لا يوجد في الطبيعة شيء له وظيفة واحدة. التعددية سنة الأشياء، خذ فمك أو الشجرة أو النحلة ، خذ أي شيء.
والإنسان مقلّد ، إبداعه تقليد المكتشفات.
الإبداع تقليد!
قد يظن البعض أن الإبداع والتقليد هما على طرفي نقيض. هذا ما يقوله الظاهر. ولكن الظاهر خدّاع!
يختلف المبدع عن المقلّد إذا شئتم في أن المقلّد إنسان جادّ، وجبان في آن. جبان لأنّه لا يملك روح المغامرة، لا يجري تعديلا على ما يقلده، لا يرى فيما يقلّده غير ما يراه. لا يشغل باله ولا عينه في أن ترى ما لا ترى. يكتفي بالمرئيّ، ويظنّ الخفيّ غير موجود، لماذا يتعب رأسه؟
في العربية تعبير عن التفكير ، فقد يمانع شخص ما عن التفكير في شيء ما، فماذا يقول؟ أي عبارة تخرج من بين شفتيه؟
يقول :" ما بدّي وجّع راسي"، يعتبر التفكير صداعا، اي ان التفكير ، في نظره، يصدّع يقينياته ، ويقلق نومه ويومه. النوم على حرير اليقين يجعل المنامات منامات حريرية!
عودة الى من يبدع وهو يقلّد. للجاحظ كتاب عن التجارة ويمكن من كتابه أن نستشف عبقرية التجارة. ولولا التجارات لبارت الحضارات، طرق التجارة طرق حضارية، طريق الحرير لم تكن طريقا للحرير ، كانت طريقا حضارية بامتياز!
ما وجه الشبه بين التجارة وبين المبدع؟
ما وجه الشبه بين التجارة والشعر؟
وكيف يكون المبدع مقلدا ناجحا؟
التجارة تغيير .
تغيير في الزمان او المكان، او تغيير في طبيعة الأشياء.
انتقال من مكان الى مكان، لهذا فإن التجارة تحتاج الى طرقات، التجارة تتطلب استيرادا وتصديرا، أي حركة. الإبداع هو فنّ في الحركة.والتجارة هي فنّ الحركة، السوق هو ميدان التجارة، وكلمة " سوق" ذات صلة بالسيقان! حتى في الفرنسية السوق له صلة بالمشي marché من فعل marcher!
الإبداع تغيير، ايضا على غرار التجارة .
تغيير مكان الإقامة نمط من الإبداع، ولا أقصد إقامة الناس فقط، غيّر مكان إقامتك تتغيّر، لهذا فالغربة تشبه الأرحام، التغيير قد يكون خفيا لا ترى العين حركته لأنه يشبه سير عقرب الساعة الذي يشير الى الساعة لا عقرب الثواني المكشوفة حركته.
تكلمت عن تعددية الوظائف الطبيعية، خذ أنفك، لا تملك أنفا للشمّ، وآخر للتنفس، وثالثا لتكييف حرارة الخارج مع حرارة جسمك، هذه وظائف ثلاث ظاهرة، ولكن من قال أنّ للأنف هذه الوظائف فقط؟ ثمّة وظائف غير مكشوفة ربما بعد، فالإنسان لا يزال، علميا، طفلا يحبو ويدبدب!
خذ أذنك فهي للسمع ، صحيح، ولكنها أيضا جزء من قدميك إن شئت، أذنك تتحكم بتوازن قدميك في السير!
كل ما في الطبيعة متعدد الوظائف.
التعددية هنا توفير، توفير مكاني ووقتي!
الإنسان لعوب، جزء من حبّ الكبير للصغير هو أن الصغير يسمح للكبير أن يؤدي دور الصغير دون أن يضحك عليه أحد، رجل كامل الرجولة قد يتحوّل في لحظة الى حصان يمتطيه ابنه أو حفيده. الطفولة تسمح لك بالعودة الى الطفولة دون ان يتهمك احد بالجنون!
ولأنّ الإنسان لعوب فهو مهيّأ لأن يكتشف وظائف غير ظاهرة، أو يعدّل من وظائف الأشياء تبعا للضرورة!
تعديل وظائف الأشياء هو خلق وظائف جديدة!
والإبداع قد يكون مدمرا.
الطائرات التي اخترقت برجي نيوريورك هي بشكل من الأشكال ابداع، ولكنه ابداع تدمير.
تغيير وجهة الوظيفة من وظيفة مدنية الى وظيفة عسكرية جعل من الطائرة المدنية صاروخا خارقا حارقا زعزع أركان البيت الأبيض!
ولكن ليس كل تغيير في وجهة الوظيفة هو تغيير نحو الأسوأ، الاتجاه المعاكس لطائرات بن لادن هو الانترنت.
كانت الغاية منه عسكرية، تغيرت وظيفته فغيّر العالم وجعلنا نعيش في زمن رقميّ.
الإبداع تقليد مدمّر!
كيف؟
كل ابداع هو ابداع نهم، أكول، الهاتف الذكي التهم الهاتف الغبيّ، والتهم أشياء كثيرة ، السيارة التهمت الحصان والبغل والحمار!
التلفزيون التهم السينما، السينما التهمت المسرح، وهكذا الدنيا، ما بين ملتهِم ومُلتَهَم، وملهم وملهَم!
الالتهام اغتنام !
قلت الإبداع تقليد، واليكم بعض الأمثلة، ولكن قلت ان الابداع انتقال او حركة او تغيير.
اكتفي بالرادار.
الرادار ابداع، ولكن هذا الابداع هو تقليد لطريقة طيران خفافيش الليل او الوطواط!
هل خطر ببال الوطواط انه سيكون رادارا او بطلا لمسلسلات وأفلام عبر شخصية الرجل الوطواط.
هذه خواطر مشتتة عن فكرة واحدة.
والفكرة الواحدة هي، عند التبصر، قطع بازل!
تحياتي لمن أضاع وقته في قراءة هذه التدوينة.
#بلال_عبد_الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق