الجمعة، 13 مايو 2016

الصين في عيون التراث الإسلامي

تايلاند ـ رضا صمدي

كل صغير في بلاد الإسلام يحفظ: اطلبوا العلم ولو في الصين.

مع أن هذا الأثر باطل لا يصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال غير واحد من المحدثين ، إلا أن معناه له نظائر في التراث الإسلامي تشير إلى هذه المساحة الثقافية التي انغرست في ضمير المسلمين حتى غدت كلمة الصين رمزًا للمكان البعيد .

من ذلك ما ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ عن أبي حامد الإسفرائيني أنه قال : لو سافر رجل إلى الصين في تحصيل تفسير ابن جرير ماكان كثيرا .

وابن حزم في المحلى يعبر عن مسألة فيقول : ولو أن إحدى أرضيه في أقصى الصين والأخرى إلى أقصى الأندلس ... ؛ مما يشير إلى ما نحن بصدده .

والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد يعتبر الصين هي الإقليم السابع بعد إقليم الهند والحجاز وبابل ومصر والروم وإقليم الترك ، وبنحوه قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ، وهذا في تفسير مؤرخي العلوم الجغرافية كان باعتبار ما وصلت إليه علوم الأقدمين ورحلاتهم، إذ كان مستقرا عدم وجود الأمريكتين وأستراليا ، بينما كانت جزر اليابان وجزر جنوب شرق آسيا عموما في غياهب النسيان التاريخي .. إلا أن ياقوت الحموي يذكر معلومة غريبة لا يعلم مدى صحتها ، حيث إنه ذكر من بلاد الصين بلاد جاوة، وأنها شبيهة ببلاد الهند يجلب منها الكافور والقرنفل والنباتات الصينية ، قال : وأما بلاد الملك فلم نرها ، يعني عمق بلاد الصين.

وقد نوه بشهرتها الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات فقال : الصين إقليم عظيم معروف بالمشرق ، يشتمل على مدن كثيرة . قال الجوهري : والصواني الأواني المنسوبة إليها.

وفي هذا النقل عن الجوهري في الصحاح تدليل على أن العلاقات بين العرب والصين قد بلغت مداها ، لدرجة أن يطلق العرب على الآنية التي اختص بها الصينيون نسبة تدل على أهل صناعتها ، ولم يولدوا لها اسما من لغتهم الواسعة .

وقد حكى الطبري أن علاقة العرب بالصين كانت أقدم من علاقتهم بعد الإسلام ، فقد سرد عن بعض ملوك اليمن أنه غزا الصين وملكها ...وذلك في دولة التَّبَابِعَة .

أما الاحتكاك التجاري فهو مشهور جدًا، يشير إليه ما نقلناه عن النووي في شأن الصواني المنسوبة إلى الصين ، وقد روى ابن جرير الطبري في تاريخه أن ميرة أهل العراق كانت ترد إليهم من كل أنحاء الدنيا ، من الصين والهند وغيرهما .

وحكى ياقوت الحموي في معجم البلدان أن بغداد كانت في الماضي سوقا يرد إليه التجار الصينيون ، بل يروي ياقوت أن اسم بغداد نفسه اسم صيني ، فإن بَغْ كان اسم ملك في الصين ، بمعنى عطية ، فكان التجار الصينيون إذا عادوا لبلادهم قالوا: بغداد .. أي هذا الربح الذي ربحناه من عطايا ملكنا .

أما أول احتكاك عسكري بين المسلمين والصين: فكان في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ، وبالتحديد احتكاك الجيش الإسلامي تحت إمرة قتيبة بن مسلم مع بعض الحدود الصينية ، وذلك في سنة ست وتسعين للهجرة .

ويروي ابن جرير الطبري في تاريخه خبر هذا الغزو، ويذكر أن قتيبة بلغ كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين ، ثم جرت محادثات بينه وبين ملك الصين انتهت بقبول ملك الصين أن يوفي يمين قتيبة بأن أرسل له ترابا من تراب الصين وطئه بقدمه، وأرسل له من أبناء ملوك الصين من ختم على أقفيتهم ( وكانت عادة القادة الأقوياء إعلانا لقوتهم )، وأعطاه مالا عظيمة كجزية طلبها قتيبة ، وكان قتيبة قد أقسم أن يفعل ذلك كله ، فآثر ملك الصين أن يجنح إلى السلم بدلا من مواجهة المسلمين الذي كانوا ساعتها يجوبون الدنيا شرقا وغربا .

وياقوت الحموي ـ في معجم البلدان ـ يعتبر المعلومات التي أوردها في كتابه عن الصين تحتمل الصدق والكذب ، ويعلل ذلك بأن سعة هذه البلاد تحول دون التحقق من صدق المعلومات ، وأن كل من رحل إليها إنما حام حول أطرافها ولم يتوغل فيها ، وكلامه فيه قدر كبير من الصحة ، فإن كل المعلومات التي تذكر عن الصين لا تتضمن أية تفاصيل حول مدنها الداخلية وحضارتها وتاريخها ونحو ذلك .

وقد نسب إلى الصين كثير من أهل العلم ، فمنهم إبراهيم بن إسحق الصيني، وأبو عمر الصيني، ومحمد بن إسحق الصيني، وحرقوص بن بشر الصيني ، وهؤلاء محدثون ، وقد يكون بعضهم نسب إلى صينية الحوانيت موضع ببغداد .

ومن الرحالة الذين جابوا الأقطار: سعد الخير، وله ترجمة في سير أعلام النبلاء ، وكان قد رحل إلى الأندلس والصين فكان يكتب : سعد الخير الأندلسي الصيني .

وممن رحل إلى الصين ـ أيضا ـ الرحالة المشهور ابن بطوطة ، وله سرد تفصيلي لما شاهده في بلاد الصين ، بعضها من الخرافات التي امتلأ بها كتابه .

هذا .. وليس خبر الصين في عيون التراث الإسلامي مقتصرًا على كتب التاريخ وأخبار الممالك ، بل إن للصين ذكرًا في كتب التفسير أيضا .

فقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ): أن هذه الأمة هم السبط الذين اعتذروا إلى الله تعالى مما صنع أخوانهم من الأسباط من معاصي وفجور ، وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا فساروا فيه سنة ونصف حتى خرجوا من وراء الصين ، وقد نقل القرطبي هذه القصة ولم يعلق عليها، لكن ابن كثير سردها وقال إنه خبر عجيب .

ونختم بمقولة يتداولها بعض الكتاب أن يأجوج ومأجوج ، وهم الأمة التي ستخرج آخر الزمان لتبيد الحرث والنسل وتكون من علامات الساعة ماهم في الحقيقة إلا شعب الصين ، الذي بلغ الآن قرابة ربع سكان العالم ، فهل لهذا القول نصيب من الصحة ؟ من يدري فلله تعالى في خلقه شئون . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق