الأربعاء، 16 مارس 2016

حرمة المعاجم


اعتبر المعاجم شبيهة بالمدن. في المدن يتشارك الأحياء والأموات معاً في العيش، حتى ولو قضى الموتى ما تبقّى من وقت في انتظار البعث خارج أسوار المدن. من يتأمّل أسماء مقابر مدينة طرابلس مثلا ينتبه الى صلتها بالأبواب والأسوار القديمة من مثل مقبرة " باب" التبّانة، أو "باب" الرمل. لم يبق من الباب إلاّ اسمه، الباب فاصل بين مسكن الأموات ومسكن الأحياء. رغم الفاصل لا يمكن لحيّ أن يستغني عن التواصل مع الميّت، الموتى حاجة روحية للأحياء. والحيّ لا يقوم بزيارة الأحياء فقط، يقوم بزيارة موتاه في المناسبات السعيدة ( الأعياد) والحزينة ( موت طريّ).

وهكذا في المعاجم كلمات كثيرة ميتة لا يمكن الاستغناء عنها ولا يجوز الاستهتار برفاتها اللغويّ.

ليس من السهل الاستغناء عن الموتى حتى بعد ان يتحولوا إلى هياكل عظمية، وليس من السهل الاستغناء عن الكلمات الميتة.

وكما يقوم علماء الانسان والحضارات والآثار بالتنقيب في جوف الأرض عن بقايا عظام من تواريخ قديمة، هكذا يفترض بعلماء اللغة، النبش عن عظام لغوية في جوف المعاجم والنصوص لمعرفة سبب غيابها، أو لتسليط الضوء على أحفادها الأحياء في صلب المعجم /المدينة. ولا بأس من إعادة التذكير، هنا، بوفاة فعل (أَتَمَ) المذكور أعلاه وتوريث ممتلكاته أو بعض ممتلكاته الدلاليّة لكلمة "مأتم"!

للموتى من البشر حرمة، وللموتى من اللغات والمفردات أيضاً حرمة! ولا تخلو المقابر من أسرار لغويّة، أليس هذا ما تقوله، في أيّ حال، الهيروغليفية في دهاليز الأهرامات؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق