وتأديب من تأديب العلماء قال رجلٌ لأبي هريرة النحويّ: أريد أن أتعلّم العلم وأخافُ أن أُضِيعه فقال: كَفَى بترك العِلم إضاعةً وسمع الأحنفُ رجلاً يقول: التعلُّم في الصِّغَر كالنَّقش في الحجر فقال الأحنف: الكبيرُ أكبرُ عقلاً ولكنه أَشْغَل قلباً وقال أَبو الدَّرداء: مالي أَرى علماءَكم يذهبون وجُهَّالَكم لا يتعلَّمون وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ اللَّه لا يقبِض العلمَ انتزاعاً ينتزعُه من النّاس ولكن يقبض العلماءَ حتَّى إذا لم يبق عالمٌ اتَّخَذَ الناسُ رُؤساءَ جُهَّالاً فسُئِلوا فأفتَوا بغيرعلمٍ فضلُّوا وأَضَلُّوا قالوا: ولذلك قال عبد اللَّه بن عباس رحمه اللَّه حين دلّى زيد بن ثابتٍ في القبر رحمه اللَّه: من سَرَّه أن يرى كيفَ ذهابُ العلم فلينظر فهكذا ذهابه وقال بعضُ الشُّعراء في بعض العلماء: من المنسرح أَبعَدْتَ مِن يومك الفِرارَ فما جاوَزْت حيثُ انتَهَى بك القَدرُ لو كان يُنجِي من الرَّدَى حذرٌ نجَّاك مِمَّا أَصابَكَ الحَذَرُ يرحمك اللَّه مِن أَخي ثقةٍ لم يكُ في صفو ودِّهِ كدَرُ فهكذا يَفْسُد الزَّمان ويَفْ - نَى العِلمُ منه وَيَدْرُسُ الأثرُ قال: وقال قَتادة: لو كان أَحدٌ مكتفياً من العلم لاكتَفَى نبيُّ اللَّه موسى عليه السلام إذْ قال للعبد الصالح: " هَلْ أَتّبِعكُ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ ممَّا عُلِّمْتَ رُشْداً " الكهف: 66 أَبو العبَّاس التميميّ قال: قال طاوس: الكلمة الصَّالحة صَدَقة وقال ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس عن أبيه عن جدِّه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنّه قال: فضْلُ لسانِك تُعبِّر به عن أَخيك الذي لا لِسانَ له صَدَقة وقال الخليل: تكثّرْ مِن العلم لتَعرِفَ وتقلّلْ منه لتَحفَظ وقال الفُضَيل: نعمت الهديَّة الكلمةُ من الحِكمة يحفظُها الرَّجُل حتى يلقيَها إلى أَخيه وكان يقال: يكتب الرَّجلُ أحسنَ ما يسمع ويحفظ أحسن ما يكتب وكان يقال: اجعل ما في كتبك بيتَ مال وما في قلبك للنَّفَقة وقال أَعرابيّ: حَرْفٌ في قلبك خير من عشرة في طُومارك وقال عُمر بن عبد العزيز: ما قُرِن شيء إلى شيء أَفضلُ من حِلْم إلى علم ومن عَفْو إلى قُدرة وكان ميمون بن سِيَاه إذا جلس إلى قومٍ قال: إنّا قومٌ مُنْقَطَعٌ بنا فحدثونا أحاديث نتجمّل بها قال: وفَخر سُلَيم مولى زيادٍ بزيادٍ عند معاروية فقال معاوية: اسكت فواللَّه ما أدرك صاحبُك شيئاً بسيفه إلاّ وقد أدركتُ أكثرَ منه بلساني وضرب الحجاج أعناقَ أَسْرى فلما قدَّموا إليه رجلاً لتُضَربَ عنُقه قال: واللَّه لئنْ كُنَّا أسأنا في الذّنب فما أحسنْتَ في العفو فقال الحجَّاج: أُفٍّ لهذه الجِيَف أما كان فيها أحدٌ يحسن مثلَ هذا الكلام وأمسَكَ عن القتل وقال بشير الرَّجَّال: إنِّي لأجِدُ في قلبي حَرّاً لا يُذهبه إلاّ برد العدل أو حَرُّ السِّنان قال: وقدَّموا رجلاً من الخوارج إلى عبد الملك بن مَرْوَان لتُضرب عنقه ودخل على عبد الملك ابنٌ له صغيرٌ قد ضربَه المعلِّم وهو يبكي فهمَّ عبدُ الملك بالمعلِّم فقال له الخارجيّ: دَعُوه يبكي فإنه أفتح لجِرمه وأصحُّ لبَصَره وأذْهَب لصَوته قال له عبدُ الملك: أَمَا يشغَلُك ما أنتَ فيه عن هذا قال الخارجيّ: ما ينبغي لمسْلِم أن يشغَلَه عن قول الحقِّ شيء فأمر بتخلية سبيله قال: وقال زيادٌ على المنبر: إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُقطَع بها ذَنَبُ عَنْزٍ مَصُورٍ لو بلَغَتْ إمامَه سفَكَ بها دمه قال: وقال إبراهيم بن أدهَم: أعربنا كلامَنا فما نَلْحن ولحَنّا في أعمالنا فما نُعْرِب حرفاً وأنشد: نرقِّع دُنيانا بتمزيق ديننا فلا دينُنا يبقَى ولا ما نرقِّعُ قال: وعزَلَ عمرُ زياداً عن كتابةِ أبي موسى الأشعري في بعض قَدَماتِه فقال له زياد: أعن عجز أم عن خيانة قال: لا عن واحدةٍ منهما ولكنِّي أكره أن أَحمِلَ على العامَّة فَضْلَ عقلِك قال: وبلغ الحجَّاجَ موتُ أسماءَ بنِ خارجة فقال: هل سَمِعْتُم بالذي عاشَ ما شاء ومات حين شاء قال: وكان يقال: كَدَرُ الجماعة خيرٌ من صَفْو الفُرقَة قال أبو الحسن: مرَّ عمر بن ذرّ بعبد اللَّه بن عَيَّاش المنتوف وقد كان سَفِه عليه فأعرَضَ عنه فتعلّق بثوبه ثم قال له: يا هَناهُ إنا لم نَجدْ لك أَنْ عصَيتَ اللَّه فينا خيراً من أن نطيع اللّه فيك وهذا كلامٌ أخذه عُمَر بن ذَرّ عن عمر بن الخطاب رحمه اللَّه قال عُمر: إنِّي واللَّه ما أَدَع حَقّاً للَّه لشِكايةٍ تظهر ولا لضَبٍّ يُحتَمل ولا لمحاباةِ بَشَرٍ وإنّك واللَّه ما عاقبتَ مَن عصى اللَّه فيكَ بمثل أن تُطيعَ اللَّه فيه قال: وكتب عمرُ بن الخطاب إلى سعد أبي وقّاص: يا سعدَ سعدَ بنيِ أُهيْب إنّ اللَّه إذا أحبَّ عبداً حبّبه إلى خلقه فاعتبِرْ منزلتَك من اللَّه بمنزلتك من الناس واعلَمْ أنّ ما لَكَ عند اللَّه مثلُ ما للَّهِ عندك قال: ومات ابْنٌ لعُمَر بنِ ذَرّ فقال: أيْ بُنَيَّ شغلَني الحزنُ لك عن الحزن عليك وقال رجلٌ من بني مُجاشع: جاء الحسنُ في دم كان فينا فخطب فأجابه رجلٌ فقال: قد تركتُ ذلك للَّهِ ولوجوهكم فقال الحسن: لا تقلْ هكذا بل قُلْ: لِلَّه ثم لوجوهكم وآجَرَك اللَّه وقال: ومرّ رجلٌ بأبي بكر ومعه ثوبٌ فقال: أتبيع الثوب فقال: لا عافاك اللَّه فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: لقد عُلِّمتم لو كنتم تعلمون قل: لا وعافاك اللَّه قال: وسأل عمرُ بنُ الخطّاب رجلاً عن شيء فقال: اللَّه أعلم فقال عمر: لقد شقينا إنْ كُنّا لا نعلم أنّ اللَّه أعلم إذا سُئِل أحدكم عن شيء لا يعلمُه فليقلْ: لا أدري وكان أبو الدَّرداء يقول: أبغَضُ النَّاسِ إليَّ أَنْ أظلِمَه مَنْ لا يستعين عليّ بأحد إلاّ باللَّه وذكر ابن ذَرٍّ الدُّنيا فقال: كأنكم زادَكم في حرصكم علينا ذَمُّ اللَّه لها ونظر أعرابيٌّ إلى مالٍ له كثيرٍ من الماشية وغيرها فقال: يَنْعة ولكل يَنْعةٍ استحشاف فباع ما هُناك مِن ماله ثمَّ يمَّم ثغراً عن ثغور المسلمين فلم يزلْ به حتى أتاه الموت قال: وتمنَّى قوم عند يَزيدَ الرَّقاشي فقال: أتمنى كما تمنَّيتم قالوا: تمنَّهْ قال: ليتَنا لم نُخْلَق وليتنا إذْ خُلِقْنا لم نَعصِ وليتنا إذ عَصَينا لم نمُتْ وليتنا إذْ مُتْنَا لم نُبعَث وليتنا إذْ بعثنا لم نُحاسب وليتنا إذْ حُوسبنا لم نعذَّبْ وليتنا إذْ عذِّبنا لم نُخلَّد وقال الحجّاج: ليت اللَّه إذْ خلَقَنا للآخرة كفانا أمْرَ الدُّنيا فرفَعَ عنّا الهمَّ بالمأكل والمشرب والملبَس والمنكَح أوْ ليته إذْ أوْقَعَنا في هذه الدنيا كفانا أمْرَ الآخرة فرفَع عنا الاهتمام بما ينجيّ مِن عذابه فبلغ كلامُهما عبدَ اللَّه بن حسن بن حسن أو عليَّ بنَ الحسين فقال: ما عَلِما في التمنِّي شيئاً ما اخْتَارُه اللَّه فهو خيرٌ وقال أبو الدَّرداء: مِن هوان الدُّنيا على اللَّه أنّه لا يعُصَى إلاّ فيها ولا يُنال ما عنده إلاّ بتركها قال شُرَيح: الحِدَّة كنايةٌ عن الجَهْل وقال أبو عُبيدة: العارضة كناية عن البَذَاء قال: وإذا قالوا: فلانٌ مقتصدٌ فتلك كناية عن البخل وإذا قالوا للعامل مستَقْصٍ فتلك كنايةٌ عن الجَوْر وقال الشاعر أبو تمَّام الطائي: من البسيط كذَبْتُمُ ليس يُزهَى مَن له حسبُ ومَن له نسبٌ عمَّن له أدبُ إنِّي لَذُو عجبٍ منكمْ أردِّدهُ فيكم وفي عجبي مِن زَهوكم عَجَبُ لَجَاجةٌ لِيَ فيكمْ ليس يشبهُها إلاّ لجاجتُكمْ في أنَّكم عَرَبُ وقيل لأعرابيَّةٍ مات ابنُها: ما أحسَنَ عزاءَكِ عن ابنك قالت: إنَّ مصيبته أمَّنَتْني من المصائب بعده قال: وقال سعيد بن عثمان بن عفان رحمه اللَّه لطُوَيسٍ المُغَنِّي: أيُّنا أسَنُّ أنا أم أنت يا طاوس قال: بأبي أنتَ وأمِّي لقد شهدتُ زِفاف أمّك المبارَكة إلى أبيك الطيِّب فانظر إلى حِذْقه وإلى معرفته بمخارج الكلام كيف لم يقل: زِفاف أمِّك الطيبة إلى أبيك المبارك وهكذا كان وجهُ الكلام فقَلَب المعنى قال: وقال رجلٌ من أهل الشَّام: كنت في حلقة أبي مُسْهِر في مسجد دمشق فذكرنا الكلامَ وبَراعتَه والصَّمتَ ونبالته فقال: كَلاّ إن النَّجْم ليس كالقمر إنك تصِفُ الصَّمت بالكلام ولا تصف الكلامَ بالصَّمت وقال الهيثم بن صالح لابنه وكان خطيباً: يا بنيّ إذا قَلَّلتَ من الكلام أكثرتَ من الصَّواب وإذا أكثرت من الكلام أقللت من الصّواب قال: يا أبه فإنْ أكثرتُ وأكثرت - يعني كلاماً وصواباً - قال: يا بُنيَّ ما رأيتُ موعوظاً أحقَّ بأن يكون واعظاً منك قال: وقال ابن عبَّاس: لولا الوَسْواسُ ما بالَيْتُ ألاّ أكلِّم الناس قال: وقال عمر بن الخطَّاب رحمه اللَّه: ما تستبْقوه من الدُّنيا تجدوه في الآخرة وقال رجلٌ للحسن: إني أكره الموت قال: ذاك أنّك أخّرت مالَكَ ولو قدَّمته لسرَّك أن تَلْحَق به قال: وقال عامر بن الظرِب العَدْوانيّ الرأي نائمٌ والهوى يقظان فمن هُنالك يغلبُ الهوى الرأْي وقال: مكتوب في الحكمة: اشكُرْ لمن أنعَمَ عليك وأَنعِمْ على من شكر لكَ وقال بعضهم: أيُّها الناس لا يمنعنَّكم سوءُ ما تعلمون منّا أن تقبَلوا أحُسنَ ما تسمعُون منا وقال عبد الملك على المنبر: ألا تُنصفوننا يا معشَرَ الرعيَّة تريدون مِنّا سيرةَ أبي بكر وعمر ولم تَسِيروا في أنفسكم ولا فينا بِسيرة رعيّة أبي بكر وعمر أسأل اللَّه أنْ يعين كُلاًّ على كُلّ وقال رجلٌ من العرب: أربعٌ لا يشَبَعْن من أربعة: أنثَى من ذكر وعينٌ من نَظَر وأرضٌ من مطر وأذُن من خَبَر قال: وقال موسى صلى الله عليه وسلم لأهله: " امْكُثوا إنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ " طه: 01 فقال بعضُ المعترضين: فقد قال: " أوْ آتِيكُمْ بشِهابٍ قَبَسٍ " وقال لبيدُ بن ربيعة: من الرمل ومقامٍ ضيِّقٍ فرّجْتُه بِبيان ولِسانٍ وجَدَلْ لو يقوم الفِيلُ أو فَيّالُه زَلّ عن مِثل مقامي وزَحَلْ ولَدَى النعمان مِنِّي موطنٌ بَيْنَ فاثُورِ أُفَاقٍ فالدَّحَلْ إذ دعَتْني عامرٌ أنصرُها فالتقى الألسُنُ كالنَّبل الدَّوَلْ فرميتُ القومَ رِشْقاً صائباً ليس بالعُصْل ولا بالمقْثعِلّ فانتضَلنا وابنُ سَلمَى قاعدٌ كعَتيقِ الطَّير يُغْضِي وَيُجَلّ وقبيلٌ من لُكيزٍ شاهدٌ رهطُ مرجومٍ ورهطُ ابنِ المُعَلّ وقال لبيد أيضاً: من الطويل وأبيضَ يجتابُ الخُرُوقَ على الوَجى خطيباً إذا التَفَّ المجامع فاصلا يجتاب: يفتعل من الجَوِبْ وهو أن يجوب البِلاد أي يدخل فيها ويقطعها والخرُوق: جمع خَرقٍ والخَرق: الفَلاةُ الواسعة والوجَى: الحَفَا مقصور كما ترى وأنه ليتوجَّى في مِشيته وهو وَجٍ وقال رؤبة: به الرّذايا من وَجٍ ومُسْقَط لو كان حيٌّ في الحياة مخلَّداً في الدّهر أدركَهُ أبو يَكْسُومِ والحارثان كلاهما ومحرِّقٌ أو تُبَّعٌ أو فارس اليحمومِ فدعِي الملامةَ ويْبَ غيرِكِ إنّه ليس النَّوالُ بِلوْم كلّ كريمِ ولقد بلوتُكِ وابتليتِ خَليقتي ولقد كفاكِ مُعلِّمِي تعليمي وله أيضاً: من الكامل ذهبَ الذين يُعَاشُ في أكنافهمْ وبقِيتُ في خَلْف كجِلْد الأجربِ يتأكَّلُون مَغَالةً وخِيانةً ويُعاب قائلُهم وإن لم يَشْغَبِ والخَلَفُ: البقيّة الصالحة من ولد الرجل وأهلِه والخلْف ضد هذا وقال زيد بن جندب في ذكر الشَّغْب: من البسيط ما كان أغْنَى رجالاً ضَلَّ سَعْيُهمُ عن الجدال وأغناهم عن الشَّغَبِ وقال آخر في الشَّغْب: من الرجز إني إذا عاقبتُ ذو عقابِ وإن تشاغِبْني فذو شِغَابِ وقال ابن أحمر بن العَمَرّدِ: من الطويل وكم حَلَّها مِن تَيَّحانٍ سَمَيدع مُصَافِي النَدى سَاقٍ بيهْماءَ مُطْعِم - التَّيَّحان: الذي يعرِض في كل شيء ليُغْنيَ فيه والسَّمَيدَع: الكريمُ والنَّدى: السخاء والهيماء: الأرض التي لا يُهتدَى فيها للطريق: طَوِي البطنِ مِتْلاَفٍ إذا هبَّت الصَّبا على الأمر غوّاصٍ وفي الحي شَيظمِ وقال: من الكامل هل لامَني قومٌ لموقِف سائلٍ أو في مخاصمة اللَّجُوجِ الأصيَدِ الأصيَد: السَّيِّدُ الرَّافعُ رأسَه الشَّامخُ بأنفه وقال في التطبيق: من الوافر فلمَّا أنْ بدا القَعقاع لجَّتْ على شَرَكٍ تُنَاقِله نِقالا تعاوَرْنَ الحديثَ وطبّقَتْه كما طَبَّقت بالنَّعل المِثالا قال: وهذا التطبيق غير التطبيق الأوّل وقال آخر: من الكامل لو كنتُ ذا علمٍ علمتُ وكيفَ لي بالعِلْم بعد تَدَبُّر الأمرِ يعني إدبار الأمر وقال المعترضُ على أصحاب الخَطابة والبلاغة: قال لقمانُ لابنه: أيْ بُنيّ إنِّي قد ندمتُ على الكلام ولم أنْدَم على السُّكوت وقال الشَّاعر: من الكامل ما أن ندمتُ على سكوتِيَ مَرَّةً ولقد ندمتُ على الكلام مِرارَا وقال الآخَر: من الكامل مُتْ بداء الصمتِ خير لك مِن داء الكلام إنَّما المُسلِمُ مَنْ أَلْجَمَ فاهُ بلجامِ وقال الآخر في الاحتراس والتَّحذير: من الخفيف اخفِض الصَّوتَ إن نطقتَ بليلٍ والتفِتْ بالنَّهار قبل الكَلامِ وقال آخَر في مثل ذلك: من البسيط لا أسألُ النّاس عَمّا في ضمائرهمْ ما في الضَّمير لهم من ذاك يكفيني وقال حَمزة بن بِيض: من الخفيف لم يكن عن جِنايةٍ لحِقَتْني لا يَساري ولا يَميني جَنَتْني بل جناها أخٌ عليِّ كريمٌ وعلى أهلها براقِشُ تجني لأن هذه الكلبةَ وهي براقش نَبحت غُزًّى قدْ مَرُّوا من ورائهم وقد رجعوا خائبين مُخْفقين فلما نبحَتْهم استدلُّو بنباحها على أهلها واستباحوهم ولو سكتت كانوا قد سلموا فضرب ابن بِيض به المثل وقال الأخطل: من الطويل تَنِقُّ بلا شيءٍ شُيوخ مُحاربٍ وما خِلْتُها كانت تَرِيش ولا تَبْري ضفادع في ظَلماء ليلٍ تجاوَبَتْ فدَلّ عليها صوتُها حيَّةَ البحرِ النقيق: صياح الضَّفادع وقالوا: الصمت حُكْمٌ وقليلٌ فاعلُه وقالوا: استكثَرَ من الهَيبة صامت وقيل لرجل من كلبٍ طويل الصمت: بحقٍّ ما سَمّتكُم العربُ خُرْسَ العرب فقال: أسكُتُ فأسلمُ وأسمَعُ فأعلَم وكانوا يقولون: لاتعدِلُوا بالسلامة شيئاً ولا تسمع الناسَ يقولون: جُلِدَ فلان حين سكت ولا قُتِلَ فلانٌ حين صمت ونسمعُهم يقولون: جُلِد فلان حين قال كذا وقُتل حين قال كذا وكذا وفي الحديث المأثور: رحِمَ اللَّه مَن سكت فسلِمَ أو قال فغنم والسلامة فوق الغنيمة لأنّ السلامة أصلٌ والغنيمةَ فرع وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ اللَّه يبغض البليغَ الذي يتخلّل بلسانه تخلُّلَ الباقرة بلسانها وقيل: لو كان الكلامُ من فضَّة لكان السُّكوت من ذهب قال صاحب البلاغة والخطابة وأهلُ البيانِ وحُبُّ التبيُّن: إنّما عاب النبي صلى الله عليه وسلم المتشادقين والثّرثارين والذي يتخلل بلسانه تخلُّلَ الباقرة بلسانها والأعرابيَّ المتشادق وهو الذي يصنَعُ بفكّيْه وبشدقيه ما لا يستجيزه أهلُ الأدب مِن خطباء أهل المَدر فمن تكلف ذلك منكم فهو أعْيَبُ والذّمُّ له ألزَم وقد كان الرَّجلُ من العرب يقِفُ الموقفَ فيرسلُ عدَّة أَمثالٍ سائرة ولم يكن النَّاسُ جميعاً ليتمثلوا بها إلا لما فيها من المرفق والانتفاع ومدار العلم على الشّاهِدِ والمَثَل وإنّما حثُّوا على الصمت لأنّ العامة إلى معرفة خطأ القول أسرعُ منهم إلى معرفة خطأ الصّمت ومعنى الصامت في صَمته أخفى من معنى القائل في قوله وإلاّ فإنَّ السكوت عن قول الحقَّ في معنى النُّطق بالباطل ولعمري إنَّ النّاس إلى الكلام لأسرع لأنّ في أصل التركيب أنّ الحاجة إلى القول والعمل أكثرُ من الحاجة إلى ترك العمل والسُّكوتِ عن جميع القول وليس الصّمْتُ كله أفضلَ من الكلام كله ولا الكلام كلُّه أفضل من السكوت كله بل قد علمنا أنّ عامّة الكلام أفضلُ من عامّة السكوت وقد قال اللَّه عز وجل: " سَمَّاعُون لِلْكَذِبِ أكّالُونَ للسُّحتِ " المائدة: 24 فجعل سَمْعه وكَذِبه سواء وقال الشاعر: من البسيط بني عَديٍّ ألا يا انْهَوْا سفيهَكُمُ إن السَّفيه إذا لم يُنْهَ مأمورُ وقال آخر: من الطويل فإن أنا لم آمُرْ ولم أنْهَ عنكما ضَحِكتُ له حتَّى يلجَّ ويستشرِي وكيف يكون الصَّمتُ أنفَعَ والإيثارُ له أفْضل ونفعُه لا يكاد يجاوز رأسَ صاحبه ونفع الكلام يعُمّ ويَخُصّ والرُّواة لم تُروِ سكوت الصامتين كما روتْ كلامَ النّاطقين وبالكلام أرسَلَ اللَّه أنبياءَه لا بالصَّمت ومواضعُ الصَّمت المحمودة قليلة ومواضعُ الكلام المحمودة كثيرة وطولُ الصَّمت يُفسد اللِّسان وقال بكر بن عبد اللَّه المزني: طول الصَّمت حُبْسة كما قال عمر بن الخطاب رحمه اللّه: ترك الحركة عُقْلَةٌ وإذا ترك الإنسانُ القولَ ماتت خواطرُه وتبلّدَتْ نَفْسُه وفسَدَ حِسُّه وكانوا يروُّون صِبيانَهم الأرجاز ويعلّمونهم المُنَاقلات ويأمرونهم برَفْع الصَّوت وتحقيق الإعراب لأنَّ ذلك يفتق اللَّهاة ويفتح الجِرْم واللّسان إذا أكثرتَ تقليبه رقَّ ولانَ وإذا أقللتَ تقليبَه وأطَلْت إسكانَه جسأ وغلظ وقال عَبَايةُ الجُعْفي: لولا الدُّرْبة وسُوء العادة لأمرتُ فتياننا أن يماريَ بعضُهم بعضاً وأيةُ جارحةٍ منعتَها الحركةَ ولم تمرِّنها على الاعتمال أصابَها من التعقُّد على حسب ذلك المنْع ولمَ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للنّابغة الجعدي: لا يَفْضُض اللَّهُ فاك ولم قال لكعب بن مالك: ما نَسِيَ اللّه لَكَ مقالك ذلك ولم قال لهيذان بن شيخ: رُبَّ خطيبٍ من عَبْس ولم قال لحسان: هَيِّج الغطاريف على بني عبد مناف واللَّه لشِعْرُك أشدُّ عليهم من وَقْع السِّهام في غبَش الظَّلام وما نشكُّ أنَّه عليه السلام قد نَهى عن المِراءِ وعن التزيُّد والتكلُّف وعن كلِّ ما ضارَعَ الرِّياء والسُّمعة والنَّفْجَ والبذَخ وعن التَّهاتر والتّشاغُب وعن المماتنة والمغالبة فأمَّا نَفْسُ البيان فكيف يَنهَى عنه وأبيَن الكلام كلامُ اللَّه وهوالذي مدَح التَّبيين وأهل التفصيل وفي هذا كفايةٌ إن شاء اللَّه وقال دغفَل بن حنظلة: إنَّ للعلم أربعة: آفة ونكداً وإضاعة واستجاعة فآفته النِّسيان ونكده الكذِب وإضاعته وَضْعُه في غير موضعه واستجاعته أنّك لا تشبع منه وإنَّما عاب الاستجاعة لسوء تدبير أكثرِ العلماء ولخُرْق سياسة أكثر الرُّواة لأنّ الرُّواة إذا شَغَلوا عقولهم بالازدياد والجمع عن تحفُّظ ما قد حصَّلوه وتدبُّر ما قد دوَّنوه كان ذلك الازدياد داعياً إلى النقصان وذلك الرِّبح سبباً للخُسران وجاء في الحديث: منهومانِ لا يشبعان: منهومٌ في العلم ومنهومٌ في المال وقالوا: علِّمْ عِلمَك وتعلمْ علمَ غيرِك فإذا أنت قد علمْتَ ما جهِلت وحفِظت ما علِمْتَ وقال الخليل بن أحمد: اجعَلْ تعلمك دراسةً لعلمك واجعل مناظرةَ المتعلِّم تنبيهاً على ما ليس عندك وقال بعضهم - وأظنُّه بكرَ بنَ عبدِ اللَّه المُزَنيّ -: لا تكُدُّوا هذه القلوبَ ولا تُهمِلوها فخَيْر الفِكْر ما كان عَقِب الجَمَام ومن أكره بصَرَهُ عَشِيَ وعاوِدُوا الفِكرةَ عند نَبَوات القلوب واشحَذُوها بالمذاكرة ولا تيأسُوا من إصابة الحكمة إذا امتُحِنْتم ببعض الاستغلاق فإنّ مَن أدام قرع البابِ وَلَج وقال الشاعر: من الطويل إذا المرءُ أعيَتْه السِّيادةُ ناشئاً فمطلبها كهلاً عليه شديدُ وقال الأحنف: السُّؤدُد مع السَّواد وتقول الحكماء: مَن لم ينطق بالحكمة قبل الأربعين لم يبلغ فيها وأنشد: من الطويل ودون النَّدَى في كل قلبٍ ثَنيَّةٌ لها مَصْعدٌ حَزن ومنحدَر سهلُ وقال الهذليُّ: من البسيط وإنّ سيادةَ الأقوامِ فاعلَمْ لها صَعْداءُ مطلبُها طويلُ أترجُو أن تسود ولا تُعَنَّى وكيف يسود ذُو الدَّعَة البخيلُ صالح بن سليمان عن عتبة بن عُمَر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: ما رأيتُ عُقولَ النَّاس إلاّ وقد كادَ يتقاربُ بعضُها من بعض إلاّ ما كان من الحجّاج وإياس بن معاوية فإنّ عقولهما كانت تَرْجَحُ على عقول الناس أبو الحسن قال: سمعت أبا الصُّعْدِيِّ الحارثيَّ يقول: كان الحجّاج أحمَقَ بنى مدينة واسط في بادية النَّبط ثم حماهُمْ دخولَها فلمّا مات دَلَفُوا إليها من قريب وسمعتُ قَحْطَبة الخُشَنيّ يقول: كان أهلُ البصرة لا يشكّون أنّه لم يكُنْ بالبصرة رجلٌ أعقلَ من عُبَيد اللَّه بن الحسن وعُبيد اللَّه بن سالم وقال معاوية لعمرو بن العاصي: إنّ أهل العراق قد قَرَنُوا بك رجلاً طويلَ اللِّسان قصيرَ الرأي فأجِدِ الحَزّ وطَبِّق المَفصِلَ وإيّاك أن تلقاهُ برأيك كلِّه
باب ما قالوا فيه من الحديث الحسن
الموجز المحذوف القليل الفضول لها بَشرٌ مثلُ الحرير ومنطقٌ رقيقُ الحواشي لا هُرَاءٌ ولا نَزْرُ وقال ابن أحمر: من الكامل تَضَعُ الحديثَ على مواضعِه وكلامُها مِن بعدِهِ نَزْرُ وقال الآخر: من الطويل حديث كطعم الشُّهدِ حلو صدورُه وأعجازُه الخُطبان دونَ المَحارمِ وقال بشّار بن برد: من الكامل أُنُسٌ غرائرُ ماهَمْمنَ برِيبَةٍ كظِباء مكَّةَ صيدُهنَّ حرامُ يُحسَبْنَ من أُنس الحديثِ زوانياً ويصدُّهُنّ عن الخنا الإسلامُ ولبشّارٍ أيضاً: من الوافر فنعِمْنا والعينُ حَيٌّ كَمَيْتٍ بحديثٍ كنشوةِ الخندريسِ ولبشّار أيضاً: وكأَنَّ رَفْضَ حديثها قِطَعُ الرّياض كُسِين زَهْرا وتخالُ ما جَمَعت عليه ثيابَها ذهباً وعِطرا وكأنّ تَحْتَ لسانِها هاروتَ ينفُِثُ فيه سِحرا وفتاةٍ صُبَّ الجمالُ عليها بحديثٍ كلَذّة النَّشوانِ وقال الأخطل: من الطويل فأسْرَينَ خمساً ثم أصبحن غُدوةً يُخبِّرْن أخباراً ألذّ من الخمرِ وقال بشّار: من الطويل وبِكْرٍ كنُوِّارِ الرِّياض حديثُها تَرُوق بوجهٍ واضح وقَوامِ وقال بشَّار: من الخفيف وحديث كأنه قِطَعُ الرو - ض وفيه الصّفراءُ والحمراءُ وأخبرنا عامر بن صالح أنّ عبد العزيز بن عمرَ بن عبد العزيز كتب إلى امرأته وعنده إخوان له بهذه الأبيات: من الخفيف إنّ عندي أبقاكِ ربك ضيفاً واجباً حقُّهم كُهولاً ومُرْدَا طرَقُوا جارَكِ الذي كان قِدْماً لا يَرَى مِن كرامة الضَّيف بُدَّا فلديه أضيافُه قد قَرَاهُمْ وهُمُ يشتهون تَمْراً وزُبْدَا فلهذا جرى الحديثُ ولكنْ قد جعلنا بعضَ الفُكاهة جِدّا وأنشد الهُذَليّ: من البسيط وقال الهُذَليُّ أيضاً: من الطويل وإنّ حديثاً منكِ لو تبذلينَهُ جَنَى النَّحْلِ أو ألبانُ عُوذٍ مَطَافِلِ مطافيلَ أبْكارِ حديثٍ نتاجُها تُشاب بماءٍ مثل ماء المَفَاصِلِ العُوذ: جمع عائذٍ وهي الناقة إذا وضَعَتْ فإذا مشى ولدها فهي مُرْشِحٌ فإذا تَبِعها فهي مُتْلِيَة لأنّه يتلوها وهي في هذا كلِّه مُطفِل فإن كان أوّلَ ولدٍ ولدتْه فهي بكْر ماء المفاصِلِ فيه قولان: أحدهُما أنّ المفاصل ما بين الجبلَين واحِدُها مَفْصِل وإنَّما أراد صفاء الماء لأنّه ينحدر عن الجبال لا يمرُّ بطين ولا تُراب ويقال إنّها مفاصِل البعير وذكروا أنّ فيها ماءً له صفاءٌ وعُذوبة وفي الكلام الموزون يقول عبد اللَّه بن معاوية بن عبداللَّه بن جعفر: من الخفيف الزم الصَّمتَ إنّ في الصّمت حُكْماً وإذا أنتَ قُلتَ قولاً فزِنْهُ وقال أبو ذؤيب: من الطويل وسِربٍ يُطَلَّى بالعَبير كأنه دماءُ ظباءٍ بالنُّحورِ ذَبيحُ بذلتُ لهنَّ القولَ إنك واجدٌ لما شئتَ من حُلو الكلام مليحُ السِّرب: الجماعة من النساء والبقر والطير والظِّباء ويقال: فلانٌ آمِن السَّرب بفتح السين أي آمن المسلك ويقال: فلانٌ واسع السرب وخَلِيّ السّرب أي المسالك والمَذاهب وإنما هو مثلٌ مضروب للصَّدر والقلب وعن الأصمعيّ: فلانٌ واسع السِّرب مكسور أي واسع الصدر بطيء الغضب وأنشد للحكم بن رَيحان من بني عمرو بن كلاب: من البسيط يا أجْدَل النَّاس إن جادلتُه جَدَلا وأكثَرَ الناس إن عاتبتُه عِلَلا كأنّما عَسَلٌ رُجْعانُ مَنْطِقِها إن كان رَجْعُ كلام يشبه العَسَلا وقال القُطَاميُّ: من البسيط وفي الخدور غماماتٌ بَرَقن لنا حَتَّى تصيّدْنَنَا من كلِّ مُصْطَادِ يقتُلْنَنا بحديثٍ ليس يَعلَمُه مَن يتّقينَ ولا مكنونُهُ بادِي فهنَّ ينبِذْنَ من قول يُصِبنَ به مَواقعَ الماء من ذي الغُلّةِ الصَّادِي يَنبِذْن: يُلقِين الغُلّة والغليل: العطش الشّديد والصادي: العَطشان أيضاً والاسمُ الصَّدَى وأنشد للأخطل: من الكامل شُمُسٌ إذا خَطِلَ الحديثُ أوانِسٌ يرقُبْن كلَّ مُجَذّرٍ تِنْبالِ أنُفٌ كأنّ حديثَهنَّ تنادُمٌ بالكأسِ كلُّ عقيلةٍ مِكسالِ الشُّمُسُ: النُوافِرُ والتِّنبال: القصير والأُنُفُ: جمع آنفةٍ وهي المُنكِر للشَّيء غيرَ راضية العقيلة: المصونة في أهلها وعقيلة كل شيءٍ: خِيرته والمِكسال: ذات الكسل عن الحركة لقيتُ ابنةَ السّهميِّ زينبَ عن عُفْرِ ونحنُ حَرَامٌ مُسْيَ عاشِرَةِ العَشْرِ وإنِّي وإيّاها لحَتْمٌ مبيتُنا جميعاً ومَسْرانا مُغِذٌّ وذو فَتْرِ فكلَّمتُها ثِنتينِ: كالثلج منهما على اللَّوح والأخرى أحرُّ من الجمر يقال: ما يَلقَانا إلا عن عُفْرٍ أي بَعدَ مُدّة مُسْيٌ: أي وقت المساء يقال: أغذّ السِّيْرَ إذا جَدّ فيه وأسرع واللّوح بالفتح: العطش يقال: لاحَ الرّجُل يلُوحُ لَوْحاً والتاح يلتاح التياحاً إذا عطش واللّوح بالفتح أيضاً: الذي يكتب فيه واللُّوح بالضم: الهواء يقال: لا أفعل ذلك ولو نزَوتَ في اللُّوح أوحَتِى تنزُوَ في اللُّوح وأنشد: من الطويل وإنّا لنُجري بيننا حين نلتقِي حديثاً له وشْيٌ كَحِبْر المَطَارفِ حديث كطعم القَطْرِ في المَحْلِ يُشْتَفَى به من جوىً في داخل القلب لاطِفِ المَحْل: الجدب وسنةٌ مَحولٌ وأمحل البلد فهو ماحل ومُمحِل وزمانٌ ماحلٌ وممحِل الجوى ها هنا: شدّة الحبّ حتى يمرَضَ صاحبُه لاطِفٌ: لطيف وأنشد للشماخ بن ضِرار الثّعْلبيّ: من الطويل يُقِرُّ بعيني أنْ أُنَبَّأَ أنّها وإن لم أنَلها أَيِّمٌ لم تزَوَّج وكنتُ إذا لاقيتُها كان سرُّنا وما بيننا مثلَ الشِّواء المُلَهْوَجِ وقال جِرَان العَود: من الطويل فنِلنا سقاطاً من حديث كأنَه جَنَى النحل أو أبكارُ كَرْم يُقطَّفُ حديثاً لوَ انّ البقلَ يُولَى بمثِلِه زَها البقلُ واخضرّ العضاه المُصَنِّفُ زها: بدا زهره العِضَاهُ: جمع عِضَةٍ وهي كل شجرةٍ وهي كل شجرةٍ ذات شوك إلا القتادة فإنها لا تسمى عِضَةً وقال الكميت بن زيد: مجزوء الكامل وحديثهنَّ إذا التقيْ - نَ تهانُفُ البيض الغرائرْ وإذا ضحِكْنَ عن العِذا - بِ لنا المُسَفّاتِ الثّواغِرْ كانَ التهلُّلُ بالتَّبسُّ - مِ لا القَهاقِهُ بالقَراقرْ التهانُف: تضاحُكٌ في هُزُؤ الغرائر: جمع غريرة وهي المرأة القليلة الخِبْرة الغُمرَة والعِذاب يريد الثّغْر والمُسَفّات: اللِّثات التي قد أُسِفَّت بالكُحل أو بالنَّؤور وذلك أن تغرزَ بالإبرة ويُذَرَّ عليها الكحل فيعلوَها حُوَّةٌ والتهلُّل يقال: تهلّل وجهُه إذا أشرق وأسْفَر وقال الآخَر: من الطويل ولَمَّا تلاقيْنا جَرى مِن عُيونِنا دُموعٌ كفَفْنا غَربَها بالأصابعِ ونِلنا سِقاطاً من حديثٍ كأنّه جَنَى النَّحل ممزوجاً بماء الوقائعُ سقاط الحديث: ما نُبِذَ منه ولُفِظ به يقال: ساقطْتُ فلاناً الحديثَ سِقَاطاً الوقائِع والوقيع: مناقع الماء في مُتون الصُّخور الواحدة وقيعة وقال أشعث بن سُمَيّ: هلْ تعرِف المبدا إلى السَّنام ناطَ به سواحرُ الكلامِ كلامُها يشفي من السَّقامِ المبدا وسَنامٌ: موضعان ناط به: أي صار إليه وقال الرّاجز ووصف عيونَ الظِّباءِ بالسِّحر وذكر قوساً فقال: صَفْراء فَرع خَطَمُوها بَوَتَرْ لأْمٍ مُمَرٍّ مِثْلِ حُلقوم النُّغَرْ حَدَتْ ظُبَاتِ أسهُمٍ مثل الشّرَرْ فصَرَّعتْهُنَّ بأكناف الحُفَر حُورُ العيونِ بابليّاتُِ النَّطَرْ يَحسبُها الناظرُ من وحْش البَشَرْ اللأم من كلِّ شيءٍ: الشديد والمُمَرَّ: المحْكَم الفتل وحبلٌ مَرِيرٌ مثله النُّغَر: البلبل والظُّباتُ: جمع ظُبَةٍ وهي حدُّ السَّيف والسّنان وغيرهما وقال آخر: من الكامل وحديثُها كالقَطرِ يسمعُه راعي سنِينَ تتابَعَتْ جَدْبَا فأصاخَ يرجُو أن يكون حَياً ويقول من طَمَع: هَيَا رَبَّا قال عُمَر بن ذَرٍّ رحمه اللَّه: اللَّه المستعانُ على أَلسنةٍ تَصِف وقلوبٍ تَعرِف وأعمالٍ تُخْلِف ولمّا مَدحَ عتيبةُ بن مرداسٍ عبدَ اللَّه بن عبّاسٍ قال: لا أُعطي مَن يعصي الرَّحمن ويُطيع الشيطان ويقول البُهْتان وفي الحديث المأثور قال: يقول العبدُ: مالي مالي وإنَّما لك مِن مالِك ما أكلتَ فأفنيت وأَعطيت فأمضَيْت أو لبِسْتَ فأبليت وقال النَّمْرُ بن تَولب: من الطويل أعاذلَ إن يُصبِح صدايَ بقفرةٍ بعيداً نآني صاحبي وقريبي تَرَيْ أنَّ ما أبقيتُ لم أكُ رَبَّهُ وأنّ الذي أمضَيتُ كان نصيبيُ الصَّدَى هاهنا: طائرٌ يخرج من هامة الميت إذا بَلِيَ فينعَى إليه ضَعفَ وليِّه وعَجْزه عن طلب طائلتِه وهذا كانت تقوله الجاهلية وهو هنا مستعار أي إنْ أصبحتُ أنا ووصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: صغير القَدْر قصير الشَّبْر ضيِّق الصَّدر لئيم النَّجْر وعظيم الكِبر كثير الفخر والشَّبْر: قدر القامة تَقول: كم شَبْر قميصك أي كم عدد أشباره والنَّجْر: الطباع ووصف بعضُ الخطباء رجلاً فقال: ما رأيتُ أضرَبَ لمثلٍ ولا أركَبَ لجمل ولا أصعَدَ في قُللٍ منه وسأل بعضُ الأعراب رسولاً قَدِم من أهل السِّند: كيف رأيتُم البلاد قال: ماؤها وَشَلٌ ولِصُّها بَطَلٌ وتَمرُها دَقَلٌُ إنْ كثُر الجند بها جاعوا وإن قلُّوا بها ضاعُوا وقيل لصعصعةَ بنِ معاوية: مِن أينَ أقبلت قال: من الفجِّ العميق قيل: فأين تريد قال: البيتَ العتيق قالوا: هل كان مِن مطر قال: نَعم حتّى عفَّى الأثَر وأنْضَر الشجرَ ودَهْدَى الحجر واستجار عَون بن عبد اللَّه بن عُتبة بن مسعود بمحمّد بن مروان بنصيبين وتزوَّج بها امرأة فقال محمدَّ: كيف ترى نصيبين قال: كثيرة العقارب قليلة الأقارب يريد بقوله قليلة كقول القائل: فلان قليل الحياء ليس يريد أن هناك حياءً وإنْ قلّ يضعون قليلاً في موضع ليس وولَي العلاء الكلابي عملاً خسيساً بعد أن كان على عمل جسيم فقال: العُنُوقُ بعد النُّوقُ قال: ونظر رجلٌ من العُبَّاد إلى بابِ بعض الملوك فقال: بابٌ جَديد وموتٌ عَتيدُ ونَزْع شديد وسفَر بعيد وقيل لبعض العرب: أيَّ شيء تَمَنَّى وأيُّ شيءٍ أحب إليك فقال: لواءٌ منشور والجلوسُ على السَّرير والسَّلامُ عليك أيُّها الأمير وقيل لآخر وصلَّى ركعتينِ فأطالَ فيهما وقد كان أُمر بقتله: أجزِعتَ من الموت فقال: إن أجزَعْ فقد أَرَى كفناً منشوراً وسَيفاً مشهوراً وقبراً محفوراً ويقال أن هذا الكلام تكلم به حُجْر بن عِديّ الكنديّ عند قتلهُ وقال عبدُ الملك بن مروانَ لأعرابيّ: ما أطيَبُ الطعام فقال: بَكرةٌ سَنِمةٌ معتَبَطة غير ضَمِنة في قدور رَذمةٍ بشفار خَذِمةٍ في غداة شَبِمةٍ فقال عبد الملك: وأبيك لقد أطْيَبْت معتَبَطة: منحورة من غير داءٍ يقال: اعُتبِط الإبلُ والغنمُ إذا ذبحت من غير داءٍ ولهذا قيل للدم الخالص: عَبيط والعَبيط: ما ذُبح من غير عِلّة غير ضَمِنة: غير مريضة رذمة: سائلة من امتلائها بِشِفارٍ خذِمة: قاطعة غداة شبمة: باردة والشَّبَم: البرد وقالوا: لا تغترَّ بمناصحة الأمير إذا غشّك الوزير وقالوا: من صادَقَ الكُتّابَ أغنَوْه ومَن عاداهم أفقروه وقالوا: اجعلْ قولَ الكذَّابِ ريحاً تكن مستريحاً وقيل لعبد الصّمد بن الفضل بن عيسى الرقاشي: لِمَ تؤثرُ السَّجع على المنثور وتلزمُ نفسَك القَوافِيَ وإقامةَ الوزن قال: إنَّ كلامي لو كنتُ لا آمُلُ فيه إلاّ سماع الشاهد لقلّ خلافي عليك ولكنَّي أريد الغائبَ والحاضر والراهن والغابر فالحفظُ إليه أسرع والآذان لسماعه أنشَط وهو أحقُّ بالتقييد وبقلّة التَّفلُّت وما تكلَّمَتْ به العربُ مِن جيِّد المنثور أكثرُ ممّا تكلمت به من جيِّد الموزون فلم يُحفظْ من المنثور عُشرُه ولا ضاع من الموزون عُشره قالوا: فقد قيل للذي قال: يا رسول اللَّه أرأيتَ مَن لا شرِب ولا أكل ولا صاح واستهلّ أليس مثلُ ذلك يُطَلّ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أسَجْعٌ كسجع الجاهليَّة قال عبد الصَّمد: لو أن هذا المتكلِّم لم يُرد إلاّ الإقامة لهذا الوزن لما كان عليه بأسٌ ولكنَّه عسى أن يكون أراد إبطالَ حقٍّ فتشادَقَ في الكلام وقال غيرُ عبد الصمد: وجدْنا الشِّعرَ: من القصيدِ والرجز قد سمعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاستحسنه وأمر به شعراءه وعامَّةُ أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد قالواشعراً قليلاً كان ذلك أم كثيراً واستَمعوا واستنشَدوا فالسجع والمزدوج دون القصيد والرجز فكيف يحلُّ ما هو أكثر ويحرمُ ما هو أقلُّ وقال غيرهما: إذا لم يطُلْ ذلك القول ولم تكن القوافي مطلوبةً مجتلَبة أو ملتمسةً متكلَّفة وكان ذلك كقول الأعرابيِّ لعامل الماء: حُلِّئَتْ ركابي وخُرِّقت ثيابي وضُربت صِحابي - حُلِّئت ركابي أي مُنِعَت إبلي من الماء والكلأ والركاب: ما ركب من الإبل - قال: أَوَ سَجْعٌ أيضاً قال الأعرابي: فكيف أقول لأنّه لو قال: حُلِّئتْ إبلي أو جمالي أو نُوقي أو بٌعْراني أو صِرْمَتي لكان لم يعبّر عن حَقِّ معناه وإنّما حُلِّئت ركابهُ فكيف يَدَعُ الرِّكاب إلى غير الركاب وكذلك قوله: وخُرِّقت ثيابي وضربت صِحابي لأنّ الكلامَ إذا قلَّ وقَعَ وُقوعاً لا يجوز تغييره وإذا طال الكلامُ وجدْتَ في القوافي ما يكون مجتَلَباً ومطلوباً مستَكرَهاً ويُدْخَل على مَن طعن في قوله: " تَبَّت يَدَا أبي لَهَبٍ " المسد: 1 وزعم أنّه شعر لأنه في تقدير مستفعلن مفاعلن وطعن في قوله في الحديث عنه: هل أنت إلاّ إصبعٌ دمِيتِ وفي سبيل اللَّه ما لقِيتِ فيقال له: اعلمْ أنّك لو اعترضْتَ أحاديثَ النّاس وخطبَهم ورسائلَهم لوجَدْتَ فيها مثلَ مستفعِلين مستفعِلن كثيراً ومستفعلُنْ مفاعِلُن وليس أحدٌ في الأرض يجعلُ ذلك المقدارَ شعراً ولو أَنَّ رجُلاً من الباعة صاح: مَن يشتري باذنجان لقد كان تكلمَ بكلامٍ في وزن مستفعلن مفعولات وكيف يكون هذا شعراً وصاحبه لم يقصِدْ إلى الشِّعر ومثلُ هذا المقدار من الوزن قد يتهيَّأُ في جميع الكلام وإذا جاء المقدارُ الذي يُعلم أنّه من نتاج الشِّعر والمعرفةِ بالأوزان والقصدِ إليها كان ذلك شِعراً وهذا قريبٌ والجواب سهلٌ بحَمد اللَّه وسمعتُ غلاماً لصديق لي وكان قد سقى بطنُه وهو يقول لغِلمان مولاه: اذهبوا بي إلى الطَّبيب وقولوا قد اكتَوَى وهذا الكلام يخرج وزنه على خروج فاعلاتن مفاعلن فاعلاتن مفاعلن مرَّتين وقد علمتَ أن هذا الغلام لم يَخْطُرْ على باله قطُّ أن يقول بيتَ شعرٍ أبداً ومثلُ هذا كثيرٌ ولو تتبعته في كلام حاشيتك وغِلمانك لوجَدتَه وكانَ الذي كَرّه الأسجاعَ بعينها وإن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة أَنَّ كُهَان العرب الذين كان أكثرُ الجاهلية يتحاكمون إليهم وكانوا يدَّعون الكِِهانةَ وأنَّ مع كلِّ واحدٍ منهم رَئِيّاً من الجن مثل حازِي جُهينة ومثل شقّ وسَطيح وعُزَّى سَلِمِة وأشباهمُ كانا يتكهَّنون ويحكُمون بالأسجاع كقوله: والأرض والسَّماء والعقابِ الصَّقْعاءُ واقعةً ببقعاءُ لقد نَفَّر المجدُ بني العُشَراءِ للمجْد والسَّناء وهذا الباب كثيرٌ ألا ترى أن ضَمْرة بن ضَمرة وهَرِم بن قُطْبة والأقرع بنَ حابس ونُفيل بن عبدِ العُزَّى كانوايحكُمون وينفِّرُون بالأسجاع وكذلك ربيعة بن حُذَار قالوا: فوقع النَّهيُ في ذلك الدهر لُقرْب عهدهم بالجاهليَّة ولبقيتَّها فيهم وفي صدورِ كثير منهم فلما زالت العلّة زال التحريم وقد كانت الخطباءُ تتكلم عند الخلفاء الراشدين فيكونُ في تلك الخُطب أسجاعٌ كثيرة فلا ينهَوْنَهم وكان الفضلُ بن عيسى الرّقاشيّ سجّاعاً في قصصه وكان عَمرو بن عُبيد وهشام بن حسَّان وأبان بن أبي عيّاش يأتون مجلسه وقال له داود بن أبي هند: لولا أنّك تفسِّر القرآنَ برأيك لأتيناك في مجلسك قال: فهل تراني أحرِّم حلالاً أو أُحلُّ حراماً وإنًّما كان يتلو الآية التي فيها ذكر الجنَّة والنار والموت والحشر وأشباهُ ذلك وقد كان عبد الصَّمد بن الفضل وأبو العباس القاسم بن يحيى وعامَّة قُصَّاص البصرةِ وهم أخطبُ مِن الخطباء يجلس إليهم عامَة الفقهاء وقد كان النَّهي ظاهراً عن مرثيَة أميَّة بن أبي الصَّلت لقتلى أهل بدرٍ كقوله: مجزوء الكامل ماذا ببدرٍ بالعَقَنْ قَلِ مِن مرَازِبَةٍ جَحاجِحْ هَلاّ بكيتِ على الكرام بَني الكرامِ أولِي المَمَادحُْ وروى ناسٌ شبيهاً بذلك في هجاء الأعشى لعلقمة بن عُلاَثَة فلمَّا زالت العِلّة زال النَّهْي وقال واثلةُ بنُ خليفة في عبد الملك بن المهلَّب: من الطويل لقد صبرت للذُّلِّ أعوادُ مِنبرٍ تقوم عليها في يديك قضيبُ بكى المِنبر الغربيُّ إذْ قمتَ فوقَه وكادَت مساميرُ الحديد تذوبُ رأيتُك لمّا شِبْتَ أدركَكَ الذي يُصيب سَرَاة الأسْدِ حين تشيبُ سفاهةُ أحلامٍ وبخلٌ بنائلٍ وفيك لمن عاب المُزونَ عيوبُ قال: وخطب الوليدُ بن عبد الملك فقال: إنَّ أمير المؤمنين كان يقول: إنّ الحجَّاج جِلدَة ما بين عينَيَّ ألاَ وإنَّه جِلدةُ وجهي كلِّه وخطب الوليد أيضاً فذكر استعماله يزيد بن أبي مسلمٍ بَعد الحجَّاج فقال: كنتُ كمن سقط منه درهمٌ فأصابَ ديناراً شبيب بن شَيبة قال: حدَّثني خالدُ بن صفوانَ قال: خطبنا يزيدُ بن المهلَّب بواسط فقال: إنِّي قد أسمع قول الرَّعاع: قد جاء مَسلمة وقد جاء العبَّاسُ وقد جاء أهلُ الشام وما أهلُ الشّامِ إلاّ تسعةُ أسيافٍ سبعةٌ منها معي واثنان منها عَلَيَّ وأما مَسْلَمة فَجَرَادَةٌ صفراءُ وأما العبَّاس فنسطوس بن نسْطوسُ أتاكم في برابرة وصقالبة وجرامقة وجَراجمة وأقباط وأنباط وأخلاط من النَّاس إنما أقبل إليكم الفلاَّحون الأوباش كأشلاء اللُّجُم واللَّه ما لَقُوا قوماً قطُّ كحدِّكم وحديدكم وعَدِّكم وعديدكم أعيروني سواعدَكم ساعةً من نهار تَصْفِقُون بها خراطيمَهمُ فإنَّما هي غَدوةٌ أو رَوحةٌ حتى يحكمَ اللَّه بيننا وبين القومِ الفاسقين ثم دعا بفرسٍ فأُتَي بأبلق فقال: تخليطٌ وربِّ الكعبة ثمّ ركب فقاتل فكثَرَهُ الناس فانهزم عنه أصحابه حتَّى بقي في إخوته وأهله فقُتِلَ وانهزم باقي أصحابه وفي ذلك يقول الشاعر: من الكامل كل القبائل بايعوك على الذي تدعو إليه طائعين وسارُوا حتى إذا حَمِيَ الوغَى وجعلتَهم نَصْبَ الأسنَّة أسلمُوك وطاروا ومدح الشاعر بَشّارٌ عُمَر هَزَارِ مَرْدُ العَتَكَيّ بالخطب وركوبِه المنابر بل رثاه وأبَّنه فقال: من الكامل ما بال عينك دمعُها مسكوبُ حُرِبَت فأنت بنومها محروبُ وكذاك مَن صَحِب الحوادث لم يَزَلْ تأتي عليه سلامةٌ ونكُوبُ يا أرضُ ويحَكِ أكرمِيهِ فإنَّه لم يَبْقَ للعَتَكيِّ فيكِ ضَريبُ أبهى على خَشَب المنابر قائماً يوماً وأحزمُ إذْ تُشَبُّ حروبُُ وقال: كان سَوَّار بن عبد اللَّه أوّل تميميِّ خطب على مِنبر البصرة ثم خطب عُبيد اللَّه بن الحسن ووَليَ منبر البصرة أربعة من القضاة فكانوا قضاةً أُمراءَ: بلال بن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعريّ وسَوَّار وعُبَيد اللَّه وأحمد بن أبي رباح فكان بلالٌ قاضياً ابنَ قاضٍ ابنِ قاضٍ وقال رؤبة: من الرجز فأنت يا ابنَ القاضيينِ قاضي مُعْتزِمٌ على الطَّريق ماضيُ قال أبو الحسَن المدائني: كان عُبيد اللَّه بن الحسن حيثُ وَفَدَ على المهديّ معزِّياً ومهنّئاً أعدّ له كلاماً فبلغه أنّ النَّاسَ قد أعجبهم كلامُه فقال لشبيب بن شيبة: إنِّي واللَّه ما ألتَفِت إلى هؤلاء ولكن سل لي أبا عبيد اللَّه الكاتبَ عنه فسأله فقال: ما أحْسَنَ ماتكلّم به عَلَى أنه أَخَذَ مواعظ الحَسَن ورسائل غيلان فلقَّح بينهما كلاماً فأخبره بذلك شبيب فقال عُبيد اللَّه: لا واللَّه إن أخطأ حرفاً واحداً وكان محمد بن سليمان له خطبةٌ لا يغيّرها وكان يقول: إنَّ اللَّه وملائكتُه فكان يرفع الملائكة فقيل له في ذلك فقال: خَرِّجوا لها وجهاً ولم يكن يدعُ الرفع قال: وصلّى بنا خزيمة يوم النحر فخطب فلم يُسْمَع من كلامه إلاّ ذِكرُ أمير المؤمنين الرشيد وَوَليِّ عهده محمّد قال: وكان إسحاقُ بن شِمْرٍ يُدارُ به إذا فَرَع المنبرُ قال الشعر: من الوافر أميرَ المؤمنينَ إليك نشكو وإن كُنَّا نقُولُ بغير عُذرِ غَفرتَ ذنوبَنا وعفوْتَ عنَّا وليست منك أن تَعفو بنُكْرِ فإنَّ المنبرَ البصريَّ يشكو على العِلاّتِ إسحاقَ بنَ شِمْرِ أضَبِّيٌّ على خشَباتِ مَلْكٍ كمُرْكِب ثعلبٍ ظهرَ الهِزَبرِ وقال بعضُ شعراء العسكر يهجو رجلاً من أهل العسكر: من الكامل ما زلتَ تركبُ كل شيءٍ قائمٍ حتى اجترأتَ على ركوب المِنبرِ ما زالَ منبرُك الذي دنَّستَه بالأمس منك كحائضٍ لم تَطهُرِ فَلأَنظُرَنَّ إلى المنابر كُلِّها وإلى الأسِرّة باحتقار المنظَرِ فما منبرٌ دنَّسته يا ابنَ أفْكَلٍ بِزاكٍ ولو طهَّرتَه بابن طاهرِ
باب أسجاع عبد اللَّه بن المبارك عن بعض أشياخه
عن الشَّعبي قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: البرُّ ثلاثة: المنطق والنَّظر والصَّمت فمن كان منطقُه في غير ذكرٍ فقد لغا ومَن كان نظَرهُ في غير اعتبار فقد سها ومن كانَ صَمْتُه في غير فكرٍ فقد لَها وقال عليُّ بن أبي طالب: أفضل العبادة الصمتُ وانتظارُ الفرَج وقال يزيد بن المهلَّب وهو في الحبْس: وا لهفاه على طَلِيَّة بمائة ألف وفَرْجٍ في جَبْهة أسدُ وقال عمربن الخطاب رضي اللَّه عنه: استغزِوا الدُّموعَ بالتذكر وقال الشاعر: من الطويل ولا يبعَثُ الأحزانَ مثلَ التذكّرِ حفص بن ميمون قال: سمعت عيسى بن عمرُ يقول: سمعنا الحسن يقول: اقدَعُوا هذه النفوس فإنها طُلَعةٌ واعصُوها فإنّكم إن أطعتموها تنزعْ بكم إلى شرٍّ غاية وحادِثُوها بالذِّكر فإنَّها سريعة الدُّثور اقدعوا: انهَوا طُلَعَةٌ: أي تَطَلَّع إلى كلِّ شيء حادثوا أي اجلُوا واشحَذُوا والدُّثور: الدُّروس يقال: دَثر أثَرُ فلانٍ إذا ذهب كما يقال: دَرَس وعفا قال: فحدَّثت بهذا الحديث أبا عمرو بنَ العلاء فتعجَّب من كلامه وقال الشاعر: من الطويل سمعنَ بِهيَجْا أوجَفَتْ فذكَرْنَه ولا يبعثُ الأحزانَ مثلُ التذّكرُِ الوجيف: سير شديد يقال: وجَف الفرسُ والبعير وأوجفته ومثله الإيضاع وهو الإسراع أراد: بهيجا أقبلَتْ مسرعة ومن الأسجاع قول أيُّوب بن القِرِّيَّة وقد كان دُعِيَ للكلام واحتبس القولُ عليه فقال: قد طال السَّهرَ وسَقط القمر واشتد المطر فما يُنتَظَر فأجابه فتىً من عبد القيس فقال: قد طال الأرَق وسقط الشّفَق وكثُر اللثَقُ فلينْطِقْ من نَطَقَ اللَّثق: النَّدَى والوحل وقال أعرابيٌّ لرجلٍ: نحنُ واللَّه آكلُ منكم للمأدوم وأكسب منكم للمعدوم وأعطى منكم للمحروم ووصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: إنّ رِفدَك لنجيح وإن خَيرك لسَريح وإنّ مَنعك لمُريح سَريحٌ: عَجِلٌ ومريح: أي مريح من كدِّ الطلَب وقال عبد الملك لأعرابي: ما أطيبُ الطعام فقال: بَكْرَةٌ سَنِمة في قُدور رَذِمةٍ بشفارٍ خذِمةٍ في غداةٍ شَبِمةٍ فقال عبد الملك: وأبيك لقد أطْيَبت وسئل أعرابيٌ فقيل له: ما أشدُّ البَرد فقال: ريحٌ جِرْبِياء في ظِلِّ عَمَاء في غِبِّ سماء ودعا أعرابيٌّ فقال: اللهم إنِّي أسألك البقاء والنَّماء وطيبَ الإتاء وحَطّ الأعداءِ ورفعَ الأولياء الإتاء: الرِّزق قال: وقال إبراهيم النَّخَعي لمنصور بن المعتمر: سَلْ مسألةَ الحَمْقَى واحفظ حفظَ الكَيْسَىُ ووصفت عَمَّة حاجِزٍ اللِّصِّ حاجزاً ففضلَّته وقالت: كان حاجزٌ لا يشبَع ليلةَ يُضَاف ولا ينام ليلة يَخاف ووصف بعضُهم فرساَ فقال: أقبَلَ بزُبْرة الأسد وأدبَرَ بعجُز الذِّئب الزُّبْرة: مَغرِر العُنق ويقال للشَّعر الذي بين كتفيه وصفَه بأنَّه محطوط الكَفَل قال: ولمَّا اجتمَعَ النّاسُ وقامت الخطباءُ لبيعة يزيدَ وأظهر قومٌ الكراهةَ قام رجلٌ مِن عذرة يقال له يَزيد بن المقنَّع فاخترَطَ من سيفه شِبراً ثم قال: أميرُ المؤمنين هذا - وأشار بيده إلى معاوية - فإن مات فهذا - وأشار بيده إلى يزيد - فمن أَبَى فهذا - وأشار بيده إلى سيفه فقال له معاوية: أنت سيِّد الخطباء قالوا: ولمّا قامت خطباءُ نزارٍ عند معاويةَ فذهبَتْ في الخُطَب كلَّ مذهب قام صَبرَةُ بن شَيمْانَ فقال: يا أمير المؤمنين إنّا حيٌّ فَعالٍ ولَسنا حيَّ مقالٍ ونحن نبلُغ بفَعالنا أكثَرَ من مَقَالِ غيرنا قال: ولمَّا وفَدَ الأحنفُ في وجوه أهل البصرة إلى عبد اللَّه بن الزُّبير تكلَّم أبو حاضر الأُسَيّديّ وكان خطيباً جميلاً فقال له عبد اللَّه بنُ الزُّبير: اسكُتْ فواللَّه لوَدِدتُ أنَّ لي بكلِّ عشرةٍ من أهل العراق رجلاً من أهل الشام صَرْفَ الدِّينار بالدرهم قال: يا أمير المؤمنين إنّ لنا ولك مثلاً أَفتأذَنُ في ذِكره قال: نعم قال: مثَلنا ومَثَلك ومثلُ أهلِ الشام كقول الأعشى حيثُ يقول: من البسيط عُلِّقْتُها عرضاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً غيري وعُلِّق أخرى غَيْرَها الرَّجُل أَحَبّكَ أهلُ العراق وأحببتَ أهل الشام وأحبَّ أهلُ الشام عبدَ الملك بنَ مروان عليّ بن مجاهد عن حُميد بن أبي البَخْتريّ قال: ذَكَر معاويةُ لابن الزُّبير بيعةَ يزيد فقال ابنُ الزبير: إنِّي أُناديك ولا أُناجيك إنّ أخاكَ مَن صدَقك فانظُرْ قبل أن تَقَدَّم وتفكَّرْ قبل أن تندَّم فإنَّ النَّظر قبل التقدُّم والتفكرَ قبلَ التندم فضحك معاويةُ ثم قال: تعلّمتَ أبا بكرٍ السِّجاعة عند الكِبَر إنَّ في دونِ ما سجَعت به على أخيك ما يَكفيك ثمَّ أخَذَ بيده فأجلسَهُ معه على السَّرير أخبرنا ثُمامة بن أشرس قال: لمَّا صَرفت اليَمانِية من أهل مِزَّة الماءَعن أهل دِمَشق ووجَّهوه إلى الصحارى كتب إليهم أبو الهَيذام: إلى بني اسْتِها أهل مِزَّة ليُمَسِّينّني الماء أو لتُصبّحنّكم الخيل قال: فوافاهم الماءُ قبل أن يُعْتِمُوا فقال أبو الهَيذام: الصِّدق يُنْبِي عنك لا الوعيد وحدَّثني ثُمامة عن من قَدِم عليه من أهل دمشق قال: لما بايع الناسُ يزيدَ بنَ الوليد وأتاه الخبرُ عن مروانَ بن محمد ببعض التلكُّؤ والتحبّس كتب إليه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم مِن عبد اللَّه أميرِ المؤمنين يزيدَ بنِ الوليد إلى مروانَ بن محمَّد أمَّا بعد فإني أَراك تقدّم رجْلاً وتؤخِّر أخرى فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمِدْ على أَيِّهِما شئت والسلام وهاهنا مذاهبُ تدلُّ على أصالة الرّأي ومذاهبُ تدلُّ عل تمام النَّفْس وعلى الصَّلاح والكمال لا أَرى كثيراً من النّاسِ يقفُون عليها واستعمل عبدُ الملك بن مرْوان نافعَ بنَ علقمة بن نضلة بن صفوان بن مُحرِّث خالَ مروان على مكّة فخَطَب ذاتَ يومٍ وأبانُ بنِ عثمانَ بحذاء المِنبر فشتم طلحةَ والزُّبَير فلمّا نَزَل قال لأبان: أَرْضَيْتُك من المُدْهِنَينِ في أمير امؤمنين قال: لا واللَّه ولكنْ سُؤتَني حَسْبي أن يكونَا شَرِكَا في أمره فما أدري أيُّهما أَحسنُ كلاماً: أَبان بن عثمانَ هذا أَمْ إسحاق بن عيسى فإنّه قال: أعِيذ عليّاً أَن يكون قَتل عثمان وأعيذُ عثمان باللَّه أن يقتلَه عليٌّ فمدح عليّاً بكلام سديدٍ غير نافر ومقبولٍ غير وحشيّ وذهب إلى معنى الحديث في قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أَشدُّ أَهلِ النّار عذاباً مَن قتَلَ نبيّاً أو قتلَه نبيّ يقول: لا يتَّفق أن قتلَه نبيٌّ بنفسه إلاّ وهو أشد خلق اللَّه معاندة وأجرؤُهم على معصية وقال هذا: لا يجوز أَن يقتله عليٌّ إلاّ وهو مستحقٌّ للقتل
خطبة من خطب رسول اللَّه
قال: خطَبَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعشْر كلمات: حَمِد اللَّه وأَثنى عليه ثم قال: أيُّها الناس إنّ لكم معالِمَ فانتهُوا إلى مَعَالمكمْ وإنّ لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم إنّ المؤمنَ بين مخافتين: بين عاجلٍ قد مَضَى لا يدري ما اللَّه صانعٌ به وبين أجلٍ قد بَقِيَ لا يدري ما اللُّهُ قاضٍ فيه فليأخُذ العبدُ من نفسه لنفسه ومن دُنياه لآخرته ومن الشّبيبة قبل الكَبْرَة ومن الحياة قبل الموت فوالذي نَفسُ محمَّدٍ بيده ما بَعْدَ الموت من مُسْتَعْتَبِ ولا بَعد الدُّنيا من دارٍ إلاَّ الجنَّة أو النار أبو الحسن المَدائنيّ قال: تكلّم عمَّار بن ياسر يوماً فأوْجَزَ فقيل له: لو زِدْتَنا فقال: أمَرَنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإطالة الصَّلاة وقَصْرِ الخُطَب محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عُتبة عن شيخٍ عن الأنصار من بني زُرَيق أن عمر بن اخطاب رحمه اللّه لما أُتيَ بسَيف النُّعمانِ بن المنذر دعا جُبير ابن مُطعِم فسلَّحه إياه ثم قال: يا جُبير ممَّن كان النعمان قال: من أشلاء قَنَص بن مَعدّ وكان جُبيرٌ أنسَبَ العرب وكان أخَذَ النَّسبَ عن أبي بكر الصّدِّيق رحمه اللَّه وعن جُبَير أخذ سعيد بن المسيَّب وروى عن إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: قلت لسعيد بن المسيّب: علِّمني النّسب قال: أنت رجلٌ تريد أن تُسَابَّ الناس قال: وثلاثةٌ في نَسقٍ واحدٍ كانوا أصحابَ نسب: عمر بن الخطاب رحمه اللَّه أخذ ذاك عن الخَطّاب وكان كثيراً ما يقول: سمعتُ ذلك من الخَطّاب ولم أسمَعْ ذلك من الخطّاب والخطابُ بنُ نُفَيل ونُفَيلُ بنُ عبد العُزّى تنافَرَ إليه عبدُ المطلب وحَرب بن أُميَّة فنَفّر عبد المطلب أي حكم لعبد المطلب والمنافرة: المحاكمة قال: والنُّسَّاب أربعة: دَغْفَل بن حنظلَة وعُمَيرةُ أبو ضَمْضَم وصُبْح الحَنفِي وابن الكيِّس النّمري قال الأصمعيّ: دَغفل بن حنظلة والنَّسَّابة البكري وكان نصرانيّاً ولم يُسَمِّه
ذكر كلمات خطب بهن سليمان بن عبد الملك
قل: اتَّخِذُوا كتابَ اللَّه إماماً وارضَوْا به حَكَماً واجعلوه قائداً فإنه ناسخٌ لما قبل ولم ينسخْه كتابٌ بعده قال: وكان أولَ كلام بارع سمعوه منه: الكلامُ فيما يَعنيك خيرٌ من السكوت عما يضرُّك والسُّكوتُ عمَّا لا يَعنِيك خيرٌ من الكلام فيما يضرُّك خَلاَّد بن يزيدَ الأرقط قال: سمعت من يخبرنا عن الشَّعبي قال: ما سمعتُ متكلماً على منبرٍ قَطُّ تكلَّم فأحسَنَ إلاَّ تمنّيت أن يسكُت خوفاً منْ أن يُسيء إلا زيَاداً فإنّه كان كُلَّما أكثَر كان أجودَ كلاماً وكان نَوفل بن مُساحِق إذا دخل على امرأته صمْت وإذا خرج من عندها تكلَّم فرأتْهُ يوماً كذلك فقالت: أمَّا عِندي فتُطْرِق وأمّا عِند الناس فتَنطق قال: لأني أدِقُّ عن جليلكِ وتَجلّين عن دَقيقي قال أبو الحسن: قاد عَيّاشُ بنُ الزِّبرقان بن بدر إلى عبدالملك بن مروان خمسةً وعشرين فرساً فلمَّا جلَسَ لينظُر إليها نسبَ كُلَّ فرسٍ منها إلى جميع آبائه وأمَّهاته وحلف على كلِّ فرسٍ بيمين غيرِ اليَمِين التي حلف بها على الفرس الآخَر فقال عبدُ الملك بن مروان: عَجَبي من اختلاف أيمانه أشدُّ مِن عجبي من معرفته بأنساب الخيل وقال: كان للزبرقان بن بدر ثلاثة أسماء: القَمر والزِّبرقان والحصين وكانت له ثلاثُ كُنىً: أبو شَذْرة وأبو عَيَّاش وأبو العبَّاس وكان عيَّاشٌ ابنُه خطيباً مارداً شديد العارضة شديد الشكيمة وجيهاً وله يقول جرير: من الطويل أعَيّاشُ قد ذاقَ القُيُونُ مرارتي وأوقدتُ ناري فادْنُ دونَكَ فاصْطَلِ فقال عيّاش: إني إذاً لَمَقْرُور قالوا: فغلّب عليه
باب ذكر أسماء الخطباء والبلغاء والأبيناء
وذكر قبائلهم وأنسابهم كان التَّدبير في أسماء الخطباء وحالاتهم وأوصافهم أن نذكر أسماءَ أهل الجاهلية على مراتبهم وأسماء أهل الإسلام على منازلهم ونجعَلَ لكلِّ قبيلة منهم خطباءَ ونقسِّمَ أمورَهم باباً باباً على حِدَته ونقدِّم مَنْ قَدَّمه اللّه ورسوله عليه السلام في النّسب وفضَّله في الحسب ولكنِّي لَمَّا عجزَت عن نظمه وتنضيده تكلَّفتُ ذِكرهم في الجملة واللّه المستعانُ وبه التوفيق ولا حولَ و لا قوّة إلا به كان الفضلُ بن عيسى الرَّقاشَيُّ من أخطب الناس وكان متكلِّماً قاصَّاً مُجِيداً وكان يجلس إليه عَمرو بن عُبيد وهِشام بن حسَّان وأبان بن أبي عَيّاش وكثيرٌ من الفقهاء وهو رئيس الفَضْلِيَّة وإليه يُنسبون وخطب إليه ابنَته سوادةَ بنتَ الفَضْل سليمانُ بنُ طَرْخانَ التيميّ فزَوَّجه فولدت له المعتِمرَ بن سُليمان وكان سليمانُ مبايناً للفَضْل في المقالة فلما ماتت سَوادةُ شهِد الجنازَة المعتمر وأبوه فقدَّما الفضل وكانت الفضلُ لا يركب إلاّ الحمير فقال له عيسى بنُ حاضر: إنّك لتُؤْثِر الحميرَ على جميع المركوب فلِمَ ذلك قال: لما فيها من المرافق والمنافع قلت: مثل أي شيء قال: لا تَستِبدلُ بالمكان على قدر اختلاف الزمان ثم هي أقلُها داءً وأيسرُها دواء وأسلَمُ صريعاً وأكثر تصريفاً وأسهَل مرتقًى وأخفضُ مهوًى وأقلُّ جِماحاً وأشهر فارهاً وأقلُّ نظيراً يزهى راكبُه وقد تواضَعَ بركوبه ويكون مقتصداً وقد أسرفَ في ثمنه قال: ونظر يوماً إلى حمارٍ فارهٍ تحت سَلْم بن قتيبة فقال: قعِدةُ نَبّي وبِذْلة جَبَّار وقال عيسى بن حاضر: ذهبَ إلى حمار عُزير وإلى حمار المسيح وإلى حمار بلعم وكان يقول: لو أراد أبو سَيَّارة عُميلة بن أعْزَلَ أن يدفع بالموسم على فرسٍ عربيّ أو جَمل مٌهْرِيّ لفعل ولكنّه ركِب عَيراً أربعين عاماً لأنّه كان يتألّه وقد ضرِب به المثلُ فقالوا: أصحُّ من عَيرِ أبي سيّار والفضلُ هو الذي يقول في قصصه: سَلِ الأرض فقل: من شَقَّ أنهارَكِ وغَرس أشجارَك وجنَى ثمارَك فإنْ لم تُجِبْك حِواراً أجابتك اعتباراً وكان عبدُ الصمد بنُ الفَضْل أغزَرَ من أبيه وأعجَبَ وأبيْنَ وأخطب وقال: وحدّثني أبو جعفرٍ الصُّوفيُّ القاصُّ قال: تكلّم عبدُ الصمد في خَلْق البعوضة وفي جميع شأنها ثلاثَة مجالسَ تامّة قال: وكان يزيدُ بن أبان عمُّ الفضل بن عيسى بن أبان الرَّقاشي من أصحاب أنَسٍ والحسن وكان يتكلّم في مجلسِ الحسَن وكان زاهداً عابداً وعالماً فاضلاً وكان خطيباً وكان قاصّاً مُجيداً قال أبو عبيدة: كان أبوهم خطيباً وكذلك جدُّهم وكانواخطباءَ الأكاسرة فلما سُبُوا ووُلد لهم الأولادُ في بلاد الإسلام وفي جزيرة العرب نَزَعهم ذلك العِرْق فقاموا في أهل هذه اللغة كمَقَامهم في أهل تلك اللُّغة وفيهم شِعر وخُطَب وما زالوا كذلك حَتَّى أصهرَ إليهمُ الغُرَباء ففَسد ذلكَ العِرْقُ ودخله الخَوَرُ ومن خطباء إيادٍ قسُّ بن ساعدة وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: رأيته بسوق عُكَاظ على جمل أحْمر وهو يقول: أيهُّا الناس اجتمِعُوا واسمَعو وعُوا مَن عاش مات ومَن ماتَ فَات وكلُّ ما هو آتٍ آت وهو القائل في هذه: آياتٌ محكمات مطرٌ ونبات وآباء وأمّهات وذاهب وآت ضوءٌ وظلام وبِرٌّ وأَثَام ولباسٌ ومَركَب ومطعمٌ ومشرب ونجوم تمور وبحورٌ لا تغور وسقفٌ مرفوع ومِهادٌ موضوع وليلٌ داجٍ وسماء ذات أبراج ما لي أرى النّاسَ يموتون ولا يرجعون أَرَضُوا فأقاموا أم حُبِسُوا فناموا وهو القائل: يا معشَرَ إياد أينَ ثمودُ وعاد وأين الآباء والأجداد أين المعروفُ الذي لم يُشكَر والظُّلم الذي لم ينكر أقسَمَ قُسٌّ قسماً باللَّه إنَّ للَّه لَديناً هو أرضى له من دينكم هذا وأنشدوا له: مجزوء الكامل في الذّاهبين الأوَّلي - نَ مِنَ القرونِ لنا بصائِرْ لما رأيتُ موارداً للموت ليس لها مَصادِرْ ورأيتٌ قومي نحوَها يَمضي الأصاغر والأكابرْ لا يرجع الماضي ولا يَبْقَى من الباقين غابِرْ أيقَنتُ أنّي لا محالة حيثُ صارَ القومُ صائرْ ومن الخطباء زيدُ بن عليِّ بن الحسين وكان خالدُ بن عبد اللَّهِ أَقَرَّ عَلَى زيد ابن عليّ وداودَ بن عليِّ وأيُّوب بن سلمة المخزومي وعَلَى محمد بن عمر بن عليِِّ وعَلَى سعدِ بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فسأل هشامٌ زيداً عن ذلك فقال: أحلِفُ لك قال: وإذا حلفْتَ أصدِّقُك قال زيد: اتّق اللَّه قال: أَوَمثلك يا زيد يأمُر بتقوى اللَّه قال زيد: لا أحد فوق أن يُوصَى بتقوى اللَّه ولا دونَ أن يُوصِيَ بتقوى اللَّه قال هشام: بلَغني أنّك تُريد الخِلافة ولا تصلُح لها لأنّك ابنُ أمَة قال زيد: فقد كان إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ابنَ أمةٍ وإسحاقُ عليه السلام ابنَ حُرّة فأخرَجَ اللَّه من صُلب إسماعيل خيرَ ولدِ آدم محمداً صلى الله عليه وسلم فعندها قال له: قم قال: إذَنْ لا تراني إلاّ حيثُ تكره ولما خرج من الدار قال: ما أحَبّ أحدٌ الحياةَ قطٌّ إلا ذَلَّ فقال له سالم مولى هشام: لا يسمعَنَّ هذا الكلامَ منك أحد وقال محمد بن عُمير: إنَّ زيداً لمّا رأى الأرض قد طُبِّقتِ جَوْراً ورأى قِلَّة الأعوان وتَخاذُل الناس كانت الشّهادةُ أحبَّ المِيتات إليه وكان زيدٌ كثيراً ما يُنشِد: من السريع شَرَّده الخوفَ وأزرَى به كذاك مَن يَكرَه حَرَّ الجِلادْ مُنْخَرق الخُفَّينِ يشكو الوَجَى تَنكُبُه أطرافُ مَرْوٍ حِدَادْ قد كان في الموت له راحةٌ والموتُ حَتمٌ في رقاب العبادْ إنّ المحكَّم ما لم يرتقب حَسباً أو يرهب السَّيف أوحدَّ القنا جَنَفا مَن عَاذَ بالسيف لاقى فُرصةً عَجباً موتاً على عَجَلٍ أو عاش منتصفاً ولما بعث يوسف بن عمرِ برأس زيدِ ونصر بن خزيمةِ مع شَبّة بن عِقَالٍ وكلَّفَ آل أبي طالبٍ أن يبرؤُوا من زيدٍ ويقومَ خطباؤهم بذلك فأوَّلُ مَن قامَ عبدُ اللَّه بن الحسن فأوجَزَ في كلامه ثم جلس ثم قام عبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر فأطنب في كلامه وكان شاعراً بيّناً وخطيباً لَسِناً فانصرف الناس وهم يقولون: ابنُ الطَيّار أخطبُ الناس فقيل لعبد اللَّه بن الحسن في ذلك فقال: لو شئتُ أن أقولَ لقلت ولكن لم يكن مقامَ سُرور فأعجَبَ الناسَ ذلك منه ومن أهل الدَّهاء والنَّكْراءِ ومن أهل اللَّسَن واللَّقَن والجوابِ العجيب والكلام الفصيح والأمثال السائرة والمخارج العجيبة: هندُ بنتُ الخُسّ وهي الزرقاء وجُمعَةُ بنتُ حابسِ ويقال إن حابساً من إياد وقال عامر بن عبد اللَّه الفزاريّ: جُمعَ بين هند وجُمعة فقيل لجُمعة: أيُّ الرِّجال أحبُّ إليك فقالت: الشّنِق الكَتَد الظاهر الجَلَد الشديدُ الجذْب بالمسَدِ وقيل لهند: أيُّ الرّجال أحب إليك قالت: القريب الأمَد الواسع البلَد الذي يُوفَد إليه ولا يَفِد وقد سئلت هند عن حَرّ الصيف وبرد الشتاء فقالت: من جعل بُؤساً كأذى وقد ضُرِب بها المثل فمن ذلك قول ليلى بنتِ النَّضْر الشاعرة: من الطويل وقال ابنُ الأعرابيّ: يقال: بنت الخُسّ وبنت الخُصِّ وبنت الخُسْف وهي الزَّرقاء وقال يونس: لا يقال إلاّ بنت الأخَسّ وقال أبو عمرو بن العلاء: داهيتا نساءِ العرب هند الزرقاءُ وعنزٌ الزرقاء وهي زرقاءُ اليمامة وقال البَقْطَريّ: قيل لعبد اللَّه بن الحسن: ما تقول في المِراء قال: ما عسى أن أقولَ في شيءٍ يُفسد الصداقة القديمة ويُحل العقدةَ الوثيقة فإنَّ أقلَّ ما فيه أن يكون دُرْبَةً للمغالبة والمغالبة من أمتَن أسباب الفتنة إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أتاه السَّائب بن صيفيّ فقال: أتعرفني يا رسول اللَّه قال: كيف لا أعرف شريكي الذي كان لا يُشاريني ولا يماريني قال: فتحوَّلْتُ إلى زيد بن علي فقلت له: الصمت خيرٌ أم الكلام قال: أخْزَى اللَّه المساكَتة فما أفسدها للبيان وأجلَبَها للحَصَر واللَّه لَلمُماراةُ أسرَعُ في هدم العِيّ من النَّار في يَبِيس العرفج ومنَ السَّيل في الحَدُور وقد عَرف زيدٌ أن المماراة مذمومة ولكنه قال: المماراةُ على ما فيها أقلُّ ضرراً من المساكَتة التي تورث البُلْدةَ وتحلُّ العُقدة وتُفسِد المُنّة وتورث عللاً وتُولِّد أدواءً أيسَرُها العِيّ فإلى هذا المعنى ذهَب زيد ومن الخطباء: خالد بن سلمة المخزومي من قريش وأبو حاضر وسالم بن أبي حاضر وقد تكلَّم عند الخلفاء ومن خطباء بني أسيد: الحكم بن يزيد بن عمير وقد رأس ومن أهل اللسن منهم والبيان: الحجَّاج بن عمر بن يزيد ومن الخطباء: سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أميةِ قال: وقيل لسعيد بن المسيَّب: مَن أَبلغ النَّاس قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقيل: ليس عن هذا نسألك قال: معاوية وابنه وسعيدٌ وابنه وما كان ابنُ الزبير دونهم ولكن لم يكن لكلامه طُلاَوة فمن العجب أنّ الزبير قد ملأ دفاتر العلماء كلاماً وهم لا يحفظون لسعيد بن العاص وابنه من الكلام إلاّ ما لا بال له وكان سعيدٌ جواداً ولم ينزع قميصَه قطُّ وكان أسودَ نحيفاً وكان يقال له عُكّة العَسلَِ وقال الحطيئة: من الطويل سَعيدٌ فلا يَغْرُرْكَ قِلّةُ لحِمِهِ تخدَّدَ عنهُ اللحمُ فهو صليبُ وكان أوّل مَن خَشَّ الإبلَ في نفْس عَظْم الأنف وكان في تدبيره اضطراب وقال قائلٌ من أهل الكوفة: من الرجز يا ويلَنا قد ذهب الوليد وجاءنا مجوِّعاً سعيدُ ينقُص مِ الصّاعِ ولا يَزيد قال: الأمراء تتحبّب إلى الرعية بزيادة المكاييل ولو كان المذهبُ في الزِّيادة في الأوزان كالمذهب في زيادة المكاييل ما قصَّرُوا كما سأل الأحنف عمر بن الخطاب الزيادةَ في المكاييل ولذلك اختلفَتْ أسماءُ المكاييل كالزِّيادي والفالج والخالدي حتّى صِرنا إلى هذا المُلْجَمِ اليوم ثمَّ من الخطباء: عمرو بن سعيد وهو الأشدق يقال إن ذلك إنما قيل لتشادُقه في الكلام وقال آخرون: بل كان أفقمَ مائل الذّقَن ولذلك قال عبيدُ اللَّه بن زيادٍ حين أهوى إلى عبد اللَّه بن معاوية: يَدَكَ عنِّي يالطيمَ الشيطان ويا عاصيَ الرحمن وقال الشّاعر: من الطويل وعمروٌ لطيم الجنِّ وابنُ محمّدٍ بأسوأ هذا الأمر يلتبسانِ ذُكر ذلك عن عَوانة وهذا خلاف قول الشاعر: من الطويل تشادَقَ حتى مال بالقول شِدقهُ وكلُّ خطيبٍ لا أبا لَكَ أشدق وقال: وقد كان معاوية قد دَعا بهِ في غِلَمةٍ من قريش فلما استنطَقَه قال: إنّ أوَّلَ كلِّ مركبٍ صعب وإنّ مع اليوم غداً وقال له: إلى من أوصى بك أبوك قال: إنَّ أبي أوصَى إليَّ ولم يوصِ بي قال: وبأيِّ شيءٍ أوصاك قال: بألاّ يفقدَ إخوانُه منه إلاّ شَخصَهِ قال: فقال معاوية عند ذلك: إنَّ ابن سعيدٍ هذا لأَشدق فهذا يدلُّ عندهم على أنَّه إنما سمّي بالأشدق لمكان التّشادُق ثم كان بعد عمرو بن سعيد سعيدُ بنُ عمرِو بن سعيدٍ وكان ناسباً خطيباً وأعظمَ الناس كِبراً وقيل له عند الموت: إنّ المريض ليستريح إلى الأنين وإلى أن يصفَ ما به إلى الطبيب فقال: ودخَلَ على عبد الملك مع خطباء قريش وأشرافهم فتكلّموا من قيام وتكلمَ وهو جالس فتبسَّم عبد الملك وقال: لقد رجوتُ عثرتَه ولقد أَحْسَنَ حتَّى خفتُ عْثرتَه فسعيد بن عمرو بن سعيد خطيبٌ ابنُ خطيبٍ ابنِ خطيب ومن الخطباء: سُهيل بن عمرو الأعلمَ أحد بني حِسْل بن مَعِيصَ وكان يُكنَى أبا يزيد وكان عظيم القَدْر شريف النَّفس صحيحَ الإسلام وكان عُمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه انزِعْ ثنيَّتَيهِ السُّْفْلَيين حتى يدلُعَ لسانُه فلا يقوم عليك خطيباً أبداً فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا أمثِّل فيمثِّل اللَّه بي وإن كنتُ نبيّاً دعْهُ يا عمر فعسى أَن يقوم مقاماً تحمدُه فلمَّا هاج أهلُ مكَّة عند الذي بلغَهم مِن وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال: أيُّها الناس إنْ يكن محمّدٌ قد مات فاللَّه حيٌّ لم يمت وقد علمتم أنِّي أكثرُكمْ قَتَباً في بَرٍّ وجاريةً في بحرِ فأقِرُّوا أَميرَكم وأَنا ضامنٌ إن لم يَتِمَّ الأمرُ أَن أَردَّها عليكم فسكن الناس وهو الذي قال يوم خَرَجَ آذنُ عمر وهو بالباب وعُيَينة بن حِصن والأقرع بن حابس وفلانٌ وفلان فقال الآذِن: أَين بلال أَين صُهيب أَين سَلْمان أَين عَمَّار فتمعَّرت وجوهُ القوم فقال سهيل: لِمَ تتمعَّرُ وجوهُكم دُعُوا ودُعينا فأسْرَعُوا وأَبطأْنا ولئن حسدتموهم على باب عمر لَمَا أَعدَّ اللَّه لهم في الجنة أَكثر ومن الخطباء: عبد اللَّه بن عروة بن الزَّبير: قالوا: وكان خالد بن صفوانَ يشبَّه به وما علمتُ أنَّه كان في الخطباء أحدٌ كان أجودَ خُطَباً من خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة للذي يحفظه الناس ويدورُ على ألسنتهم مِن كلامهما وما أعلم أنّ أحداً ولَّد لهما حرفاً واحداً ومن النسّابين من بني العنبر ثم من بني المنذِر: الحنتَفُ بن يزيد نن جَعْوَنَة وهو الذي تعرَّضَ له دَغْفل بن حنظلة العلامة عند ابن عامر بالبصرة فقال له: متَى عهدُكَ بسَجَاحِ أمِّ صادر فقال: ما لي بها عهدٌ منذُ أَضَلَّت أمَّ حِلْسٍ وهي بعض أمّهات دَغْفل فقال له: نَشَدْتُك باللَّه أنحن كُنّا لكم أكَثرَ غزْواً في الجاهلية أم أنتُم لنا قال: بل أنتم فلم تُفلحوا ولم تُنجحوا غزانا فارسكم وسيّدُكم وابنُ سيّدكم فهزمْناه مَرَّةً وأسرناه مرّة وأخذْنا في فدائه خِدرَ أمه وغزَانا أكثرُكُمْ غزواً وأنبهُكُم في ذلك ذكراً فأعرَجْناه ثم أرجَلناه فقال ابن عامر: أسألكما باللَّه لَمَّا كففتُما وكان عبد اللَّه بن عامر ومُصعَب بن الزُّبير يُحِبَّان أن يَعرِفا حالات الناس فكانا يُغْرِيان بين الوجوه وبين العلماء فلا جرَم أنّهما كانا إذا سبَّا أوجعا وكان أبو بكر رحمه اللَّه أنسَبَ هذه الأمَّة ثم معمر ثم جُبير بن مُطعِم ثم سعيد بن المُسَيَّب ثمَّ محمد بن سعيد بن المسيب ومحمدٌ هذا هو الذي نفَى آل عَنْكثة المخزوميِّينِ فرُفع ذلك إلى والي المدينة فجلده الحَدَّ وكان ينشد: من الوافر يعني هُبيرةَ بن أَبي وهبٍ المخزوميّ من النّسابين العلماء: عتبة بن عُمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وكان من ذوي الرَّأْي والدَّهاء وكان ذا منزلةٍ من الحجَّاج بن يوسفَ وعمرُ بن عبد الرحمن خامسُ خمسةٍ في الشَّرف وكان هو الساعيَ بين الأَسْدِ وتميمٍ في الصُّلح ومن بني حُرقوص: شُعبة بن القَلْعَم وكان ذا لسانِ وجوابٍ وعارضة وكان وَصَّافاً فصيحاً وبنوه عبد اللَّه وعُمر وخالد كلُّهم كانوا في هذه الصِّفة غير أنّ خالداً كان قد جمع مع اللَّسن والعلم الحلاوةَ والظَّرف وكان الحجَّاجُ بن يوسف لا يَصبِر عنه ومن بني أُسَيِّد بن عمرو بن تميم أبو بكر بن الحكم كان ناسباً راوية شاعراً وكان أحْلَى النَّاس لساناً وأحسنَهم منطقاً وأكثرَهم تصرُّفاً وهو الذي يقول له رؤبة: لقد خشيتُ أن تكون ساحرَا راوية مَرّاً ومرّاً شاعرَا ومنهم مُعَلَّلُ بن خالد أحد بني أنمار بن الهُجَيم وكان نسَّابة علاّمة راويَةً صَدُوقاً مقلَّد وذُكِر للمنتجِع بن نَبْهانَ فقال: كان لا يجارى ولا يمارى ومنهم من بني العَنْبر ثم من بني عمرو بن جُندب: أبو الخنساء عبّاد بن كُسَيب وكان شاعراً علاّمة وراويةً نسَّابة وكانت له حُرْمَةٌ بأبي جعفرٍ المنصور ومنهم: عمرو بن خَوْلة كان ناسباً خطيباً وراوية فصيحاً من ولد سَعيد بن العاصي والذي أتى سعيد بن المسيَّب ليعلِّمه النّسب هو إسحاق بن يحيى بن طلحة وكان يحيى بن عروة بن الزبير ناسباً عالماً ضربه إبراهيم بن هشام المخزوميُّ والي المدينة حتّى مات لبعض القول وكان مصعبُ بن ثابت بن عبد اللَّه ناسباً عالماً ومن ولده الزُّبيري عامل الرَّشيد على المدينة واليمن ومنهم ثم من قريش: محمد بن حفص وهو ابن عائشة ويكنى أبا بكر وابنه عبيد اللَّه كان يجري مجراه ويكنى أبا عبد الرحمن ومن بني خُزَاعيِّ بن مازن: أبو عمرو وأَبو سفيان ابنا العلاءِ بن عمَّار بن العُريان فأمَّا أبوعمرو فكان أَعْلَمَ الناس بأمور العرب مع صِحَّة سماعٍ وصِدق لسان حدَّثني الأصمعيُّ قال: جلستُ إلى أبي عمرٍو عشرَ حِجَجٍ ما سمعتُه يحتجُّ ببيتٍ إسلاميّ قال: وقالَ مَرّة: لقد كَثر هذا المحدَث وحَسُنَ حَتَّى لقد هَمَمت أن آمر فتيانَنا بروايته يعني شعر جرير والفرزدق وأشباههما وحدَّثني أبو عبيدة قال: كان أبو عمرو أعْلَمَ النّاس بالغريب والعربيّة وبالقُرآن والشِّعر وبأيام العرب وأيّام الناس وكانت دارُه خلفَ دار جعفر بن سليمان قال: وكانت كُتبه التي كَتَبَ عن العرب الفصحاء قد ملأَتْ بيتاً له إلى قريبٍ من السقف ثم إنّه تقرّأ فأحرقها كُلَّها فلمّا رجع بَعدُ إلى علمه الأوّل لم يكن عنده إلاّ ما حفِظه بقلبه وكانت عامّةُ أخباره عن ما زلت أفتحُ أبواباً وأُغلقها حتَّى أتيتُ أبا عمرِو بنَ عمَّارِِ قال: فإذا كان الفرزدق وهو راويَةُ النّاس وشاعرُهم وصاحبُ أخبارهم يقول فيه مثلَ هذا القول فهو الذي لا يُشَكُّ في خطابته وبلاغته وقال يونس: لولا شعر الفرزدق لذهب نِصف أخبار الناس وقال في أبي عمرٍو مكّيُّ بن سَوادة: من البسيط الجامعُ العلمِ ننسَاه ويحفظه والصادقُ القولِ إن أندادُه كذَبُوا وكان أبو سفيانَ بن العلاءِ ناسباً وكلاهما كُناهُما أسماؤهُما وكذلك أبو عمرو بن العلاء بن لَبيد وأبو سفيان بن العلاء بن لَبيد التغلبيّ خليفة عيسى بن شَبيبٍ المازنيّ على شُرَط البصرة وكان عَقيلُ بن أبي طالبٍ ناسباً عالماً بالأمّهات بيِّن اللسان سَديدَ الجواب لا يقوم له أحد وكان أبو الجهم بن حُذيفة العدويّ ناسباً شديد العارضة كثير الذِّكر للأمَّهات بالمَثالب ومن رؤساء النّسَّابين: دَغْفَل بن حنظلة أحد بني عمرو بن شيبان لم يدرك الناس مثلَه لساناً وعِلماً وحِفظاً ومن هذه الطبقة زيد بن الكَيِّس النّمَريُّ ومن نسَّابي كلبٍ: محمّد بن السائب وهشام بن محمد بن السائب وشَرقيُّ ابن القُطَاميّ وكان أعلاهم في العلم ومَن ضُرب به المثل حمّادَ بن بشر وقال سِمَاكٌ العِكرميّ: من الوافر وقد ذكرنا دَغْفَلاً وأخو هلال هو زيد بن الكيِّس وبنو هلالٍ: حيٌّ من النَّمر ابن قاسط وقال مِسكين بن أنَيف الدَارِميّ في ذلك: من البسيط وعند الكيّس النَّمَرِيّ علمٌ ولو أمسى بمنُخَرَق الشَّمالِِ وقال ثابتُ قطنة: من البسيط فما العِضّانِ لو سُئِلا جميعاً أخو بكر وزيدُ بني هلالِ ولا الكلبيُّ حمَّادُ بن بِشرٍ ولا من فَاد في الزمن الخواليِ وقال زيادٌ الأعجم: من الكامل بل لو سألتَ أخا ربيعة دَغفلاً لوجدتَ في شَيبانَ نسبة دَغفلِ إن الأَحاينَ والذين يَلُونهم شَرٌّ الأنام ونَسلُ عبدٍ الأَغْرَلِ يهجو فيها بني الحَبْناء ومنهم: أبو إياسٍ النصري وكان أنسبَ الناس وهوالذي قال: كانوا يقولون: أشعر العرب أبو دُوادٍ الإياديّ وعدِيّ بن زيدٍ العِباديّ وكان أبو نوفل بن أبي عقرب علاّمة ناسباً خطيباً فصيحاً وهو رجلٌ من كنانة أحد بني عُرَيج ومن بني كنانةَ ثم من بني لَيث ثم من بني الشُِّدَّاخِ: يزيد بن بكر بن دأب وكان يزيدُ عالماً ناسباً وراويةً شاعراً وهو القائل: من الكامل وولدَ يزيدُ يحيى وعيسى فعيسى هو الذي يُعْرف في العامَّة بابن دأبٍ وكان من أحسن الناس حديثاً وبياناً وكان شاعراً راوية وكان صاحبَ رسائلَ وخطبٍ وكان يُجِيدُهما جِدّاً ومن آل دأبٍ: حذيفة بن دأبٍ وكان عالماً ناسباً وفي آل دأب علمٌ بالنّسَب والخبر وكان أبو الأسود الدؤلي واسمه ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان خطيباً عالماً وكان قدجمع شِدَّةَ العقل وصواب الرأْي وجودةَ اللسان وقولَ الشِّعرِ والظَّرفَ وهو يُعَدّ في هذه الأصناف وفي الشِّيعة وفي العُرْجان وفي المفاليج وعلى كلِّ شيءٍ من هذا شاهدٌ سيقع في موضعه إن شاء اللَّه تعالَى وقال الخُسُّ لابنته هند: أريد شراءَ فحلٍ لإبلي قالت: إن اشتريتَه فاشتَرِه أسجَح الخدين غائر العينين أرقَبَ أحزَم أعكَى أكْوَمَ: إنْ عُصِيَ غَشَم وإن أُطيع تَجَرْثَم وهي التي قالت لمّا قيل لها: ما حملكِ على أنْ زنيتِ بعبدك قالت: طول السِّواد وقرب الوِساد السِّواد: السِّرار أسجَح: سَهْلٌ واسع يقال: ملكتَ فأسجِحْ أرقَب: غليظ الرَّقبة أحْزَم: منتفخ المَحْزِم أعكى: العُكْوة مَغرِز الوركين في المؤخّر تصفه بشِدَّة الوركين إن عُصَي غَشم: إنْ عصته النَّاقةُ غصبَها نفسَها تجرثَمَ: أي بَقِي مأخوذٌ من الجرثومة وهي الطين والتّرابُ يُجْمَع حول النخلة ليقوِّيَها تصفه بالصَّبْر والقوَّة على الضِّراب أكوَم: عظيم السنام وقال الشاعر: من ويَفهمُ قولَ الحُكل لو أنّ ذرّةً تُساودُ أخرى لم يفته سِوادُها يقال: في لسانه حُكلة إذ كان شديدَ الحُبسة مع لثَغ قالوا: وعاتب هشامُ بن عبد الملك زيدَ بن علي فقال له: بلغني عنك شيءٌ قال: يا أمير المؤمنين أحلف لك قال: وإذا حلفتَ لي أصدِّقك قال: نَعم إنّ اللَّه لم يرفَع أحداً فوقَ أَلاّ يَرضى به ولم يَضع أحداً دون ألاّ يُرضى منه به وكان زِياد بن ظَبْيان التيميّ العائشيّ خطيباً فدخل عليه ابنه عبيد اللَّه وهو يَكيدُ بنفْسه فقال له ألا أُوصِي بك الأمير قال: لا قال: ولم قال: إذا لم يكن للحيِّ إلاّ وصيّة الميِّت فالحيّ هو الميّت وكان عُبيد اللَّه أفتكَ النّاس وأخطبَ الناس وهو الذي أتى باب مالك بن مِسْمَعٍ ومعه نارٌ ليحرِّق عليه دارَه وقد كان نابه أمرٌ فلم يرسلْ إليه قبلَ الناس فأشرف عليه مالك فقال: مهلاً يا أبا مطر فواللَّه إنْ في كنانتي سَهمٌ أنا به أوثقُ منِّي بك قال: وإنك لتعُدُّني في كنانتك فواللِّهِ لو قمت فيها لطُلْتها ولوْ قعدتُ فيها لخرقتُها قال مالك: مهلاً أكثَرَ اللَّه في العشيرة مِثلَك قال: لقد سألْتَ اللَّه شططاً ودخل عُبيد اللَّه على عبد الملك بن مروان بعد أن أتاه برأسِ مصعبِ بن الزُّبير ومعه ناسٌ مِن وجوه بكر بن وائل فأراد أن يقعُدَ معه على سريره فقال له عبد الملك: ما بال الناس يزعُمون أنّك لا تُشبِه أباك قال: واللَّه لأَنَا أشبَهُ بأبي من اللّيل بالليل والغرابِ بالغراب والماءِ بالماء ولكن إنْ شئت أنبأتُك بمن لا يُشْبه أباه قال: ومن ذاك قال: مَن لم يولد لِتَمام ولم تُنْضِجه الأرحام ومَن لم يشْبه الأخوالَ والأعمام قال: ومَن ذاك قال: ابنُ عمِّي سُويد بن منجوف قال عبد الملك: أَوَ كذلك أنت يا سُويد قال: نعم فلما خرجا من عنده أقبَلَ عليه سويدٌ فقال: وَرِيَت بك زنادي واللَّه ما يسرُّني أنك كنتَ نقصتَه حرفاً واحداً ممّا قلتَ له وأَنّ لي حَمْرَ النَّعمَ قال: وأنا واللَّه ما يسرُّني بحِلمك اليومَ عنِّي سُودُ النّعمَ قال: وأتى عُبيد اللَّه عتّابَ بنَ ورقاء وعتّابٌ على أصبهان فأعطاه عشرين ألفَ درهم فقال: واللَّه ما أحسنْتَ فأحمدَك ولا أسأتَ فأذمَّك وإنك لأقرَبُ البعداء وأبعد القُرَباء قال: وقال أشيَمُ بن شَقيق بن ثور لعُبيد اللَّه بن زياد بن ظَبْيان: ما أنت قائلٌ لربِّك وقد حملْتَ رأس مصعبِ بن الزُّبير إلى عبد الملك بن مروان قال: اسكُت فأنت يوم القيامة أخطبُ من صعصعة بن صُوحان إذا تكلّمت الخوارج فما ظنُّكَ ببلاغةِ رجلٍ عبيدُ اللَّه بن زيادٍ يضرِب به المثل وإنما أردنا بهذا الحديث خاصّةً الدلالةَ على تقديم صعصعة بن صُوحان في الخطب وأدَلُّ من كلِّ دلالةٍ استنطاق عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه له كان عُثمان بن عُروة أخطَبَ الناس وهو الذي قال: الشكر وإنْ قلَّ ثمنٌ لكلِّ نوالٍ وإن جَلَّ وكان ثابتُ بن عبد اللَّه بن الزبير مِن أَبْيَن الناس ولم يكن خطيباً وكان قَسامة بن زُهَير أَحد بني رِزام بن مازن مع نُسْكه وزُهده ومنطقه مِن أبْيَن النّاس وكان يُعدَل بعامرِ بن عبد قيسٍ في زهده ومنطقه وهو الذي قال: رَوِّحوا هذه القلوب تَعِ الذِّكْر وهو الذي قال: يا معشرَ الناس إنّ كلامَكم أَكثرُ من صمتكم فاستعِينوا على الكلام بالصَّمت وعلى الصواب بالفكر وهو الذي كان رسولَ عُمرَ في البحث عن شأن المغيرة وشهادة أبي بَكْرة وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيباً شاعراً وفصيحاً جامعاً وجيِّدَ الرَّأَي كثيرَ الأدب وكان أول من ترجم كتب النُّجوم والطِّبّ والكيمياء ومن خطباء قريش: خالد بن سلمة المخزومي وهو ذو الشّفة وقال الشاعر في ذلك: من المتقارب فما كان قائلَهم دَغْفَلٌ ولا الحَيقَطانُ ولا ذو الشَّفَهْ ومن خُطباء العرب: عُطارِد بن حاجب بن زُرارة وهو كان الخطيبَ عند النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال فيه الفرزدق بن غالب: من الطويل ومِنّا خطيب لا يُعابُ وحاملٌ أَغرُّ إذا التفّت عليه المجامع ومن الخطباء: عون بن عبد اللَّه بن عُتبة بن مسعود وكان مع ذلك راوية ناسباً شاعراً ولما وأولَ ما نفارِق غيرَ شكٍّ نُفارق ما يقول المرجِئونا وقالوا: مؤمنٌ من أهل جَور وليس المؤمنون بجائرينا وقالوا: مؤمن دمُه حلالٌ وقد حَرُمت دماءُ المؤمنينا وكان حين هربَ إلى محمّد بن مروانِ في فَلِّ ابنِ الأشعَثِ ألزمه ابنَه يؤدِّبه ويقوِّمه فقال له يوماً: كيف ترى ابنَ أخيك قال: ألزمْتَني رجُلاً إن غبتُ عنه عَتَب وإنْ أتيتُه حُجِبَ وإن عاتبتُه غضب ثم لزم عمرَ بنَ عبد العزيز وكان ذا منزلةٍ منه قالوا: وله يقول جرير: من البسيط يا أيُّها الرَّجلُ المرخي عمامتَه هذا زمانكُ إنِّي قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنتَ لاقِيَهُ أنِّي لدَى الباب كالمصفود في قَرَنِ وقد رآك وُفُود الخافقَين معاً ومُذْ وَليتَ أمورَ النّاس لم تَرَني وكان الجارود بن أبي سبرة ويكنى أبا نوفل من أبْيَن النّاس وأحسنهِم حديثاً وكان راويةً علاّمةً شاعراً مُفْلِقاً وكان من رجال الشِّيعة ولما استنطَقَه الحجَّاجُ قال: ما ظننتُ أن بالعراق مثلَ هذا وكان يقول: ما أمكنني والٍ قطُّ من إذْنه إلاّغلبتُ عليه ما خلا هذا اليهوديّ - يعني بلالَ بن أبي بُردةِ - وكان عليه متحامِلاً فلما بلَغَه أنه دُهِقَ حتى دُقَّت ساقهِ وجُعِل الوتَر في خُصيَيْه أنشأ يقول: من الطويل بَخِلْتَ وراجعتَ الخيانةَ والخنا فيَسّرك اللَّه المقدَّسُ للعُسْرَى فما جِذْعِ سَوءٍ خرَّبَ السُّوسُ جَوفَه يُعالُجه النَّجَّار يُبرَى كما تُبرَى وإنَّما ذكر الخُصية اليسرى لأنَّ العامَّة تقول: إن الولد منها يكون ومن الخُطباء الذين لا يُضاهَون ولا يُجارَون: عبد اللَّه بن عبَّاس قالوا: خطبَنا بمكة وعثمانُ محاصَرٌ خُطبةً لو شهدَتْها التُّركُ والدَّيلمُ لأسَلمَتا قال: وذكره حسَّانُ بن ثابت فقال: من الطويل إذا قال لم يترك مقالاً لقائل بملتقَطاتٍ لا تَرى بينها فَضْلا كفَى وشفى ما في النفوس ولم يَدَعْ لذي إرْبةٍ في القولِ جِدّاً ولا هزلا سموتَ إلى العَليا بغير مَشقّة فنلت ذُراها لا دَنيّاً ولا وَغْلا وقال الحسنُ: كان عبدُ اللَّه بنُ عبّاسٍ أوَّلَ من عَرَّف بالبصرة صعِد المنبر فقرأ البقَرة وآل عمران ففسَّرهما حرفاً حرفاً وكان واللَّه مِثَجّاً يَسِيل غَرْباً وكان يسمَّى البَحر وحَبر قُريش وقال فيه النبيّ: اللهُمَّ فقِّهه في الدِّين وعلِّمْه التأويل وقال عمر: غُضْ غَوَّاصُ ونظر إليه يتكلم فقال: شِنشِنَةٌ أعرِفها من أخزمِ الشعر لأبي أخزَمَ الطائي وهو جَد أبي حاتم طيّئ أو جدُّ جدّه وكان له ابنٌ يقال له أخزَم إنّ بَنِيَّ رَمَّلوني بالدَّمِ شِنْشِنة أعرفُها من أخْزَمِِ أي إنّهم أشبَهوا أباهم في طبيعته وخلُقه وأحسبه كان به عاقّاً هكذا ذكر ابنُ الكلبيّ والشِّنشِنة مثل الطبيعة والسجيَّة فأراد عمرُ رحمه اللَّه إنِّي أعرف فيك مَشابِهَ من أبيك في رأيه وعقله ويقال: إنّه لم يكن لقرشيٍّ مثلَُ رأي العبَّاس ومن خُطباء بني هاشم أيضاً: داود بن عليِّ ويكنَى أبا سليمان وكان أنطَقَ النَّاسِ وأجودَهم ارتجالاً واقتضاباً للقول ويقال: إنّه لم يتقدَّم في تحبير خطبةٍ قطُّ وله كلامٌ كثير معروف محفوظ فمن ذلك خطبته على أَهل مكّة: شكراً شكراً أَمَا واللَّه ما خرجْنا لنحتَفِر فيكم نهراً ولا لنبنيَ فيكم قصراً أَظَنَّ عدوُّ اللَّه أَنْ لن نَظفَر به أَنْ أُرْخِي له في زمَامِه حتى عثَر في فضل خِطَامِه فالآن عاد الأمر في نِصابه وطَلعت الشَّمسُ من مطلعِها والآنَ أَخَذَ القوسَ بارِيها وعادت النَّبلُ إلى النَّزَعة ورجع الحقُّ إلى مستقَرّه في أهل بيت نبيِّكم: أهلِ بيت الرَّأفة والرحمة ومن خطباء بني هاشم: عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن وهو القائل لابنه إبراهيم أو محمد: أي بُنَيَّ إني مؤدٍّ إليك حقَّ اللَّه في تأديبك فأدِّ إليَّ حقَّ اللّه في حسن الاستماع أي بُنَيَّ كُفَّ الأذَى وارفُض البَذَا واستعِنْ على الكلام بطُول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسُك فيها إلى القول فإنّ للقول ساعاتٍ يضُّر فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب واحذَرْ مَشورةَ الجاهل وإن كان ناصحاً كما تحذر مشورةَ العاقل إذا كان غاشّاً يوشك أن يورّطَاك بمشورتهما فيسبقَ إليك مَكرُ العاقل وغَرارة الجاهل قال الحسن بن خليل: كان المأمون قد استثقل سهلَ بن هارون فدخل عليه سهلٌ يوماً والنّاسُ عندَه عَلَى منازلهم فتكلَّم المأمونُ بكلامٍ فذهَبَ فيه كلَّ مذهب فلمَّا فرغ المأمون من كلامه أقبل سهلُ بن هاروَن عَلَى على ذلك الجمعِ فقال: ما لَكم تسمعون ولا تَعُون وتشاهدون ولا تَفْقَهُونَ وتنظرون ولا تُبصِرون واللَّه إنّه ليَفعلُ ويقول في اليوم القصير مثلَ ما فعل بنو مروان وقالوا في الدَّهر الطويل عَرَبُكم كعجمهم وعجمكُم كعَبيدهم ولكن كيفَ يعرف الدّواء مَن لا يشعر بالدَّاء قال: فرجع له المأمون بعد ذلك إلى الرَّأي الأوَّل ومن خطباء بني هاشم ثم من ولد جعفر بن سليمان: سليمان بن جعفر والي مَكّة قال المكّيّ: سمعتُ مشايخَنا من أهل مكّة يقولون: إنّه لم يَرِدْ عليهم أميرٌ منذُ عقَلوا الكلام إلاّ وسليمانُ أبيَنُ منه قادعاً وأخطَبُ منه قائماً وكان داودُ بن جعفرٍ إذا خطبَ اسحنْفَرَ فلم يردَّه شيء وكان في لسانه شبيهٌ بالرُّثّة وكان أيّوبُ فوقَ داودَ في الكلام والبيان ولم تكن له مقاماتُ داودَ في الخُطَب وقال إسحاق بن عيسى لداودَ بن جعفر: بلغني أنّ معاوية قال للنخّار بن أوس: ابْغِنِي محدِّثاًِ قال: ومعي يا أمير المؤمنين تَريد محدِّثاً قال: نعم أستريح منك إليه ومنه إليك وأنا لا أستريح إلى غير حديثك ولا يكون صمتُك في حالٍ من الحالات أوفَقَ لي من كلامك وكان إسماعيل بن جعفر من أرقِّ الناس لساناً وأحسنِهم بياناً ومن خطباء بني هاشم: جعفر بن حسن بن الحسن بن علي وكان أحَدَ من ينازع زيداً في الوصية فكان النّاس يجتمعون ليسمعوا مجاوباتِهما فقط وجماعةٌ من ولد العبّاس في عصرٍ واحد لم يكن لهم نُظَراءُ في أصالة الرأي وفي الكمال والجلالة وفي العلم بقريشٍ والدّولة وبرجال الدّعوة مع البيان العجيب والغَور البَعيد والنفوس الشريفة والأقدار الرفيعة وكانوا فوقَ الخطباء وفوق أصحاب الأخبار وكانوا يَجِلُّون عن هذه الأسماء إلا أن يصِفَ الواصفُ بعضَهم ببعضِ ذلك منهم عبد الملك بن صالح قال: وسأله الرّشيدُ وسليمانُ بن أبي جعفرٍ وعيسى بن جعفرٍ شاهدان فقال له: كيف رأيتَ أرضَ كذا وكذا قال: مَسافي رِيح ومنابت شِيح قال: فأرضَ كذا وكذا قال: هضابٌ حُمْر وبِراث عُفْر قال: حتَّى أتى على جميع ما أراد قال: فقال عيسى لسليمان: واللَّه ما ينبغي لنا أن نَرضى لأنفسنا بالدُّون من الكلام الهَضْبة: الجبل يَنبسط على الأرض وجمعها هَضْبٌ والبِرَاثُ: الأماكن الليِّنة السهلة واحدها بَرْثٌ وقوله عُفرٌ أي حمرتُها كحمرة التُّراب والظبي الأعفر: الأحمر لأنّ حمرتَه كذلك: والعَفَر والعَفْر: التُّراب ومنه قيل: ضَربه حَتَّى عفّره أي ألحقه بالتَّراب ومن هؤلاء: عبد اللَّه بن صالح والعباس بن محمد وإسحاق بن عيسى وإسحاق بن سليمان وأيوب بن جعفر هؤلاء كانوا أعلَمَ بقريش وبالدّولة وبرجال الدعوة من المعروفين برواية الأخبار وكان إبراهيم بن السِّنْدِيّ يحدّثني عن هؤلاء بشيءٍ هو خلافُ ما في كتب الهيثم بن عديِّ وابن الكلبيّ وإذا سمعتَه علمتَ أنّه ليس من المؤلَّف المزوَّر وكان عبد اللَّه بن عليّ وداود بن عليّ يُعدَلان بأُمَّةٍ من الأمم ومن مواليهم: إبراهيم ونصر ابنا السّنديِّ فأمَّا نصرٌ فكان صاحبَ أخبارٍ وأحاديثَ وكان لا يعدو حديثَ ابنِ الكلبيّ والهيثمِ بن عدي وأمَّا إبراهيم فإنَّه كان رجلاً لا نظير له: كان خطيباً وكان ناسباً وكان فقيهاً وكان نحويّاً عَروضيّاً وحافظاً للحديث روايةً للشعر شاعراً وكان فَخمَ الألفاظ شريفَ المعاني وكان كاتب القَلَم كاتب العمَل وكان يتكلم بكلام رؤبة ويعمل في الخَراج بعمل زَاذَانَ فَرُّوخَ الأعور وكان منجِّماً طبيباً وكان من رؤساء المتكلِّمين وعالماً بالدولة وبرجال الدَّعوة وكان أحفَظَ الناس لما سمِع وأقلَّهم نوماً وأصبَرَهم عَلَى السَّهر ومن خطباء تميم: جَحْدَب وكان خطيباً راوية وكان قضى على جريرٍ في بعض مذاهبه فقال قَبَح الإله ولا يقبِّح غيرَه بَظْراً تفلّق عن مفارق جَحدبِ وهو الذي كان لقيه خالدُ بن سلمة المخزوميَّ الخطيب الناسب فقال: واللَّه ما أنتَ من حنظلةَ الأكرمِين ولا سعدٍ الأكثرين ولا عمرٍو الأشَدّين وما في تميمٍ خيرٌ بعد هؤلاء فقال له جَحْدَب: واللَّه إنّك لمن قريش وما أنت من بيتها ولا نُبُوَّتها ولا من شُورَاها وخلافتها ولا من أهل سِدَانَتِها وسِقايتها وهو شبيهٌ بما قال خالدُ بن صفوان للعبدريّ فإنه قال له: هَشَمتك هاشم وأمَّتْك أُمَيّة وخزمتْك مخزوم وأنت من عَبد دارها ومنتهى عارها تَفتح لها الأبواب إذا أقبلَتْ وتُغلقها إذا أدبرت ومن ولَد المنذر: عبدُ اللَّه بن شُبرُمة بن طُفيل بن هُبيرة بن المنذر وكان فقيهاً عالماً قاضياً كان راويةً شاعراً وكان خطيباً ناسباً وكان لاجتماع هذه الخصال فيه يُشبَّه بعامرٍ الشَّعبيّ وكان يُكْنى أبا شُبرُمة وقال يحيى بن نوفلٍ فيه: لما سألتُ النّاسَ أين المَكرُمَهْ والعِزُّ والجُرثومةُ المُقَدَّمه وأين فاروقُ الأمورِ المحكَمهْ تَتَابَعَ النّاسُ على ابن شُبرُمَه وابن شُبرمة الذي يقول في ابن أبي ليلى: من المتقارب وكيف تُرجَّى لفَصل القضاء ولم تُصِبِ الحُكم في نفسكا قال: وقال رجلٌ من فقهاء المدينَة: مِن عندنا خرجَ العلم قال: فقال ابن شبرمة: نَعم ثم لم يَرجعْ إليكم قال: وقال عيسى بن موسى: دُلُّوني على رجلٍ أولِّيه مكانَ كذا وكذا فقال ابن شبرمة: أصلح اللَّه الأمير هل لك في رجلٍ إنْ دعوتموه أجابكم وإن تركتموهُ لم يأتكم ليس بالمُلحِّ طلباً ولابالمُمْعن هرباً وسُئِل عن رجلٍ فقال: إنَّ له شَرَفاً وبيتاً وقَدَماً فنظروا فإذا هو ساقط من السِّفلة فقيل له في ذلك فقال: ما كذبتُ شرَفه أُذُناه وقدمُه التي يمشي عليها ولا بدَّ من أن يكون له بيتٌ يأوي إليه قال أبو إسحاق: قد لعمري كَذَب إنما هو كقول القائل حين سأله بعضُ من أراد تزويج حُرمته عن رجل فقال: هو يبيع الدّوابّ فلما نظروا في أمره وجدوه يبيع السنانير فلما سئل عن ذلك قال: ما كذبتُ لأنّ السّنَّور دابّة قال أبو إسحاق: بل لعمري لقد كذب هذا مثل قول القائل حين سُئل عن رجلٍ في تزويج امرأة فقال: رزين المجلس نافذ الطّعنة فحسِبوه سيِّداً فارساً فنظروا فوجوده خَيّاطاً فسئل عن ذلك فقال: ما كذبت إنّه لَطَويلُ الجلوس جيَّد الطعن بالإبرة قال أبو إسحاق: بل لعمري لقد كذب لأنّه قد غرّهم منه وكذلك لو سأله رجل عن رجل يريد أن يُسْلفه مالاً عظيماً فقال: هو يملك مالاً ما كان يبيعه بمائة ألف ومائة ألف فلمّا بايعه الرجل وجده مُعْدِماً ضعيف الحيلة فلما قيل له في ذلك قال: ما كذبت لأنه يملك عينيه وأذنيه وأنفه وشفتيه ويديه حتى عدَّ جميع أعضائه وجوارحه ومَن قال للمستشير هذا القولَ فقد غرّه وذلك ما لا يحلَّ في دين ولا يحسُن في الحُرِّيَة وهذا القول معصيةٌ للَّه والمعصيةُ لا تكون صِدقاً وأدنَى منازلِ هذا الخبرِ أن لا يُسمَّى صدقاً فأمَّا التسمية له بالكذب فإن فيها كلاماً يطول ومن الخطباء المشهورين في العوامّ والمقدّمين في الخواص: خالد بن صفوان الأهتميّ زعموا جميعاً أنه كان عند أبي العباس أمير المؤمنين وكان من سمّارِه وأهل المنزلة عنده ففخَر عليه ناسٌ من بَلْحارِث بن كعب وأكثروا في القول فقال أبو العباس: لِمَ لا تتكلَّم يا خالد فقال: أخوال أمير المؤمنين وأهلُه قال: فأنتم أعمام أميرالمؤمنين وعَصبَتُه فقُلْ قال خالد: وما عَسى أن أقولَ لقومٍ كانوا بين ناسِجِ بُردٍ ودابغ جِلدٍ وسائِس قرد وراكب عَرْدٍ دلّ عليهم هُدهدٌ وغرَّقتهم فأرة ومَلَكتهم امرأَة فلئن كان خالدٌ قد فكَّر وتدبّر هذا الكلامَ إنه للرَّاوية الحافظ والمؤلِّف المُجيد ولئن كان هذا شيئاً حَضَرَه حين حُرِّك وبُسِط فما لَهُ نظيرٌ في الدنيا فتأمّلْ هذا الكلامَ فإنك ستجده مليحاً مقبولاً وعظيمَ القَدْر جليلاً ولو خَطب اليمانيُّ بلسان سحبانِ وائل حَوْلاً كَرِيتاً ثمَّ صُكّ بهذه الفَقرة ما قامت له قائمة وكان أذكَرَ النَّاس لأوّل كلامه وأحفظَهم لكلِّ شيء سَلَف من منطقه وقال مكّيّ بنُ سَوادةَ في صفته له: من الطويل عليمٌ بتنزيل الكلام ملقَّنٌ ذكورٌ لما سَدّاه أوَّلَ أوَّلا ترى خُطباءَ النّاس يوم ارتجاله كأنَّهم الكِرْوانُ عايَنَّ أجْدَلا الكِرْوان: جمع كَرَوان وهو ذكر الحُبارَى والأجدل: الصَّقْر وكان يقارض شبيب بنَ شيبة لاجتماعهما على القرابة والمجاورة والصِّناعة فذكِر شبيبٌ مرَّةً عنده فقال: ليس له صديق في السِّرّ ولا عدُوٌّ في العلانية وهذا كلامٌ ليس يعرِف قدْرَه إلاّ الرّاسخون في هذه الصناعة وكان خالدٌ جميلاً ولم يكُنْ بالطّويل فقالت له امرأتُه: إنّك لجميلٌ يا أبا صفوان قال: وكيف تقولين هذا وما فيَّ عمود الجمال ولا رداؤه ولا بُرنُسه فقيل له: ما عَمود الجمال فقال: الطُّول ولستُ بطويل ورداؤه البياض ولست بأبيض وبرنسه سواد الشّعر وأنا أشمط ولكن قُولي: إنَك لمليح ظريف وخالدٌ يعد في الصُّلْعان ولكلام خالدٍ كتابٌ يدور في أيدي الورَّاقين وكان الأزهر بن عبد الحارث بن ضِرار بن عمرٍو الضبيّ عالماً ناسباً ومن خطباء بني ضَبّة: حنظلة بن ضِرار وقد أدرك الإسلام وطال عُمره حتَّى أدرَك يومَ الجمل وقيل له: ما بَقيَ منك قال: أذكر القَديم وأنْسَى الحديث وآرَقُ باللّيل وأنامُ وسْطَ القوم ومن خطباء بني ضبة وعلمائهم: مَثجُور بن غَيْلان بن خَرَشَةَ وكان مقدَّماً في المنطق وهو الذي كتب إلى الحجاج: إنّهم قد عَرَضوا عليّ الذَّهبَ والفِضّة فما ترى أن آخُذَ قال: أرى أن تأخذ الذّهَب فذهب عنه هارباً ثم قتله بَعدُ وذكره القُلاخُ بن حَزنٍ المِنْقَرِي فقال: من أمْثالُ مَثجورٍ قليلٌ ومِثلُه فَتى الصِّدق إن صَفّقته كِل مَصْفَق وما كنتُ أشرِيه بدُنْيا عريضةٍ ولا بابنِ خال بين غربٍ ومَشرقِ إذا قال بَذّ القائلين مقالُهُ ويأخُذُ من أكفائِهِ بالمُخَنَّقِ ومن الخطباء الخوارج قَطَرِيُّ بنُ الفجاءةِ وله خطبةٌ طويلة مشهورة وكلامٌ كثير محفوظ وكانت له كنيتان: كنية في السَّلم وهي أبو محمد وكنية في الحرب وهي أبو نعامة وكانت كنية عامر بن الطُّفَيل في الحرب غير كُنيته في السلم: كان يكنى في الحرب بأبي عَقيل وفي السَّلم بأبي عليّ وكان يزيد بنُ مَزْيدٍ يُكَنى في السَِّلم بأبي خالد وفي الحرب بأبى الزُّبير وقال مُسلم بن الوليد الأنصاريّ: من الكامل لولا سيوفُ أبي الزبير وخيلُه نشَرَ الوليد بسيفه الضَّحّاكا وفيه يقول: من البسيط لولا يزيدُ وأيامٌ لهُ سلفت عاشَ الوليد مع العاوين أعواماً سَلّ الخليفةُ سيفاً من بني مَطَرٍ يَمضِي فيَخترق الأجسامَ والهاما إذا الخِلافَةُ عُدَّتْ كنتَ أنت لها عِزّاً وكانَ بنو العباس حُكّاما ألا تراه قد ذكَر قَتْلَ الوليد وقد كان خالدُ بن يزيدَ اكتَنى بها في الحرب في بعض أيامه بمصر وهذا البابُ مستقصىً مع غيره في أبواب الكُنَى والأسماء وهو واردٌ عليكم إن شاء اللَّه ومن خطباء الخوارج: ابن صُدَيقة وهو القاسم بن عبد الرحمن بن صُدَيقة وكان صُفْرِيّاً وكان خطيباً ناسباً ويَشُوب ذلك ببعض الظَّرف والهَزل ومن علماء الخوارج: شُبَيْل بن عَزْرَة الصَبعيَّ صاحب الغريب وكانَ راوِيةً خطيباً وشاعراً ناسباً وكان سبعين سنةً رافضيّاً ثم انتقل خارِجياً صُفْرِيّاً ومن علماء الخوارج: الضَّحاك بن قيس الشَّيباني ويكنى أبا سَعيد وهو الذي مَلكَ العراق وسار في خمسين ألفاً وبايعه عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام وصَلَّيا خلفه وقال شاعرهم: من الطويل ألم تَرَ أنَّ اللَّه أظهر دينه وصَلّت قريشٌ خلَف بكر بن وائل وكان ابن عطاء الليثي يسامر الرشيد وكان صاحبَ أخبار وأسمار وعلمٍ بالأنساب وكان أظْرَفَ الناس وأَحلاهم وكان عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عامر بن كُرَيْز راويةً ناسباً وعالماً بالعربيّة فصيحاً وكان عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر مِن أبْيَن النَّاس وأفصحِهم وكان مَسلَمة ابن عبد الملك يقول: إنِّي لأُنَحِّي كَورَ العِمامة عن أُذُنِي لأسمعَ كلام عبِد الأعلى وكانوا يقولون: أشبه قريش نَغْمَةً وجهارة بعمرو بن سَعيد عبدُ الأعلى بن عبد اللّه بن عامر قال: وقال بعضُ الأمراء - وأظنُّه بلالَ بنَ أبي بُردة - لأبي نوفلٍ الجارودِ بن أبي سَبْرة: ماذا تصنعون عند عبد الأعلى إذا كنتم عِنده قال: يشاهدنا بأحسن استماع وأطْيَب حديث ثم يأتي الطبّاخ فيمثُل بين يدَيه فيقول: ما عندك فيقول: عندي لونٌ كذا وجديٌّ كذا ودَجاجةٌ كذا ومن الحلواءِ كذا قال: ولِمَ يَسألُ عن ذلك قال: ليُقْصِرَ كلُّ رجلٍ عمّا لا يشتهى حتّى يأتيَه ما يشتهي ثمَّ يأتون بالخِوان فيتضايق ونَتّسع ويقصِّر ونجتهد فإذا شبعنا خَوَّى تخوية الظَّليمَِّ ثم أقبَلَ يأكل أكلَ الجائع المقرور قال: والجارود هو الذي قال: سوءُ الخُلق يُفسِد العمل كما يفسد الخَلُّ العسل وهو الذي قال: عليكم بالمِرْبَد فإنه يطرد الفِكَر ويجلو البَصَر ويجلب الخَبَر ويجمع بين ربيعة ومُضَر قال: وصعِد عثمانُ المنبر فأُرتِجَ عليه فقال: إنَ أبا بكرٍ وعُمر كانا يُعِدَّان لهذا المقام مقالاً وأنتم إلى إمامٍ عادلٍ أحوَجُ منكم إلى إمامٍ خطيب وستأتيكم الخُطَب على وجهها وتعلمون إن شاء اللَّه قال: وشخص يزيدُ عمرَ بنِ هبيرةَ إلى هشام بن عبد الملك فتكلمَ فقال هشام: ما مات مَن خَلّف هذا فقال الأبرش الكلبيّ: ليس هناك أَمَا تراه يَرشَح جبينُه لِضيق صدرِه قال يزيد: ما لذلك رَشَح ولكنْ لجلوسك في هذا الموضع وكان الأبرشُ ثَلابة نسَّابة وكان مصاحباً لهشامِ بن عبد الملك فلمَّا أفضت إليه الخلافةُ سجد وسجد من كان عنده من جُلسائه والأبرش شاهدٌ لم يسجُد فقال له: ما مَنَعكَ أن تسجُدَ يا أبرش قال: ولِمَ أسجُدُ وأنت اليومَ معي ماشياً وغداً فوقى طائراً قال: فإن طرتُ بك معي قال: أتُراك فاعلاً قال: نَعَم قال: فالآنَ طاب السُّجود قال: ودخل يزيدُ بن عمر على المنصور وهو يومئذ أميرٌ فقال: يا أيُّها الأمير إنّ عهدَ اللَّه لا يُنكَث وعَقدَه لا يُحلُّ وإنّ إمارتَكم بكرٌ فأذِيقُوا الناسَ حلاوتَها وجنِّبوهم مرارتها قال سهلُ بن هارون: دخل قُطربٌ النحويُّ على المخلوع فقال: يا أمير المؤمنين كانت عِدَتُك أرفَعَ من جائزتك - وهو يتبسّم - قال سهل: فاغتاظ الفضلُ ابن الربيع فقلت له: إن هذا من الحَصَر والضّعف وليس هذا من الجلَد والقوة أما تراه يَفْتِل أصابعَه ويرشَح جبينُه قال: وقال عبدُ الملك لخالد بن سلَمة المخزوميّ: مَن أخطَبُ الناس قال: أنا قال: ثمّ من قال: سيّد جُذَام - يعني رَوْح بن زِنباع - قال: ثم من قال: أُخَيفِش ثَقيف - يعني الحَجَّاج - قال: ثم من قال: أمير المؤمنين قال: ويحكَ جعلتَني رابع أربعةٍ قال: نَعَم هو ما سمعت ومن خطباء الخوارج وعُلمائهم ورؤسائهم في الفُتْيا وشعرائهم ورؤساء قَعَدِهم: عِمران بن حِطّان ومن علمائهم وشعرائهم وخُطبائهم: حَبيبُ بنُ خُدْرَةَ الهلاليّ وعداده في بني شيبان وممن كان يرى رأي الخوارج: أبو عبيدة النحويّ مَعْمَر بن المثنَّى مولى تيم ابن مُرَّة ولم يكن في الأرض خارجيٌّ ولا جَماعيٌّ أعلمَ بجميع العلم منه وممن كان يرى رأيَ الخوارج: الهيثم بن عديّ الطائيّ ثم البحتريّ وممن كان يرى رأى الخوارج: شُعيب بن رِئاب الحنفي أبو بكّار صاحب أحمد بن أبي خالد ومحمد بن حسان السَّكْسَكيّ ومن الخوارج مِن علمائهم ورؤسائهم: مسلم بن كُورِين وكنيته أبو عبيدة وكان إباضيّاً ومن علماءِ الصُّفْرية وممن كان مَقنعاً في الأخبار لأصحاب الخوارج والجماعة جميعاً: مُلَيْل وأظنُّه من بني تغلب ومن أهل هذه الصفَة: أصفر بن عبد الرحمن من أخوال طَوق ابن مالك ومن خطبائهم وفقهائهم وعلمائهم: المقَعْطَِل قاضي عسكر الأزارقة أيام قَطَريّ ومن شعرائهم ورؤسائهم وخطبائهم: عَبيد بن هلال اليشكري وكان في بني السّمِين من بني شيبان خطباءُ العرب وكان ذلك فيهم فاشياً ولذلك قال الأخطل: من الطويل فأيْنَ السَّمينُ لا يقومُ خطيبُها أين ابن ذي الجَدَّينِ لا يتكلمَُِّ وقال سُحيم بن حفص: كان يزيد بن عبد اللَّه بن رؤيم الشيبانّي من أخطب الناس خطب عند يزيد بن الوليد فأمَرَ للناس بعطاءين ومن الخطباء مَعبد بن طَوقٍ العنبريّ دخل على بعض الأمراء فتكلَّم وهو قائمٌ فأحسن فلمَّا جلس تتعتَع في كلامه فقال له: ما أظرفَكَ قائماً وأمْوَقَك قاعداً قال: إني إذا قمت جَدَدت وإذا قعدتُ هَزَلت قال: ما أحسَنَ ما خرجتَ منها ومن خطباء عبد القيس: مَصقلة بن رقَبة ورقبة بن مَصقْلة وكرب بن رقبة والعرب تذكر مِن خطب العرب العجوز وهي خطبةٌ لآلِ رَقَبة ومَتى تكلُّموا فلا بدَّ لهم منها أو من بعضها والعذراء وهي خطبة قيس بن خارجة لأنّه كان أبا عُذْرها والشَّوهاء وهي خطبة سحبانِ وائل وقيل لها ذلك من حسْنها وذلك أنَّه خَطَب بها عند معاوية فلم ينشد شاعرٌ ولم يَخطُبْ خطيبٌ وكان ابن عَمّار الطائيُّ خطيبَ مَذحجَ كلِّها فبلغ النّعمانَ حسنُ حديثه فحمله على منادمته وكان النعمان أحمر العينين أحمر الجِلد أحمر الشّعْر وكان شديد العَربدة قَتَّالاً للندماء فنهاه أبو قُرْدُودةَ الطائيُّ عن منادمته فلما قتله رثاه فقال: من البسيط إنِّي نهيتُ ابنَ عمَّارٍ وقلتُ له: لا تأمنَنْ أحمَرَ العينينِ والشَّعَرَه إنّ الملوكَ مَتَى تنزِلْ بساحَتهِمْ تَطرْ بنارك مِن نيرانهم شَرَرَه يا جفنةً كإزاء الحَوْضِ قد هدَموا ومنطِقاً مثلَ وشي اليَمْنة الحِبَره قال الأصمعيّ: وهو كقوله: ومنطقٍ خُرِّق بالعَوَاسل لَذٍّ كَوَشي اليَمنْة المَرَاحِلِ قال: وسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمَرو بن الأهتم عن الزِّبرقان بن بدر فقال: إنّه لمانع لحَوْزته مطاع في أدْنَيْهِ قال الزِّبرقان: إنّه يا رسول اللَّه لَيعلمُ منِّي أكثَرَ ممّا قال ولكنه حَسَدني شَرفِي فقصَّرَ بي قال عَمروٌ: هو واللّه زَمِرُ المروءة ضيِّق العَطَن لئيم الخال فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه فقال: يا رسول اللّه رضيتُ فقلتُ أحسَنَ ما علمت وغضِبْت فقلتُ أقبَحَ ما علمت وما كذبْتُ في الأولى ولقد صدقْتُ في الآخِرة فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ من البيان لسحراً قال: وتكلَّم رجلٌ في حاجة عند عمرَ بن عبد العزيز وكانت حاجتُه في قضائها مشقّة فتكلّم الرجُلُ بكلامٍ رقيق موجَز وتَأَتَّى لها فقال عُمر: واللّه إنّ هذا لَلسِّحرُ الحلال ومن أصحاب الأخبار والآثار أبو بكر بنُ عبد اللَّه بن محمد بن أبي سَبْرة وكان القاضيَ قَبْلَ أبي يوسف ومن أصحاب الأخبار: أَبو هُنَيدة وأبو نَعَامة والعَدَويّان ومن الخطباء: أيُّوب بن القِرِّيَّة وهو الذي لما دخل على الحجاج قال له: ما أعددت لهذا الموقف قال: ثلاثة حروف كأنَّهنّ ركبٌ وقوف: دُنْيا وآخرةٌ ومعروف ثم قال له في بعض القَول: أقِلْني عَثرتي وأسِغْني ريقِي فإنه لا بُدَّ للجواد من كَبوة وللسَّيف من نَبْوة وللحليم مِن هفوة قال: كَلاّ واللَّه حتّى أُورِدَكَ نارَ جهنّم ألستَ القائل برُسْتَقاباد: تغَدَّوُا الجَدْيَ قبل أن يَتعشَّاكم قال: ومن خطباء غطفان في الجاهليَّة: خُويلِد بن عَمرٍو والعُشَراء بن جابر بن عقيل بن هلال بن سُمَيّ بن مازن بن فزارة وخويلدٌ خطيب يوم الفِجار ومن أصحاب الأخبار والنسب والخطب وأهل البيان: الوَضّاح بن خَيْثَمَة ومن أصحاب الأخبار والنَّسبِ والخُطب والحُكم عند أصحاب النُّفُورات بنو الكَوَّاءِ وإيَّاهُم يعني مسكين بن أُنَيفٍ الدارميّ حين ذكر أهلَ هذه الطبَقة فقال: من البسيط كِلانا شاعرٌ من حَيِّ صدقٍ ولكن الرَّحَى فوقَ الثِّفال وحَكِّمْ دَغْفَلاً وارحلْ إليهِ ولا تُرِحِ المطيَّ من الكَلال تعالَ إلى بني الكَوَّاءِ يقضوا بِعِلْمِهِمِ بأنساب الرِّجالِ هَلُمَّ إلى ابن مَذُعور شِهاب يُنَبِّي بالسَّوافل والعَوَالِي وعند الكَيِّسِ النمري علمٌ ولو أضحى بمنخرَق الشَّمالِ ومن الخطباء القدماء: كعبُ بن لُؤيٍّ وكان يخطب على العرب عامّة ويحضُّ كنانةَ على البرّ فلما مات أكبرُوا موتَه فلم تزل كنانةُ تؤرِّخ بموت كعب بن لُؤيٍّ إلى عام الفيل ومن الخطباء العلماء الأَبْيناء الذين جَرَوا من الخِطابة على أعْراقٍ قديمة: شبيب بن شيبة وهو الذي يقول في صالح بن أبي جعفر المنصور وقد كان المنصور أقام صالحاً فتكلّم فقال شبيب: ما رأيتُ كاليوم أبْيَنَ بياناً ولا أجودَ لساناً ولا أربَطَ جَناناً ولا أبَلَّ ريقاً ولا أحسن طريقاً ولا أغمضَ عُروقاً من صالح وحُقَّ لمن كان أميرُ المؤمنين أباه والمهديُّ أخاه أن يكون كما قال زهير: من البسيط هو الجوادُ فإن يلحَقْ بشأوِهِما على تكاليفه فمثلُه لَحِقا أو يَسْبِقاه على ما كان من مَهَلٍ فمثلُ ما قدَّما مِن صالح سَبَقا قال: وخرج شبيبٌ من دار الخليفة يوماً فقال له قائل: كيف رأيت الناس قال: رأيت الداخل راجياً والخارج راضياً قال: وقال خالد بن صفوان: اتّقُوا مَجانِيق الضُّعفاء يريد الدعاء قال: وقال شبيب بن شيبة: اطلب الأدب فإنّه دليلٌ على المروءة وزيادةٌ في العقل وصاحبٌ في الغُربة وصِلَة في المجلس وقال شبيبٌ للمهدي يوماً: أراك اللَّه في بَنِيكَ ما أرى أباكَ فيك وأرى اللَّهُ بنيكَ فيك ما أراك في أبيك وقال أبو الحسن: قال زيد بن عليّ بن الحسين: اطلب ما يعَنِيك واترُكْ ما لا يعنيك فإنَّ في ترك ما لا يعنيك دَرَكاً لما يعنيك وإنما تَقْدم على ما قدَّمت ولست تقَدَم على ما أخّرت فآثِرْ ما تلقاه غداً على ما لا تراه أبداً أبو الحسن عن إبراهيم بن سعد قال: قال خالد بن صفوان: ما الإنسان لولا اللِّسان إلا صورةٌ ممثّلة أو بهيمة مهمَلة أبو الحسن قال: كان أبو بكر خطيباً وكان عمر خطيباً وكان عثمانُ خطيباً وكان عليٌّ أخطبَهم وكان من الخطباء: معاوية ويزيد وعبد الملك ومعاوية بن يزيد ومروان وسليمان ويزيد بن الوليد والوليد بن عبدالملك وعمر بن عبد العزيز ومن خطباء بني هاشم: زيد بن علي وعبد اللَّه بن الحسن وعبد اللَّه بن معاوية خطباءُ لا يُجارَوْنَ ومن خطباء النُّسَّاك والعُبّاد: الحسن بن أبي الحسن البصريّ ومطرِّف بن عبد اللَّه الحَرَشي ومُوَرِّق العجلي وبكر بن عبد اللّه المزنيّ ومحمد بن واسع الأزديّ ويزيد بن أبان الرَّقاشي ومالك بن دينار السَّاميّ وليس الأمر كما قال في هؤلاء القاصُّ المُجيدُ والواعظ البليغ وذو المنطق الوجيز فأمَّا الخطب فإنَّا لا نعرف أحداً يتقدَّم الحسنَ البصريَّ فيها وهؤلاء وإن لم يُسَمَّوْا خطباءَ فإنّ الخطيب لم يكن يشُقُّ غُبارَهم أبو الحسن قال: حدّثني أبو سليمان الحميريّ قال: كان هشام بن عبد الملك يقول: إنِّي لأستصفِقُ العمامة الرقيقة تكون على أذُني إذا كان عندي عبد الأعلى بن عبد اللَّه مخافةَ أن يسقط عنّي من حديثه شيءٌ ومن الخطباء من بني عبد اللَّه بن غُطفان: أبو البِلاد كان راوية ناسباً ومنهم: هاشم بن عبد الأعلى الفَزَاريّ ومن الخطباء: حفْص بن معاوية الغلابِيُّ وكان خطيباً وهو الذي قال حين شركَ سليمانُ بن عليّ بينه وبين مولى له على دار القَتَبِ: أشركتَ بيني وبين غير الكفيّ وولَّيتني غير السنيّ ومن بني هلال بن عامر: زُرْعة بن ضَمْرة وهو الذي قيل فيه: لولا غلوٌّ فيه ما كان كلامه إلاّ الذّهب وقام عند معاويةَ بالشَّام خطيباً فقال معاوية: يا أهل الشام هذا خالي فائتْوني بخالٍ مثلِه وكان ابنُه النُّعمان بن زُرعة بن ضَمرة مِن أخطب الناس وهو أحدُ مَن كان تخلَّصَ من الحجاج من فَلِّ ابن الأشعث بالكلام اللطيف وقال سُحيم بن حفص: ومن الخطباءِ عاصم بن عبد اللَّه بن يزيد الهلاليّ: تكلم هو وعبد اللَّه بن الأهتم عند عمر بن هبيرة وعبد اللَّه بن هبيرة ففضَّل عاصماً عليه قال سحيم: فقال قائل يومئذ: الخلُّ حامضٌ ما لم يكنْ ماء ومن خطباء بني تميم: عمرو بن الأهتم كان يُدْعى المُكَحَّل لجماله وهو الذي قيل فيه: إنّما شعره حُلَلٌ مُنَشَّرَة بين أيدي الملوك تأخذ منه ما شاءت ولم يكن في بادية العرب في زمانه أخطبُ منه ومن بني مِنقر: عبد اللَّه بن الأهتم وكان خطيباً ذا مقاماتٍ ووِفادات ومن الخطباء: صفوان بن عبد اللّه بن الأهتم وكان خطيباً رئيساً وابنه خالد بن صفوان وقد وَفَد إلى هشام وكان من سُمّار أبي العبّاس ومنهم: عبد اللَّه بن عبد اللّه ابن الأهتم وقد ولِيَ خُراسانَ ووفد على الخلفاء وخَطب عند الملوك ومن ولده شبيب ابن شيبة بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الأهتم وعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الأهتم وخاقان بن الأهتم هو عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الأهتم ومن خطبائهم: محمدٌ الأحول بن خاقان وكان خطيبَ بني تميم وقد رأيتُه وسمعت كلامه ومن خطبائهم: مَعْمرُ بن خاقان وقد وَفَد ومن خطبائهم: مؤمَّل بن خاقان وقال أبو الزُّبير ومن خطبائهم: خاقان بن المؤمَّل بن خاقان وكان صَبَاح بن خاقانَ ذا علمٍ وبيانٍ ومعرفة وشدّة عارضة وكثرة رواية مع سخاءٍ واحتمالٍ وصبر على الحقّ ونصرةٍ للصَّدِيق وقيامٍ بحقّ الجار ومن بني مِنقر: الحكَم بن النَّضر وهو أبو العلاء المِنقريّ وكان يصرِّف لسانَه حيث شاء بجهارةٍ واقتدار ومن خطباء بني صَرِيم بن الحارث: الخَزْرَجُ بن الصُّدَيّ ومن خطباء بني تميم ثم من مُقاعِس: عُمارة بن أبي سليمان ومن ولد مالك ابن سعد: عبدُ اللَّه وجبر ابنا حبيب كانا ناسبين عالمين أديبين ديِّنين ومن ولد مالك بن سعد: عبد اللَّه والعبّاس ابنا رُؤبة وكان العبّاس علاَّمةً عالماً ناسباً راوية وكان عبدُ اللَّه أرجزَ الناس وأفصحَهم وكان يكنى أبا الشَّعثاء وهو العجّاج ومن أصحاب الأخبار والنسب: أبو بكرٍ الصِّدّيق رحْمةُ اللَّه عليه ثم جُبير ابن مُطعِم ثم سعيد بن المسِيَّب ثم قَتادة وعبيدُ اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبةَ المسعوديّ الذي قال في كلمة له في عمر بن عبد العزيز وعبد اللَّه بن عَمرِو بن عثمان بن عفّان: من الطويل مُسَّا تُرابَ الأرضِ منه خلقتُما وفيه المعادُ والمصيرُ إلى الحشرِ ولا تأنفَا أن ترجِعا فتُسلِّما فما خُشِيَ الإنسانُ شرّاً من الكِبْرِ فلو شئتُ أَدلَى فيكما غيرُ واحدٍ عَلانيةً أو قال عندي في سِرِّ وهو الذي قيل له: كيف تقول الشِّعر مع النُّسك والفقه فقال: إنّ المصدورَ لا يملك أن ينفِثَ وقد ذكر المصدورَ أبو زُبيدٍ الطائيّ في صفة الأسد فقال: من البسيط للصَّدر منه عويلٌ فيه حَشرجَة كأنّما هو من أحشاء مصدورِ ومن خطباء هذيل: أبو المليح الهُذَليّ أسامةُ بن عمير ومنهم: أبو بكرالهُذَلي كان خطيباً قاصّاً وعالماً بيّناً وعالماً بالأخبار والآثار وهو الذي لما فاخر أهلَ الكوفة قال: لنا السَّاج والعاج والدِّيباج والخَراجُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق