كان شابّ
لا يحبّ أن تذهب جثّته هدراً! فرغب في التبرّع
بعينيه في حال فاجأه الموت، كان يحبّ لعينيه أن لا تفارقا الحياة بعد أن يلفظ
أنفاسه الأخيرة، وهكذا يظلّ يرى ما يجري بعد رحيله! الفكرة سورياليّة، ولكن
التكنولوجيا تضحك على ذقن السورياليّة، أو قل إنّ التكنولوجيا تستجيب لرغبات
السوريالية. شاءت الأقدار أن يرحل الشاب في حادث مروّع، والأقدار قادرة ( القدر
والقدرة من جذر واحد!) على إدارة الأزمات وعلى خلق الأزمات. تمّ العمل بوصيّة
الشاب فعادت عيناه إلى الحياة وتابعتا تأملاتهما. عاد النور بعد الانطفاء الى
عينيه ولكن في محجرين آخرين. قرّر الأعمى بعد ان استعاد النظر بفضل شهامة الميت أن
يشكر عائلة الراحل. لم تستطع والدة الراحل تحمّل المشهد. لم تستطع أمّ الراحل ان
ترى عيني ولدها في محجرين آخرين وهما تنظران اليها نظرة مريبة، غريبة، لا يمكن
تفسيرها. فضلت أن تتوارى أنظار ولدها عن
الأنظار على ان تراها تحدّق بها ولم تبق من ولدها إلاّ هاتان العينان! لم تعرف كيف
تتعامل مع عينَي ولدها، أربكتها الفكرة، وفار الحزن، ورفضت لقاء شخص غريب ينظر
إليها بعيني ابنها الراحل.
الثكل المنقوص ثكل مربك!
أذكر،
هنا، الإهداء الذي وضعه طه حسين في صدر سيرته الذاتية " الأيام" ، وهو
عبارة عن عدّة كلمات:" إلى المرأة التي نظرت بعينيها" ويقصد زوجته. كانت
العبارة مجازاً ، ولكن الزمن كفيل بتحويل مجازات كثيرة إلى حقائق تلامس الخيال!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق