الخميس، 10 مارس 2016

مداخلة د. سوسن الأبطح في ندوة اليوم العالمي للمرأة في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب، الفرع الثالث.




أبدأ مداخلتي بدراسة تظهر بالأرقام وضع المرأة في لبنان كصحيفة وإعلامية، ثم أتحدث، بعد ذلك، عن ملاحظات ميدانية عرفتها عن كثب طوال أكثر من ربع قرن في الصحافة، كانت غنية ومثيرة في مراحل عديدة.
الزميلة الدكتورة في الجامعة اللبنانية نهوند القادري، نشرت،  نهاية العام الماضي، دراسة مهمة، حملت عنوان «نحو صورة متوازنة للنساء" في الإعلام تظهر بالأرقام، مدى الإجحاف الواقع على المرأة، رغم ان النساء، بارزات وكثيرات على الشاشات، وفي الصحف، ولكن ماذا وراء هذه الجحافل النسائية من مظالم؟
تشكل النساء 23% من معدل العاملين في أبرز الصحف اللبنانية، اما في المجلات فترتفع نسبة الصحافيات إلى 34% ، وفي المحطات التلفزيونية تشكل النساء نسبة 29%، بينما ترتفع النسبة في الإذاعات بشكل كبير جداً لتصل إلى 47%.
أما ملكية وسائل الإعلام فهذا أمر آخر، اذ ان «نسبة إسهام الإناث في ملكية المحطات الإذاعية اللبنانية تبلغ 3,4% فقط من مجموع المساهمين، أما في محطات التلفزة فترتفع الى 6%. لأن غالبيّة أسماء الإناث المالكات استُخدمت من قبل المالكين الذكور للالتفاف على القانون. وتشير الدراسة الى سيدتين، فقط لاغير، تملكان مطبوعة سياسية من أصل 111 مطبوعة».
"مجلس نقابة الصحافة كان يضم سيدة واحده من أصل 18 عضوا، ليخلو في انتخاباته الأخيرة من السيدات، في ما "مجلس نقابة المحررين كان يضم سيدة من أصل 12 عضوا، علما أن نسبتهن بين المحررين 35%، لتعود وتتمثل النساء في انتخابات عام 2015 بثلاث سيدات من أصل 12 عضوا".


نستنتج من هذه الأرقام أمرين:
-        ان رئيس التحرير ومالك الوسية الإعلامية هو رجل وله الكلمة الأولى، وبالتالي هو الذي يقرر، أي صورة تعكسها وسائل الإعلام عن المرأة، وكيف تقدم هذه المرأة، للجمهور العريض.

-        ان الرجل أيضاً بما انه رب العمل في الوسائل الإعلامية  هو الذي يقرر، مدى ما تستطيع المرأة ان تصل اليه في مهنة الصحافة عموماً، وفي ترقيها المهنى، هل يرى ان عملها كمراسلة أو محررة أو مقدمة برامج أقصى ما تستطيع فعله؟ أم انه يؤمن بأن بمقدورها ان تتولى مسؤوليات أرفع؟

صورة المرأة في الإعلام:

وهنا لا أعتمد على دراسة وانما عما عشت وشاهدت وعاينت من خلال الممارسة اليومية لهذه المهنة:

-  يوجد مسؤولو تحرير، يتفادون نشر صور لبعض النساء، لأنهن بكل بساطة، غير جميلات أو يتم تصغير صورهن، في ما يتم تكبير وابراز صور ذوات المؤهلات الجمالية، لأن ذلك يجذب عين القارئ، ويساعد في التسويق.

-  يحدث ان يغض النظر عن إجراء مقابلة مع امرأة لمجرد انها لا تستوفي الشروط الجمالية. الأمر ليس متوقفاً على الفنانات، كما يمكن ان يتخيل البعض، ولكن على الكاتبات ايضاً. أي، يفضل اجراء مقابلة مع كاتبة حسناء على كاتبة ليست مصنفة في هذه الخانة. وهذا يحدث في التلفزيونات بشكل كبير، وفي المجلات التي تعتمد على الصور الملونة. أعطي مثلاً فنياً تاركة لكم التفكير في وجوه الأديبات اللواتي يتكرر ظهورهن الإعلامي، دون مرادف في الإنتاج، لحساسية ذكر الأسماء. أما فنيا فمغنية استعراضية مثل كارول سماحة لها صوت جميل، وطلة محببة، وباع على المسرح مع الرحابنة، جاهدت كثيراً لتظهر على التلفزيون، وهي غالباً لا تعتبر ذات مستوى جمالي يستحق ان يوضع على غلاف ولا يزال نضالها مستمراً، والأمثلة كثيرة.

-  يحدث أيضاً ان تدعى امرأة الى حلقة نقاشية على التلفزيون لمجرد انها امرأة، ومعد البرنامج يحتاج الى وجه أنثوي لتلطيف الأجواء، ولا يخجل المعدون من اعلام المرأة بذلك، لإقناعها بالظهور.

-        ضرورة تلطيف الأجواء في البرامج الثقافية والفنية، شرط لا ينطبق على البرامج السياسية، على اعتبار ان التحليل السياسي، موهبة رجالية، وبالتالي مقارنة عدد الكاتبات في المجال السياسي- وهن لسن بقلة على الإطلاق- لا يتناسب أبداً مع عدد الوجوه النسائية الإعلامية، التي تدعى لتناقش في السياسة. وعددهن قد لا يتجاوز الأربع نساء، وذلك لفكرة قائمة في الأذهان ان المرأة حتى وان كانت بارعة في الكتابة السياسة، ليست بالضرورة قادرة على التحدث في الموضوع.

-  بعض المجلات النسائية في الدول العربية، تمنع استخدام ألفاظ بعينها في المجلات النسائية مثل جسد، اثارة، اغراء، او حتى كلمة حرية. كما ان الصور المنشورة تدرس بعناية بخلاف تلك التي تنشر في الصحف التي يظن ان قراءها من الرجال. وأود ان أشير الى ان المجلات النسائية اللبنانية التي يعنيها البيع خارج لبنان، تراعي لضمان التسويق هذه المعايير، لتؤمن دخولها تلك البلدان، دون ان تمنعها السلطان.

بالنتيجة فإن السياسة التي يمارسها أصحاب المحطات والصحف، على المحررين والمحررات، مرة بسبب الأفكار الجاهزة البائدة، ومرة أخرى بهدف التسويق أو الجذب وكسب المال، تعزز بشكل تلقائي ان يتقدم إظهار الجميلات على الذكيات، والمهتمات بالموضة على المعنيات بالأدب والفكر، ويصل الأمر، حد اختيار مذيعات نشرات الأخبار، تبعاً لمواصفاتهن الجمالية، دون ان يتمتعن بالصوت الحسن، والأداء الواضح، والثقافة. علماً ان المحطات المهنية، في العالم أجمع، تأخذ بعين الاعتبار القدرات التحريرية للمذيعين والمذيعات وقدرتهم على الكتابة والمحاورة، لا الإطلالات الفيزيائية الخلابة.

المرأة الصحافية تلزم، بشكل مباشر او غير مباشر، بهذه السياسات الإعلامية التي تقصى عدداً من النساء، لأسباب غير موضوعية، وتقدم المرأة بصورة أصبحت مسيئة للبنانية في كل مكان في العالم. واشارة الى ان الإعلام اللبناني، والتلفزيونات بشكل خاص تراجعت، من حيث الانتشار ونسبة المشاهدة، بشكل كبير جداً، ومؤسف للغاية، نسبة الى بعض الأقنية العربية الأخرى، التي لم تسلع المرأة بنفس القدر.


المرأة الصحافية



النساء يشكلن اكثر من ثلث الكادر الصحافي اللبناني، لكنهن يبقين عالقات في وسط السلم دون ان يتمكن من الوصول الى ادارة البرامج أو رئاسة التحرير او حتى ادارة اقسام كبرى، إلا في النادر، باستثناء الصحف النسائية، التي حتى وان رأست تحريرها امرأة، فإن رسم الخطوط العريضة يبقى حكراً على الرجل.
هذا لا يعني ان النساء في الإعلام بلا وزن، بل على العكس.
هنّ الأكثر جرأة، ومغامرة، وهن أيضاً المراسلات اللواتي يقبلن على تغطية الأحداث في الأماكن الأكثر خطراً ووعورة. في حرب 2006 لفتت المراسلات اللواتي غطين الحرب بشجاعة فائقة، أنظار العالم اجمع، وسجلت لهن المهارة والدقة والموضوعية.
المرأة اللبنانية صحافية مقدامة، تبرز بسرعة، لأنها تقبل على عملها بحماسة. في الصحافة لا مكان لكلمة "لا". حين يطلب من الصحافي ان يقوم بمهمة، عليه ان يستجيب ويقتنص الفرص، كي يتقدم. هذه هي طبيعة المهنة، وقد فهمتها النساء جيداً وهذا أمر يعرفه أساتذة كليات الإعلام من خلال مسار طلابهم ذكوراً وإناثاً بعد التخرج، ومن يبرز منهم، ومن يبقى في الظل.
اذن الصورة ليست قاتمة، بالعكس. الصحافيات اللبنانيات تفتح لهن الأبواب، ويرحب بهن، لأن المهنة بحاجة اليهن، ولولاهن لكان الإعلام اللبناني في مكان آخر. وأحياناً تفضل المؤسسات الصحافية المبتدئة على الصحافي الشاب، لأن الانطباع السائد، ان الخريجة الشابة تقبل الملاحظات وتعمل بها، وتستجيب للتدريب بليونة تفوق تلك التي لزميلها الشاب.
بعض الأفكار المسبقة تبدو مفيدة للنساء....
أن تكون الصحافية أنثى هذا له ايجابياته في مجتمع ابوي. فالناس يستخفون بالمرأة وهذا جيد للعمل واجراء المقابلات، حيث يسهل البوح امامها ويساعدها على استدراج الاعترافات. حين تكون الصحافية في أماكن خطرة، ثمة ميل، في مجتمعاتنا، لمساعدتها وحمايتها، على اعتبار انها قاصر، الا في حالات استثنائية.
أن تكون المرأة صحافية له سلبياته، فالانطباع السائد ان الصحافيات سهلات، مستعدات لتقديم تنازلات وهذه فكرة تتنامى وتكبر، وتؤثر مهنياً بشكل سلبي. وباتت وسيلة لتسلق بعض المتطفلات وقليلات المهنية.
بعيداً عن هذه الملاحظة التي أرجو ان تبقى هامشاً في حياة الإعلاميات، الملاحظ ان الجهود الجبارة التي تبذلها الصحافيات، تصنع منهن نجمات، في أحيان عديدة، لكن هذا لا يترجم بترقيات وظيفية توازي الجهد المبذول، أو الشهرة التي يحصلن عليها. كما بينت دراسة الدكتورة نهوند القادري.
مع ذلك، يبقى للمرأة الصحافية دور شديد الأهمية، وكبير الحساسية، تلعبه أحياناً حين تتمتع بالوعي الكافي، ويغيب عنها في أحيان أخرى حين لا تكون لها رؤية بانورامية للمشهد العام التي هي جزء منه.
الصحافية أو الصحافي ملك، رغم كل ما يمكن ان يمارس عليه من ضغط او رقابة. يستطيع أن يمرر ما يشاء من رسائل من خلال مقالته او برنامجه، مهما كان حجم الرقابة الممارسة عليه. الخطر الحقيقي، لا يأتي من رئيس التحرير الذكوري بل من الصحافي نفسه الذي يذعن ويطيع، ويذهب الى أبعد مما يطلب منه، وهذا ما يحدث غالباً.
 أسوأ ما يمكن ان يمارسه الإنسان في هذه المهنة هي الرقابة الذاتية.
في مهنة الصحافة تحديداً، حيث تكثر الألاعيب، وتحفر المفاسد عميقاً، يفترض ان تكون المرأة صوت الضمير. ما يحدث حتى الآن انها، في الغالب، تزايد على الرجل في التحريض المذهبي، وفي الولاء لصاحب المطبوعة او المحطة التلفزيونية. دخلت المرأة اللعبة، تماهياً مع الرجل، وهذا خطير، وليس في مصلحتها.
المرأة عدوها الأول والأشرس هو: التمييز. وعماد النظام الطائفي القميء الذي نعيش في ظله، هو التمييز. التمييز بين الناس، تبعاً لأديانهم ومذاهبهم، ثم التمييز بينهم، داخل الطائفة الواحدة، تبعاً لمدى ولائهم لحزب الملة وزعيمها المبجل، مرورا بالتمييز بين المرأة والرجل، على اعتبار ان الأخير أقدر على حماية العصبيات، وأكثر مراساً في لعبة تبادل المصالح والمنافع.
المرأة الصحافية تعاني من التمييز مرتين، مرة لطائفتها، ومرة أخرى لجنسها. ودورها الأصل الذي يجب ان تلعبه بمهاره، حيث هي، وهي قادرة على فعل ذلك، ان تستفيد من السلطة المحدودة، ولكن المؤثرة جدا، التي أعطيت لها، لتمرر رسائلها بهدوء، تماماً كما تحفر قطرة الماء في صخر، لا بالعنف وإنما بالتكرار والإصرار، والمزيد من الإصرار.
10/3/2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق