الأربعاء، 22 مايو 2013

تجليّات الحرف العربيّ



الحرف العربيّ ليّن، رأسه ليس يابساً، لا يحبّ الرتابة ولا الروتين، يؤمن بالتنوّع والتعدّدية. يتأثّر بجيرانه من الحروف، تراه في صور وأشكال مختلفة. فهو في آخر الكلمة، غيره في أوّلها، وفي وسط الكلمة غيره في أوّلها أو آخرها. يؤمن بأثر السياق في تغيير الأحوال، فالحروف تعرف أن تتعامل مع الظروف، وتلبس لكلّ حال لبوسها. ولكلّ حرف مزاجه الخاصّ، وشخصيتّه الطريفة. سأخذ مثالاً واحداً من حياة الحرف المكتوب، فحياته المكتوبة ليس بالضرورة أن تكون مطابقة لحياته المنطوقة. أكتفي بمثال واحد وليكن حرف السين. وما أدراك ما حرف السين في لبنان! ألم نكن فريسة " س- س" في لبنان - ولا نزال نسمع بين فينة وأخرى دويّ السينيَن في الفيحاء -  أكتب هذا النصّ وأصوات الرصاص الفاسق تضجّ في أذنيّ-. انظر الى السين مثلاً في هذه الحالات الثلاث، ولأبدأ بكلمة وردت إلى الخاطر وهي" سلس"، فالسين في أوّل الكلمة ليست هي نفسها في آخر الكلمة. وانظر إليها في " سدس" حيث للسين الأخيرة استقلالية يظهرها الفراغ الظاهر بينها وبين الدال، وهي هنا غيّرت هندامها الشكليّ، ولم تتنازل عن ذرّة من بدنها بخلاف الأولى التي ضحّت ببطنها كرمى لعينيّ الدال. فلقد احترمت السين الأولى حرف الدال الذي قدّمها على نفسه وأعطاها حقّ الصدارة، فعاملها بالمثل والتحم بها وصارا جسدً واحدا. أما السين الأخرى فقد حردت فانفصلت عن الدال واحتفظت بكامل لياقتها البدنيّة. وللسين أشكال أخرى تحمل طبيعتها وتشترك معها في ليونة المزاج. وأشفق على السين وأنا أراها تفقد، كسباً للوقت، أسنانها الحليبيّة في الكتابة الخطّية لبعض الناس كسباً للوقت فتتقبّل ذلك من غير مضض أو امتعاض.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق