الخميس، 24 مارس 2016

المستعرب الصينى تشونج جى كون.. غوّاص فى بحر الأدب العربى شينخوا- بقلم لى تنغ

لو أتيح لى عمر آخر، فسوف أكرس حياتى مرة أخرى لأعمال بحوث وترجمة روائع الأدب العربي، بل وتدريسها للصينيين".. هكذا تحدث الأستاذ تشونج جى كون (واسمه العربى صاعد) الرئيس الشرفى لجمعية بحوث الأدب العربى فى الصين بنبرة تنمّ عن مشاعر صادقة.
يعد الأستاذ تشونج بمثابة أيقونة بين الأكاديميين الصينيين المتخصصين فى بحوث وترجمة الأعمال الأدبية العربية، ويذيع صيته بين المثقفين العرب وعشاق الأدب الصينيين حيث نال ألقابا وجوائز عدة فى الصين والعالم العربى تقديرا وتكريما له على أعماله البحثية العميقة وترجماته الرائعة.

التحق تشونج بجامعة بكين، أعرق وأشهر الجامعات فى الصين، عام 1956 لدراسة اللغة العربية. وعندما عاد بالزمن إلى الوراء ليتذكر سبب اختياره العربية كتخصص دراسى فى الجامعة، قال إن ذلك يرجع إلى إعجابه منذ صغره إعجابا شديدا بروايات ((ألف ليلة وليلة)) وكذلك عقده العزم على التضامن مع العرب طوال حياته بعدما شجعه على ذلك انتصار أبناء الشعب المصرى فى تأميم قناة السويس والكفاح ضدّ "العدوان الثلاثي".

واستفاد تشونج كثيرا من أساتذته المسلمين الذين كانوا من خريجى جامعة الأزهر فى ثلاثينات القرن الماضى ، واعتبروا روّادا فى تدريس اللغة العربية فى المدارس العالية الصينية إذ أدخلوا هذا التدريس من الجامع الى الجامعة منذ سنة 1946، وكان هؤلاء الأزهريون يأخذون بعين الاعتبار خاصة فى النطق والنحو بل يجيدونهما وبالتالى ساهموا فى إرساء أساس وطيد فى المستوى المرتفع نسبيا لتعليم العربية بالصين، على حد قوله.

ونظرا لكونه أبرز الطلاب فى ذلك العهد، فقد تم ترشيحه للانضمام إلى هيئة التدريس بقسم اللغة والثقافة العربية فور تخرجه فى جامعة بكين عام 1961. وفى نفس العام ترجم قصّة للكاتبة السورية الشهيرة ألفة إدليبى بعنوان "ماتت قريرة العين" حول نضال الشعب الجزائرى ضد المستعمرين الفرنسيين وقد نشرت فى مجلة "الآداب العالمية".

ولكن بسبب الأوضاع السياسية التى صاحبها خفوت لصوت المثقفين قبل بدء مسيرة الإصلاح والانفتاح فى أواخر سبعينات القرن الماضي، لم يجرؤ الأستاذ الصينى خلال تلك الحقبة على إطلاق العنان لموهبته الأدبية علنا، لذا أخذ يقرأ كل ما يقع فى متناول يديه من الكتب الأدبية العربية خلسة.

وفى عام 1978 حصل الأستاذ الصينى على فرصة لاستكمال دراسته فى كلية الآداب بجامعة القاهرة كباحث زائر. وخلال مكوثه فى مصر، انتهى من ترجمة رواية "فى بيتنا رجل" للكاتب المصرى إحسان عبد القدوس ومختارات القصص القصيرة للكاتب اللبنانى ميخائيل نعيمة.

وآنذاك، زار فى وقت فراغه عددا من الكتاب المصريين المشهورين وأنشأ صداقة شخصية معهم، بما فيهم علم الأدب المصرى نجيب محفوظ، الذى يعلق تشونج عليه قائلا "أرى شخصيا أنه لا أديب فى العالم يضاهيه من حيث الأفكار الفلسفية وأبعاد المحتويات العميقة وأساليب الإبداع الفنى التى تعكسها أعمال الأديب الكبير".

وبعد عودته من مصر فى عام 1980، بدأت قمة التألق الأكاديمى للأستاذ تشونج. فتحول من تدريس اللغة إلى بحوث وتعليم الأدب العربي. ويقول "إننى كنت أحاول أن أقرأ كل ما يتعلق بالأدب العربية من الكتب المحفوظة فى مكتبة جامعة بكين ومكتبة العاصمة لجمع المعلومات البحثية والتعليمية بشكل منتظم، كما اخترت من روائعها لتقديمها إلى القراء الصينيين"،"بما فى ذلك "دمعة وابتسامة" لجبران خليل جبران و"ألف ليلة وليلة" و"مختارات الروايات القصيرة فى مصر الحديثة".. إلخ.

ومن أبرز ترجماته "مختارات الشعر العربى القديم" الذى ضم 431 قصيدة أو قطعة شعرية لـ134 شاعرا عربيا. ولاقت الترجمة إعجابا كبيرا وتقديرا عاليا فى الأوساط الأكاديمية الصينية التى علقت عليها قائلة إنها "تعكس ملحمة كاملة للشعر العربى القديم ويمكننا من خلالها أن نستشعر جاذبية المجتمع العربى ونطلع على العالم الروحانى للعرب وظواهر مجتمعهم على مجرى التاريخ."

وطوال حياته التعليمية والعملية انكب على بحوث الأدب العربية. ومنذ بداية القرن الجديد قد نشرت بالتوالى ثلاثة مؤلفات أكاديمية له وهى "تاريخ الأدب العربى الحديث" 2004، و"تاريخ الأدب العربى الكامل" (مجلدان 2010) و"تاريخ الأدب العربى القديم" (مجلدين 2015). وحصل نتاج هذا الجهد على جائزتى الأعمال البحثية الممتازة للجامعات والمعاهد الصينية من الدرجتين الأولى والثانية.

وعلاوة على ضخامة حجم مؤلفاته الثلاثة الأكاديمية ، فإن كتاب "تاريخ الأدب العربى الكامل"، الذى يحتوى على مليون مقطع صينى، يتسم بشمولية المضامين من حيث البعدين الزمانى والمكانى فيتناول الفترة الممتدة من عهد الجاهلية وحتى مطلع القرن الـ21 فيما يعرف القراء بكبار الأدباء وأعمالهم الرئيسية فى كل دولة عربية. لذا يعتبر الكتاب الأول من نوعه فى الصين وحتى العالم.

كما لم يدخر الأستاذ الكبير جهدا فى تشجيع التبادلات الثقافية الصينية ــ العربية، مشيرا إلى أن "الثقافة الصينية والثقافة العربية الإسلامية كانتا منارتين تضيئان العالم فى القرون الوسطى". وأضاف أن "مؤثرات الثقافة والحضارة العربية الإسلامية فى العصور الوسطى قد أيقظت أوربا الغربية ومهّدت لها سبيل نهضتها الحديثة، فلولا هذه الثقافة لما كانت نهضة أوروبا الحديثة".

وتابع بقوله إن "الشعب العربى مجتهد وشجاع ومحب للسلام شأنه شأن الشعب الصيني. وأوجه التماثل بين الشعبين أكثر من أوجه التباين. لذا لابد لنا من التعلم والاستفادة من بعضنا البعض لتوسيع التعاون ذى المنفعة المتبادلة على الدوام."

وبفضل أعماله المتميزة فى بحوث الأدب العربى وترجمة روائعه، مُنح الأستاذ الصيني، البالغ من 77 عاما، جائزة استثنائية من قبل وزارة التعليم العالى المصرية فى عام2005، كما نال جائزة الشيخ زايد للكتاب (شخصية العام الثقافية) وجائزة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة لعام 2011 (أحد المكرمين) ليصبح أول صينى يحصل على هاتين الجائزتين الكبيرتين.

وأمام هذه التكريمات التى تعد شرفا كبيرا بالنسبة لأى أكاديمى وخاصة أكاديمى غير ناطق بالعربية، قال الأستاذ تشونج بتواضع جم إن "الأدب العربى بحر خضمّ يتعذر كشف مدى عمقه. فما تعلمته وما أجريته من بحوث لا يشكل سوى قطرة من مياهه".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق