الخميس، 24 مارس 2016

عاشق صيني للغة الضاد تعلمت العربية مع هتاف.. عاشت مصر ويسقط الاستعمار


قريبا.. نفائس الشعر الجاهلي بالمكتبات الصينية للأديب تشونع جي كون
شباب الصين يهوى ترجمة قصائد الحب والغزل
أنصح شباب العرب بتعلم الصينية لأنها لغة المستقبل
حوار أجراه: عادل صـبري
وسط احتفاء دولي بصاحب أول نوبل صينية في الآداب مو يان، قابلته على حفل عشاء نظمته جامعة بكين لوفود من أنحاء العالم، جاءوا خصيصا لوضع أسس حوار جديد بين الحضارات، يقوم على مبدأ التناغم وليس الصدام. مصادفة جاء موقعه بجواري بين الحضور، ورغم مقابلتي له لأول مرة، إلا أن عيني لم تخطئه، فقلت له بالإنجليزية: حضرتك بروفيسور "صاعد"، فرد بالعربية نعم أنا. نطق الأديب الصيني الكبير كلماته وهو يبتسم، ورحب بي وبكل الحاضرين من حوله، من بعض العرب وأساتذة الجامعات من أنحاء العالم. عرفت البروفيسور تشونغ جي كون "صاعد"، أستاذ الأدب العربي بجامعة بكين، منذ سنوات من خلال تلميذته السيدة فريدة وانغ فو، رئيسة التحرير السابقة للطبعة العربية لمجلة ((الصين اليوم))، واحتفينا به على صدر صفحات المجلة العام قبل الماضي، مع فوزه بجائزة الشيخ زايد للثقافة، الأمر الذي اعتبرناه بداية انفتاح جديد بين الثقافتين الصينية والعربية. يبدو وجهه المبتسم متعبا، بعد أن زاد عمر أديبنا عن السبعين عاما، ويستعد خلال هذه الأسابيع لإجراء جراحة خطيرة لإزالة ورم سرطاني، وسمعه يعاني من مشاكل كثيرة، مع ذلك تحامل على نفسه لإجراء هذا الحوار مع ((الصين اليوم)).

" الصين اليوم": كيف بدأت رحلتك مع العربية؟
تشونغ جي كون: عرفت اللغة العربية في مرحلة تطلع العالم الثالث إلى الاستقلال ومحاربة الاستعمار، فعندما تابعت ما يجري في مصر والعالم العربي، من تحولات ثورية، بدأت في منتصف القرن الماضي، أعجبني موقف الزعيم الوطني جمال عبد الناصر، الذي نادى في مؤتمر باندونغ عام 1955، مع زعماء الصين ويوغسلافيا والهند وأندونيسيا، بتشكيل مجموعة دول عدم الانحياز. وعقب هذه الدعوة، حاول الاستعمار فرض إرادته على مصر، والتوجه إلى احتلال مصر من جديد، في العدوان الثلاثي الذي وقع عام 1956. في هذا التوقيت أعجبت كثيرا بموقف جمال عبد الناصر، الذي وقف على منبر الجامع الأزهر يدعو الشعب المصري لمكافحة الاستعمار، ورأيت قدرته على الخطابة بلغة لم أفهمها، ووجدت كم أن الشعب تجاوب معه، بكل بساطة وقاد حربا على الاستعمار الذي فشل في فرض إرادته على مصر من جديد. كانت مصر قد اعترفت قبل العدوان الثلاثي عليها بأسابيع بجمهورية الصين الشعبية، وأصبحت أول دولة عربية تعترف بالدولة الصينية التي قاد الزعيم ماو تسي تونغ ثورتها وشقت طريقها نحو التحرر الوطني من كافة أشكال الاستعمار وذيوله. أعجبنا في هذه الفترة بقدرة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، على مواجهة الاستعمار وتأييده للدول التي تقف في مواجتهه، ومن بينها الصين ودول أفريقيا والدول العربية. وعبرنا عن إعجابنا بموقف مصر من خلال تنظيم شباب الصين مظاهرات تأييد لمصر أمام مقر السفارة المصرية في بكين والتي كانت قد أنشئت قبل الحرب بأيام، وافتتحها رئيس مجلس الدولة الراحل شو آن لاي وأول سفير مصري في بكين الراحل الدكتور حسن رجب. وكنا نمر أمام السفارة القائمة حاليا في حي السفارات في وسط بكين، لنحيي السفير المصري على موقف بلاده، مما دعاه لمشاركتنا في العمل الشعبي العام الذي كنا نمارسه في إعادة تجميل العاصمة بكين. ومن شدة إعجابي باللغة العربية طلبت من إدارة جامعة بكين أن أدرس اللغة العربية، حتى أستطيع التواصل مع الشعب العربي الناطق بها والشخصيات التي أحبها. كانت اللغة معبرة عن العزة والكرامة، التي تحلى بها الثائرون العرب، فعشقتها قبل أن أنطق بها.

" الصين اليوم": كيف كانت رحلتك مع اللغة العربية؟.
تشونغ جي كون:بدأت أدرس اللغة العربية في عام 1956، في تلك السنة أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأمين قناة السويس ومقاومة العدوان الثلاثي. أول عبارة تعلمتها هي " تعيش مصر ويسقط الاستعمار"، حيث اشتركت في مظاهرة أمام السفارة المصرية في بكين وكان السفير الراحل حسن رجب يلوح لنا مبتسما. وتكرر المشهد عدة مرات، وصارت بيننا وبين السفير المصري علاقة صداقة، وكنا نتلهف على الأخبار التي ترد من مصر ودورها في قضية التحرر الوطني في أفريقيا. وبدأ يزداد شغفي بقصص ألف ليلة وليلة التي عرفت بعض المعلومات عنها من الأدب الصيني، عندئذ تمنيت أن أتعلم اللغة العربية، وتوجهت إلى الجامعة لطلب دراسة اللغة العربية، بدلا من العلوم التي كنت سأدرسها في بداية حياتي الجامعية، فقال لي أستاذي محمد مكين، وهو أستاذ اللغة العربية في جامعة بكين ومؤسس كرسي دراستها في الجامعة، قال: "إن هذه اللغة صعبة، والأمر ليس سهلا حتى تتقنها، فإذا ما شرعت في دراستها فعليك أن تجتهد، حتى تخبر فنونها وتعرف سبر أغوارها." وبدأت تعلم العربية على يدي أستاذي محمد مكين، مع نجليه جلال وجمال. وقد كان أستاذي من خريجي جامعة الأزهر ودار العلوم المصرية، فهو الذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى الصينية، وترجم أعمال كونفوشيوس إلى اللغة العربية، وأدخل دراسة اللغة العربية من الجامع إلى الجامعة، وذلك في سنة 1946. ورغم أن اللغة بدأت عهدها بفترة التقارب الصيني- العربي مع مطلع قيام الثورة الصينية والثورات العربية، في منتصف القرن الماضي، إلا أن دراستها قبل الثورة الثقافية اقتصرت على مجرد النطق بها. فلم يعرف الصينيون تدريس الأدب العربي قبل ثمانينيات القرن الماضي، ومع تطبيق سياسية الإصلاح والانفتاح أنشأنا في الجامعة مادة لدراسة الأدب العربي، ثم أتبعناها بأخرى حول تاريخ الأدب العربي. وأسسنا في قسم اللغة العربية معهد بحوث الأدب العربي باللغة الصينية عام 1987، وأقمنا منتدى الأدب العربي الأول عام 1983، وكان موضوعه "الأدب العربي يومه وماضيه"، ونسعى الآن لتأسيس جميعة بحوث الأدب العربي.

" الصين اليوم": ما أقرب فروع اللغة العربية إلى قلبك؟
تشونغ جي كون: أحب ترجمة الشعر العربي، القديم منه بشكل خاص، فهو يجذبني بسحره وطبيعته الخلابة وجمال وسلامة لغته. كما أحب الأدب ولكن من الصعب علىَ أن أترجم الرواية رغم عشقي لها في السنوات الأخيرة بسبب عامل السن الذي يقف عائقا دون ترجمة هذه النوعية من الأعمال، لأنها تتطلب جهدا وعملا شاقا، لا تسمح به الظروف الصحية الآن. مع ذلك ترجمت أعمالا كثيرة للأدباء العرب منهم الأديب المصري إحسان عبد القدوس، وشاعر المهجر جبران خليل جبران وصاحب نوبل نجيب محفوظ.

" الصين اليوم": ماهي أحلامك مع اللغة العربية حاليا؟
تشونغ جي كون: أريد ترجمة شعر الغزل العربي، قديما وحديثا. سأنشر  خلال الأيام المقبلة ترجمة للمعلقات السبع وهي الأشهر في الشعر الجاهلي، بعد أن أتممت ترجمتها، وتنقصني ثلاث معلقات كي أتم ترجمة المعلقات العشر الأشهر في الشعر العربي القديم. ويحول دون إتمام هذه المهمة نقص المعلقات الثلاث، وصعوبة ترجمة هذه النوعية من النصوص التي تتطلب قدرات لغوية هائلة، حيث أن العرب يدركون مدى صعوبة فمهما وألفاظها عليهم، فما بالنا إذا كان الأمر يتعلق بالترجمة إلى اللغة الصينية أو اللغات الأخرى.
" الصين اليوم": هل حبك للشعر كان وراء التوغل في دراسته؟
تشونغ جي كون: شغفي باللغة العربية يدفعني دوما للتجديد في متابعة فنونها، فقد عملت بجوار ترجمة الشعر على تأليف مجلدين عن تاريخ الأدب العربي، أحدهما عن الأدب القديم والمجلد الثاني يحتوي على نقد وتعريف بالأدب في 18 دولة عربية. وانتهيت منذ أسابيع من تأليف كتاب لإحدى دور النشر حول تاريخ الأدب العربي الحديث وبعض الناشرين يطلبون مني استكمال سلسلة كتب تاريخ الأدب العربي القديم، ورغم أن عندي مجلدين في هذه النوعية من الكتب فإنني بحق أريد أن أغوص أكثر في هذا الموضوع، ولكن تحول الظروف الصحية دون المسير في هذا النحو على النهج الذي أريد.

"الصين اليوم": هل تخطى الأدب العربي الجانب الأكاديمي إلى الشارع الصيني؟
تشونغ جي كون: يلقى الأدب العربي، وخاصة الشعر والنصوص العربية، إقبالا من الشباب، سواء كانوا من الدارسين للغة العربية أو غيرها، خاصة أعمال الغزليات التي ترجمتها للشاعر نزار قباني التي يقبل عليها الشباب بشغف كبير. وتبقى الأعمال الأخرى محل نقاش بين دارسي اللغة العربية والباحثين والذين يرتبطون بثقافة المنطقة العربية والشرق الأوسط والدارسين في الجامعات، خاصة أعمالي التي ترجمتها عن العربية وهي "ميرامار" للكاتب المصري الراحل نجيب المحفوظ، و"في بيتنا رجل" لإحسان عبد القدوس، و"فتافيت امرأة" للشاعرة الكويتية سعاد الصباح، وبعض نصوص رواية "ألف ليلة وليلة" وقصائد مختارة لشاعر المهجر جبران خليل جبران.

" الصين اليوم": هل جاء فوزك بجائزة الشيخ زايد مفاجأة؟
تشونغ جي كون: أعلنت الأمانة العامة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وهي إحدى أبرز وأهم الجوائز الثقافية العربية، في دورتها الخامسة للعام 2010-2011، عن منحي جائزة "شخصية العام الثقافية". وذكرت الأمانة أن الجائزة تأتي "تقديرا لما قدمته لأكثر من نصف قرن في حقل تعليم اللغة العربية والترجمة والدراسات العلمية في اللغة العربية في دول الشرق الأقصى". وقال راشد العريمي، الأمين العام للجائزة، إن أعمالي أثرت المكتبة العالمية بمؤلفات وتراجم تعكس جوهر الأدب العربي الأصيل وتحمله إلى دول الشرق الأقصى بأسمى رسائل الحوار الحضاري. وهذا الوصف يدل على مدى التقدير الذي يكنه العرب للجهد الذي أبذله في التقارب بين اللغتين العربية والصينية.

" الصين اليوم": هل حصلت على تكريم مماثل من الصين؟
 تشونغ جي كون: عقب فوزي بجائزة الشيخ زايد، احتفت جمعية الصداقة الصينية- العربية بي ومنحتني جائزة الصداقة الصينية- العربية، تقديرا لمساهماتي في تقوية العلاقات العربيةـ الصينية من خلال جهود الترجمة التي قمت بها خلال عملي المتواصل لنحو نصف قرن مضى.
" الصين اليوم": لماذا لا نرى ترجمة من الأعمال الصينية إلى العربية؟
تشونغ جي كون: هذا أمر صعب للغاية، مع ذلك توجد بعض الترجمات لمقالات وقضايا فكرية، فمن الصعب نقل الأعمال من الصينية إلى العربية بسهولة، لأن الذوق الأدبي واللغوي مختلف، ومستحيل ترجمة النص تماما، ولكن يمكن ترجمة المعاني والمفردات، وساعتها لا نستطيع أن نحكم على مدى جودة النص وتقبله من الذوق العربي، ولذلك لا أتجرأ على هذه النوعية من التراجم.

" الصين اليوم": ما النصيحة التي توجهها للشباب العربي الذي يشهد تحولات تاريخية في المنطقة؟
تشونغ جي كون: أرجو من الشباب العربي أن يتقن اللغة الصينية، لأنها تخص خمس سكان العالم، فهي لغة ثرية، وإتقانها له فوائد كثيرة سياسيا وثقافيا واقتصاديا، لأن العلاقات العربية- الصينية تتطور بسرعة، فهناك  تجارة صينية في دبي وكافة الدول العربية، وأيضا في كافة المناطق الصينية يوجد تجار عرب، مما يعني أن المستقبل قادم لمن يتعلم هذه اللغة. وأعتقد أن الظروف الصعبة التي تعلمنا فيها اللغة العربية لم تعد موجودة الآن تماما كما الحال عند الطلاب العرب، فعندما كنت في جامعة القاهرة عام 1978 إلى عام 1980، كان قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب في جامعة القاهرة يدرس اللغة اليابانية ولا يوجد  بها من يدرس اللغة الصينية، أما الآن فاللغة الصينية تدرس في معاهد كونفوشيوس وفي جامعات عين شمس والأزهر والقاهرة وقناة السويس. ووجدنا اللغة الصينية تدخل مع أدلة الإرشاد السياحي في مصر منذ عشر سنوات وهو أمر طيب لدارسي اللغة الصينية.

" الصين اليوم": كيف تقضي يومك الآن وما هي أحلامك؟

تشونغ جي كون: في نصف عمري الأول عملت بالتدريس، وكل عملي قدمته هدية لبلدي وشعبي، وبعد تقاعدي علي أن ألتفت إلى صحتي قبل كل شئ، ولهذا بدأت أمارس الرياضة بصفة منتظمة، وأمارس عمل الترجمة والقراءة بجهد أقل، فالعين بصيرة والصحة تجعل اليد قصيرة، مع ذلك فإني حريص على مزيد من العمل وتجويد الأعمال التي بدأتها في الماضي. وأستعد حاليا لإجراء عملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في البروستاتا، وهو أمر يؤرقني ويجعلني أحصل على أدوية تؤثر كثيرا على الذاكرة، التي أصبحت تخونني في تذكر بعض الأشياء بسهولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق