الأحد، 8 مايو 2016

حوار مع الدكتور محسن فرجاني

الدكتور محسن الفرجاني: أثنى على دور المركز القومي للترجمة في تطوير حركة الترجمة في مصر ...كفانا واعظين للطلبة والدارسين

يعد الدكتور محسن الفرجاني مترجما بارعا على رأس قائمة المترجمين المصريين من الصينية إلى العربية،ويعمل مدرس اللغة الصينية بكلية الالسن جامعة عين شمس، حصل على جائزة "الإسهام المميز في الكتاب الصينى" كأول مصري يحصل على هذه الجائزة، كما قام بترجمة العديد من الأعمال الأدبية الصينية منها :الطاو- الحلم والأوباش- الثور-حوارات كونفوشيوس وغيرها.
ما رأيكم في حركة الترجمة في مصر والدول العربية الاخرى؟
لا يمكنني التحدث بشكل عام حول حركة الترجمة في الدول العربية فحديثى سيكون محدود بحكم ما اطلع عليه من الاعمال في هذه الدول. لكن إذا تحدثنا عن حركة الترجمة في مصر فيمكنني فقط الحديث حول بعض المؤسسات العاملة بمجال الترجمة والتى اتابع نشاطها كقارئ مثل المركز القومي للترجمة والذي أود أن أثنى على دوره في عملية تطويرالترجمة منذ نشأته كمشروع قومي للترجمة تابع للمجلس الاعلى للثقافة حتى الان، ولجنة الترجمة في المجلس الاعلى للثقافة وسلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب وأفاق دولية بالهيئة العامة لقصور الثقافة وسلسلة ترجمات الهلال...وفي نفس الوقت لا يمكنني تقييم دور بعض الوحدات العاملة في مجال الترجمة  فلا أدري إن كان مركز الترجمة العلمية التابع لمؤسسة الأهرام مستمر في عمله أم لا كذلك الإدارة الثقافية التابعة لجامعة الدول العربية، وبذلك سيكون الحديث فقط حول المؤسسات العاملة بالترجمة والتى اتابعها شخصيا.
فقد قامت سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب بترجمة عدد من الروايات الحاصلة على جوائز هامة وعدد من الروايات في التاريخ الصيني المعاصر مما أتاح الفرصة أمام القارئ لمتابعة ما يحدث على الساحة الادبية الصينية. فتم ترجمة أعمال مجموعة من الكتاب الصينيين على رأسهم "موويان" و "ليو جين يون" و "سو تونغ" و "جيا بينغ أو". كما حرصت سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب على التعاون مع المركز العالي العربي للترجمة في الجزائر لإصدار الأعمال المتأخرة لعدة أسباب...وهذا دور عظيم لا يمكن تجاهله. بالإضافة إلى اهتمام المركز القومي للترجمة بتغطية خانات فارغة في الترجمة لبعض اللغات منها الكورية واليابانية واللغات القديمة كاللاتينية.
 أرى أن الإعلام والمؤسسات تغفل عن شئ في غاية الخطورة بكل معنى الكلمة ألا وهو الرسائل الجامعية الخاصة بالدرجات العلمية والتى تتناول الترجمة سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية أو الابداعية فهى نموذج رائع يمكن أن يستفيد منه الباحثين إلا أن هذه الرسائل تطوى وتصبح أسيرة الأرفف المكتبية بعد الحصول على الدرجة العلمية وبذلك لا تصل إلى الجمهور.
وفي حدود معرفتى فقط أعتقد أن دور النشر في الجامعات المصرية لم تصدر أي نشرة ترصد الرسائل الصادرة والتى تتناول موضوع الترجمة وقد أكون مخطئا لكن أتمنى أن نستفيد بما يتم إنتاجه في مجال الترجمة بنشر قوائم تحوي كل الرسائل والاصدارات التى تتعلق بلفظ الترجمة.
لماذا لا يوجد كثير من الأسماء على ساحة الترجمة من الصينية إلى العربية؟
يوجد بعض الأسماء مثل الدكتور حسانين فهمى والدكتور عبد العزيز حمدي ويارا المصري ومي عاشور...إلا أنني اتفق معك في هذه النقطة، وأظن ان السبب هو عدم وجود قائمة نشر تختص بالترجمة والمترجمين تصدر عن مؤسسة تعمل في مجال الترجمة والتى من شأنها أن تضم اسم المترجم والكتاب المترجم وتاريخ الترجمة ودار النشر، لعمل إحصائية ورصد جيد ومتابعة لحركة الترجمة على المستوى المحلى والعالمى.
هناك دليل للترجمة بموقع مؤسسة اليونسكو يرصد ويتابع حركة الترجمة ويتم تغذيته ببيانات صادرة من الجهات الدولية إلا أنه محدد بسنوات معينة وذلك في إطار ما يتم تغذيته به.
فنحن نحتاج إلى قوائم محلية حديثة تتابع أول بأول أسماء المترجمين والأعمال المترجمة لرصد حركة الترجمة بشكل عملي وواقعي في مصر والعالم العربي.
إننى أندد بما ينشر ويتم تداوله على أنه رصد حقيقي وواقعي عن حركة الترجمة وجهود الترجمة في المنطقة العربية لأنه في واقع الأمر مجرد انطباع شخصي أو رأي خاص بأصحابه، فلا يمكن مطلقا تقييم حركة الترجمة الا بوجود دليل وافي. فقد يغيب عنا ما يتم إنتاجه من دراسات وأبحاث جامعية ونتجاهله في حين أننى أرى حركة غير عادية في تلك الأبحاث المتعلقة بالترجمة من خلال اطلاعي على المكتبات المركزية بجامعة عين شمس وجامعة القاهرة وجامعة الزقازيق.
ما هي المعايير المطلوبة لاختيار عمل معين لترجمته؟
هناك نوعان من المعايير سواء بشكل شخصي أو موضوعي.
فلدينا جهود فردية مبذولة لاختيار كتاب يحظى على صدى كبير في إطار حركة النشر العالمية ومن ثم يتمتع بصدى على الجانب المحلي...فمثلا أعمال "موويان" لها صدى على المستوى العالمى وبذلك لا يمكن تجاهلها محليا...أو أن النص له أهمية في بيئته المحلية أو الثقافة المستقبلة له، فالمترجم جسر بين الثقافة الأم والثقافة المصدرة.
وقد يكون للعمل المترجم فكر غير لحظي أورؤية مستقبلية تدعو إلى ترجمته، فعلى سبيل المثال قام المترجم الانجليزي "فيتزجيراد" بترجمة رباعيات الخيام. وكان هذا النص ضمن نصوص تراثية غير معروفة للجمهور حيث ساهم في تعريف القارئ الأجنبي بشعر عمر الخيام إلى جانب كونه كيميائي، فكان بمثابة نقلة تعيد تقييم عمر الخيام كشاعر صوفي.
يمكن القول بأن ترجمة النصوص الشعرية الصينية على يد التبشيريين نقلت على أنها نصوص قديمة وكان لها صدى في أوروبا. كما كانت أحد الروافد في ظهور الشعر الرومانسي في القرن السابع عشر والثامن عشر.
وعلى المستوى الموضوعي فالمترجم يتبع مؤسسة وله دورتكميلي للمؤسسة. فإذا لم يكن المترجم متحمسا بقدر كافي للنص المراد ترجمته فعليه أن يفكر لصالح أهمية هذا النص وبشكل موضوعي.
إذا كان للوحدات العاملة بمجال الترجمة سياسات وأهداف فلا بد أن يكون لها خطة واضحة ومدروسة تحدد أسماء الكتب ودور النشر ومن سيقوم بترجمة الكتب.
هل هناك اهتمام من الجانب الصيني لترجمة الأعمال المصرية؟
نعم...لقد مرت حركة ترجمة الأدب العربي عامة في الصين بثلاث موجات للترجمة:
1- الأولى من القرن 19 حتى العشرينات تم خلالها ترجمة الأدب العربي عبر لغات وسيطة...وعلى سبيل المثال: ترجمة القرآن الكريم و "تيمور"
2- الثانية من الثلاثينات حتى الستينات حيث حرصت على الترجمة من العربية مباشرة وخاصة الأعمال ذات الطابع الاشتراكي أو الوطني .وتوافد دارسون مجيدون للغة العربية وقاموا بالترجمة.
3- الثالثة من نهاية السبعينات (نهاية الثورة الثقافية) حتى المرحلة الحالية وهى أكبر موجة للترجمة العربية حيث ظهر عدد من الشيوخ قاموا بتعليم الشبان اللغة العربية، وجاء التعلم في البلدان العربية.

شهدت المرحلة الثانية والثالثة إسهامات رائعة ومميزة من العربية وإليها، تعرف الصينيون على الأدب العربي، وتمكن العرب من التعرف على الأدب الصيني.
وأشهد أني ابن هذا الجيل بشكل غير مباشر، فتعلمت على يد استاذي ومعلمي جيشوي (يدعى صافي بالعربية) أصول الترجمة ونظرية الترجمة.
هل هذه الترجمات إلى العربية دقيقة في ضوء أن العربية ليست اللغة الأم للمترجم الصيني؟
تم الاستعانة بخبراء عرب لمراجعة الأخطاء اللغوية والإملائية لكن جهود الترجمة المبذولة جاءت على يد الصينيين، بل إنهم يجيدون العربية بشكل ممتاز.
لقد انتهيت من ترجمة كتاب "الشعر الصيني القديم" -منذ أسبوعان تحديدا- وهو من أهم كتب التراث. وقد قمت بترجمته بمساعدة اثنين من مدرسي اللغة العربية بجامعة المعلمين (جامعة شي فان ) بالصين..الأول يدعى "شادي" (الاسم العربي له) والثانية " يو ماي" وقمت بمراجعة ترجمتهم وفقا للعقد، وأرسلت بريد الكتروني كتبت فيه: أشعر بالغيرة من مستواكم المتميز في اللغة العربية، حتى إنى أرسلت إليهم الجزء المنوط بي ترجمته لمراجعته. 
ردا على ذلك...هل يمكن للمترجم العربي الترجمة من العربية إلى الصينية بنفس المستوى من الحرفية والكفاءة التى قام بها المترجم الصيني في ترجمة النص العربي؟
ليس لدى تقييم واضح بل يمكن القول أنه المترجم العربي يستطيع الترجمة على المستوى المعجمي واللفظي والاسلوبي والصياغي أما على المستوى الثقافي فقد يتطلب رؤية أوسع.
أشهد أني مدين لقسم اللغة الصينية في كلية الالسن بالفضل..ولولا هذا القسم لم أكن... إلا أننى أرى أن هذا القسم لا ينتبه كثيرا إلى دراسة المحتوى الثقافي للصين مما يفقد المترجم رؤيته الموضوعية للنص.
فالطالب الصيني يدرس العربية لغة وثقافة. أعرف نماذج وشخصيات لطالبات صينيات يرتدين الحجاب وهن غير مسلمات، لكن ارادوا أن يندمجوا في المجتمع المصري ويعيشوا في أعماقه. فقد جاء ادوارد وليم لين إلى مصر في عهد محمد على ودخل الازهر ووضع العمامة على رأسه وتزوج من جارية وأدى الصلاة وهو غير مسلم تماما لكنه أراد أن يدخل فى نسيج العالم الاسلامى والعربي.بينما الكثير من الدارسين العرب في الصين يرفضون تناول الطعام الصيني مثلا أثناء تواجدهم في للدراسة هناك.
 وبالرجوع إلى السؤال فالمترجم العربي غير قادر على قراءة المجتمع الصيني من الداخل ومعرفة اهتمامات المثقفين واهتمامات القارئ العادي. ولم أر اسم مترجم عربي على كتاب صيني إلا إذا كان هناك استعانة بالجانب الصيني في عملية الترجمة. وإذا وجد هذا المترجم المتميز فما الداعي ليقوم بالترجمة إذا كان ابن هذه اللغة أقدر على الترجمة!
هل تجد حرج من ترجمة بعض المترجمين لأعمال أدبية من اللغة العبرية استنادا على الأوضاع السياسية؟
لا أعلق سلبا أو إيجابا على ذلك، لكني أتفهم النقطة الشائكة في ترجمة الأعمال الأدبية من العبرية وهى فكرة التطبيع التى لا تلقى قبولا عند المثقفين والعرب، وأقدر ذلك، فضلا عن حقوق الملكية الفكرية التى تستلزم الاتصال بدور النشر الخاصة بهذه الأعمال مما يأخذ شكل من أشكال التطبيع.
لكن إذا كانت هذه هي النقطة الشائكة فالسؤال هنا: لماذا لانستفيد من الرسائل الجامعية والابحاث والدراسات الاكاديمية العلمية من العبرية إلى العربية ونشرها في إطار علمي ونقدي فقط بعيدا عن الناحية الربحية أو التسويقية، وتفادى النقطة الخاصة بحقوق الملكية الفكرية والاتصال بدور النشر. كما يمكن الترجمة من خلال لغة وسيطة وليس الترجمة بشكل مباشر من العبرية، فالصين قامت بترجمة القران الكريم وكتاب ألف ليلة وليلة من خلال لغة وسيطة وهى اليابانية ولم تقم بترجمة مباشرة من العربية وذلك لعدم وجود خبراء.
في كل الأحوال أقدر وأتفهم هذه المسألة لدى المترجم والمثقف العربي.
ما النصيحة التى تتوجه بها إلى دارسي اللغات لرفع كفائتهم في الترجمة؟
كفانا واعظين...لا نريد وعظ أو إرشاد فالمترجم حر، فقط يمكن أن أقول تجربتى ورأيي بعيدا عن النصح والتوجيه.
لا بد من قراءة ثقافية واسعة إلى جانب الأدوات اللغوية والتطبيقية والتعامل مع المعاجم. فالانترنت يوفر قاعدة بيانات خاصة بالألفاظ لكن يعجز عن توفير المفردة الثقافية. فالترجمة من الصينية لا تمثل عقبة كمعجم لكن هناك ألف عقبة كخلفية ثقافية، مثل لوحة الفسيفساء المتشابكة. هناك بعض الألفاظ لم يستطع الصينيون أنفسهم فهمها فيمررونها خلال القراءة لكن المترجم لابد أن يتوقف عندها. فهناك شخص صيني لم يستطع تفسير كلمة تشير إلى شيخ في القرية هناك... وللتوضيح إذا اطلع القارئ العادى على كلمة "السيد البدوي" خلال نص معين ولم يعرفه، فسوف يمرر الكلمة في ضوء فهم السياق العام أما إذا اطلعت عليها كمترجم فلابد أن اتوقف عندها.ما بالك بالصين التى تتكون من 8 لهجات رئيسية، بل ان نهر اليانغستى يفصل بين منطقتين ثقافيتين مختلفين منطقة ريف راقي ومنطقة ريف أدنى.
فإذا لم تتمكن من معرفة الخلفية الثقافية للنص فستجد صعوبة بالغة في الترجمة.
وإذا لاحظنا قرية "موويان" قد تبدلت على مدى الأربعين عام الأخيرة، وحدث تغيير في المفردات، فالفلاح الذي كان يمسك بالمحراث أصبح يستخدم المحراث الألى..كما هو الحال في مصر حيث يمكن لدارس الفصحى الترجمة منها بسهولة، فالفصحى ثابتة لم تتغير أما إذا صادف الدارس كلمة بالعامية سيجد أن الألفاظ تغيرت بتغير المجتمع والجيل ولكل لفظة خلفية ثقافية معينة.
قد قام أحد المترجمين بالذهاب إلى قرية الكاتب الذي يترجم عنه وعاش في بيئته وفرغ حياته للترجمة عن هذا الكاتب فقط لينهل من الجانب الثقافي له، وبالفعل قدم إسهامات عظيمة. فعلى سبيل المثال إذا أراد مترجم ترجمة أعمال نجيب محفوظ الأدبية فإنه سيذهب إلى البيئة التى نشأ فيها محفوظ ويعايشها. ولا يستطيع المترجم التخلى عن الكاتب الذي يترجم عنه وعايش بيئته وحياته والبحث عن كاتب جديد يعايشه.
فقد وهب الانجليزي "جولد بلد" نفسه إلى ترجمة أعمال "موويان" الأدبية وصادقه وذهب معه إلى قريته وأظن أنه لم يترجم لغيره. والنموذج العربي المماثل إلى حد ما له الدكتور "حسانين فهمى" الذي فعل ما يشبه ذلك مع "موويان" واندمج معه في قريته وترجم أعماله الروائية.
وأشار الدكتور محسن الفرجاني أن المركز الثقافي الصيني في القاهرة بصدد الإعداد لجمعية مترجمين في اغسطس القادم. وسيتم اختيار رئيس مصري لإداراتها والتعاون مع جمعية الأدب العربي في الصين لدعم حركة الترجمة.

حوار : ياســمين الصــاوى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق