الاثنين، 10 أغسطس 2015

يد السعادة


يد السعادة

كلّ انسان يسعى إلى نيل السعادة، وإنْ كان لا يمكن لأحد أن يحدّد ما معنى السعادة، ومن أين تأتي؟ حاولت أن أمشي في بستان المعنى اللغويّ للسعادة على هدْي " جذر" السعادة أملاً في الوصول إلى قطف ثمرة دلالتها العربية.

جذور الكلمات العربية تقول لنا، أحياناً، رأيها بالأشياء ببساطة جميلة من غير لفّ أو دوران. وللغات رأي، ورأي نافذ بل وسلطان مبرم، أشير هنا إلى كتاب العالم الاجتماعيّ الفرنسيّ الراحل بيار بورديوPierre Bourdieu  " الكلام والسلطة الرمزية" (Langage et pouvoir symbolique) الذي تناول فيه سلطان الكلام على مجريات أمور الناس.

حاولت أن أطرح، بداية، على كلمة "سعادة" جملة من الأسئلة، تساءلت: هل من علاقة بين اليد والسعادة؟ قد يقول قائل: وما دخل السعادة باليد؟ اليد، هنا، مختبئة، لا تكشف عن أصابعها إلاّ من طريق مفردة أخرى لا تخلو بدورها من صلة قرابة بيّنة مع السعادة. ثمّة كلمة "ساعِد" في العربية وهي ذات صلة باليد، وتعني ما بين المرفق والكتف. وأظنّ أنّ السامع ينتبه إلى رنّة الشبه بين "الساعد" و"السعادة"، وهو شبه دالّ على أنّ للساعد دوراً ما في تحقيق السعادة، فالسعادة لا تهبط "بالقفّة" كما يقال من السماء، وإنّما هي بنت الساعد أي بنت اليد بما تحمل من دلالات العمل. وثمّة فعل آخر مولود من قلب الساعد، فحين "يساعد" القويّ، مثلاً، الضعيف فإنّه، بشكل من الاشكال، "يأخذ بيده" ليجلب إلى قلبه السعادة. والمساعدة كانت تحتاج، في الأساس، إلى سواعد الناس وزنودهم. وتاريخ اليد تاريخ الانسان، وهو تاريخ يستحقّ التدوين، ولا أعرف مبرّراً للاستهانة بالحرف "اليدوية".

 الحرية واليد صنوان: أليس هذا ما يقوله المقطع الشعريّ بصوت كوكب الشرق: "أعطني حرّيتي، أطلق يديّ". اليد ترجمان العقل العمليّ. فهل عن عبث جمعت اللغة العربية أضلاع هذا المثلث الدلاليّ: الساعد والسعادة والمساعدة؟ أظنّ أنّ الجذر اللغويّ" س،ع، د" لا يعجز عن الإجابة المستفيضة.


الفاسوخ

الضغف، الخوف، الخيانة كلّها أمور تدفع المرء، أحياناً، إلى الإيمان بأشياء تثير الضحك أو الهزء. لا يمكن الغاء ايمان الناس بالخرافات- متابعة ميشال الحايك ومن لفّ لفّه ليلة رأس السنة شاهد-. كان هذا ردّ فعلي على العبارة التالية التي سمعت شخصاً يلقيها في أذن والدته: تذهبين عند العطّار، وتطلبين منه الـ"فاسوخ" وهو صمغ عشبيّ، ووظيفة هذا الصمغ الفاسخ ابطال مفعول المكتوب. كان الرجل – وهو، بالمناسبة، حائز على ليسانس بالمحاسبة - يخاطب الوالدة المقهورة على ابنتها التي يعذّبها زوجها اللعوب، وله علاقة غير شرعيّة مع امرأة أخرى.

تريد الأمّ المحروق قلبها على ابنتها أن تعيد الرجل إلى بيته وأولاده وتنقذ عائلة ابنتها من تهتّك الوالد عبر وسيط "الفاسوخ" الذي من مهمته "فسخ" العلاقة الحرام.

لفت نظري اسم العقار النباتيّ " الفاسوخ" الذي أخذه من وظيفته السحرية وقدرته على محو المكتوب وإعادة الامور سيرتها الأولى أو على فسخ الأحداث غير المرغوبة .عدد لا بأس به من الناس يؤمنون بـ"الفاسوخ" و" الكْتيبة". ولا أنسى، هنا، كيف أنني سمعت من فم أحد المؤمنين بفعالية "الكْتِيبة" عبارة لا تزال يرنّ صداها في أذني" الكتيبة حقّ"، واعتراضك عليها يضعك في خانة "الشكّاكين" بالحقّ المبين!

الإيمان الخرافيّ، هنا، يمنح الحبر سلطة غيبية وسحرية لا تقهر إلاّ بسلطة غيبية سحرية مضادّة .والضعف طبيعة بشرية لا ينجو منها حتّى الاقوياء.


يمام الفيحاء

قامت منذ بضع سنوات بلدية طرابلس الفيحاء بإطلاق بعض اليمامات في مدينة الفيحاء، لن أتكلّم هنا على حسنات او سلبيّات اليمامات الطرابلسية، ولكن سأتكلّم على سبب تفضيل اليمامة على الحمامة. والسبب، على ما يبدو، ديني واقتصادي فضلاً عن تزويد فضاء طرابلس ببعض الأنس. اليمامة ألوانها كابية بخلاف لون الحمام الأبيض أو الملوّن، بمعنى أنّ الحمامة تضفي ألواناً زاهية ليست في حوزة ريش اليمام الذي لا يخلو من بهوت رتيب؟ قيل لي إنّ سبب اختيار اليمامة تاريخيّ ودينيّ، وذلك بسبب الخدمات التي قدّمها طير اليمام في اللحظة المفصلية من تاريخ الإسلام، وهي وقت هجرة الرسول الكريم الى المدينة المنوّرة بصحبة أبي بكر الصدّيق، لقد ساهمت اليمامة حين نصبت عشّها على باب الغار في خداع المشركين وإنقاذ الرسول من قبضة مطارديه. صار لليمامة من وقتها حرمة، وصار الناس يرغبون عن أكل لحمها كرمى لعيني موقفها المنافح عن الرسول عليه السلام وصاحبه، ولقد سمعت هذه العبارة من فم صيّاد خبير بالطير:" حرام أكل اليمام". تساءلت: هل تفضيل البلدية لليمام على الحمام سببه أنّ البعض قد يستحلي الحمامة فتتحوّل بعد ساعات الى طبق محشيّ على مائدة الغداء خصوصاً أن أفواه الناس، في هذا الزمن الجائر، لن ترحم.


سماحة الفصول

الفصول الأربعة خلقة إلهية، وأجمل ما فيها أنّها لا تعترف بالنقاء. انظر إلى فصول الأرض الأربعة فأجدها متداخلة، لا تتداخل فقط عند الحدود بل تتداخل في كلّ النقاط. ليس هناك فصل صاف، فصل لا يعترف ببقية الفصول. لا يمكن للصيف ان يقول للغيمة: ارحلي عن سمائي، انت دخيلة، وغير مرحب بك في فصل الصيف. ولا يطرد الشتاء قرص الشمس المشرق لأنّ الموسم ليس موسمها، أو انها تتدخل في تفاصيل شؤون فصول غيرها، ولا تعتبر الغيمة أنّ وجود الشمس على ضفافها ارتكاب معصية في حقّها أو احتلال لأراضيها. في كلّ فصل كلّ الفصول، ولو لم يكن في كلّ فصل كلّ الفصول لما كان لأيّ فصل نكهة. الفصول لا تتصرّف من تلقاء نفسها، ولا تعمل ما برأسها، وإنّما هناك مدبّر – سبحانه- يتدبّر سلوكها النبيل.

قلت وأنا اتأمّل سلوك الفصول: لماذا لا يتعلّم الانسان من تجربة الفصول مع بعضها بعضا؟ أليست الفصول الأربعة مدرسةً عليا وراقيةً في التسامح والانفتاح على الآخر واحتضانه؟

فضيلة الفصول تكمن في أنّها لا تعترف بالحقد ولا بالعنصرية ولا بالانغلاق، وتعرف أنّ فكرة "النقاء" ليست نقيّة الغايات بما يكفي بل هي فكرة تسمّ بدن الأرض، وبدن الشمس، وبدن الغيوم.

بلال عبد الهادي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق