أديان وألوان ومآكل

العربيّ ليس عربيّا من نمط واحد. الانسان كما الالوان. علينا ان لا ننسى ان الفطرة لها اسم هو " الصبغة" والصبغة على علاقة بالألوان. السياق او قل الجوار يلعب دورا مهمّا في جعل العرب مختلفين وسيظلون مختلفين الى يوم يبعثون ، والسبب هو السياق والجوار، ولا اقصد بالاختلاف هنا الاختلاف الذي يصل الى الخلاف المسلّح ، وانما هي طبيعة الاشياء. يستحيل على ان تجعل العرب امة واحدة او امّة ذات رؤى وانظار واحدة. وسوف... أشرح وجهة نظري عبر النظر الى وجه الشبه بين الشعوب والالوان.
خذ قطعتين دائريتين من لون واحد وليكن اللون الاصفر، ثمّ ضع كل دائرة لونيّة على قطعة لونية مختلفة. كأن تضع القطعة الاولى على أرضيّة خضراء، والأخرى على خلفية حمراء ، ثمّ تأمّل القطعتين الصفراوين ( وهما من مقلع واحد) ستجد ان اللون الأصفر الذي ارضيته خضراء غير اللون الأصفر الذي أرضيته حمراء. والسبب ان تغيير لون الأرضية/ السياق/ الجوار ادّى الى تغيير في بنية اللون الأصفر الواحد. تأثر اللون الأصفر بمحطيه بسياقه، بأرضيته، او قل خلفيّته.
ومن الغباء القول ان الاصفرين هما واحد رغم ان العين تقول خلاف ما يقوله فمك. من تصدّق، فمك أم عينيك؟
وهكذا العرب، فالعربيّ العراقي ليس كالعربيّ المغربيّ ولا كالعربيّ السعوديّ وليس كالعربيّ اللبنانيّ وليس كالعربي المصريّ.
التاريخ هو الأرضيّة او الخلفية او السياق.
البنية التحية لمصر مثلا هي قبطية فرعونية. ويقال ان المأمون حين أتى الى مصر احتاج لترجمان حتّى يفهم كلام بعض سكان مصر الذين لم يكونوا قبل تشرّبوا العربيّة. والمغربيّ خلفيته بربرية وهي غير الخلفية او البنية التحتية للبنان الفينيقي السريانيّ، ويقال ان بلدة حصرون لم تصل اليها العربية الا في القرن الخامس عشر، اي كانت العربية الى ذلك الحين غريبة عن السنة الحصرونيين. اللغة كالماء ليست من هواة تسلق الجبال، فالمياه تكرج الى المنحدرات وهكذا اللغات. 
على العربيّ الانطلاق من كونه كائنا مختلفا من مكان الى آخر.
للجغرافيا سلطان لا يقاوم بالهيّن.
الجغرافيا تنتج فروقات في الألوان، والأعراق، وسمك البشرة، فبشر الأسود أسمك من جلد الأبيض حتى تحمي نفسها من سلاطة الشمس مثلا.
اريد ان اخرج من الالوان واللغات ، لأقارن بين الدين والأكل، والدين " غذاء" روحيّ، اي لا احد ينكر ان الدين أكل وطعام. أكل للروح ، وطعام للروح.
فليعطني شخص أكلة واحدة تصنع في مكانين ويكون لها المذاق نفسه، وأقصد الأكل المحلّي.
ولتكن الكبّة أو الورق عنب، هل تصنع الكبة في بيروت كما تصنع في طرابلس؟
وهل تصنع الكبّة في طرابلس كما تصنع في اهدن؟
وهكذا الدين الواحد. الاسلام الذي يطبخ في مصر غير الاسلام الذي يطبخ في لبنان، والاسلام الذي يطبخ في السعودية غير الاسلام الذي يطبخ في تونس أو المغرب.
وكما لكل بلد عربيّ خصوصيته الغذائية كذلك لكل بلد خصوصيته الاسلامية، فالكوسكوس المغربيّ يصل الى السعودية منسفا، والمنسف الاردنيّ غير الكبسة السعودية.
من المضحك ان اجد في الكوسكوس المغربيّ كبسة سعودية او منسفا اردنيّا.
وكذلك من المضحك ان اجد الاسلام السعوديّ هو نفسه الاسلام المغربيّ. 
ولكن الاختلاف لا يمنع من ان يعشق السعوديّ مثلا المنسف الاردنيّ ويفضله على الكبسة السعودية او العكس، كما ليس مستغربا ان تجد مثلا لبنانيا يفضل " مذاق" الاسلام السعوديّ على الاسلام اللبنانيّ المحلّي الصنع. ومن حقّه ان يفضّل طعاما على طعام. فالمثل يقول:" كل على ذوقك والبس على ذوق الناس".
والاسلام اللبناني غير الاسلام المصريّ، ولا اقول كلامي للمفاضلة بينهما وانما للتوصيف لا اكثر. فالاسلام اللبنانيّ يعاشر ويحتكّ بالمسيحية المارونيّة والبيزنطية بخلاف الاسلام المصريّ الذي يجاور المسيحية القبطية مثلا.
اظنّ ان هذه الأمور حين تدرس تمرّن الدماغ العربيّ على الليونة.
حين كنت في فرنسا ، اكتشفت ان المغربيّ والجزائريّ يستغربان ان يحمل عربيّ اسما كجورج، او اسما كبطرس، وهي اسماء غريبة عن تراثه او قل اسلامه المحلّي. ولكن لا اظنّ ان مسلما لبنانيا يستغرب ان يكون جاره او زميله في العمل يحمل اسم جوزيف مثلا او طوني.
الاستغراب وليد سياق مختلف للاسلام الجزائري عن الاسلام اللبناني او السوري او المصري. وحين اعلّم المسلم " الاسلامات" في العالم الاسلاميّ، يصير يعرف كيف يعيش حتى اديان الآخرين برحابة صدر.
وحال العربيّ ، كحال الاسلاميّ ، كحال المسيحيّ.
التعدد في الفرق ليس ضلالة، الطبيعة لا تضلّ، الطبيعة لا ترتكب حماقات.
من رأى نهرا ليس له أذرع وتشعبات وروافد.
الدين نهر، فلنتأمّل نهر النيل او الفرات او دجلة ، هل هي انهار لها مجرى واحد؟
لا احد يقول ان النيل نهر مهرطق او زنديق او شاذّ أو عدوّ الله لأنّه متشعب.
الانهار تلتقي وتفترق ثمّ تلتقي على شواطىء البحار لتختفي في البحر مصهر الانهار!
‫#‏بلال_عبد_الهادي‬