سألت أبا سليمان عن البلاغة ما هي، وقلت: أحببت أن أعرف قولاً
على نهج هذه المطابقة لأن لهم كتاب الخطابة في عرض الكتاب الفيلسوف وقد بحثوا عن
نهج هذه المطابقة لأن لهم كتاب الخطابة في عرض كتاب الفيلسوف وقد بحثوا عن مراتب
اللفظ واللفظ وطبائع الكلمة والكلمة، موصلة ومفصلة، وخواتيم، أحق ما اعتمد؟ فقال:
هي الصدق في المعاني مع ائتلاف الأسماء والأفعال والحروف، وإصابة اللغة وتحري
الملاحة المشاكلة برفض الاستكراه ومجانبة التعسف.
فقال له أبو زكريا الصيمري: قد يكذب البليغ ولا يكون بكذبه خارجاً عن بلاغته؟
فقال: ذلك الكذب قد ألبس لباس الصدق، وأعير عليه حلة الحق، فالصدق حاكم، وإنما رجع
معناه إلى الكذب الذي هو مخلف لصورة العقل الناظم للحقائق، المهذب للأعراض، المقرب
للبعيد، المخضر للقريب.
فقلت لأبي سليمان: فهل بلاغة أحسن من بلاغة العرب؟ فقال: هذا لا يبين لنا إلا بأن نتكلم بجميع اللغات على مهارة وحذق، ثم نضع القسطاس على واحدة واحدة منها حتى نأتي على آخرها وأقصاها ثم نحكم حكما بريئاًً من الهوى والتقليد والعصبية والمين، و هذا ما لا يطمع فيه إلا ذو عاهة؟ ولكن قد سمعنا لغات كثيرة من أهلها، أعني من أفاضلهم وبلغائهم، فعلى ما ظهر لنا وخيل إلينا لم نجد لغة كالعربية، وذلك لأنها أوسع مناهج، وألطف مخارج، وأعلى مدارج، وحروفها أتم، وأسماؤها أعظم، ومعانيها أوغل، ومعاريضها أشمل، ولها هذا النحو الذي حصته منها حصة المنطق من العقل، وهذه خصة ما حازتها لغة على ما قرع آذاننا وصحب أذهاننا من كلام أجناس الناس، وعلى ما ترجم لنا أيضاً من ذلك؛ ولولا أن النقص من سوس هذا العالم وتوسه لكان علم المنطق بهيئة الطبيعة بالعربية، وكانت بسوق العربية إلى طبائع اليونانية، فكانت المعاني طباقاً للألفاظ والألفاظ طباقاً للمعاني، وحينئذ كان الكمال ينحط إليه عن كثب، والجمال بصادفه بلا رغب ولا رهب.
قال أيضاً: أصل الدور بعد الدور، والكور بعد الكور، ينسيان هذا الذي شمناه لقوم يكونون بعد ما فات العالم، مشتاق إلى الكمال، ومشتاق إلى الجمال، عندهما يكون الغاية، وإليهما تقف النهاية.
وقال: ومما يوضح هذا المشكل، وبين هذا المجمل، صورة العالم، فكل وقت وساعة على حال لم يكن عليها قبل ذلك بما يفض عليه ويسري إليه من الحق الأول والوسائط الأولى بالجود الأعظم والأشمل، وإذا كان للعالم ولك ما فيه صورة محدودة وشكل فاضل يصير في كل وقت ولحظة إلى هيئة لم تكن عليها من قبل، فهل ذلك إلا لأن العالم متوجه نحو الكمال والجمال ينالهما حالاً فحال؟ ثم يكون له بجود الحق الأول مبتدأ به يتحدد ويسوقه وتمتد عليه نقلته من غير انفعال بتوسط ولا نحو أمر يعرض، وهذا المبدأ مفروض، وإلا فالحال متصلة اتصال الواحد بالواحد من حيث يلحظ ما هو واحد، واتصال الوحدة بالوحدة من حيث يلحظ ما له وحدة.
وقال أيضاً: وهو الذي أشرنا إليه: العالم إنما هون من ناحية قوله وانفعاله وما هو بسبيله، وإلا فالجود الأول هو الجود الثاني، والثاني هو الأول، وإلى ما لا غاية معلومة ولا نهاية موهومة، إلا أن هذا لائق بالآله الذي له ينبغي وبه يليق، فأما العالم فتجدده وحسنه وكماله وتمامه فمضاف إليه وملحوظ فيه.
ولما دق كلامه، واعتاص لفظه، وتسلسل إيماؤه، وسقط عني إتقان جل ما كنت حويته ورأيت الحظ لي ولمن يرى رأيي أن لا أخل بما أمكن من ذلك، فأثبته على ما تجده من الفتق والرتق والرقع والخرق، وأنت أبقاك الله أولى من تدارك حله، وستر خلله، وأرجو أن لا تخرج من حسن الظن بي، ولا تغلط الفراسة فيك، ولا تدخل في غمار من لا يساوي عيانه خبرك ولا يلحق كله بعضك، كان الله لك ومعك، وهو حافظنا لك ودافعنا عنك ومؤنسنا بك.
فقلت لأبي سليمان: فهل بلاغة أحسن من بلاغة العرب؟ فقال: هذا لا يبين لنا إلا بأن نتكلم بجميع اللغات على مهارة وحذق، ثم نضع القسطاس على واحدة واحدة منها حتى نأتي على آخرها وأقصاها ثم نحكم حكما بريئاًً من الهوى والتقليد والعصبية والمين، و هذا ما لا يطمع فيه إلا ذو عاهة؟ ولكن قد سمعنا لغات كثيرة من أهلها، أعني من أفاضلهم وبلغائهم، فعلى ما ظهر لنا وخيل إلينا لم نجد لغة كالعربية، وذلك لأنها أوسع مناهج، وألطف مخارج، وأعلى مدارج، وحروفها أتم، وأسماؤها أعظم، ومعانيها أوغل، ومعاريضها أشمل، ولها هذا النحو الذي حصته منها حصة المنطق من العقل، وهذه خصة ما حازتها لغة على ما قرع آذاننا وصحب أذهاننا من كلام أجناس الناس، وعلى ما ترجم لنا أيضاً من ذلك؛ ولولا أن النقص من سوس هذا العالم وتوسه لكان علم المنطق بهيئة الطبيعة بالعربية، وكانت بسوق العربية إلى طبائع اليونانية، فكانت المعاني طباقاً للألفاظ والألفاظ طباقاً للمعاني، وحينئذ كان الكمال ينحط إليه عن كثب، والجمال بصادفه بلا رغب ولا رهب.
قال أيضاً: أصل الدور بعد الدور، والكور بعد الكور، ينسيان هذا الذي شمناه لقوم يكونون بعد ما فات العالم، مشتاق إلى الكمال، ومشتاق إلى الجمال، عندهما يكون الغاية، وإليهما تقف النهاية.
وقال: ومما يوضح هذا المشكل، وبين هذا المجمل، صورة العالم، فكل وقت وساعة على حال لم يكن عليها قبل ذلك بما يفض عليه ويسري إليه من الحق الأول والوسائط الأولى بالجود الأعظم والأشمل، وإذا كان للعالم ولك ما فيه صورة محدودة وشكل فاضل يصير في كل وقت ولحظة إلى هيئة لم تكن عليها من قبل، فهل ذلك إلا لأن العالم متوجه نحو الكمال والجمال ينالهما حالاً فحال؟ ثم يكون له بجود الحق الأول مبتدأ به يتحدد ويسوقه وتمتد عليه نقلته من غير انفعال بتوسط ولا نحو أمر يعرض، وهذا المبدأ مفروض، وإلا فالحال متصلة اتصال الواحد بالواحد من حيث يلحظ ما هو واحد، واتصال الوحدة بالوحدة من حيث يلحظ ما له وحدة.
وقال أيضاً: وهو الذي أشرنا إليه: العالم إنما هون من ناحية قوله وانفعاله وما هو بسبيله، وإلا فالجود الأول هو الجود الثاني، والثاني هو الأول، وإلى ما لا غاية معلومة ولا نهاية موهومة، إلا أن هذا لائق بالآله الذي له ينبغي وبه يليق، فأما العالم فتجدده وحسنه وكماله وتمامه فمضاف إليه وملحوظ فيه.
ولما دق كلامه، واعتاص لفظه، وتسلسل إيماؤه، وسقط عني إتقان جل ما كنت حويته ورأيت الحظ لي ولمن يرى رأيي أن لا أخل بما أمكن من ذلك، فأثبته على ما تجده من الفتق والرتق والرقع والخرق، وأنت أبقاك الله أولى من تدارك حله، وستر خلله، وأرجو أن لا تخرج من حسن الظن بي، ولا تغلط الفراسة فيك، ولا تدخل في غمار من لا يساوي عيانه خبرك ولا يلحق كله بعضك، كان الله لك ومعك، وهو حافظنا لك ودافعنا عنك ومؤنسنا بك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق