الأحد، 20 مارس 2016

جًرح أمّي الأبجديّ

أمي لا تقرأ ولا تكتب، شاءت المصادفات ان تكون الوحيدة بين اخواتها التي لا تعرف فك الحرف.
إلى اليوم تشعر بجرح أبجديّ في عينيها.
وما ولعي بالحرف الا كرمى لعينيها. أردت أن أتعلّم من أمّية أمّي درساً في المعرفة البهيّة، أتصفّح رغباتها المكنونة، أفلفش أوراق سيرتها المنطوقة. وأروح أغمس ريشتي في محبرة أمي لتولد كلماتي.
شعرت من واجبي كابن أن أتشبث بالحرف، وأجول في جغرافيا الأبجديات وأقاليم اللغات.
دائما أقول: لولاك يا أمّي لما فككت حرفا أو عشقت حرفا.
يسرني أن أكون حرفاً بين يديك يا أمي.
أمّي أخرجتنا كلنا، أنا وإخوتي ، من أميّاتنا. وهي التي حببت اليّ صحبة الكتاب.
أحيانا وهي تراني غائبا في كتاب أو مقال، تقول لي: ارحم نفسك، خفّف قليلاً يا ولدي من غلواء المعرفة.
أقول: ماذا؟! أتطلبن مني تخفيف حبي لك، امي انت اجمل امرأة مكتوبة بين دفّتي كتاب.أنا لا أقرأ، انا أمارس "بنوّتي".
السبب الأوّل والوحيد وراء حبي للكتاب والمعرفة هو أمّي. فضلها يعرفه كلّ حرف ينبت من بين أصابعي أو من بين شفتيّ.
يوم انهيت اطروحة الدكتوراه شعرت انّه من حقّي إهداءها عملي المتواضع. فبدأته بعبارة :"إلى والدتي التي علّمتني ان المعرفة شهادة ميلاد" وأيّ ميلاد!
امّي انت التي لا تعرفين الحرف تحتضنين بحنوّ بالغ وبليغ كلّ أبجديات العالم.
انت مكتبتي السرّية التي منها اقتبس وجدي وأنهل وجودي.
نعم، أمّي مكتبتي السرّية امّا الكتب الأخرى فليست أكثر من امتدادات لها.
كلّ حرف يعبر عينيّ، يا أمّي، ليس حرفاً إنّه مُنَمْنَمَةُ وجهك الكريم.
أنت لغتي الأمّ. ألهذا أحبّ لغتي العربية يا ترى؟
أكتب بالعربيّة لأني لا أستغني عن أبجدية أمّي.
أمّي محبرة كلماتي وأفكاري.
أفتخر باثنين أمّيين علّماني حب ّالحرف والشغف بالمعرفة: الرسول العربيّ الأمّيّ عليه السلام، وأمّي التي نسجت كلماتي، لها كلّ السلام وكلّ الكلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق