الأحد، 4 أغسطس 2013

بيروت ...الطريق الجديدة مقال بقلم سوسن الأبطح

مسرحية «بيروت.. الطريق الجديدة» تقترب من عروضها الأخيرة
يحيى جابر يضحك متفرجيه من خيبتهم
مشاهد من مسرحية «بيروت.. الطريق الجديدة»
يحيى جابر مؤلف المسرحية
بيروت: سوسن الأبطح
الشاعر يحيى جابر ماهر في السخرية من الطائفية إلى حد تعريتها وفضح سخفها وتفاهتها. وفي مسرحيته «بيروت.. الطريق الجديدة» التي تعرض حتى التاسع من أغسطس (آب) في «مترو المدينة» في بيروت، قبل أن تجول مناطق لبنانية عدة. يختار جابر منطقة «الطريق الجديدة» التي بات لها سمعتها وطابعها، ليقدمها لجمهوره من خلال تحولاتها الانقلابية المدهشة، التي عاشتها طوال الستين سنة الماضية.
ميزة «طريق الجديدة»، وهذا ما لم يكن قد تنبه له غالبية جمهور المسرحية، سابقا، أنها تختزل في تاريخها العامر بالمغامرات، منذ خمسينات القرن الماضي إلى اليوم، حكاية العرب بتخبطاتهم وضياعهم، ومتاهات بحثهم عن الهوية.لا غوص مملا في التاريخ، ولا دروس في الجغرافيا عند يحيى جابر، بل تبسيط وهزل ودخول إلى تقاليد البيوت وعاداتها، وجلسات نساء الحي وأخبارهن المضحكة المسلية، والنزول إلى الشارع وتقديم كاريكاتيرات بيروتية أليفة وظريفة.زياد عيتاني، حفيد الممثل القدير محمد شامل، يقف وحيدا على المسرح، طوال العرض، يسافر في الشخصيات، يتقمصها نساء رجالا وأطفالا. دوره التمثيلي الأول يؤديه ببراعة. أكثر من ساعة ونصف الساعة على الخشبة دون كلل أو تعب، يستعين ببعض الأقمشة والأغطية والإكسسوارات والقبعات، ليغير هندامه، ويقنعنا بأنه صار شخصا آخر.المسرح فارغ وصغير، مع كرسيين اثنين وطاولة زهر وطاولة صغيرة. المكان قد يكون صالونا أو ملعبا أو شارعا وربما دكانا أو سجنا. وموسيقيان، على جانب المسرح، يعددان آلاتهما بما يتناسب مع المشاهد المتوالية. فقد يستخدم الطبل أو المزمار أو الدف أو أي شيء آخر، لإصدار الصوت الملائم الذي ينسجم مع المشهد.يقدم يحيى جابر بعد عرضيه «ابتسم أنت لبناني» وخذ الكتاب بقوة» والكثير من الدواوين الشعرية عرضا غنائيا موسيقيا، يلعب فيه عيتاني دور الحكواتي تارة، ويؤدي اسكتشات تارة أخرى، لنظن أنفسنا أمام ستاند أب كوميدي تارة ثالثة، هذا غير الزجل، والأغاني وحتى الرقص.خلطة شعبية، هزلية، خفيفة، مسلية، لكنها لا تتخلى عن مراميها ذات الأهداف اللاذعة.مسرحية بيروتية بامتياز، واقعية، توثيقية، تنهل من الأحداث التاريخية، يسرح فيها عيتاني في الزمن تقديما وتأخيرا، أسماء شخصياتها معروفة، من إبراهيم قليلات إلى أحمد قعبور وخليل حلاق كما أبو العبد الاسم البيروتي الأكثر شهرة.تبدأ المسرحية باسكتشات من وحي الحياة الرمضانية واحتفالات العيد، تمر بجلسات النساء البيروتيات، وحياة العائلات مثل آل الداعوق وسنو وعيتاني وفروخ وطبارة وغيرها. عائلات بيروت السبع التي تباهي بأنها أصل المدينة وفصلها.من خلال الاسكتشات المتلاحقة التي يقدمها زياد عيتاني، ندخل صالونات هذه البيوت، لطلب يد العرائس وإقامة الأفراح، واستعادة ما يدور بين الحموات والكنات، وتربية الأولاد. وإذا كان الجزء الأول من العمل يركز على الجانب الاجتماعي، فمع الجزء الثاني تتوسع الدائرة لنجد أنفسنا في خضم الحراك السياسي الذي عاشته «طريق الجديدة».من أيام الرئيس جمال عبد الناصر، مرورا بياسر عرفات، والحركة الوطنية اللبنانية. يظهر إبراهيم قليلات، رئيس حركة «المرابطون» الذي لعب دورا نضاليا أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. ويمتد الخط الزمني الذي تتبعه المسرحية ليعاصر الوجود العسكري السوري في لبنان، ومعاناة الأهالي منه، ومن ثم انتهاء الحرب وتحرير الجنوب من قبل حزب الله. يتعمد يحيى جابر في مسرحيته على أن يرينا احتفالات السكان بهذا التحرير ورفع رايات حزب الله في الطريق الجديدة ومن ثم مقتل رفيق الحريري الذي غير المعادلة، وصولا إلى اليوم، أي إلى الوقت الذي تغير فيه وجه هذه المنطقة التي كانت مختلطة تتعايش فيها الطوائف، وتتمازج، لتنتهي بلون واحد وانتماء شاحب. إذ لم يبق بحسب المسرحية من ذكرى تلك الأيام النضالية الوطنية إلا مقبرة الشهداء ومقبرة روضة الشهيدين، تشهدان على ماض تعايشي لا يبدو أن استرجاعه ممكن في الوقت الراهن.يحرص يحيى جابر، بمعونة ممثله الوحيد وشديد الحيوية على الاحتفاظ بروح النكتة، والترميز، بالتركيز على فريقي «النجمة» و«الأنصار» الرياضيين الشهيرين الذين ابتدآ مختلطين وانتهيا طائفيين.كل ذلك، يرويه ويجسده عيتاني، بكثير من السخرية الهزلية، التي كانت تتناسب ومزاج المتفرج في سهرات رمضان طوال الأسابيع الماضية، مما أدى إلى تمديد العروض.يبقى أن المسرحية التي اقتربت من خطوط حمراء كثيرة، اضطررت أحيانا لأن تساير كي لا تجرح، أو أن تهادن كي لا تمنع، بعد معاناة مع الرقابة.قال يحيى جابر لجمهوره ما يحب أن يقوله دائما وهو يمازحهم، وبأساليب مختلفة، أنهم مؤلمون ومتآمرون على أنفسهم، لذا فهم ذاهبون نحو الأسوأ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق