ومتى سمعتني أختار للمحدث هذا الاختيار وأبعثه على التطبع وأُحسن له التسهيل ، فلا تظنن أني أريد بالسمح السهل الضعيف الركيك ، ولا باللطيف الرشيق الحنث المؤنث ، بل أريد النمط الأوسط :
ما ارتفع على الساقط السوقي وانحط عن البدوي الوحشي ، وما جاوز سفسفة نصر ونظرائه ولم يبلغ تعرجف هميان بن قحافة وأضرابه .
نعم ، ولا آمرك بإجراء أنواع الشعر كله مجرى واحداً ، ولا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه . بل أرى لك تقسيم الألفاظ على رتب المعاني ، فلا يكون غزلك كافتخارك ، ولا مديحك كوعيدك ، ولا هجاؤك كاستبطائك ، ولاهزلك بمنزلة جدك ، ولا تعريضك بمثل تصريحك ، بل ترتب كلاً مرتبته وتوفيه حقه : فتلطف إذا تغزلت ، وتفخم إذا افتخرت ، وتتصرف للمديح تصرف مواقعه ، فإن المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف ، ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام ، فلكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به وطريق لا يشاركه الآخر فيه .... فأما الهجو فأبلغه ما جرى مجرى الهزل والتهافت ، وما اعترض بين التصريح والتعريض ، وما قربت معانيه وسهل حفظه وأسرع علوقه بالقلب ولصوقه بالنفس . فأما القذف والإفحاش فسباب محض ، وليس للشاعر فيه إلا إقامة الوزن وتصحيح النظم .
المطبوعون في الشعر والنقد الصحيح ( الوساطة )
وإذا أردت أن تعرف موقع اللفظ الرشيق من القلب ، وعظم غنائه في تحسين الشعر ، فتصفح شعر جميل وذي الرمة في القدماء ثم الحتري في المتأخرين ، وتتبع نسيب متيمي العرب ومتغزلي أهل الحجاز كعمر وكثير وجميل ونُصيب وأضرابهم وقسهم بمن هو أجود مهم شعراً وأفصح لفظاً وسبكاً ، ثم انظر واحكم وانصف ، ودعني من قولك : هل زاد على كذا وهل قال إلا ما قال فلان ! فإن روعة اللفظ تُفضي بك إلى الحكم ، وإنما تُفضي إلى المعنى عند التفتيش وتجنب الحمل عليه والعنف به . ولست أعني بهذا كل طبع ، بل المهذب الذي صقله الأدب وشحذته الرواية وجلته الفطنه وألهم الفصل بين الرديء والجيد وتصور أمثلة الحسن والقبح .
القول في المتنبي ( الوساطة )
إن خصم هذا الرجل فريقان : أحدهما يعم بالنقص كل محدث ، ولا يرى الشعر إلا القديم الجاهلي وما سلك به ذلك المنهج وأجري على تلك الطريقة .... فإذا نزلت به إلى أبي تمام وأضرابه نفض يده وأقسم وأجتهد أن القوم لم يقرضوا بيتاً ولم يقعوا من الشعر إلى بالبعد . وأنا أرى لك ، إذا كنت متوخياً للعدل مؤثراً للإنصاف أن تقسم شعره ( شعر المتنبي ) فتجعله في الشطر الأول تابعاً لأبي تمام ، وفيما بعده واسطة بينه ( بين أبي تمام ) وبين مسلم ( بن الوليد ) .....
ما ارتفع على الساقط السوقي وانحط عن البدوي الوحشي ، وما جاوز سفسفة نصر ونظرائه ولم يبلغ تعرجف هميان بن قحافة وأضرابه .
نعم ، ولا آمرك بإجراء أنواع الشعر كله مجرى واحداً ، ولا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه . بل أرى لك تقسيم الألفاظ على رتب المعاني ، فلا يكون غزلك كافتخارك ، ولا مديحك كوعيدك ، ولا هجاؤك كاستبطائك ، ولاهزلك بمنزلة جدك ، ولا تعريضك بمثل تصريحك ، بل ترتب كلاً مرتبته وتوفيه حقه : فتلطف إذا تغزلت ، وتفخم إذا افتخرت ، وتتصرف للمديح تصرف مواقعه ، فإن المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف ، ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام ، فلكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به وطريق لا يشاركه الآخر فيه .... فأما الهجو فأبلغه ما جرى مجرى الهزل والتهافت ، وما اعترض بين التصريح والتعريض ، وما قربت معانيه وسهل حفظه وأسرع علوقه بالقلب ولصوقه بالنفس . فأما القذف والإفحاش فسباب محض ، وليس للشاعر فيه إلا إقامة الوزن وتصحيح النظم .
المطبوعون في الشعر والنقد الصحيح ( الوساطة )
وإذا أردت أن تعرف موقع اللفظ الرشيق من القلب ، وعظم غنائه في تحسين الشعر ، فتصفح شعر جميل وذي الرمة في القدماء ثم الحتري في المتأخرين ، وتتبع نسيب متيمي العرب ومتغزلي أهل الحجاز كعمر وكثير وجميل ونُصيب وأضرابهم وقسهم بمن هو أجود مهم شعراً وأفصح لفظاً وسبكاً ، ثم انظر واحكم وانصف ، ودعني من قولك : هل زاد على كذا وهل قال إلا ما قال فلان ! فإن روعة اللفظ تُفضي بك إلى الحكم ، وإنما تُفضي إلى المعنى عند التفتيش وتجنب الحمل عليه والعنف به . ولست أعني بهذا كل طبع ، بل المهذب الذي صقله الأدب وشحذته الرواية وجلته الفطنه وألهم الفصل بين الرديء والجيد وتصور أمثلة الحسن والقبح .
القول في المتنبي ( الوساطة )
إن خصم هذا الرجل فريقان : أحدهما يعم بالنقص كل محدث ، ولا يرى الشعر إلا القديم الجاهلي وما سلك به ذلك المنهج وأجري على تلك الطريقة .... فإذا نزلت به إلى أبي تمام وأضرابه نفض يده وأقسم وأجتهد أن القوم لم يقرضوا بيتاً ولم يقعوا من الشعر إلى بالبعد . وأنا أرى لك ، إذا كنت متوخياً للعدل مؤثراً للإنصاف أن تقسم شعره ( شعر المتنبي ) فتجعله في الشطر الأول تابعاً لأبي تمام ، وفيما بعده واسطة بينه ( بين أبي تمام ) وبين مسلم ( بن الوليد ) .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق