الاثنين، 17 أغسطس 2015

تمرين لغويّ وعقليّ


تمرينٌ، عملياً، بسيط، ولكنّه يتطلّب التخلّي مؤقتا عن كلّ قناعاتك. والتدرّب على أن تكون غيرك. فلنفترض أنّك مع التيّار العونيّ، وانّك من عشّاق البرتقال والجنرال. ولكن عليك ان تتخلّى عن حبّك للتيّار العونيّ وتتخيّل نفسك مع القوّات اللبنانيّة وتعشق كلّ خطوة يخطوها جعجع، وتتمنّى من كلّ قلبك، خيالياً، وصول جعجع الى سدّة الرئاسة، وتقوم، فعلا لا مجازا، في كتابة مقال تتخيّل فيه الخيرات التي ستهبط على لبنان من جرّاء تطبيق الأفكار الجعجعيّة. ولكن اذا كنت من مؤيدي جعجع فعلا فعليك ان تتخيل انك ضدّه للعظم، وانك لا تطيق ان يأتي أحد على سيرته امام أذنيك، وتبدأ بسرد انجازات عون وعبقريته في اجتراح السلم الأهليّ والازدهار الاقتصادي. وقد تكون مع حسن نصر الله، ولكن تتخيّل انك ضدّه، وان سعد الحريري هو من يمثلّك خير تمثيل. فماذا تقول عن حسن نصر الله حين تتخلّى عن تأييدك المطلق له، مؤقتا؟ اعرف ان البعض لا يخطر بباله ان يكون ولو بالخيال ضدّ ما هو عليه وضدّ من هو معه. يخاف ان يمسّ شعرة من قناعاته، يمارس الوفاء حتّى الثمالة. ولكن ما اقوله انما هو لصالح الجميع انه أشبه ما يكون بتزييت محرّك " مكربج". يقال ان خلف الأحمر استعمل هذه التقنية، بشكل من الأشكال، مع " أبي نؤاس" قبل أن يمنحه اجازته الشعرية عبر الطلب منه إنشاء قصيدة رثاء في أستاذه الذي لا يزال حيّاً. ويمكن الاستمرار بهذه اللعبة اللغوية والدماغية بشكل عابر للأقطار العربية. كأن يكون من مؤيدي مرسي ويحبّ خطّه السياسيّ ولكن ينتفض خياليا على قناعاته، ويقوم بتبنّي دور آخر، ويقوم بتدبيج مقال عن السيسي وتبرير سلوكه وضرورة ما قام به . وكما يرى الصديق العزيز انها لعبة شيّقة ولكنها شاقّة على البعض. وأجمل ما فيها ان يقدم عليها ويقتحم اسوارها من يجدها من الاشغال الشاقة بل من التصوّرات المستحيلة. ما أعرفه هو ان الخيال لا يعرف المستحيل، فالمستحيل مفردة ، في نظر الخيال، ضرب من العبث. وفي اللغة العربيّة عدّة كتب تنحو هذا المنحى، منها كتاب " تحسين القبيح وتقبيح الحسن" للثعالبيّ، أو كتاب " المحاسن والمساوئ" للبَيْهَقِيّ. وهي كتب تحكي عن السيّئ في الحسن، وعن الحسن في السيّئ او القبيح، فترى القبح الكامن في الجمال، والجمال المتواري في القبح، وللمتنبي قول جاء فيه: وربّما صحتّ الأجسام بالعلل. أليس من المحتمل أن تكون العلّة دواء ناجعا؟ في أي حال، هل كان للغة العربيّة أن تعيش لولا الحروف التي اختار لها النحويّون مصطلحاً دالاّ وهو " أحرف العلّة"؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق