الأحد، 12 مايو 2013

الظريف الكفيف صاحب الأجوبة المسكتة


يعد (أبو العيناء) من الشخصيات المميزة في تراثنا الأدبي حيث مثل حالة نادرة بين ظرفاء العرب في العصر العباسي، فقد تمكن من تحويل إعاقته، وفقدانه للبصر إلى منبع للطرفة النادرة، والمزحة الذكية، وكانت جرأته في الرد، وحضور بديهته الغريب مضرب الأمثال، ورغم شهرته في كتب الأدب، وكثرة نوادره إلا أننا وجدنا أنه لم يحظ بالشهرة التي حصلت عليها شخصيات مشكوك في وجودها كجحا مثلاً، وندر أن نرى له حضوراً في الذاكرة الشعبية رغم ما تتمتع به نوادره من طرافة عالية، ورغم ذلك نجد بعض العناوين التي اهتمت بدراسة شخصية أبي العيناء، وأقدمها كتاب (أخبار أبي العيناء) للصاحب بن عباد، وكتاب أقدم بنفس العنوان لأحمد بن أبي طاهر أحد معاصريه، وهما كتابان مفقودان، وحديثاً صدر كتاب (أخبار أبي العيناء اليمامي) للأديب السعودي محمد بن ناصر العبودي، وقد استفدنا منه هنا، وكتاب (نوادر أبي العيناء) لأكرم مطر.

و(أبو العيناء).. ليس من نوعية الظرفاء الذين يجعلون من (التحامق) وسيلة للتكسب بل احتفظ بتقديره لذكائه في كل ما روي عنه، وظل في كل مواقفه متمتعاً بمكانته كأديب مميز دون أن يمنعه ذلك من استخدام سلاطة لسانه وسرعة ردوده في تكوين نوادر غاية في الظرف.

ومن خلال هذه الكتابة سنحاول التعرف على هذه الشخصية الطريفة في تراثنا.

تعريف

(أبو العيناء).. هو أبو عبد اللّه (محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر بن سليمان)، وكان جده (خلاد) مولى أبي جعفر المنصور، وذكر المؤرخون أن أصله من اليمامة في وسط الجزيرة العربية، وكان مولد أبي العيناء في (عسكر كرم) بالأهواز سنة 191م.

ونشأ أبو العيناء في مدينة البصرة، وبها طلب الحديث والأدب، وسمع من عدد من أئمة الأدب أبرزهم: (أبو عبيدة، والأصمعي، وأبو زيد الأنصاري، والعتبي، وغيرهم، وتوفي في بغداد سنة 283هـ).

وكان أبو العيناء قد عمي بعد أن جاوز الأربعين، وخرج من البصرة، وكان أحولاً قبل عماه، ويروي أبو العيناء أن العمى وراثي في أسرته، ويرجع سببه (كما يقول) إلى دعوة على جده خلاد دعاها الشريف عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عندما اكتشف أن خلاداً كان يتجسس أخباره، ويوصلها إلى أبي جعفر المنصور حتى قيل: (كل من عمي من ولد أبي العيناء، فهو صحيح النسب!!).

وقد لحق به لقب (أبي العيناء) من سؤال سأله لأحد معلميه حيث يقول: (قلت لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري: يا أبا زيد.. كيف تصغر عيناً؟، فقال: عييناً.. يا أبا العيناء!!، فلحقت بي من ذلك).



صفاته

عاش أبو العيناء في العصر العباسي الأول، وأكثر أخباره جرت في عهد المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، وكان أبو العيناء من أحفظ الناس للأخبار، وأفصحهم لساناً، وأظرفهم، ووهبه الله من سرعة الجواب والذكاء ما لم يكن في أحد من معاصريه.

وفي ذلك يقول أبو العيناء:‏


 

إن يأخـذ الله مـن عينـيَّ نورهـمـا
ففي لساني وسمعي منهما نورُ
قلبٌ ذكيّ وعقـلٌ غيـر ذي خطـل
وفي فمي صارمٌ كالسيـف مأثـور




من نوادره

رغم أن الدارس لحياة أبي العيناء يجد له رسائل أدبية وأشعار رائعة، وروايات في الحديث وأخبار الأدب إلا أننا سنقتصر هنا على انتقاء عدد من النوادر التي أثرت عنه لأنها سبب شهرته، وسر تميزه عن معاصريه، ونجد في ذلك متعة للقارئ، وتعريف أوضح بهذه الشخصية:

بعد أن كُفَّ بصره بلغه أن المتوكل قال: (لولا أنه ضرير لنادمناه)، فقال أبو العيناء: (إن أعفاني من رؤية الأهلّة، وقراءة نقش الفصوص.. صلُحتُ للمنادمة).

حضر أبو العيناء يوما مجلس أحد الوزراء، فتحدثوا في البرامكة وكرمهم، فقال الوزير لأبي العيناء وكان قد بالغ في وصفهم، وما كانوا عليه من البذل: (قد أكثرت يا أبا العيناء من ذكرهم، ووصفك إياهم، وإنما هذا تصنيف الوراقين، وكذب المؤلفين)، فقال له أبو العيناء: (فـ لم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير؟)، فسكت الوزير، وعجب الحاضرون من جرأته عليه.

كان أبو العيناء واقفاً على بابه، فمر به رجل ثقيل الظل، فسلم عليه، فقام أبو العيناء يمشي معه، فقال الرجل: (لا تتعب نفسك يا أبا عبد الله)، فقال أبو العيناء: (ما تعب.. من أبعدك عن داره).

قال له المتوكل بعد أن بنى قصره (الجعفري) سنة 246هـ، وكان واسعاً: (ما تقول في دارنا هذه؟!)، فقال أبو العيناء: (إن الناس بنوا الدُّور في الدنيا، وأنت بنيت الدنيا في دارك).

قال له المتوكل: (كيف شربك للخمر؟)، فقال: (أعجز عن قليله، وأفتضح عند كثيره)، فقال له: (دع هذا عنك، ونادمنا)، فقال: (أنا رجل مكفوف، وكل من في مجلسك يخدمك، وأنا محتاجٌ أن أُخدم، ولستُ آمنُ أن من أن نظر إلىّ بعين راضٍ، وقلبك عليّ غضبان أو بعين غضبان، وقلبك راضٍ، ومتى لم أُميِّز بين هذين هلكتُ، فأختار العافية على التعرض للبلاء .

وسأله المتوكل عن البصرة، فقال: (ماؤها أُجاج، وحرُّها عذاب، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنم).

قال له المتوكل مرة: (إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك)، فقال: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون).

أهداه أحد الوزراء دابة، وحمَّله عليها، فلما تأخر الوزير بإرسال علفها قال له: (أيها الوزير هذه الدابة حملتني عليها أوحملتها عليَّ؟).

لقيه المعتزلي ابن أبي دؤاد، فقال له: (ما أشد ما أصابك في ذهاب بصرك؟)، فقال: (أُبدأُ بالسلام، وكنت أحب أن أكون أنا المبتدئ، وأُحدِّث من لا يُقبل على حديثي، ولو رأيته لم أُقبل عليه).

لما استوزر صاعدٌ عقب إسلامه، وكان نصرانياً قبل ذلك جاء أبو العيناء إلى بابه، فقيل له (يُصلي)، فعاد، فقيل (يصلي)، فقال: (معذور.. لكل جديد لذة).

مر أبو العيناء على دار عدوٍّ له، فقال: (ما خبر أبي محمد؟)، فقالوا: كما تحب، فقال: (فما لي لا أسمع بكاء ولا عويلا?).‏

قال أبو العيناء: (مررت يوماً في دربٍ بسُرّ من رأى، فقال لي غلام: يا مولاي.. في الدرب حَمَلٌ سمين والدرب خالٍ.

فأمرته أن يأخذه، وغطيته بطيلساني، وصرتُ إلى منزلي، فلما كان من الغد جاءتني رُقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها: (جُعلتُ فداك.. ضاع لنا بالأمس حَمَلٌ، فأخبرني صِبيان دربنا أنك أنت أخذته، فهل تأمر بردِّه مُتفضلاً)، فكتبت إليه: (يا سبحان الله!.. ما أعجب هذا الأمر.. مشايخ دربنا يزعمون أنك تدير بيتك للبغّاء، وأُكذّبهم أنا، ولا أصدقهم، وتصدق أنت صِبيان دربك أني أخذت الحمل؟). قال أبو العيناء: (فسكتَ، ولم يُعاودني).

من جميل غزل أبي العيناء، وهو أحول قبل عماه.. قوله:‏


 

حـمـدت إلـهـي إذ مُنـيـت بحبـهـا
على حوَلٍ يغني عن النظر الشزر
نـظـرت إليـهـا والرقـيـب يظـنـنـي
نظرت إليه فاسترحـت مـن العـذر



شكا أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان تأخر أرزاقه، فقال له: (ألم نكن كتبنا تلك إلى ابن المدبر, فماذا فعل في أمرك?)، فقال: (جرني على شوك المطل, وحرمني ثمرة الوعد)، فقال: أنت اخترته!‏، فقال أبو العيناء: (وما عليّ، وقد اختار موسى سبعين رجلاً من قومه, فما كان منهم رشيد, فأخذتهم الرجفة، واختار النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي سرح كاتبا, فلحق بالمشركين مرتداً, واختار علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري حكما, فحكم عليه لا له?). اعترف أبو العيناء بأن ابناً صغيراً لعبد الرحمن بن خاقان أخجله ذات مرة، وغلبه إذ رآه أبو العيناء ذكيا لماحا, فقال له: (وددت لو أن لي ابناً مثلك)، قال الطفل: هذا بيدك، فقال أبو العيناء: كيف?. قال: (تحمل أبي إلى امرأتك، فتلد لك ابنا مثلي).
قيل لأبي العيناء: (ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم؟), فقال: (هما الخمر والميسر وإثمهما أكبر من نفعهما!).
ومن أخباره أنه تأخر مرة عن الحضور إلى مجلس الوزير إسماعيل بن بلبل، فسأله عن السبب؟، فقال: (سُرق حماري)، فقال له الوزير: (كيف سرق حمارك يا أبا العيناء?)، فقال: (لم أكن مع اللص، فأخبرك!)‏
وكان أبو العيناء يكره الوزير أحمد بن الخصيب, وكان هذا جاهلا كثير الحماقة, إذا ناقش وغلب على أمره ركل مناقشه, وقد قال فيه أبو العيناء يشكو للخليفة:

 

قل للخليفة.. يا ابن عم محمد
أشـكــل وزيـــرك إنـــه ركّــــال‏
قد أحجـم المتظلمـون مخافـة
منـه، وقالـوا مــا نــروم مـحـال‏
مــا دام مطلـقـة عليـنـا رجـلـه
أو دام للـنـزق الجـهـول مـقـال‏
قـد نـال مـن أعراضنـا بلسـانـه
ولرجـلـه بـيـن الـصـدور مـجـال‏
امنعه من ركل الرجال وإن تـرد
مــالاً، فعـنـد وزيــرك الأمـــوال‏




ذات مرة وعده ابن المدير أن يعطيه بغلاً، وماطل في ذلك، وبعد فترة لقيه في الطريق فقال له: (كيف أصبحت يا أبا العيناء؟)، فأجابه: (أصبحت بلا بغل)، فضحك منه، وأرسل إليه ما أراد.

وقف بقرب أبي العيناء رجل، فلما أحس به.. قال: (من هذا؟)، فقال: (رجل من بني آدم)، فقال له أبو العيناء: (مرحباً بك أطال الله بقاءك كنتُ أظن أن هذا النسل قد انقطع).

عرضت جارية أديبة على المتوكل، فأراد أبو العيناء امتحان معرفتها بالشعر، فقال لها شعراً:

أحمد الله كثيراً

فقالت:

حيث أنشأك ضريراً

فقال أبو العيناء: (يا أمير المؤمنين.. أحسنت في إساءتها، فاشترها).

قدم إليه بعضهم قدراً فيه عظام كثيرة، فقال له أبو العيناء: (هذه قدر أم قبر؟)

سلم نجاح بن سلمة إلي موسي بن عبد الملك ليستخرج منه مالاً احتجزه، فهلك في يده، فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء فسأله: (ما عندك من خبر نجاح؟)، فقال: (فوكزه موسي فقضي عليه)، فبلغت كلمته موسى، فلقيه، فقال له غاضباً: (والله لأقومنك!)، فقال أبو العيناء: (أَترِيدُ أَن تَقْتُلَني كَما قَتلتَ نَفسًا بالأمس).

سئل أبو العيناء عن مالك بن طوق، فقال: (لو كان في بني إسرائيل ثم نزلت آية البقرة... ما ذبحوا غيره!).

قال لأبي العيناء أبوه: (يا بني.. أن الله تعالي قرن طاعته بطاعتي، فقال: (اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك)، فقال له: (يا أبت.. أن الله أئتمنني عليك، ولم يأتمنك عليّ، فقال: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ).

قال أبو العيناء للجاحظ:‏ ‏(طلب مني صديق لي أن أسألك أن تكتب له خطاب توصية إلى والي البصرة)،‏‏ فكتب له الجاحظ الخطاب، وختمه ثم أرسله إلى أبي العيناء، فلما تسلـّمه أبو العيناء أحبّ أن يرى ما كتبه الجاحظ، فقال لرجل عنده:‏ ‏(اِفتحـْه واقرأه عليّ)،‏ فإذا فيه:‏ (هذا‏ كتابي إليك.. طلبه مني من لا أخافه لمن لا أعرفه، فافعل في أمره ما تراه، والسلام)،‏ فغضب أبو العيناء، ونهض إلى الجاحظ، فقال:‏ ‏(أعرّفك باعتنائي بهذا الصديق، فتكتب له مثل هذا؟!)،‏‏ فقال الجاحظ:‏ (لا تنكر ذلك، فإنها أمارة بيني وبين والي البصرة إذا عُنيت برجل)، فقال أبو العيناء:‏ (بل أنت ولد زنا)،‏‏ قال: أتشتمني؟، ‏فقال أبو العيناء: (لا. إنها أمارة لي عند الثناء على إنسان!).

اجتمع أبو هفان وأبو العيناء على مائدة، فقال أبو هفان: (هذه أشد حراً من مكانك في جهنم)، فقال أبو العيناء: (برِّدها بشيء من شِعرك البارد).

قال أبو العيناء: تعشقتني امرأة قبل أن تراني، فلما رأتني استقبحتني، فأنشدتها :

 

وفـاتـنـةٌ لـمــا رأتـنــي تـنـكــرت
قالت دميمٌ أحول ٌ ما له جسمُ
فإن تنكري مني احـولالا فإننـي
أديــبٌ أريــبٌ لا عـيـيٌ ولا فــدمُ


فقالت المرأة: (يا هذا، أنا لم أردك لأوليك ديوان الرسائل)!!

دخل أبو العيناء بلدة، والصبية فيها يلعبون، فرموه بالحجارة، فوقع حجر على رأسه فشجه، فذهب أبو العيناء لأمير البلد يشكوهم له، فقال له الأمير: (في أي يوم دخلت؟)، فقال أبو العيناء: (في يوم نحس مستمر، وفي ساعة العسرة، ونزلت بواد غير ذي زرع)، فضحك الأمير، وأنعم عليه بعطية.

قال أبو العيناء معتذراً عن عماه:


 

قالوا العمـى منظـر قبيـح
قلـت فقـدي لكـم يَـهُـون
والله مـا فـي الأنـام خـيـر
تأسي على فقده العيون





ومن شعر أبي العيناء أيضاً قوله:


 

وتقدَّم الفصحـاءُ، فاستمعـوا لـه
ورأيـتَــه بـيــن الـــوَرَى مـخـتـالا
لولا دراهمُـه التـي فـي كيسـه
لـرأيـتَــه شــــرَّ الـبـريــة حــــالا
إن الـغَـنِــي إذا تـكـلــم كــاذِبـــاً
قالوا: صَدقتَ، وما نَطَقتَ مُحـالا
وإذا الفقيرُ أصاب قالوا: لم يُصِب
وكذبـتَ يـا هـذا، وقُـلـتَ ضــلالا
إن الدراهمَ في المواطـنِ كلِّهـا
تكـسـو الـرجـالَ مهـابـةً وجــلالا
فهي اللسان لمـن أراد فصاحـةً
وهـي السـلاحُ لمـن أراد قـتـالا


قال له يوماً نجاح بن سلمة: (ما ظهورك، وقد صدر أمر أمير المؤمنين بقتل الزنادقة؟)، فقال أبو العيناء: (نستدفع الله عنك وعن أصهارك – أي نتوسط لكم).

دخل أبو العيناء على القائد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وهو يلعب بالشطرنج، فقال له عبيد الله: في أي الحيزين أنت؟، فقال: في حيّز الأمير أيده الله، فغُلِبَ عبيد الله، فقال: (يا أبا العيناء.. قد غُلِبنا، وقد أصابك من الرهان أن تأتي بخمسين رطلاً ثلجاً)، فمضى أبو العيناء إلى ابن ثوابة (وكان يستبرده)، وقال له: (إن الأمير يدعوك)، فلما دخلا على عبيد الله قال أبو العيناء: (أيد الله الأمير.. قد جئتك بجبل همذان وماسيذان (وهما جبلان مكسوان بالثلج)، فخذ منه ما شئت)!

قالت له قَيْنة: وأنت أيضاً يا أعمى، فقال لها: (ما أستعين على قبح وجهك بشيءٍ أصلح من العمى).

قال له ذو الوزارتين أبو العلاء صاعد يوماً: (ما الذي أخرك عنا؟)، فقال أبو العيناء: (بنتي)، فقال: وكيف؟ قال: (قالت لي يا أبت، قد كنت تغدو من عندنا، فتأتي بالخلعة السرية والجائزة السنية.. ثم أنت الآن تغدو مسدفاً وترجع معتماً فإلى من؟)، فقلت: (إلى أبي العلاء ذي الوزارتين)، فقالت: (أيعطيك؟). قلت: لا. قالت: (أيُشَفّعُك؟). قلت: لا. قالت: (أيرفع مجلسك؟). قلت: لا. قالت: يا أبت، (لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً).

أكل عنده سائلٌ، فأكثر، فقال له: (يا هذا أطعمناك رحمة..ً فصيرتنا رحمة).

قال له الوزير عبيد الله بن يحيى بن سليمان: (اعذرني، فإني مشغول)، فقال له أبو العيناء: (إذا فرغت لم أحتج إليك (يريد أنك لن تفرغ حتى تترك الوزارة ولا حاجة لي بك عندها).

سأل أبو العيناء أحمد بن صالح حاجة، فوعده، ثم اقتضاه، فقال: (دونها المطر والطين)، فقال أبو العيناء: (فحاجتي إذن صيفية؟؟).

زحمه رجل بالجسر على حماره، فضرب أبو العيناء بيديه على أذني الحمار، وقال: (يا فتى.. قل للحمار الذي فوقك: الطريق!!).

أكثر أبو العيناء على ابن مكرم من المهاترة، فقال ابن مكرم: (إن زدت على هذا قمت)، فقال: (أراك تهددنا بالعافية!).

سأل أبو العيناء حاجة من ابن أخت الوزير، فلم يقضها له، فقال أبو العيناء: (إنما ألوم نفسي في تأميلك، وأنت مضاف إلى مضاف!!).

قال رجل لأبي العيناء: (أتأمر بشيئاً؟)، فقال: (نعم بتقوى الله، وحذف الألف من شيئاً!!).

سئل أبو العيناء عن حماد بن درهم وحماد بن دينار، فقال: (بينهما في القدر ما بين أبويهما في الصرف).

هذه كانت جولتنا مع (أبي العيناء).. الظريف الكفيف الذي حول بأدبه وذكائه إعاقته إلى منجم للضحك والظرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق