الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

من كتاب الصناعتين للعسكريّ

وقد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصه الله به من حسن التأليف وبراعة التركيب ..... وضمنه من الحلاوة وجلله من رونق الطلاوة مع سهولة كلمه وجزالتها وعذوبتها وسلاستها ، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها وتحيرت عقولهم فيها .... فينبغي من هذه الجهة أن يقدم اقتباس هذا العلم على سائر العلوم بعد توحيد الله تعالى ومعرفة بصحة النبوة تتلو المعرفة بالله جل اسمه ..... فلما رأيت تخليط هؤلاء الأعلام ( الذين ألفوا في البلاغة والبيان ) في ما راموه من اختيار الكلام ، ووقفت على موقع هذا العلم من الفضل ومكانة من الشرف والنبل ووجدت الحاجة إليه ماسة والكتب المصنفة فيه قليلةً ..... رأيت أن أعمل كتابي هذا مشتملاً على جميع ما يحُتاج إليه في صنعة الكلام نثره ونظمه ويستعمل في محلوله وعقده ، من غير تقصير وإخلال وإسهاب وإهذار ...... وليس الغرض في هذا الكتاب سلوك مذهب المتكلمين ( في الجدال ) ، وإنما قصدت فيه مقصد صناع الكلام من الشعراء والكتاب ، فلهذا لم أطل الكلام في هذا الفصل .
ونحن نفهم رطانة السوقي وجمجمة الأعجمي للعادة التي جرت لنا في سماعها ( في المدن التي تخالط فيها السوقة والأعاجم ) ، لا لأن تلك البلاغة . الأا ترى أن الأعرابي ( لمكانه في البادية بعيداً عن أهل المدن ) إذا استمع ذلك لم يفهمه ، إذ لاعادة له بسماعه .
وأبلغ من هذه المنزلة ( التصرف في فنون القول المختلفة ) أن يكون في قوة صانع الكلام أن يأتي مرة بالجزل ومرة بالسهل فيلين إذا أراد . ومن هذا الوجه فضلوا جريراً على الفرزدق وأبا نواس على مسلم بن الوليد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق