الجمعة، 19 أغسطس 2016

صحن فخّار من ‫#‏سمرقند‬


هناك أشياء قيمتها منها وفيها، وأشياء قيمتها مستوردة، ليست من صلبها.
قيمة لا قيمة لها، ظرف ما يزوّدها بقيمة لا تقدّر بثمن.
قيمة سحرية كالمدخول عير المنظور.
قيمة سحرية حتّى ولو كانت ملطّخة بالدم، حتّى ولو كانت ملطّخة بدم كذب.
أكتفي بمثال وارد في ‫#‏القرآن‬ عن قميص يوسف.
ماذا فعل القميص بعيني والد النبي ‫#‏يوسف‬؟
لا أظنّ أحداً يستهويه شمّ رائحة العرق البشريّ في بلادنا، فرائحة العرق البشريّ ليس عطرا من عطور سان ديور او ايف سان لوران.
ولكن ماذا تقول وأنت ترى أمّا فقدت ابنها في حادث أليم ووصلت إلى يديها القميص التي كان يلبسها لحظة حصول الحادث؟
هل القميص قميص؟
هل تغيّرت رائحة ‫#‏العرق‬؟
هل تغيّرت طبيعة ‫#‏أنف‬ الأم؟
كثيرة هي الأشياء التي لا قيمة لها، وهي أشياء قمرية، ان صح التعبير، فالقمر نوره ليس من صلبه كما هو نور الشمس، انه ضوء مسروق كما احب ان يسميه خليفة اليوم الواحد ‫#‏ابن_المعتزّ‬:
يَا سَارِق الْأَنْوَار من شمس الضُّحَى 
يَا مثكلي طيب الْكرَى، ومنغصّي
أما ضِيَاء الشَّمْس فِيك فناقص 
وَأرى زِيَادَة حرهَا لم تنقص
لم يظفر التَّشْبِيه فِيك بطائل 
متسلحاً بهقاً كوجه الأبرص
القمر سرّاق أنوار.
وبعض الأشياء قيمتها قمرية ليست منها.
ولا أحد يعرف مصير ما لا قيمة له من الأشياء.
فالقيم تلعب بها الأقدار والظروف وحالات لا حصر لها.
أمام ‫#‏مسجد_التقوى‬ في ‫#‏طرابلس‬، منحوتة حديدية، لا قيمة لها، وهي عبارة عن سيارة احترقت وتداخل بعضها في بعض يوم ذلك الانفجار البغيض!
السيارة لم تعد سيارة، صارت تاريخا، وذكرى سوداء بلون حديد ما تبقّى من السيّارة، قيمتها في " الفرط" لا شيء، ولكن لم يعد من السهل" التفريط" بها.
كلّ الأشياء في لحظة ما قد تنقلب دلالتها ر أسا على عقب، وتصير كمن يمشي على رأسه!
إذهب إلى أي متحف في العالم تجد ان مقتنياته نوعان: نوع قيمته منه وفيه، ونوع آخر قيمته من خارجه، من ظروفه، كبقايا صحن فخّار، أو شقفة حجر من الأحجار الذي لو رأيته في الطريق لما عنى لك شيئا.
ولا أزال اذكر معرضا من المعارض في معهد العالم العربيّ في ‫#‏باريس‬ عن بعض آثار سمرقند، لم يستوقفني الاّ صحن ‫#‏فخّار‬ غير مكتمل، كان لا يزال شبه عجينة بين يدي الفاخويّ حين وقع زلزال فقضى على صاحبه وبقي الصحن ناقص الخلقة كجنين سقط من رحم أمه وهو في الشهر الثالث أو الرابع، كان الصحن كالمضغة.
قيمته انه يحمل بصمات شخص منعه زلزال من اتمام مهمته الفخارية.
صحن بسيط، فقير، متقشّف، يشبه درويشا او متصوفا يلبس خرقته.
من أعطاه القيمة؟
ودليل قيمته هو انه صحن ركب الطيارة وسافر من مكان الى مكان كسائح مدلّل، وغطّ كالعصفور في قاعة معهد العربيّ الفسيحة ، وكلفة نقله أكثر بكثير من قيمته الفعلية، وقيمة الصحن جاءت من خارجه، من البطاقة الصغيرة الموضوعة بجانبه والتي تشرح اسباب الاهتمام به.
ليس من الحمق ان نهتمّ بما لا قيمة له!
ومن الحمق ان لا نهتم الا بما له قيمة!
ما لا قيمة له قد يتحوّل إلى ثروة وطنية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق