الحارّ " عليّ " في طباع السّباع، فإن نظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت وأردت أن أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحارّ ربما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم.
قال: وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال: أنتم لهذا أترك مني، فإن زعمتم أنني أكثر مالاً وأعدّ عدّةً، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت أن أطعم أبداً وتأكلوا أبداً، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر احتمالكم، علمت أنكم الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما تحلبون حلباً لكم شطره.
لأبي ثمامة قال: كان أبو ثمامة أفطر ناساً وفتح بابه فكثر عليه الناس، فقال: إن اللّه لا يستحي من الحق، وكلّكم واجب الحق، ولو استطعنا أن نعمّكم بالبرّ كنتم فيه سواءً ولم يكن بعضكم أولى به من بعضٍ؛ كذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس بعضكم أحقّ بالحرمان والإعتذار إليه من بعض، ومتى قرّبت بعضكم وفتحت بابي لهم وباعدت الآخرين، لم يك في إدخال البعض عذرٌ، ولا في منع الآخرين حجّة. فانصرفوا ولم يعودوا.
بخل محمد بن أبي المؤمل قال: وكان محمد بن أبي المؤمّل يقول: قاتل اللّه رجالاً كنّا نؤاكلهم، ما رأيت قصعةً رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضلٌ، وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين الموائد الرّفيعة، وإنما جعل كالقافية وكالخاتمة وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله لو أرادوا به سوءاً لقدّموه لتقع الحدّة به. ولذلك قال أبو الحارث جميّز حين رآه لا يمسّ: هذا المدفوع عنه.
ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، ويدعها كلّ واحدٍ لصاحبه، وأنت اليوم إذا أردت أن تمتّع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السّلاّءة لم تقدر على ذلك.
وكان يقول: الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فولا أن اللّه أعان عليها بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنّسل.
وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: اسقني ماءً أتاه بقلّة على قدر الرّيّ أو أصغر، وإذا قال: أطعمني شيئاً أو هات لفلان طعاماً، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة، والطعام والشّراب أخوان. أما إنه لولا رخص الماء وغلاء الخبز لما كلبوا على الخبز وزهدوا في الماء؛ ولناس أشدّ شيءٍ تعظيماً للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلاً في منبته وعنصره. هذا الجزر الصافي والباقلاء الأخضر أطيب من كمّثرى خراسان والموز البستاني، وهذا الباذنجان أطيب من الكمأة، ولكنهم لقصر هممهم وأذهانهم في التقليد والعادة لا يشتهون إلا على قدر الثمن.
وكان يقول: لو شرب الناس الماء على طعامهم لما اتّخموا. وذلك أن الرجل لا يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء شيئاً، لأنه ربما كان شبعان وهو لا يدري. وفي قول الناس:


ماءٌ دجلة مرأ من ماء الفرات، وماء مهران أمرأ من ماء " نهر " بلخ؛ وفي قول العرب: هذا ماءٌ نميرٌ يصلح عليه " المال " دليلٌ على أن الماء يمرىء؛ حتى قالوا: إن المء الذي يكون عليه النفّاطات أمرأ من الماء الذي تكون عليه القيّارات. فعليكم بشرب الماء على الغداء " فإنّ ذلك أمرأ " .
الثوريّ وعياله قال: وكان الثّوريّ يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرّطب وتعوّدوا ابتلاعه، فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين بذلك الشّحم؛ واعتبروا ذلك ببطون الصّفايا وجميع ما يعتلف النّوى. واللّه لو حملتم أنفسكم على قضم الشّعير واعتلاف القتّ لوجدتموها سريعة القبول، وقد يأكل الناس القتّ قداحاً، والشّعير فريكاً، ونوى البسر الأخضر، ونوى العجوة؛ وإنما بقيت عليكم الآن عقبة؛ أنا أقدر أن أبتلع النوى وأعلفه الشّاء، ولكني أقول هذا بالنظر لكم.
وكان يقول لهم: كلوا الباقلاء بقشوره، فإن الباقلاء يقول: من كلني بقشوري فقد أكلني، ومن لم يأكلني بقشوري فإن آكله؛ فما حاجتكم " إلى " أن تصيروا طعاماً لطعامكم، وأكلاً لما جعل أكلاً لكم.
قال: وحمّ هو وعياله فلم يقدروا على أكل الخبز، فربح قواتهم في تلك الأيام؛ ففرح وقال: لو كان في منزلي سوق الأهواز ونطاة خيبر رجوت أن أستفضل في كل سنة مائة دينار.
موسى بن جناح وجيرانه قال: ودعا موسى بن جناح جماعةً من جيرانه ليفطروا عنده " في شهر رمضان " ، فلما وضعت المائدة أقبل عليهم ثم قال لهم: لا تعجلوا، فإنّ العجلة من عمل الشيطان. ثم وقف وقفةً ثم قال: وكيف لا تعجلون واللّه تعالى يقول: " وكان الأنسان عجولاً " . اسمعوا ما أقول لكم، فإن فيه حسن المؤاكلة والتبعّد من الأثرة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة: إذا مدّ أحدكم يده ليسقي ماءً فأمسكوا أيديكم حتى يفرغ، فإنكم تجمعون عليه خصالاً: منها أنكم تنغّصون عليه في شربه، ومنها أنه إذ أراد اللّحاق بكم فلعلّه يتسرع إلى لقمةٍ حارّة فيموت، وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللّقم. ولهذا قال بعضهم وقد قيل له: لم تبدأ بأكل اللحم؟ قال: لأن اللّحم ظاعنٌ والثريد مقيمٌ. وأنا وإن كان الطعام طعامي فإني كذلك أفعل؛ فإذ رأيتم فعلي يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم. قال بعضهم: فربما نسي بعضنا فمدّ يده وصاحبه يشرب، فيقول له يدك يا ناسي، ولولا شيء لقلت لك: يا متغافل. قال: فأتانا بأرزّةٍ لو شء أحدنا أن يعدّ حباتها لعدّها، لتفرّقها وقلّتها، وهي مقدار نصف سكرّجة؛ فوقعت في فمي قعطةٌ، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتاً حين مضغتها، فقال: اجرش يا أبا كعب.
اللئيم الراضع قال: وكنّا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الحلب فلا يحلبه في الإناء لئلاّ يسمع صوت الحلب - وقال بعضهم: لئلا يضيع من اللبن شيءٌ - ثم رأيت أبا سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك: ارتضع من دنّ خلاّ حتى فني ولم يخرج منه شيء.
من أخبار الكندي قال: وكان الكنديّ لا يزال يقول للساكن من سكّاننا - " وربما قال " للجار - : إن في داري امراةً بها حبلٌ، والوحمى ربما أسقطت من ريح القدر الطّيبة، فإذا طبختم فردّو شهوتها بغرفة أو بعلقة فإن النفس يردّها اليسير، وإن لم تفعل ذلك وأسقطت فعليك غرّةٌ: عبدٌ أو أمة.
وقال بعضهم: نزلنا داراً بالكراء للكنديّ على شروط، فكان في شرطه على السكّان أن يكون له روث الدابّة، وبعر الشاة، ونشوار العلوفة؛ وألا يخرجوا عظماً ولا يخرجوا كناسة، وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرّمان، والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته؛ وكان في ذلك يتنزّل عليهم، فكانوا لطيبه وإفراط بخله يحتملون ذلك.
من بخل سهل بن هارون


وقال دعبل: أقمنا يوماً عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى اضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بصحفةٍ عدمليّة فيها مرق لحم ديكٍ عاسٍ هرمٍ ليس قبلها ولا بعدها غيرها، لا تخزّ فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس، فاطّلع في القصعة وقلّب بصره فيها، فأخذ قطعة خبز يابسٍ فقلب بها جميع ما في الصفحة ففقد الرأس، فبقي مطرقاً ساعةً، ثو رفع رأسه إلى الغلام وقال: أين الرأي؟ قال: رميت به؛ قال: ولم؟ قال: ما ظننت أنك تأكله " ولا تسأل عنه " ! قال: ولأيّ شيءٍ ظننت ذلك؟ فواللّه إني لأمقت من يومي برجله فكيف من يرمي برأسه! والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه عرفه الذي يتبرّك به، وفيه عينه التي يضرب بها المثل فيقال: " شراب كعين الديك " ، ودماغه عجبٌ لوجع الكلية، ولن ترى عظماً قطّ أهشّ من عظم رأسه؛ فإن كان من نبلٍ أنك لا تأكله فإنّ عندنا من يأكله. أو ما علمت أنه خيرٍ من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق! أنظر أين هو. قال: لا واللّه لا أدري أين هو، رميت به. قال: لكني أدري أنك رميت به في بطنك، واللّه حسبك.
لبعضهم في بخيلين وحكي عن رجل أنه قال: مررت ببعض طرقات الكوفة، فإذا رجل يخاصم جاراً له، فقلت: ما بالكما تختصمان؟ فقال " أحدهما " : لا واللّه إلا أنّ صديقاً لي زارني فاشتهى عليّ رأساً، فاشتريته وتغذّينا به وأخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمّل بها عند جيراني فجاء هذا فأخذها وتركها على باب داره يوهم أنه اشتراه.
أيضاً في البخل قال: وتناول رجل من بين يدي أميرٍ من الأمرء بيضةً وهو معه، فقال: خذها فإنها بيضة العقر. ولم يأذن له بعد ذلك.
قال: وقدّمت مائدة لرجلٍ عليها أرغفة على عدد الرؤوس ورغيفٌ زائد يوضع على الصّحاف، فلما أنفد القوم خبزهم التفت إلى رجلٍ إلى جانبه فقال: إكسر هذ الرغيف وفرّقه بينهم. فتغافل، فأعاد عليه، فقال: يبتلي على يد غيري.
من بخل المغيرة الثقفي قال المدائنيّ: كان المغيرة بن عبد اللّه الثقفيّ وهو على الكوفة جديٌ يوضع على مائدته بعد الطعام لا يمسّه هو ولا غيره، فقدم أعرابيٌ يوماً فأكل لحمه وتعرّق عظامه؛ فقال: يا هذا، أتطالب هذا البائس بذهل؟! هل نطحتك أمه! قال: وأبيك إنك لشفيق عليه! هل أرضعتك أمّه!.
بين زياد بن عبد اللّه الحارثي وأشعب قال المدائني: كان لزياد بن عبد اللّه الحارثي جديٌ لا يمسه " أحد " ، فعشّى في شهر رمضان قوماً فيهم أشعب، فعرض أشعب يوماً للجدي من بين القوم، فقال زياد حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمامٌ يصلّي بهم؟ قالوا: لا. قال: فليصلّ بهم أشعب. قال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: لا آكل لحم جدي أبداً.
المغيرة بن عبد اللّه الثقفي قال: وكان المغيرة بن عبد اللّه الثّقفيّ يأكل وأصحابه تمراً فانطفأ السراج، وكانوا يلقون النّوى في طستٍ، فسمع صوت نواتين؛ فقال: من ذا يلعب بالكعبتين؟ شعر للأعشى، ولآخرين قال الأعشى:
تبيتون في المشتي ملاءً بطونكم … وجاراتكم سغبٌ يبتن خمائصا
وقال آخر:
وضيف عمروٍ وعمروٌ ساهران معا … فذاك من كظّةٍ والضيف من جوع
وقال آخر:
وجيرةٍ لا ترى في الناس مثلهم … إذا يكون لهم عيدٌ وإفطار
إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم … وليس يبلغنا ما تنضج النار
وقال سماعة بن أشول:
نزلنا بسهمٍ والسماء تلفّنا … لحي اللّه سهماً ما أدقّ وألأما
فلما رأينا أنه عاتم القرى … بخيلٌ ذكرنا ليلة لهضب كردما
فقمنا وحملنا على الأين والوجى … جلالا بأوصال الرّديفين مرجما
يدقّ خراطيم القنان كأنما … يدقّ بصوان الجلاميد حتما
فجئنا وقد باض الكرى في عيوننا … فتىً من عيون النعرقين مسلماً
تناج إليه هجمةٌ واتكيّة … رعت بالجواء البقل حولاً مجرّما
كأنّ بأحقيها إذا ما تنعّمت … مزاداً سقا فيه المزوّد معصما
فبات رفيقي بعد ما ساء ظنّه … بمنزلةٍ من آخر الليل مكرما
ولو أنها لم يدفع العيس زّمها … رأى بعضها من بعض أنسائها دما


وقال حميد الأرقط:
ومستنبحٍ بعد الهدوء وقد جرت … له حرجفٌ نكباء والليل عاتم
رفعت له مخلوطةً فاهتدى بها … يشبّ لها ضوء من النار جاحم
فأطعمته حتى غدا وكأنما … تنازعه في أخدعيه المحاجم
كزمهان يفطو المشي لو جعلت له … رعايا الحمى لم يلتفت وهو قائم
حريصٌ على التسليم لو يستطيعه … فلم يستطع لما غدا وهو عاتم
وقال الأعشى:
إذا حلّت معاوية بن عمرو … على الأطواء خنّقت الكلابا
وقال آخر:
أيا بنة عبد اللّه وابنة مالكٍ … ويابنة ذي البردين والفرس الورد
إذا ما عملت الزاد فالتمسي له … أكيلاً فإني غير آكله وحدي
بعيداً قصيّاً أو قريباً فإنني … أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي
وكيف يسيغ المرء زاداً وجاره … خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد
وللموت خيرٌ من زيادة باخلٍ … يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
وقال مرّة بن محكان السّعدي:
فقلت لما غدوا أصي قعيدتنا … غدّي بينك فلن تلفيهم حقبا
أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم … وقد هجعت ولم أعرف لهخم نسبا
لحماد عجرد في بخيل وقال حمّاد عجرد:
زرت امرأً في بيته مرّةً … له حياءٌ وله خير
يكره أن يتخم إخوانه … إنّ أذى التّخمة محذور
ويشتهي أن يؤجروا عنده … بالصوم والصائم مأجور
مثله لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين:
أبو نوحٍ نزلت عليه يوماً … فغدّاني برائحة الطعام
وجاء بلحمٍ لا شيءٍ سمينٍ … فقدّمه على طبق الكلام
فلما أن رفعت يدي سقاني … مدامً بعد ذاك بلا مدام
فكان كمن سقى الظمآن آلا … وكنت كمن تغدّى في المنام
لعروة بن الورد وقال عروة بن الورد:
إني امرؤٌ عافي إنائي شركةٌ … وأنت امرؤٌ عافي إنائك واحد
أتهزأ منّي أن سمنت وأن ترى … بجسمي مسّ الحقّ والحقّ جاهد
أقسّم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ … وأحسو قراحالماء والماء بارد
باب القدور والجفانالفرزدق وقدر ابن جبار ذكر الفرزدق عقبةً بن جبّار المنقري وقدره فقال:
لو أن قدراً من طول محبسها … على الحفوف بكت قدر ابن جبّار
ما مسّها دسمٌ مذ فضّ معدنها … ولا رأت بعد نار القين من نار
وقال:
كأنّ تطلّع التّرعيب فيها … عذارٍ يطّلعن إلى عذار
الكميت وقال الكميت:
كأنّ الغطامط من غليها … أراجيز أسلم تهجو غفاراً
وقال آخر:
وقدرٍ كجوف الليل أحمشت غليها … ترى الفيل فيها طافياً لم يفصّل
ابن الزبير يمدح ابن خارجة وقال ابن الّزبير يمدح أسماء بن خارجة:
ترى البازل البختيّ فوق خوانه … مقطّعةً أعضاؤه ومفاصله
الرقاشي وابن يسير وقال الرّقاشيّ:
لنا من عطاء اللّه دهماء جونةٌ … تناول بعد الأقربين الأقصيا
جعلت ألالاً والرّجام وطخفةً … لها فاستقلّت فوقهنّ الأثافيا
مؤدّيةً عنا حقوق محمدٍ … إذا ما أتانا يابس الجنب طاويا
أتى بن يسيرٍ كي ينفّس كربه … إذا لم يرح وافي مع الصبح غاديا
فأجابه ابن يسير:
وثرماء ثلماء النواحي ولا يرى … بها أحدٌ عيباً سوى ذاك باديا
إذا انقاض منها بعضها لم تجد لها … رؤوب لما قد كان منها مدانيا
وإن حاولوا أن يشعبوها فإنها … على الشّعب لا تزداد إلا تداعيا
معوّذة لإرجال لم توف مرقباً … ولم تمتط الجون الثلاث الأثافيا
ولا اجتزعت من نحو مكة شقّةً … إلينا ولا جازت بها العيس واديا
ولكنّها في أصلها موصليّةٌ … مجاورةٌ فيضاً من البحر جاريا


أتتنا تزجّيها المجاذيف نحونا … وتعقب فيما بين ذاك المزاديا
يقول لمن هذي القدور التي أرى … تهيل عليها الرّيح ترباً وسافيا
فقالوا ولن يخفي على كل ناظرٍ … قدور رقاشٍ إن تأمّل دانيا
فقلت متى باللحم عهد قدوركم … فقالوا إذ ما لم يكنّ عواريا
من اضحى إلى أضحى وإلاّ فإنها … تكون بنسسج العنكبوت كما هيا
فلما استبان لجهد لي في وجوههم … وشكواهم أدخلتهم في عياليا
ينادي ببعضٍ بعضهم عند طلعتي … ألا أبشروا هذا اليسيريّ جائبا
لأبي نواس وقال أبو نواس:
ودهماء تثفيها رقاشٌ إذا شتت … مركّبة لآذان أمّ عيال
يغصّ بحيزوم لبعوضة صدرها … وتنزلها عفواً بغير جعال
ولو جئتها ملاي عبيطاً مجزّلاً … لأخرجت ما فيهاا بعود خلال
هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائلٍ … ربيع اليتامى عام كلّ هزال
وقال أيضاً:
رأيت قدور الناس سوداً من الصّلى … وقدرالرّقاشيّين زهراء كالبدر
ولو جئته ملأي عبيطاً مجزّلاً … لأحرجت ما فيها على طرف الظّفر
يثبّتها للمعتفي بفنائهم … ثلاثٌ كحظّ الثاء من نقط الحبر
تروح على حيذ الرّباب ودارمٍ … وسعدٍ وتعروها فراضبة الفزر
وللحيّ عمرٍ ونفحةٌ من سجالها … وتغلب والبيض االلّهاميم من بكر
إذا ما ينادي بالرحيل سعى بها … أمامهم الحوليّ من ولد الذّرّ
جفنة ابن جدعان وقال أبو عبيدة: كان لعبد اللّه بن جدعان جفنة يأكل منها القائم والراكب. وذكر غيره أنه وقع فيها صبيّ فغرق.
للأشعر وقال الأشعر:
وأنت مليخٌ كلحم الحوار … فلا أنت حلوٌ ولا أنت مرّ
وقد علم الضيف والطارقون … بأنك للضيف جوعٌ وقرٌ
بين يحيى بن خالد وأبي الحارث سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جمّيزاً عن طعام رجلٍ، فقال: أما مائدته فمقنة وأما صحافه فمنقورةٌ من حبّ الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف نقرة جوزة، وبين اللون واللون فترة نبيّ.
قال: فمن يحضرها؟ قال: الكرام الكاتبون. قال: فيأكل معه أحدٌ؟ قال: نعم، الذّباب. قال: فلهذا ثوبك مخرّق ولا يكسوك وأنت معه وبفنائه؟! قال أبو الحارث: جعلت فداءك، واللّه لو ملك بيتاً من بغداد إلى الكوفة مملوءاً إبراً، في كل إبرةٍ خيط، ثم جاءه جبريل وميكائيل معهما يعقوب يضمنان عنه إبرة يخيط بها قميص يوسف لذي قدّ من دبرٍ، ما أعطاهم.
لبعضهم في بخيل وقال بعضهم:
ولو عليك اتكالي في الغذاء إذاً … لكنت أوّل مدفونٍ من الجوع
سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيرهنصيحة تياذوق طبيب الحجاج قال الحجاج لتياذوق متطبّبه: صف لي صفةً آخذ بها " في نفسي " ولا أعدوها، قال تياذوق: لا تتزوّج من النساء إلا شابّة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيّا، ولا تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشر بنّ دواءً إلا من علةً، ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، ولا تأكل طعاماً إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام واشؤب عليه، وإذا شربت فلا تأكل عليه شيئاً، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فتمشّ ولو مائة خطوةٍ.
يهود خيبر روى عبد العزيز بن عمران عن الحليس بن حيّان الأشجعيّ قال: حدّثني أبي عن شيوخ من أشجع قال: سألنا يهود خيبر: بم صححتم بخيبر؟ قالوا: بشرب الخمر، وأكل الفوم، وسكون اليفاع، وتجنّب بطون الأودية، والخروج من خيبر عند طلوع الفجر وسقوطه.
بين الحجاج والحكم بن المنذر بن الجارود قال الحجّاج للحكم بن المنذر بن الجارود: أخبرني عن صفاء لونك وغلظ قصرتك، أشرب اللبن فهو منه؟ قال: لا. ولم؟ قال: لأنه منتنةٌ منفخةٌ. قال فما شرابك؟ قال: نبيذ الدّقل في الصيف ونبيذ العسل في الشتاء.
بين عبد الملك وأعرابي قال عبد الملك لأعرابي: إنك حسنٌ الكدنة. قال: إني أدفىء رجليّ في الشتاء، وأغفل غاشية الغمّ، وآكل عند الشهوة.


لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن عليّ رضي اللّه عنه أنه قال: من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب اللّه عنه سبعين نوعاً من البلاء. ومن أكل كلّ يومٍ سبع تمرات عجوةٍ قتلت كلّ داء في بطنه. ومن أكل كلّ يوم إحدى وعشرين زبيبةٍ حمراء لم ير في بدنه شيئاً يكرهه. واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب. ولحم البقر داء، ولبنها شفاء، وسمنها دواء. والشّحم يخرج مثليه من داءٍ ولم يستشف الناس بشيء أفضل من الرّطب والسّمك يذيب الجسد وقراءة القرآن والسواك يذهب البلغم. ومن أراد البقاء - ولا بقاء - فليباكر الغداء وليقلل غشيان النّساء ويخّفف الرداء، وليلبس الحذاء قيل: وما خفّة الرّداء في البقاء؟ قال: قلّة الدّين.
لبعضهم في سياسة البدن قيل لرجل: إنك لحسن السّحّنة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بحام البنفسج، وألبس الكتّان.
في أشياء تورث الهزال ويقال: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء على الرّيق، والنوم على غير وطأةٍ، وكثرة الكلام برفع الصوت.
ويقال: أربع خصالٍ يهدمن العمر وربما قتلن: دخول الحمامّ على بطنةٍ، والمجامعة على الأمتلاء، وأكل القديد الجافّ، وشرب الماء البارد على الرّيق، وقيل: مجامعة العجوز.
من الأثر وفي الحديث: " ثلاثة أشياء تورث النّسيان أكل التّفّاح الحامض وسؤر الفأرة ونبذ القملة " .
وفي حديث آخر: " الحجامة في النّقرة والبول في الماء الراكد " ويقال: أربعة أشياء تقصد إلى العقل بالأفساد: الإكثار من البصل، والباقلاء، والجماع، والخمار.
لإبراهيم النظام وقال النّظّام: ثلاثة أشياء تخلق العقل وتفسد الذّهن: طول النّظر في المرآة والأستغراب في الضّحك، ودوام النّظر إلى البحر.
وكان يقال: عشاء الليل يورث العشا.
ويروى في الحديث: " ترك العشاء مهرمة " والعرب تقول: ترك العشاء بلحم الأليتين
باب الحميةللحارث بن كلدة قال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الدواء هو الأزم يعني الحمية لجالينوس وقيل لجالينوس: إنك تقلّ من الطّعام؛ قال: غرضي من الطّعام أن آكل لأحيا وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل للعمّي في الحمية وقال العميّ: من احتوى فهو على يقينٍ من المكروه، وفي شكّ مما يأمل من العافية. وكان يقال: ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنما الطبيب من خلاّه وما يريد وساس بدنه لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ورّبت حزمٍ للسّقم علّةً … وعلة برء الداء خبط المغفّل
ويقال: الحمية للصحيح ضارّة كما أنها للعليل نافعة.
الحمية في الحديث الشريف وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى صهيباً يأكل تمراً وبه رمدّ، فقال له: " أتأكل التمر وبك رمد؟ " فقال: يا رسول اللّه إنما أمضغ بهذه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جدّه: قال: قال رسول اللذه صلى اللّه عليه وسلم: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشّراب فإن اللّه يطعمهم ويسقيهم "
باب شرب الدواءللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال عبد اللّه بن بكر السّهميّ: حدثنا بعض أصحابنا يرفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " من استقل بدائه فلا يتداوين فإنه ربّ دواء يورث الداء " لبعض الحكماء في شرب الدواء وكانت الحكماء تقول: إياك وشرب الدواء ما حملت صحتّك داءك وقالوا: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه، ولكنه يخلقه ويبليه.
لطبيب كسرىة عن يزيد بن الأصمّ قال: لقيت " طبيب " كسرى شيخاً " كبيراً " قد أوثق حاجبيه بخرقة، وسألته عن دواء المشي؛ قال: سهمٌ يرمي به في جوفك أخطأ أو أصاب.
لأبقراط قال أبقراط: الدواء من فوق، والدواء من تحت، والدواء لا فوق ولا تحت. وفسّره المفسّر فقال: من كان داؤه في بطنه فوق سرّته سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرّته حقن، ومن لم يكن به داءٌ في بطنه فوق سرتّه سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرتّه حقن، ومن لم يكن به داءٌ لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن الدواء إذا لم يجد داء يعمل فيه وجد الصحّة فعمل فيها.
عبد العزى بن عبد المطلب


قال أبو اليقظان: كان عبد العزّى بن عبد المطّلب يشتكي عينه وهو مطرقٌ أبداً؛ وكان يقول: ما بعيني بأس، ولكن أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول: اكحلوا عين عبد العزّى معي؛ فيأمر من يكحّلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني.
لابن الأحمر قال ابت أحمر شفي بطنه:
شربت الشّكاعى والتددت ألدّة … وأقبلت أفواه العروق المكاويا
شربنا وداوينا وما كان ضارنا … إذا اللّه حمّ المرء أن لا تداويا
في لأثر وفي الحديث: " داووا مرضاكم بالصّدقة ووحصّنوا أموالكم بالزّكاة واستقبلوا أنواع البلايا بالدعاء " .
الحدث والحقنة والتّخمة
لقمان لابنه عن وهب قال: قال لقمان لابنه: إن طول الجلوس على الخلاء يرفع الحرارة إلى الرأس، ويورث االباسور وتيجع له الكبد؛ فأجلس هوينى وقم هوينى. فكتب حكمته على باب الحشّ.
وكان يقال: إذا خرج االطعام قبل ستّ ساعات فهو مكروه، وإذا بقي أكثر من أربع وعشرين ساعة فهو مرض.
شكاية أبي ذفافة وشعر لأعرابي وكان أبو ذفافة الباهليّ اشتكى، فأشار عليه الأطبّاء بالحقنة فامتنع؛ فأنشأ أعربيّ يقول:
لقد سرّني واللّه وقّاك شرّها نفارك منها إذ أتاك يقودها
كفى سوءةً لاّ تزل مجبّياً … على شكوة وفراء في استك عودها
عبيد اللّه بن زياد والحقنة وأشاروا على عبيد بن زياد بالحقنة فتفحّشها؛ فقالوا: إنما يتولاّها منك لطبيب. فقال: أنا بالصاحب آنس.
الحجاج وجلسائه قل المدائنيّ: سأل الحجّاج جلساءه: ما أذهب الأشياء للإعياء؟ فقل بعضهم: أكل التّمر. وقال بعضهم: الحمام. وقال بعضهم: التّمريخ.
لفيروز وقال فيروز: أذهب الأشياء للإعياء قضاء الحاجة.
وحدثني بعض الأطباء أن رجلاً شرب خبث الحديد المعجون فبقي في جوفه، فاشتد عليه وجعه؛ فسحقت له قطعةٌ من المغناطيس وسقي إياه، فتعلق بالخبث وخرج مع الغائط.
لتياذوق طبيب الحجاج قال: وقال تياذوق طبيب الحجاج للحجاج: إن اللحم على اللحم يقتل السباع في البرية.
ثم قال لي جعفر: قالت جارية لنا: كان لي ظبيٌ فمر بعجين قد هييء للخشكنان، فكل منه فحفس - والحفس: الحبط وانتفاخ البطن - فسلخ فوجد قد شرق بالدم.
وقال يونس (طبيب لنا): هكذا يصاب الإنسان إذا بشم.
لبعض الأعراب يدعو الله الأصمعي: قال بعض الأعراب: اللهم إني أسألك ميتةً كميتة أبي خارجة، أكل بذجاً، وشرب معسلاً، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريّان دفآن.
وقال آخر من الأعراب: اللهم اجعل التخمة دائي وداء عيالي.
لابن شبابة قل ابن شبابة مولى بني أسد: من بال ولم يضرط كتبت استه من الكاظمين الغيظ.
باب القيءلجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان أنه قال لإنسان أكول يقيء إذا أكل. لا تفعل، فإن المعدة تضفز إلى القيء كما تضفز الدابة إلى العلف، فلا ينضج الطعام.
لمزبّد وأخذ مزبّد شارباً فاستنكه، فأتي به الوالي فاستنكهوه، فقالوا: نكهته لا تنبيء عنه. قال مزيد: إن لم أقيء نبيذاً فمن لي عشاءً.
رئي الجمّال يأكل فقيل له: ما تأكل؟ قال: قيء كلب في قحف خنزير.
النكهةلتياذوق الطبيب في البخر سئل تياذوق عن البخر فقال: دواؤه الزبيب يعجن بسعتر ثم يؤكل أسبوعين أو ثلاثة فجرّب فذهب.
للروم في البخر وتقول الروم في الكرفس: إنه يطيب الفم ويذهب البخر؛ ويحتاج إلى أكله من يشاهد السلطان ومحافل الناس وكان أكثر كلامه السرار.
لمنع رائحة البصل والثوم من الفم قالت الأطباء: الجزر المشوي والخبز المقلو بالزيت أو بالسمن إذا مضغ ورمي بثفله قاطعٌ لرائحة البصل من الفم. والفوم إن أكله آكلٌ فأحب أن يقطع رائحته مضغ ورق الزيتون الطري وتمضمض بعده بالخل.
والسعد قاطع لرائحة النبيذ من الفم. وحبّ الأترج مطيّب للنّكهة. والبخر لا يكاد يكون في الملاحين لأكلهم الملاح.
ما يورث البخر وقرأت في الآيين: أن رئيس الحرم أمر جواري الملك ألا يأكلن الثوم والبصل والكرّاث واللفّاح والحمّص الرطب والمشمش؛ فإنه يورث البخر.
باب المياه والأشربةللأطباء في المياه قالت الأطباء: معرفة خفّة الماء بأن يكون سريع الغليان ويكون سريع البرد. وأحمد المياه ما كان قبالة المشرق ومجراه مجرى الشمال ومروره على الطين الأحمر وعلى الرمل.


قالوا: ومما يصفّي من الماء الكدر فيصفو سريعاً أن يلقى فيه قطعٌ من خشب الساج أو قطعٌ من آجرٍّ جديدٍ.
قال بعض المحدثين:
يمنع أمه بالشمال … وماؤها البارد الزلال
يصيح فيها وقايتونا … يجري به الثلج في مثال
في تحلية الماء المرّ الغليظ وقال صاحب الفلاحة: من أراد أ يعذب له الماء الزّعاق جعله في قدر جديدة من خزف وغطى فاها بأسحال ثم أوقد تحتها حتى تغلي ويحصل فيها نصف ذلك الماء ثم صفّاه وتركه، فإنه يجده شروباً.
في ماء دجلة وقالوا: ماء دجلة يقطع شهوة الرجال ويذهب بصهيل الخيل ونشاطها، ومن لم يأكل الدسم عليه انحل عظمه ويبس جلده، وهو مع هذا أهضم للطعام من غيره من المياه وأسرعها برداً.
ماء النيل قال: والنّيل يستقبل الشمال وينصب في وقت زيادة الأدوية ويزيد في وقت نقصانها. وزيادة أوّله وآخره معها؛ ولا تكون التماسيح إلا فيه؛ قال الشاعر:
أضمرت للنيل هجراناً ومقليةً … إذ قيل لي إنما التمساح في النيل
فمن رأى النيل رأى العين من كثبٍ … فما أرى النيل إلا في البواقيل
والسقنقور أيضاً لا يخرج إلا منه.
لابن مزاحم وروي في الحديث عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: قذف الفرات في المدّ رمّانةً كأنها البعير البارك، وتحدّث أهل الكتاب أنها من الجنّة.
لابن ماسويه وقال ابن ماسويه: ينبغي للماء الغليظ الذي ليس يعذب أن يطبخ حتى يذهب منه نصفه، ثم يطرح فيه السويق أو الطين الأحمر فإنه يلطفه ويذهب غائلته ويعذبه ويمنع مدره.
منافع الفقع والجلاب والسكنجبين قالت الأطباء: الفقّاع المتخذ من دقيق الشعير نافع من الجذام. الجلاب قاطع لكثرة دم الحيض. السكنجبين نافع من الذّبحة إذا كانت من حرار، يشرب ويتغرغر به.
باب اللحمان وما شاكلهاللأطباء في لحم الماعز والضأن قالت الأطباء: لحم الماعز يورث الهمّ، ويحرك السوداء، ويرث النسيان، ويخبل الأولاد ويفسد الدم؛ وهو ضارٌّ لمن سكن البلاد الباردة. وأحمد اللحمان ما خصي من لمعز. والضأن نافع من المرّة السوداء إلا أن الممروري الذين يصرعون إذا أكلوا لحم الضان اشتد بهم ذلك حتى يصرعوا في غير أوا الصرع. وأوان الصرع الأهلّة وأنصاف الشهور.
في اللحم قال الشاعر:
كأن القوم عشّوا لحم ضأنٍ … فهم نعجون قد مالت طلاهم
قالوا: واللحم أقلّ الطعام نجواً. ولحم الدجاج الهوم شرّ اللحمان وأغلظها.
في البيض، وحب الرمان والبيض إن سلق بالخلّ ثم أكل بالسماق وحبّ الرمان المفلّق والملح والمرّي عقل الطبيعة.
منافع الزبد والمخ والدماغ والزبد إن طلي على منابت أسنان الطفل كان معيناً على نباتها وطلوعها، والمخ والدماغ يفعلان ذلك.
مضارّ الأطعمة ومنافعها
للنبي ( في الكمأة والعجوة الكمأة والفطر - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم يذكرون الكمأة وبعضهم يقول جدري الأرض، فقال: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السقم " للأصمعي في الجراد والفطر ولحوم والإبل الأصمعي عن بعض مشايخه قال: ثلاثة أشياء ربّما صرعت أهل البيت عن آخرهم الجراد، ولحوم الإبل، والفطر.
أردأ الفطر وتقول الأطباء: إن أردأ الفطر ما نبت تحت ظلال الشجر، وأردأه كلّه ما كان في ظلّ شجر الزيتون فإنه قتال.
قالوا: والكمثّرى إذا طبخ مع الفطر أذهب ضرره.
قالوا: والفطر يورث الذبحة.
لأعرابي أكل فطراً فأصيب بذبحة قدم أعرابي المصر فأكل فطراً، فأصابته ذبحة، فقيل له: إن الطبيب بعث أن يحلب في فيك. فقال: مازلت أسمع باللئيم الراضع ولا والله لا أكونه. قالوا: فتموت إذاً. قال: وإن متّ.
ترياق الفطر وتقول الأطباء: إن أكل آكلٌ الفطر فأضرّ به، سقي الكرنب المعصور وسقي من خرء الدجاج وزن درهمين مع خل وعسلٍ مطبوخ وقيء به.
مضار الكمأة قالوا: والكمأة تورث وجع القولنج والسكتة والفالج ووجع المعدة.
قالوا: والذباب لا يقرب قدراً فيه كمأة.
ومن أراد اتخاذ الكمأة اليابسة جعلها في الطين الحرّ يوماً وليلةً ثم غسلها واستعملها.
أعرابي يبيع الكمء


بلغني عن فتىً من أهل الكتاب أنه قال: كنا في طريق مكة بالخزيمية، فأتانا أعرابيٌّ بكمأةٍ في كساءٍ قدر ما أطاق، فقلنا: بكم الكمأة؟ قال: بدرهمين. فاشتريناها منه ودفعنا الثمن إليه، فلما نهض قال له بعضنا: " في است المغبو عودٌ " . قال: بل عودان؛ وضرب الأرض برجله، فإذا نحن على الكمأة.
قال بعض الشعراء:
جنيتها تملأ كفّ الجاني … سوداء مما قد سقى السواني
كأنها مدهونةٌ بالبان
وهذه صفة أجود الكماة وأقلّها أذىً.
البصل والثومنصر بن سيّر والبصل دخل داخلٌ على نصر بن سيّار وحوله بنون له صغارٌ، فقال: هل تدرون ما ولدي هؤلاء؟ هؤلاء بنو البصل؛ وكان يأكله نيئاً ومطبوخاً.
منافع البصل والأطبّاء تقول في البصل: إنه يشهّي إلى الطعام إن أكل مشويّاً أو نيئاً، ويشهّي إلى الجماع. وإن دقّ وشم وعطّس وشهّى الطعام. وإن اكتحل بمائه مع العسل جلا البصر. وإن وضع مع الملح والسّذاب على عضّة الكلب الذي ليس بكلبٍ نفع. والإكثار منه يفسد العقل.
والمسلوق منه يدر البول والدمعة.
العصافير إن أكلت بالزّنجبيل والبصل هيجت شهوة الجماع وأكثرت المنيّ.
بين سليمان النبي ورجل عن طارق بن شهاب قال: بعث سليمان النبيّ عليه السلام بعض عفاريته وبعث معه رجلاً وقال: ردّه إليّ وانظر إلى صنيعه. فمرّ على أهل بيت يبكون فضحك، ودخل إلى السوق ونظر إلى الناس فرفع رأسه إلى السماء وهزّه، ونظر إلى الثّوم وهو يكال " كيلاً " والفلفل " وهو " يوزن وزناً، فضحك. فلما ردّه إلى سليمان عليه السلام وأخبره بما جرى منه، قال: لم ضحكت من أهل البيت؟ ولم هززت رأسك حين نظرت إلى السوق؟ ولم ضحكت من الثّوم والفلفل؟ قال: أمّا أهل البيت فإنّ اللّه أدخل ميّتهم الجنّة وهم يبكون عليه؛ ونظرت إلى الناس في السّوق والملائكة من فوق رؤوسهم والناس يملون والملائكة سراعا يكتبون، فهززت رأسي؛ ونظرت إلى الثوم وهو شفاءٌ يكال كيلاً، وإلى الفلفل وهو داءٌ يوزن وزناً.
وعن وهبٍ: أن سليمان عليه السلام قل: مم كنت تضحك؟ قال: " إني مررت برجلٍ يشتري خفّين ويقول لصاحبها: شرطي عليك أنّ ألبسها عشر سنين لا يتخرّقان؛ فعجبت كيف شرط أمله ونسي أجله. ومررت بعجوز دهرية تتكهّن وتخبر الناس بما لا يعلمون والذيّ سخرّ لك الريح وأذلّ لك الجنّ وعبدّ لك الشياطين إنّي لأعلم في بيتها تحت فراشها مطمورة فيها قناطير من ذهب وفضّةٍ وهي لا تدري ما تحتها، وقد ماتت هزلاً وجوعاً وحاجةً. ومررت بإخرى دهريةٍ تطّبب وكان بها مرّةً داءٌ، فأكلت البصل فصادفت منه برءاً، فظّنت أنه حسم داءها وشفاها، فهي تصفه للناس من كل داء؛ وقد كانت في ظهرها ريحٌ حبست منذ زمانٍ فأكلت الثّوم أحداً وعشرين يوماً فشفيت منه؛ فعجبت لها كيف تدع أن تصفه ومررت برجلٍ على شاطىء نهر يستقي منه في قلةٌ له ومعه بغلة، فلما سقى البغلة ملأ القّلة بأذن القلةّ وذهب لبعض حاجته فنفرت البغلة وكسرت القلة؛ فجعل يلعن الشيطان وبرّأ عقله ونسي فعله. ومررت بقومٍ يذكرون اللّه فاجتهدوا ونصبوا وابتهلوا، فلما أظلّت الرحمة ملّ رجل منهم فقام، وجاء آخر لم ينصب معهم فجلس مجلسه، فنزلت لرحمة فدخل فيها معها وحرمها الأوّل؛ فعجبت من سعادة هذ وشقوة هذ.
منافع الثوم وتقول الأطبّاء: إنّ الثّوم إذا شوي بالنار ووضع على الضّرس المأكول ودلكت به الأسنان لتي يعرض فيه لوجع من الرطوبة ولريح، أذهب ما فيها بإذن اللهّ من الوجع.
قال: وهو ينفع من العطش الحدث من البلغم، ويقوم مقام التّرياق في لسع الهوامّ، والأمراض الباردة.
للروم في الثوم وتقول الروم في الثّوم: إنه دواء لمن صابه وجع السّقي في بطنه. وإن أكله من ظهر " فيه " حرّةٌ من شرىً أو غيره أبرأه. وإن دقّ الثّوم يابساً فأغلي بسمن ولبن ثم جعله من يشتكي ضرسه في فيه سخناً فأمسكه ساعة، ذهب وجع ضرسه؛ وهو نافع لمن اجتوى.
الكراثقالت الأطباء: الكرّاث النّبطيّ إذا أدمن كانت فيه أحلامٌ رديئة، وولّد بخاراً في الرأس رديئاً.
وإن صبّ في مائه خلٌ ودقاق كندر واستعط به سكّن الصّداع. وإن سلق أو طحن وأكل أو ضمّد به البواسير العارضة من الرطوبة نفع فيها.


وماء الكراث إذا خلط بمثله من ألبان النساء ودهن الورد والكندر وكحّل به عين من أصابته غشاوة في عينه فلم يبصر ليلاً نفعه. وأكل البصل نافعٌ لذلك أيضاً.
الكرنب والقنّبيط
قالوا: الكرنب معينٌ على الأكثار من النبيذ إذا أكل وهو مدرٌ للبول.
للروم في منافع الكرنب وقالت الروم: بين الكرنب والكرم عداوةٌ؛ ولا يكاد يصلح الكرم والكرنب إذا تجاوزا .
قالت الأطباء: إن احتملت " المرأة " بزر الكرنب بعد الحيض أسهل المنيّ وأفسد ولم يكن معه حمل، وشرب مائه مع الشّيح الأرمنيّ غير المطبوخ أو ماء الترمس المنقع مخرجٌ لحبّ القرع نت البطن والقسط أيضاً خاصةً بزره يفسد المنيّ إذ احتملته المرأة بعد طهرها ومقدار ما يحتمل وزن درهمين.
أيضاً من منافع الكرنب وتقول الروم: الكرنب إن طبخ وخلط ماؤه بالحندقوق وسقي المرأة التي تأخر حيضها حاضت لحينها.
قالوا: وإذا خلط ماء الكرنب بالبنج كان نافعاً للسّعال وصفة حنين الطبيب لعلة في الحلق قال أبو محمد: شكوت إلى حنينٍ الطبيب علةً كنت أجدها في حلقي لا أكاد أبتلع معها ريقي؛ فقال: هي بينةّ في عينك. فتغرغر بعقيد العنب مع خميرٍ ثلاثة أيام في كل يوم ثلاث مرات؛ ففعلت ذلك يوماً واحداً فذهب.
لعلاج البرص والجرب قالوا: وإذا دقّ الكرنب وخلط به شيء من زاج الأساكفة وشيء من خلّ فأوجف ذلك بالخطمي ثم طلي به برص أو جربٌ نفع بإذن اللّه تعالى.
السّلجم والفجل
منافع الفجل تقول الأطباء في الفجل: إنه مهيجّ للجماع زائد في المني، وبزره نافعٌ من السموم قالوا: والفّجل هاضمٌ للطعام فإن أكل بزره بعسل كان دواء من السّعال والفواق وإذا شدخت قطعة فجل فطرحت على عقرب ماتت؛ وماؤه وبزره للسموم بمنزلة التّرياق. وإذا طلى أحدٌ يده بمائه ثم قبض على حيّةٍ و غيرها من الهوام لم يضارّ ذلك الموضع قالوا: وإن دقّ بزره مع الكندر وطلي به البهق الأسود في الحّمام أذهبه، وإن شرب ماء ورقه نفع من الأرقان الحادث من الطحال.
الباذنجانلأبي الحارث في الباذنجان قالوا: والباذنجان مكلف للوجه يورث داء السرطان والأورام الصّلبة وحدّثني إبي عن أبي الحارث جمّيزٍ أنه سمعه يقول في الباذنجان: لا آكله لون العقرب وشبه المحجمة قيل له: فقد رأيناك تأكله على خوان فلانٍ! قال: كان ميتةً وأنا مضطرّ.
الخيار والقثّاء
قالوا: شمّ الخيار نافع لمن أصابه الغشي من الحرارة. وبزر القثّاء إذا شربه من به حمّى الأسى نفعه. وإن أصابت رضيعاً حمّى فألزقت به خيارتين تمسّان جلده إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله، أقلعت الحمّى عنه.
السّلق
قالوا: والسّلق إن دقّ مع أصله وعصر ماؤه وغسل به الرأس ذهب بالأتربة وأطال الشعر
الهليونقالوا: والهليون مدرّ للبول، نافع من القولنج
القرعقالوا: إذا شوي القرع بالنار ثم عصر فجعل من مائه في أذن من اشتكى أذنه نفعه، وإن دهنت منابت شعر اللّحية بدهن القرع المرّ، قثاء الحمار مذاباً فيه شيحٌ أرمنيّ أسرع فيها نبات الشّعر
البقولالجرجير قالوا: والجرجير زائد في الباه والإنعاظ مدرّللبول.
وتذكر الروم أنّ من أكل الجرجير ثم ضرب بالسياط هوّن عليه بعض ذلك الجلد.
قالوا: وهو ينفع من ذفر الإبطين إذا أكل على الريق وطلي الإبطان بمائه. وتزعم الروم أنّ ماءه ينفع من عضّة ابن عرسٍ.
وقال بعض الأطباء: إن ذرّ بزر الجاجير مدقوقاً في البيض وحشي كان ذلك زائداً في الباه والإنعاظ زيادة بيّنة.
قال أبو حاتم عن القحذمي قال: أكله أعرابيّ فأنعظ شهراً، فقال الفرزدق يفخر به:
ومنا التميميّ الذي قام أيره … ثلاثين يوماً ثم زادهم عشرا
السّذاب قالوا: والسّذاب قاطع لشهوة الجماع.
وقالت الروم: إن أكلت امرأة حاملٌ أربعة مثاقيل كلّ يوم بماء سخنٍ أو نبيذ خمسة عشر يوماً أسقطت ولدها.
وقال بعض الشعرء:
كم نعمةٍ للسّذاب … جليلةٍ في الرّقاب
الناس عنها غفولٌ … إلاّ ذوي الألباب
فالحمد للّه شكراً … لولا مكان السّذاب
لغّيب الأرض نسل ال … مغنّيات القحاب
البقلة الحمقاء " الرجلة " والهندباء


قالوا: والبقلة الحمقاء إذا مضغت أذهبت الطّرش، وإذا أكلت أذهبت شهوة الجماع.
والروم تقول: إن نظر ناظرٌ عند رؤية الهلال إلى الهندباء فحلف بإله القمر ألاّ يأكل هندباء ولا لحم فرسٍ، سلم في كلّ شهر يحلف فيه من وجع الضرس.
الخس قالت الأطباء: الخسّ إذا أكل على الريق نافعٌ لتغيير الماء ومن يتأذّى باحتلام. وإذا شرب بزره بماءٍ باردٍ " قطع شهوة الجماع " .
الخردل قالوا: والخردل إن أكثر من أكله أورث ضعفاً في البصر، وهو مكثّر للّبن مدرّ للبول، وهو نافع من الصّرع. وإن اكتحل بمائه بعد أن يغلى عليه ويصفّى جلا البصر الضعيف من الرطوبة. وتزعم الروم أن ماءه يصلح للأطفال من الحمّى إذا أصابتهم. وهو يفسد الذهن ويورث االنّسيان ويضعف البصر.
النعناع والحبق قالت الأطباء: النّعناع يسكّن القيء، وينفع من الفواق الحادث من البلغم إذا شرب مع النّمّام.
وتقول الروم: الحبق الذي على شطوط الأنهار نافعٌ للرّمد إذا دقّ ونخل واكتحل به، وإن مضغه ماضعٌ ووضعه على عينه نفعه.
الفوذنج والحندقوق والطرخون وأما الفوذنخ النّهري - " فإنه " يدر الطّمث. وإن أخذ من الفوذنخ الجبليّ أوقيّة وطبخ بنصف رطل من ماءٍ حتى يبقى الثلث ويشرب، سهّل السّوداء.
وقالت الأطباء: الحندقوق يورث وجع الحلق، ويذهب بضرره من يأكل بعده الكزبرة الرّطبة والبقلة الحمقاء والهندباء.
والطّرخون يؤكل مع الكرفس.
الراسن والكشوث قالوا: والراسن ينفع من قطار البول إذا كان من بردٍ، ويقوّي المثانة.
قالوا: والكشوث يذهب بالأرقان.
عنب الثعلب والكرفس قالوا: وعنب الثعلب قاطعٌ لدم الحيض إن شرب أو احتمل.
وقالوا: الكرفس إذا طبخ وشرب كان دواءً من وجع الكليتين ومن الأسر.
باب الحبوب والبزورحب الفلفل والحبة الخضراء والحمص تقول الأطبّاء في حبّ الفلفلك إذا خلط بالسّمسم وعجن بعسل الطّبرزذ يزيد في الجماع.
والعرب تزعم أنّ الحبّة الخضراء وشرب ألبان الإيّل عليها تبعث الشّهوة.
قال جرير:
أجعثن قد لاقيت عمران شارباً … على الحبّة الخضراء ألبان إيّل
والحمّص زائد في الجماع، مكثرٌ للمنيّ، محسّن للّون، زائدٌ في لبن المرضع، يدرّ دم الحيض، وإن خلط بالباقلاء أسمن.
سويق العدس الأصمعيّ قال: قلت لابن أبي عطارد: بلغني أنّ أباك كان ذا منزلةٍ من ابن سيرين، فما حفظت عنه؟ قال: قال أبي: قال لي ابن سيرين: يا أبا عطارد، إن سويق العدس بارد وهو يدفع الدّم.
الخردل، الحرف، والباقلاء قالت الأطبّاء: إنّ الخردل نافعٌ من حمّى الرّبع والحمّيات المتقادمة ووجع الأرحام ويجفّف … من البلغم، وينزل الرطوبة من الرأس وإن أكل مع السّلق المسلوق نفع من الصّرع، وإن طلي البرص به زال.
وقالت الأطباء: الحرف يخرج حبّ القرع من البطن وينفع من عرق النّسا ووجع الورك. وإن سخّن بالماء الحارّ وشرب منه وزن أربعة دراهم أو خمسة أسهل الطبيعة ونفع من القولنج.
وقال رجل من قدماء الأطّباء في الباقلاء: إنه إذا أدمن أكلّ البصر، وأحال الأحلام أضغاثاً لا ينتفع بها ولا يجد عابر الرؤيا إلى تأويلها سبيلاً.
دهن الشاهدانج " القنبّ " ودهن الشّاهدانج نافعٌ لوجع الأذن العارض من البرد والعلل المتقادمة منها.
باب الفاكهةلعلي بن أبي طالب في الزمان عن معمر بن خثم عن جدّته قالت: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: إذا أكلتم الرمّان فكلوه يشحمه فإنه دباغ للمعدة. وذلك يوم الجمعة على المنبر.
لأعرابي في الرمّان الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: لم تبغض الرمّان؟ قال: لأنه مبخرة مجفرة مجعرة.
ليحيى بن خالد في ما يورث القمل قال: وقال يحيى بن خالد: شيئان يورثان القمل: التينّ اليابس إذا أكل، وبخار اللّبان إذا تبخرّ به.
الخوخ والأتّرج وقالت الأطباء: ورق الخوخ وأقماعه إن دقّ وعصر وشرب أسهل حبّ القرع والدّيدان والحّيات المتولّدة في البطن، وإن صبّ ماء ورقه في الأذن أمات الديدان فيها، وإن تدّلك بورقه بعد النّورة قطع ريحها.
وحمّاض الأترج إن لطخ به الكلف والقوب أذهبه. وحبّ الأترج نافعٌ من السّموم التفاح وورق التفّاح الغضّ إن دقّ بالرّفق خمسةً أو ستةً ثم ضمد به الوشم قلعه من غير أن يقرح موضعه.
الجزر


عن الزّهريّ قال: حدّثني رجلٌ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " من بات وفي بطنه جزرةٌ أو جزرتان أو ثلاث أمن القولنج والدّبلية " الفستق واللّفاح والفستق: إن دقّ وشرب بالمطبوخ الشديد نفع من لسع الهوامّ.س واللّفاح: سمّ، وربما قتل آكله. وتدفع مضرّته بالقيء بالشّراب والعسل والإسهال وشمّ الفلفل والخردل والجندبادستر والسّذاب والتّعطس.
لبزر جمهر في الأترجّ قال: وحدّثني شيخٌ من الدّهاقين عالمٌ بأيام العجم: أن بزر جمهر قال لأهل الحبس: سلوا الملك أن يرزقكم مكان الأدم الأترجّ، ليكون القشر لطيبكم، ولحمته لفاكهتكم، والحمّاض لصباغكم، والحبّ لدهنكم. فكان ذلك أوّل ما عرفت به حكمته.
باب مصالح الطعامفي ملك العجين قال رئيس من رؤوساء الطبّاخين: االعجين يملك.
وفي الحديث المرفوع: " أملكوا العجين فإنه أحد الرّيعين " .
في ما يصلح الطعام السّويق: يغسل بالماء الحارّ مرّات ثم بالبارد ويشرب.
والملح: يتقبّل به الطبيخ.
والخلّ: ينضج العدس ويصلحه للأكل.
الباقلّى: ينقع ثم يطبخ. ولا يؤكل من الفاكهة إلا ما نضج على شجره، ويلقى ثفله وعجمه، ويؤكل على ريق النّفس.
والعنب: يقطف ويمهل أيّاماً ثم يؤكل. ولا يؤكل من القنّب إلا لبّه. ولا يؤكل من الرأس إلا أسنانه وعيونه.
الباذنجان: يشقّ ويحشى بالملح، ويترك ساعةً في الماء البارد، ثم يصبّ عنه ويعاد إلى الماء مراراً، ثم يسلق بعد ذلك.
الكبر: يؤكل بالخلّ بعد غسله بالماء من الخلّ.
الزيتون: يؤكل وسط الطعام ويصبّ في الخل.
ويؤكل من الأشترغاز خلّه ولا يعرض لجسمه.
والكمأة: تنصّف ويقشر عنها قشرها، وتسلق بالماء والملح ثم تستعمل بالسّعتر والفلفل، وتقلى بالزّيت الرّكابيّ، وكذلك الفطر.
السّلق والكرنب: يسلقان بالماء والملح، ويصبّ ماؤهما ثم يستعملان.
والبقول: تمسح ثم تؤكل ولا تغسل بالماء.
وأحمد التّمور الهيرون. وأحمد البسور الجيسران. وما اصفرّ أحمد مما اسودّ.
السمك: خيره وشرّه وخير السّمك الشّبّوط والبنانيّ والميّاح. ولا يؤكل السمك الطّريّ إلا حارّاً بالخردل في الشتاء، وفي الصيف بالخلّ وبالأباريز. وأقلّ السّمك أذّى الممقور. وشرّ السّمك كباره السماريس. وخير السماريس البيض، " وأكلها " خيرٌ من أكل الحمر،وشرّها السّود.
البيض وخير البيض بيض الشّوابّ من الدجاج، ولا خير في بيض الهرمة، وأخفّ البيض الرقيق، وأثقله البيض الصلب.
ولا يعرض من الرأس للدّماغ ولا للّسان، ولا الغلصمة ولا الخراطيم.
لحم عنق الشاة ولحم العنق خفيفٌ سريع الإنهضام. وفي الحديث المرفوع: " العنق هادية الشاة وهي أبعدها من الأذى " والقفّاع: يشرب قبل الطّعام ولا يشرب بعده.
واللّبن: لا يؤكل ولا يشرب إلا بعد وضع الشاة بشهرٍ ونحوه والباقلّى: يؤكل بعده الفوذنج فإنه يذهب بنفخته اللّوبياء: يؤكل بعده الخردل الرّطب، ويشرب بعده ماء الرّمّان والسّكنجبين المعمول بالسكّر.
الهريسة: تؤكل بالفلفل الكثير والمرّيّ ولا يجعل فيها السّمن.
والمضيرة: تطبخ بالفوذنج والسّذاب والكرفس.
الزيت الزيت الرّكابيّ: إذا خلط بالخلّ أو أغلي على النار ثم رفعت رغوته عاد كالمغسول.
وفي الحديث: أن عمر رضي اللّه عنه قال: عليكم بالزّيت، فإن خفتم ضرره فأثخنوه بالماء فأنه يصير كالسّمن.
من حديث الرسول صلى اللّه عليه وسلم في زيت الزيتون عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " عليكم بالشّجرة التي نادى اللّه منها موسى عليه السلام زيت الزّيتون ادّهنوا به فإنه شفاءٌ من الباسور " الخردل الخردل: يعجن بالخلّ ويغسل بالماء ورماد البلّوط أو رماد الكرم مراراً بعد أن ينعم دقهّ ونخله، ثم يغسل بالماء القراح ويرشّ بالماء حتى تخرج رغوته ويكثر خلّه، ويخلط معه اللّوز الحلو أو ماء الرّمان الحامض وماء الزّبيب.
جاء بعد خاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي في " أ " ما يأتي " الأصمعي وهارون الرشيد


قال الأصمعيّ: دخلت على هارون الرشيد وبين يديه بدرةٌ، فقال: يا أصمعيّ، إن حدّثني بحديثٍ في العجز فأضحكتني وهبتك هذه البدرة. فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا في صحارى الأعراب في يومٍ شديد البرد والرّيح وإذا بأعرابيّ قاعدٍ على أجمةٍ وهو عريان، قد احتملت الرّيح كساءه، فألقته على الأجمة؛ فقلت له: يا أعرابيّ؛ ما أجلسك ها هنا على هذه الحالة؟ فقال: جاريةٌ وعدتها يقال لها سلمى، أنا منتظر لها. فقلت: وما يمنعك من أخذ كسائك؟ فقال: العجز يوقفني عن أخذه. فقلت له: فهل قلت في سلمى شيئاً؟ فقال: نعم. فقلت: أسمعني للّه أبوك! فقال: لا أسمعك حتى تأخذ كسائي وتلقي عليّ. قال: فأخذته فألقيته عليه؛ فأنشأ يقول:
لعلّ اللّه أن يأتي بسلمى … فيبطحها ويلقيني عليها
ويأتي بعد ذاك سحاب مزنٍ … تطهّرنا ولا نسعى إليها
فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، وقال: أعطوه البدرة. فأخذها الأصمعيّ وانصرف.
بين الحسن بن زيد وابن هرمة ويروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة: إني لست كمن باعك دينه رجاء مدخك أو خوف ذمّك فقد رزقني اللّه بولادة نبيّه عليه السلام الممادح وجنبني المقابح، وإنّ من حقّه عليّ ألاّ أغضي على تقصير في حقّ ربّه. وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لاضربنّك حدّاً للخمر وحدّاً للسكر، ولأزيدن لموضع حرمتك بي. فليكن تركك لها للّه تعن عليه ولا تدعها للناس فتوكل إليهم؛ فنهض ابن هرمة وهو يقول:
نهاني ابن الرسول عن المدام … وأدّبني بآداب الكرام
وقال لي اصطبر عنها ودعها … لخوف اللّه لا خوف الأنام
وكيف تصبّري عنها وحبّي … لها حبّ تمكّن في عظامي
أرى طيب الحلال عليّ خبثاً … وطيب النفس في خبث الحرام
ذكر هذا الخبر أبو العباس المبرّد في كتاب الكامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق