ما جالَ بعدكِ لحظي في سنَا القمرِ، | إلاَّ ذَكَرْتُكِ ذِكْرَ العَيْنِ بِالأَثَرِ |
ولا استطلْتُ ذماء اللّيلِ من أسفٍ | إِلاَّ عَلى لَيْلَة ٍ سَرَّتْ مَعَ القِصَرِ |
ناهيكَ مِنْ سَهَرٍ بَرْحٍ تَأَلَّفَهُ | شوقٌ إلى ما انقضَى من ذلك السَّمرِ |
فليْتَ ذاكَ السّوادَ الجونَ متَّصلٌ، | لو استعارَ سوادَ القلبِ والبصرِ |
أَمَّا الضَّنَى فَجَنَتْهُ لَحْظَة ٌ عَنَنٌ | كأنّها والرّدَى جاءا على قدرِ |
فَهِمْتُ مَعْنَى الْهَوى مِنْ وَحْيِ طَرْفِكِ لي | إِنَّ الحِوَارَ لَمَفْهُومٌ مِنَ الْحَوَرِ |
والصّدرُ، مذْ وردَتْ رفْهاً نواحيَهُ، | تُومُ القَلائِدِ لَمْ تَجْنَحْ إِلَى صَدَرِ |
حسنٌ أفانينُ، لمْ تستوْفِ أعيُنُنا | غاياتِهِ بأفانينٍ من النّظرِ |
واهاً لثغرِكِ ثغراً باتَ يكلؤهُ | غيرانُ، تسرِي عوالِيهِ إلى الثُّغَرِ |
يَقْظَانُ لَمْ يَكْتَحِلْ غَمْضاً مُراقَبَة ً | لِرابِطِ الجَأْشِ مِقْدامٍ عَلَى الغَرَرِ |
لا لَهْوُ أَيَّامِهِ الخالِي بِمُرْتَجَعٍ | ولا نعيمُ ليالِيهِ بمنتظرِ |
إذْ لا التّحيّة ُ إيماءٌ مخالسة ً؛ | وَلا الزِّيارَة ُ إِلْمامُ عَلَى خَطَرِ |
منى ً، كأنْ لم يكنْ إلاّ تذكّرُها؛ | إِنَّ الغَرَامَ لَمُعْتَادٌ مَعَ الذِّكَرِ |
من يسألِ النّاسَ عن حالي فشاهدُها | مَحْضُ العِيَانِ الَّذِي يُغْنِي عَنِ الْخَبَرِ |
لَمْ تَطْوِ بُرْدَ شَبَابي كَبْرَة ٌ وأرى | بَرْقَ الِمَشِيبِ اعْتَلَى في عارِضِ الشَّعَرِ |
قَبْلَ الثَّلاثِينَ إذْ عَهْدُ الصِّبا كَثَبٌ | وللشّبيبة ِ غصنٌ غيرُ مهتصرِ |
ها إِنَّها لَوْعة ٌ في الصَّدْرِ قادِحَة ٌ | نارَ الأسَى ، ومشيبي طائرُ الشّررِ |
لا يهنىء ِ الشّامتَ، المرتاحَ خاطرُهُ، | أَنِّي مُعَنَّى الأماني ضائِعُ الْخَطَرِ |
هلِ الرّياحُ بنجمِ الأرضِ عاصفة ٌ؟ | أمِ الكسوفُ لغيرِ الشّمسِ والقمرِ؟ |
إنْ طالَ في السّجنِ إيداعي فلا عجبٌ! | قد يودَعُ الجفنَ حدُّ الصّارمِ الذكرِ |
وَإِن يُثَبِّط أَبا الحَزمِ الرِضى قَدَرٌ | عَن كَشفِ ضُرّي فَلا عَتَبٌ عَلى القَدَرِ |
ما للذّنوبِ، التي جاني كبائرِهَا | غَيْرِي يُحَمِّلُني أَوْزارَها وَزَري |
منْ لمْ أزلْ، من تأنّيهِ، عى ثقة ٍ؛ | وَلَمْ أَزَلْ مِنْ تَجَنِّيه عَلَى حَذَرِ |
ذُو الشِّيمَة ِ الرَّسْلِ إِنْ هِيجَتْ حَفِيظَتُهُ | وَالجانِبِ السَّهْلِ والْمُسْتَعْتَبِ اليَسَرِ |
من فيه للمجتَلي والمبتَلي، نسقاً، | جَمالُ مَرأى ً عَلَيْه سَرْوُ مُخْتَبَرِ |
مُذَلِّلٌ لِلْمَساعِي حُكْمُهَا شَطَطٌ | عَليهِ، وَهْوَ العَزِيزُ النَّفْسِ والنَّفَرِ |
وَزيرُ سِلْمٍ كَفاهُ يُمْنُ طائِرِهِ | شُؤْمَ الْحُروب، ورأْيٌ مُحْصَدُ المِرَرِ |
أغنَتْ قريحتُهُ مغنَى تجاربِهِ؛ | ونابَتِ اللّمحة ُ العجلى عن الفكرِ |
كمِ اشترَى ، بكرَى عينيهِ، من سهرٍ؛ | هُدوءُ عَيْنِ الْهُدَى في ذَلكَ السَّهَرِ |
في حَضْرَة ٍ غابَ صَرْفُ الدَّهْرِ -خَشْيَتَهُ- | عنها، ونامَ القَطا فيها، فلم يثُرِ |
مُمَتَّعٍ بالرَّبيعِ الطَّلْق نَازِلُها | يلهيهِ عن طيبِ آصالٍ ندى بكرِ |
ما إِنْ يَزالُ يَبُثُّ النَّبْتَ في جَلَدٍ | مذْ ساسَها، ويفيضُ الماءَ من حجرِ |
قَدْ كُنْتُ أَحْسبُنِي وَالنَّجْمَ فِي قَرَنٍ | ففيمَ أصبحتُ منحطّاً إلى العفرِ؟ |
أَحينَ رَفَّ عَلَى الآفاقِ مِنْ أَدَبِي | غَرْسٌ لَهُ مِنْ جَنَاهُ يَانِعُ الثَّمَرِ |
وَسِيلة ٌ سَبَباً إِنْ لم تكنْ نَسَباً | فَهْوَ الودادُ صَفَا مِنْ غَيْرِ ما كَدَرِ |
وبائنٍ منْ ثناءٍ، حسنُهُ مثلٌ | وَشْيُ الْمَحَاسِنِ مِنْهُ مُعْلَمُ الطُّرَرِ |
يُسْتَوْدَعُ الصُّحْفَ لا تَخْفَى نَوافِحُهُ | إِلاَّ خَفَاءَ نَسِيمِ المِسْكِ في الصُّرَرِ |
مِنْ كُلِّ مُخْتَالَة ٍ بِالحِبْرِ رَافِلَة ٍ | فِيهِ اخْتِيالَ الكَعابِ الرُّؤْدِ بِالحِبَرِ |
تجفى لها الرّوضَة ُ الغنّاءُ، أضحَكَها | مَجالُ دَمْعِ النَّدَى في أَعْيُنِ الزَّهَرِ |
يا بهجة َ الدّهرِ حيّاً وهوَ إن فنيَتْ | حَيَاتُهُ زِينَة ُ الآثارِ وَالسَّيَرِ |
لي في اعتمادِكَ، بالتأميلِ، سابقة ٌ | وهجرة ٌ في الهوَى ، أوْلى منَ الهجرِ |
ففيمَ غضّتْ همومي من عُلا همَمي، | وحاصَ بي مطلَبي عن وجهة ِ الظَّفَرِ |
هل من سبيلٍ، فماءُ العتبِ لي أسنٌ، | إلى العُذُوبَة ِ مِنْ عُتْباكَ والْخَصَرِ |
نذرْتُ شكرَكَ، لا أنسَى الوفاءَ بهِ، | إنْ اسفرَتْ ليَ عنها أوجُهُ البشرِ |
لا تلْهُ عني، فلمْ أسألْكَ، معتسِفاً، | ردَّ الصِّبا، بعدَ إيفاءٍ على الكبرِ |
وَاسْتَوْفِرِ الْحَظَّ مِنْ نُصْحٍ وَصاغِيَة ٍ | كِلاهُما العِلْقُ لَمْ يُوهَبْ وَلَمْ يُعَرِ |
هَبْنِي جَهِلْتُ فَكانَ الْجَهْلُ سَيِّئَة ً | لا عذرَ منها سوى أنّي من البشرِ |
إِنَّ السِّيادَة َ بِالإِغْضَاءِ لابِسَة ٌ | بهاءَها، وبَهَاءُ الْحُسْنِ في الْخَفَرِ |
لَكَ الشَّفاعَة ُ لا تُثْنى أَعِنَّتُها | دُونَ القَبُول بِمَقْبُول مِنَ العُذُرِ |
وَاِلبَس مِنَ النِعمَةِ الخَضراءِ أَيكَتَها | ظِلّاً حَراماً عَلى الآفاتِ وَالغِيَرِ |
نَعيمَ جَنَّةِ دُنيا إِن هِيَ اِنصَرَمَت | نَعِمتَ بِالخُلدِ في الجَنّاتِ وَالنَهَرِ |
الجمعة، 17 مايو 2013
ان الحوار لمفهوم من الحور/ من شعر ابن زيدون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق