الثلاثاء، 12 يوليو 2016

تذكير التاء المربوطة



نعرف أنّ التاء المربوطة تخصّ المؤنثات. هذا من حيث المبدأ، ولكن واقع اللغة العربية يدحض ذلك، فعندنا من الرجال "طلحة" و" معاوية"، و"عنترة". وما أدراك ما عنترة في ميدان الفحولة الشعرية وفي ميدان القتال على السواء! وغيرهم من الأعلام المذكّرة التي ذُيّلت أسماؤها بالتاء المربوطة.

ما سبب تذييل الاسم المذكّر بالتاء المربوطة؟ أليست إهانة للرجل أن يلطّخ اسمه بهذه التاء في مجتمع يكنّ للرجولة ما لا يكنّه للأنوثة؟ قرأت اليوم سببا طريفاً أو قل وجهة نظر لا تخلو من وجاهة في تبرير وجود هذه التاء الدخيلة على أعلام الرجال.

التاء المربوطة في اسم الرجل تعبير خفيّ عن عدم حبّ البنات. نحن نعرف تاريخ "الوأد" القاتم في الجاهلية. والبعض يقول إنّ الوأد سببه الحبّ لا الخوف، فالرجل يحبّ ابنته ويخاف عليها من السبي ومن ثمّ تمريغ سمعته في رمال الصحراء، فلا يجد غير ما يقوله المثل:" دفن البنات من المكرمات"، أو ما يقوله مثل آخر:" ومن الحبّ ما قتل" أو وأد، وضحايا الحبّ ليسوا قلّة في العالم!

الإنسان يؤمن بالخرافات، ويؤمن بالعيون الآثمة التي تصيب مقتلاً بنظرات كالسهام المسمومة، وقد تعتدي العيون على الأشخاص كما تعتدي على الأسماء، ومن هنا تتحوّل " التاء المربوطة" الى درع واق من الموت. متراس لغوي يحمي الرجولة من عين تتربّص شرّاً أو غيرة.
كيف يمكن تفسير ذلك؟

يقول الباحث "شتيفان فيلد" في بحثه الطريف:" الأعلام العربيّة" من كتاب "الأساس في فقه اللغة العربية" ص82 ما يلي:" " ثمّة ميزة لافتة للنظر لأسماء الأشخاص العربية هي أنّ عدداً كبيراً من أسماء الرجال هي أسماء جنس، وهي مؤنثة نحوياً مثل: " عبدة" ( مذكر)، و" ثعلبة" ( مذكر). ومن المحتمل انّ هذا يتّصل بأنّهم أرادوا أن يخفوا الأبناء الذين يقدرونهم أكثر من البنات، إلى حدّ ما خلف اسم مؤنث."

كلمة " اخفاء" في النصّ تلفت النظر، فالأسماء ليست دائما لإظهار الشيء وانما احيانا لإخفائه، أليست هذه هي وظيفة " التنكّر" في الأسماء المستعارة؟ فالأسماء ذات ليونة يمكنها الانتقال من كونها وجهاً دالاّ الى كونها قناعاً مراوغاً. فالقناع كنز لا يفنى.

هل يمكن للمرء ان يغيّر هويته دون ان يغيّر اسمه؟

الاسم هويّة ولكن يسهل خلعها ولبس اسم آخر.

وتغيير اسم الصبي تغيير لهويته الجنسية، وحماية له من " صيبة العين" او أشياء اخر.
ويقال ان احد اسباب تسمية العرب لابنائهم باسماء تغاير طبيعتهم هو حمايتها، واذكر هنا ان احد الخلفاء ولعلّه المتوكل كان يملك جارية فائقة الجمال ويخاف عليها من سعام العين أو الحسد فقام بحماية جمالها بغلالة اسمية منفّرة، قرّر اعطائها اسم " قبيحة"، اسم يقوم بوظيفة " بادي غارد" .

وهذه المسألة ليس خاصّة بالعرب القدامى، بل هي موجودة لدى شعوب أخرى. واختم بفكرة أوردها لويس جان كالفيه في كتابه " التقاليد الشفاهية- منشورات الكلمة- دبي، ص 115"، عن اسباب اعطاء اسماء قبيحة لدى قبائل " الوولوف" في السنغال لابنائهم بحكم وجود معتقدات راسخة  تقول ان الطفل حين يولد يولد هشاً، من هنا تفتق خيال الاباء عن اسماء غريبة لخداع القدر الجبار. يتعلق الامر باسماء شائعة ولكنها تنطوي على فكرة الزوال والوجود العرضي المنذور للفناء. ويظن افراد هذه القبائل انهم باطلاق هذه الاسماء الشائعة الرائجة امثال "ليني بيغول" الذي يعني " لا احد يرغب فيه"، او "ليمودا" الذي يعني" سيموت" يضلّلون الأقدار ويغيّرون من مسارها. فثمّة أسماء، في ظنّ سكان قبيلة الوولوف السنغاليّة، لا تفتح شهية الأقدار على ممارسة الأذى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق