الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

الغربة في زمن التكنولوجيا

كان المغترب العربيّ فيما مضى والى زمن قريب يعيش في الغربة، ولكن الغربة اليوم لم تعد غربة. التكنولوجيا أمتصّت مفاعيل الغربة. الغربىة تآكلت. الغربة غياب، ولم يعد للغياب حضور قاهر. كان المرء يشتاق لصوت امه مثلا، او وجه امّه، كان ينتظر مسافرا او بريدا ليزوده بقطرة حنان من وجه امه او ابيه او اخيه.
كان يعيش في غربة لسانية. لا كتاب ، لا جريدة بلغة امّه.
لم يعد الأمر هكذا اليوم الآن. لم يعد المغترب مضطرا لحمل كتاب او التزوّد بمجموعة كتب يعود اليها كلّما حنّت عيناه الى حرف عربيّ.
بكبسة زر، او لمسة زر افتراضي تنسدل امامه كلمات وصور وافلام ووثائق مباشرة.
كانت الغربة مرّة، لم تعد مرّة، فقدت حلاوتها أقصد مرارتها.
ومع موت الغربة مات مفهوم " الرحلة" لم يعد من امكان قراءة كتاب على غرار رحلة ابن بطوطة او كتاب البيروني البديع:"تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ".
التكنولوجيا اغتالت الغربة.
الغربة كالكتاب الورقيّ قد تضمحلّ مع الوقت وتصير نسيا منسيا.
المسافات تقلصّت، صارت بحجم " ايفون" .
احتال التلفون الذكي على الناس، واحتال ايضا على الغربة.
الغربة احساس في حالة يرثى لها.
ما يتقص التكنولوجيا هو حاسةّ الشمّ. الامّ تستحلي ان تشمّ ابنها او بنتها المغتربة، وهذا امر الى الان لم تنتصر عليه التكنولوجيا بشكل نهائي، وذلك اللمس. وهاتان الحاستان فريدتان.
ليس كاللمس حاسّة. هي الحاسة الوحيدة المنتشرة على كلّ نانوملليمتر من جسده، وكذلك حاسة الشمّ التي تغاير ما تبقى من حواس من حيث علاقتها بالدماغ البشريّ.
ولكن قدر الشمّ واللمس كالقدر المكتوب على العين والاذن والحنجرة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق