الثلاثاء، 12 يوليو 2016

الترجمة بين العربية والصينية موضوع نقاش في مؤتمر عالمي بشانغهاي بقلم الدكتور بسام بركة


12 تموز 2016
عن جريدة النهار

http://newspaper.annahar.com/article/423181-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9-%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D9%86%D8%BA%D9%87%D8%A7%D9%8A

في 4 و5 من شهر حزيران الفائت، نظمت "جامعة شانغهاي للدراسات الدولية" مؤتمراً دولياً حول "الترجمة والتبادلات الثقافية والإنسانية بين الصين والعالم العربي"ضمن سلسلة المنتديات التي تقيمها في هذه السنة الجامعات والمؤسسات الصينية الكبرى إحياءً لذكرى مرور ستين عاماً على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين الصين والدول العربية. وقد جاء تنظيمه نتيجة لتعاون هذه الجامعة مع "المنظمة العربية للترجمة" و"اتحاد المترجمين العرب"في بيروت.

انعقد المؤتمر في مدينة شانغهاي، في الجامعة المذكورة، وضم ما يزيد على 150 محاضراً من الباحثين والأكاديميين الذين ينتمون إلى الجامعات الصينية (بيجينغ، شانغهاي، نينغشيا، الخ.) كما إلى الجامعات والمعاهد العربية (لبنان، مصر، السعودية، الجزائر، الخ.). وهو يعكس الاهتمام الكبير الذي يوليه المسؤولون الصينيون للعلاقة بين الصين والدول العربية. فمَن يتابع المحاضرات العديدة التي ألقيت فيه يكتشف أنها لا تبغي تحليل مسائل الانتقال بين اللغتين وسبر أغوار التراكيب اللسانية فيهما واكتشاف البُعد الثقافي الذي يختبئ وراءهما فحسب، بل تهدف كذلك، وخصوصاً، إلى تأسيس القواعد الصحيحة للتبادل الثقافي والتواصل الحضاري بين الشعبين، وذلك لأن الترجمة في الاتجاهين إنما هي السبيل الأفضل، إن لم يكن الوحيد، الذي يفتح باب "طريق الحرير" على مصراعيه.
منذ سنوات، زارالرئيس الصيني عددا من الدول العربية فأطلق مشروع إقامة طريق الحرير، أو بالأحرى إعادة إحياء هذا الطريق وفتحه في جميع الاتجاهات. فالقوافل العربية التي كانت تجوب آسيا ذهاباً وإياباً بين الصين والمناطق العربية الإسلامية، منذ قرون عديدة، كانت تمثل الرمز الأسمى للعلاقات بين شعوب آسيا وإفريقيا وأوروبا، أي كل العالم المعروف في تلك العصور.إنها رمز السلام والتثاقف والتبادل التجاري والفكري والحضاري. في أيامنا هذه، التي تكثر فيها الصراعات الدموية والتناحر العبثي، آن الأوان كي تنفتح الحضارات على بعضها ويحلّ الحوار البنّاء وتبادل القيم البشرية محل الاقتتال الدموي.
ما نكتشفه في هذا المؤتمرمن خلال تحليل حركات الترجمة بين العربية والصينية، أن الأدب والفكر الصينيين ليسا غريبين على المشهد الثقافي العربي، لكنهما حاضران بطريقة ملتوية نوعاً ما. فالأعمال المترجمة إلى العربية من التراث الصيني، قديمه وحديثه، إنما انتقلت إلى لغة الضاد عبر لغات أجنبية، مثل الإنكليزية والفرنسية. وإذا تذكرنا أن كل ترجمة لا بد من أن تكون ذاتية، وأنها بالإضافة إلى الرؤية الشخصية للمترجم الفردي تحمل وزن لغتها (الهدف) وتتأثر بأنماط ثقافتها، نستطيع القول إن العرب لا يعرفون من الحضارة الصينية الحقّة إلا الشيء القليل، أو أقلّ بكثير مما يعرفون من الحضارة الغربية. أليس صحيحاً أنه في مخيالنا العربي عندما نقول الآخر، أول ما يخطر على بالنا هو الإنسان الغربي (الأوروبي أو الأميركي)، وربما لا يخطر على بالنا سواه؟
في نهاية المؤتمر، خلص المشاركون إلى أن الترجمة الجيدة تساهم في نشر المعرفة والتفاهم المتبادل وأنها تدعم بذلك التقارب بين الشعوب، ولذلك تصبح ضرورةً ملحة للشعبين العربي والصيني من أجل التحضير لغدٍ أفضل ومستقبل زاهر. من التوصيات التي طُرحت: ضرورة الشروع في تطوير نظام جديد ومنهجي من أجل تفعيل الترجمة العامة والمتخصصة، وتدريب المواهب الشابة، وتشجيع المنتديات التي تناقش قضايا الترجمة وأساليبها. وأخيراً، أطلق المؤتمرون الدعوة إلى الطلاب والباحثين من الجانبين للعمل في سبيل "إشعال نور الترجمة الصينية العربية في المستقبل".


* * *


لكن أمام حدث كبير وعالمي مثل هذا، لا بد من التوقف وإبداء بعض الملاحظات: ما يبرز في هذا المؤتمر هو الدراساتُ الميدانية التي تُبيّن دور الترجمة - من حيث هي مفتاح المعرفة – في تعزيز التواصل والتفاهم بين الشعوب. ولما كانت العلاقة بين العرب والصينيين تعود إلى قرون، وبما أن هذه العلاقة لم يعتورها أي صراع عسكري أو أزمات، فإن الترجمة يمكن أن تكون الوسيلة الفضلى للتعارف المتبادل وللنهوض اللغوي والتقني والحضاري. كذلك، من يتابع أعمال هذا المؤتمر يرى أن العرب لم يعملوا على تطوير العلاقة مع الصين بقدر ما عمل نظراؤهم الآسيويون. فما يدعو إلى الدهشة والإعجاب هو ما بيّنته تلك الأعمال من كثرة الباحثين الصينيين الذين يُتقنون العربية أيّما إتقان ويترجمون بينها وبين لغتهم الأم. هنا تظهر مشكلة يعود سببها على ما نعتقد إلى التقصير من جهة العرب وتقاعسهم عن الاهتمام بالتبادل الفكري والثقافي مع آسيا الجنوبية، أو على العكس من ذلك هناك واقع جديد يعود فضله إلى حماسة الجانب الآخر وبُعد رؤيته المستقبلية. تتلخص هذه المشكلة أو هذا الواقع في أن المترجمين الصينيين ينقلون النصوص – فيما ينقلون - من لغتهم هم إلى العربية. لكن، وكما هو معروف، لا يُمكن المترجم مهما كان متقدّماً وبارعاً في معرفة اللغتين،أن يترجم إلى اللغة الأخرى بالبراعة نفسها التي يترجم بها إلى اللغة التي وُلد فيها. فهم يقومون بهذا العمل الترجمي من أجل أن يسدّوا الفراغ الذي تخلى عنه الجانب العربي في هذا المجال. من هنا تأتي الضرورة الملحة إذاً لدعمٍ كبير من جهة العرب، دعم رسمي وغير رسمي، من أجل تأسيس صندوق عربي في سبيل تعزيز الترجمة المتبادلة مع الصين (كما اقترحت انعام بيوض في مداخلتها في الجلسة الافتتاحية)، ويكون من أهم أهداف هذا الصندوق المساعدة في تكوين جيل جديد من المترجمين العرب الذين يتقنون اللغة الصينية ويبرعون في نقل الروائع من حضارتها إلى لغة الضاد. وهذا يحتاج إلى الاهتمام الفعلي من المسؤولين والأكاديميين من أجل وضع برنامج مستقبلي وتنفيذه،كما يحتاج إلى وضع برنامج واعد يشجع الطلاب على التخصص في العلوم الإنسانية والعلوم البحتة في الجامعات الصينية والتدرب على نقلها إلى لغتهم الأم.
هذا في الواقع ما اكتشفته المملكة العربية السعودية. فمنذ سنوات، وقعت اتفاقات عدة مع الجهات الصينية من أجل تبادل الخبرات، والطلاب، والأساتذة. ومنذ ذلك الوقت وحتى هذه السنة أرسلت المملكة ما يزيد على 1200 طالب إلى الصين ليدرسوا العلوم على اختلافها. وقد تخرج منهم ما يضاهي 400 طالب، كان بعضهم من حملة شهادة الدكتوراه. وهم الآن مترجمون أو كتّاب أو عاملون في المجالات الاقتصادية أو التجارية أو الديبلوماسية. واستقبلت السعودية في جامعاتها ما يزيد على 300 طالب صيني، وهم يدرسون الطب، أو الهندسة، أو الآداب، أو اللغة العربية، أو الشريعة الإسلامية.
إذا أضفنا هذه الجهود إلى اهتمام بعض الجامعات العربية الأخرى بتعليم اللغة الصينية وإيفاد طلابها إلى جامعات بيجينغ وشانغهاي للتخصص فيها، كما يحصل مثلاً في مصر ولبنان، فإننا نرى أن ذلك أمر محمود لكنه لا يكفي بتاتاً لأنه لا يفي حق دولة عظمى مثل الصين من جهة، ولا يعادل من جهة أخرى الجهود الكبيرة التي تُبذل من الجانب الآخر من أجل ترجمة تراثنا القديم وثقافتنا الحاضرة وفكرنا المعاصر على السواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق