الجمعة، 6 سبتمبر 2013

أوباما ليس ضعيفا لكنه مكبل

أوباما ليس ضعيفا لكنه مكبل
التروي الأميركي، وحذر باراك أوباما من شن هجوم عسكري على سوريا لا يحظى بدعم أغلبية الكونغرس الأميركي، رغم صلاحياته الواسعة لفعل ذلك، لا يتأتى من فراغ. تقاعس الإدارة الأميركية عن اتخاذ إجراءات عسكرية بحق النظام السوري، حتى اليوم، على غرار ما حصل في العراق وليبيا، وقبلهما أفغانستان، لا يدل على نزعة بيضاء عند صاحب نوبل للسلام، بقدر ما يشير إلى تبدلات في المعطيات الدولية، وفي ميول الرأي العام، ليس في أوروبا وحدها وإنما في العالم أجمع.رغم التعدد القطبي الذي بدأت تظهر ملامحه، تمتلك أميركا التكنولوجيا العسكرية الذكية لا لإسقاط النظام السوري، وإنما لمحق ربع الكرة الأرضية، ومحوها عن الخريطة. لكن الدولة العظمى أثبتت حتى اللحظة أنها ما إن تتدخل عسكريا في بلد، حتى تحوله إلى واحدة من أفشل دول الأرض.الحرب الأميركية على أفغانستان عام 2001 كان هدفها محاربة طالبان وتنظيم القاعدة. ومن المهازل الكبرى أن أميركا، بعد 12 سنة من المكابدة العسكرية، تستعد لإنهاء وجودها هناك، عام 2014، بمفاوضات مع طالبان. وهو اعتراف أميركي رسمي وفاقع بالفشل.الحرب على العراق التي يفترض أنها حصلت بسبب وجود سلاح الدمار الشامل عام 2003 ولم يعثر عليه بطبيعة الحال، ومن أجل إحلال الديمقراطية، حولت حياة العراقيين إلى خراب لا قيام بعده. ولا تزال السيارات المفخخة، والعمليات الإرهابية، تحصد عشرات القتلى يوميا، عدا أن أميركا عززت النفوذ الإيراني في العراق، ليصبح لما يعرف بمحور الممانعة (المفترض أنها تحاربه) امتدادا من إيران وصولا إلى لبنان.ليبيا ليست أفضل حالا. صحيح أن أميركا تدخلت تحت غطاء الناتو لإنقاذ الشعب الليبي، لكنها كانت القوة الأكبر والمحرك الأساس. وللمرة الأولى شعر الرأي العام العربي حينها، وبأغلبية كبيرة، أن الغرب ضرورة لإنقاذ المواطنين الأبرياء، من بطش الجنون القذافي الهائج، لكن النتائج جاءت أكثر من مخيبة.اليوم وبينما ينشغل العالم بما ستفعله أميركا بسوريا، يجري التعتيم على «الإنجازات الأميركية» في ليبيا. وعنونت صحيفة «الإندبندنت» أحد مقالاتها منذ أيام كالتالي «ليبيا تتقدم لكن صوب الهاوية»، فالميليشيات تتحكم في العباد، والمؤسسات انهارت عن بكرة أبيها. ويقول الليبيون وهم يرون أرضهم تقسم وتتشظى إن بلادهم ذهبت أدراج الريح. لقد توقف إنتاج النفط، في بلد لا مورد له غير بتروله، بعد أن سيطر على آباره المسلحون، فيما صارت المطارات تعلق طيرانها أو تطلق له العنان، تبعا لأهواء زعماء السلاح ورياح أمزجتهم.الرأي العام في أوروبا وأميركا ليس في عمومه مؤيدا لتدخل أميركي أو غربي في سوريا، حتى وإن كان تحت غطاء الأمم المتحدة. ونشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية مجموعة من استطلاعات الرأي التي أجريت في كل من فرنسا وبريطانيا وأميركا وألمانيا، وتظهر أن 60 في المائة من الأميركيين يعارضون التدخل في سوريا، و59 في المائة من الفرنسيين لا يودون لبلادهم التدخل في هذا النزاع.ويخشى المفكرون الفرنسيون البارزون الذي استفتتهم «لوموند»، مثل إدغار موران وتزفتان تودوروف وفريدريك غرو، من أن يفاقم التدخل العسكري من سوء الوضع في سوريا، ويصب الزيت على النار، آخذين في عين الاعتبار التعقيدات الجيوسياسية التي تحيط بهذه الأزمة.السوريون المحاصرون بنار وحديد النظام يريدون الخلاص. العرب الذين يرون بشار الأسد مجرم حرب تسبب في قتل أكثر من 100 ألف إنسان، يريدون الثأر للأبرياء. وهذا طبيعي. لكن الشعب المصري المتعاطف في غالبيته مع الثوار السوريين لا يرى أن الحل سيأتي بضربات أميركية عسكرية.الخلاف حول ضرورة التدخل العسكري الأميركي من عدمه في سوريا يقسم العالم.ما يجب أن يعني العرب ويؤرقهم ليس هذا السؤال تحديدا، ولكن أمر آخر أهم، وهو كالتالي: ما هي الرؤية الأميركية لسوريا المستقبل؟ وهل التدخل العسكري سيكون هدفه ترجيح كفة المعارضة المعتدلة كما هو معلن، للمساعدة على تشكيل دولة ديمقراطية لكل مواطنيها، أم هو تكرار للسيناريوهات الأميركية الجهنمية في كل من أفغانستان والعراق وليبيا؟لم نستشف من كل التصريحات الأميركية حتى اللحظة ما يمكن أن يثلج القلب، أو يبعث على الاطمئنان، فجل ما يقوله الأميركيون أنهم لا يريدون إسقاط النظام، وإنما إضعاف القوة العسكرية للأسد. وربما أن ما كتبه الباحث الاستراتيجي - العسكري الأميركي المعروف إدوارد لوتويك يمكن أن يوضح لنا الأهداف الأميركية، القصيرة المدى على الأقل، والتي يراد للضربة العسكرية أن تحققها في سوريا، بعد أن رجحت كفة النظام.لوتويك يشرح بوضوح: «من يسخر من حذر أوباما وتردده، عليه أن يمتلك الشجاعة ويخبرنا ما هو البديل الذي يقترحه، لهزيمة بشار الأسد والإسلاميين التكفيريين معا. تحتاج أميركا، لتحقيق ذلك، إلى احتلال سوريا، ومغامرة جديدة من هذا النوع في الشرق الأوسط يرفضها الأميركيون، وتضع أميركا في دائرة الخطر. في هذه الحالة، فإن الحل الأمثل هو المحافظة على (ستاتوكو) الوضع القائم». على أميركا بحسب هذا المستشار العسكري الاستراتيجي أن تحافظ من خلال الضربة أو من دونها على استمرار «الماتش القائم بين النظام والمعارضة شرط الحفاظ على التعادل بنتيجة صفر لكل من الفريقين المتحاربين، لأطول فترة ممكنة».«نعم، محزن أن يكون الأمر كذلك وتراجيديا - يرى سعادة المستشار - لكنه الحل الأنسب في الوقت الراهن».
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=742589&issueno=12702#.Uiqtl8z7_IU

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق