يظنّ المرء أنّه يرى ما يرى، ويظنّ
أنّ للأشياء استقلاليّتها وسيادتها غير المنقوصة، ولكنّ واقع الحياة يدحض هذه
الفكرة وينسف أسسها الواهية الواهنة. فقيمة الأشياء ليست نابعة من ذاتها وإنّما من
علاقتنا بها. الشجرة، على سبيل المثال، في عيني حطّاب غير الشجرة في عيني فلاّح أو
نحّات. حين تتغيّر عين الناظر يتغيّر المنظور إليه حتّى ولو كان واحداً. وهذا ما
تشير إليه حكاية صينيّة تحكي عن مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص أوت إلى كهف، والأشخاص
هم: راهب ولصّ ورسّام وبخيل وحكيم. ولا ريب في أنّ اجتماع هؤلاء الأشخاص بصفاتهم
المخصوصة المتعارضة لا يخلو من غرابة، ولكنّ للحكايات منطقاً خاصّاً بها قد يبلبل
أحياناً صرامة المنطق الإغريقيّ ويغيظ عنجهيته. كان لكلّ واحد من هؤلاء الأشخاص
تعليقه على ذلك الكهف، فقال الراهب وهو يتأمّل موقع الكهف: يا له من مكان رائع للنسك
والعبادة! بينما كان اللصّ يقول بينه وبين نفسه إنّ الكهف بموقعه الخفيّ ملاذ آمن،
ومرتع غير وخيم للخارجين على القانون، في حين أنّ الرسّام فتن بمضرب الشمس على
الصخر الورديّ وراح يتخيّل شكل الكهف على قماشة الرسم الملوّن. أمّا البخيل الذي
يقضم القلق روحه على ما كدّس، فقال: ما أروع هذا المكان كمخبأ سرّيّ لأموالي. وتترك
الحكاية الصينية ختام الكلام أو مسكه للحكيم الذي اكتفى بالقول: ما أجمل هذا
الكهف!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق