الحياة الاجتماعية:
اختراع الطباعة: فيالقرن السابع اخترعت الصين فن الطباعة المحفورة على الالواح، وفي الفترةما بين القرنين الثامن والعاشر تم نقل هذا الفن الى في منطقة الرافدينومصر عبر الطريقين البحري والبري، ثم انتشر هذا الفن في اوروبا عن طريقالعرب([23]). اختراع الورق: وقد بدأت صناعة الورق من الكتان في الصين ثم انتقلت إلى سمرقند في أوساط القرن الثاني الهجري "الثامن الميلادي" بعد أن فتحها المسلمون سنة 94 هـ وهناك رواية تقول أنه بعد فتح سمرقند على يد القائد قتيبة بن مسلم استغل الأسرى الصينيين في تطوير صناعة الكاغد أو الورق الصيني والعمل على تنقيته من الشوائب بحيث أصبحت سمرقند بعد فترة قصيرة من أهم مراكز صناعة الكاغد، وانتشرت منها الصناعة إلى حواضر الدول الإسلامية([24]). ففي عام 751م انتصرتالقوات الإسلامية على قوات تانغ الصينية التي كان يترأسها قاو شيان جيوالى آنشي، في معركةدالواس باّسيا الوسطى، حيث أسرت القوات العربية في تلك الواقعة أكثر منعشرين ألف من جنود تانغ، وكان من بينهم الكثير من صانعي الورق الذينقاموا بعد أسرهم، على اثر معاملتهم الإنسانية، بمساعدة العرب علىإنشاء مصنع للورق في سمرقند، وبذلك انتقلت التقنية الصينية لصناعة الورق إلى العرب ومن ثم إلى أوروبا عبر بغداد وغيرها من المدن العربية الأخرى([25]). ويقال أن أول مصنع للكاغد تأسس في بغداد كان بإشارة الوزير الفضل بن يحيى البرمكي في خلافة الرشيد سنة 178 هـ ـ سنة 794، وأمر الفضل أخاه جعفر البرمكي بإحلال ورق الكاغد محل القراطيس البردية في الدواوين. وقد أدخل المسلمون تحسينات على الكاغد الصيني بتنقيته من الشوائب التي كان يضعها فيه الصينيون من ورق التوت والغاب الهندي([26]). وانتشر الكاغد بهذه الطريقة الجديدة ببلاد ما وراء النهر ثم انتقل إلى العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس، وعم المشارق والمغارب، ومع ذلك احتفظت سمرقند بمكانتها الأولى في إنتاجه، وظل الكاغد مرتبطا بمدينة سمرقند بمثل ما كان البردي مرتبطا بمصر([27]). البوصلة: اكتشف الصينيون الحجر المغناطيسي وامتصاصه للحديد في القرن الثالث ق.م.، فقد أشار العالم الصيني وانغ يون في مؤلفه "حول التساوي والتوازن" إلى طبيعة للحجر المغنطيسي في منتصف القرن الأولالميلادي، ثم اكتشف العالم العظيم شن كوه 1232-1296مفي عهدأسرة سونغ أن الإبرة المغنطيسية لا تشير، كما هو مكتشف، إلى الشمال إشارةدقيقة بل تنحدر إلى الشرق قليلا، وقد بدأ البحارة الصينييون استخدامالإبرة المغنطيسية منذ القرن الحادي عشر، وكان " أحاديث من بينغجو " الذي ألفه العالم الصيني جو يويأول كتاب سجل استخدام الإبرةالمغنطيسية في العالم، اشار في كتابه الى ان " ربان السفن يعرفون المواقعالجغرافية حق المعرفة، حيث يعتمدون ليلا على مدار النجوم، وفي النهار علىمدار الشمس، بينما في الاجواء الملبدة في الغيوم لا بد من الاعتماد علىالابرة المغناطيسية "، لقد سهلت الابرة المغناطيسية بعد انتشارها فيالوطن العربي قضية الابحار للعرب، كما نقل العرب عام 1180م البوصلة الىاوروبا([28]). الفلك: قام العلم الفلكي "تانغ وو" و"سيما تشيان" بإعداد تقويم "تاي تشو" الذي يعتبر من أفضل التقاويم في تاريخ الصين وتم العثور على كتاب منسوخ على الحرير في مقابر بمقاطعة خونان يضم مواقع الكواكب الخمسة وجدول دورة الكواكب الخمسة كتب في عام 170م وعثر على كتاب آخر بعنوان "أشكال النجوم والسحب" يقدم وصف لأشكال النجوم والسحب في الفضاء وهناك كتاب يحتوي على فصل يتناول العناصر الخمسة يجد فيه المرء أقدم تسجيل لكلف الشمس في عام 28م في التاريخ معترف به عالمياً([29])، وكان في وسع الفلكيين في أيام كنفوشيوس التنبؤ بالخسوف والكسوف تنبؤاً دقيقاً([30]). وقد تأثر الصينيون بعلم الفلك عند المسلمين، فقد تحدث المؤلف الصيني "كوشو كنغ" في بعض مؤلفاته سنة 1280م عن مرصد جبل المقطم، وكان هذا المرصد من الطراز الأول، كما ترجم رسالة في علم الفلك للعالم المصري ابن يونس، ونقل الإمبراطور "كو بلاي خان" كتب علماء القاهرة في علم الفلك إلى بلاد الصين([31]). ومن المسلمين الذين برزوا في الحياة الصينية خلال عهد أسرة يوان جمال الدين الفلكي، الذي يرجع إليه الفضل في وضع تقويم جديد، واختراع سبعة أجهزة فلكية أهداها إلى الإمبراطور، ولا تزال تحمل أسماء عربية إلى الآن وهي: ذات حلق، وذات سموت، ولخمة معوج، ولخمة مستوى، وكرة السماء، وكرة الأرض، والإسطرلاب([32]) الكيمياء: فيعهد أسرة تانغ، اشتهر فن "إكسير الخلود" أو "فن الحياة الدائمة" الذياخترعته الصين في القرن الثاني قبل الميلاد، فقد ألف عالم إكسير الخلودالطبيب المشهور سون سي مياو (581-682م) مؤلفه المعروففهذا العلم الذي صنع هذا النوع من الدواء الذي يخلد الناسالأساليب الكيماوية ويبحث في "تحويل الحديد إلى ذهب"، قد دخل الوطنالعربي من خلال التجار العرب، قامت دار الحكمة في بغداد بترجمة المؤلفات المعنية بإكسير الخلود في القرن التاسع، فقد اطلع العالم الكيماوي العربيجابر بن حيان على هذا الفن واستفاد منه، كما أن العالم الطبي العربيالرازي على دراية تامة واطلاع كامل على هذا الفن، إن الجزء العلميالمعقول لفن إكسير الخلود الصيني هو إحدى المصادر والمراجع الأساسيةلابتكارهما المعارف الكيماوية المعاصرة([33])، كما عرف الصينيون الحبر الأسود، والحبر الأحمر، وهم أول من اتخذ الفحم الحجري من مناجمه في الأرض منذ سنة 1922ق.م([34]). اكتشاف البارود: إن أغلب المؤرخين والباحثين يشيرون إلىأن اختراع البارود قد تمّ في الصين، وبالتحديد في القرن التاسع للميلاد([35]).وهناكمن ينسب هذا الاختراع إلى الصينيين، ولكن يحدد تاريخاً لاختراعه يسبق التاريخالمذكور بأربعة قرون، أي في القرن الخامس للميلاد. إن الصينيين عرفوا البارود فيتاريخ متقدم، وإن سر البارود انتقل إلى العرب المسلمين في زمن الخليفة هارون الرشيدالذي وعد بعض الأسرى الصينيين لديه، نحو عام 800م، بأن يطلق سراحهم إذا كشفوا له سرصناعة البوصلة والبارود، فقام هؤلاء بذلك([36]). ففيوقت مبكر يعود إلى عهد أسرة تانغ، استخدم العرب ملح البارود الصيني مادة أولية لصناعة البارود لصهر الذهب وصناعة الزجاج، الفارسيون يسمونهذه المادة ب"الملح الصيني"، أما العرب فكانوا يسمونها بالثلج الصيني لأن المادة لونها أبيض كلون الثلج وطعمها مالح كملوحة الملح، وانتشر فن صناعة المفرقعات والبارود الصيني في الوطن العربي في النصفالأول من القرن الثالث عشر، وتبعها دخول الاسلحة النارية اثر غزو بغدادعلى يد سيوليوو المنغولي عام 1258، ثم تعلم الأوروبيون استخدام المفرقعاتوصناعة الأسلحة النارية من خلال ترجمتهم للكتب العربية المتعلقة بمعلوماتالبارود كلجم العدو واشعال النيران به، (88 نوعا من التجاربالطبيعية) ومن خلال المعارك التي وقعت بين الطرفين العربي والأوروبي([37]). والظاهر أن الصينيين، بعد اختراعهم البارود،كانوا يستخدمونه في الأسهم والألعاب النارية التي كانوا يطلقونها في المواسموالأعياد فقط، ولكنهم لم يستخدموه- في بداية الأمر- كقوة دافعة أو متفجرة فيالحروب. وهناك دراسة أجرتها إحدى الباحثات العربيات المعاصرات تتبنى فيها هذا الرأيفتقول: "وقدعُرف مسحوق البارود لأول مرة في الشرق، وبالتحديد في الصين، ويُقال أن الصينيين همأول من اكتشف مسحوق البارود وتفننوا في طرق الاستعمال بدون أن يتمكنوا من استخدامهكمادة لإطلاق المقذوفات الهادفة إلى القتل وسبب ذلك يرجع ربما إلى احترام الصينيينالقدامى للحياة البشرية والحيوانية على حد سواء([38]). الطب: كانت مؤلفات ابن سينا في الطب تترجم إلى الصينية على أيدي الأطباء الصينيين المسلمين أو ذوي الأصول العربية، وكانت وصفات ابن سينا الطبية قد سبقته إلى الصين قبل سنوات، وفي فهرست كتب الهويين –مسلمو مناطق الوسط والجنوب الصينيون- وهو مخطوط محفوظ بمكتبة بكين، كثير من الكتب العربية المنقولة إلى الصينية، وتختص جميعها بالصيدلة والطب والكيمياء والفلك وغيرها من العلوم، وفي عصر أسرة يوان أنشئت دار النعمة، عام 1270م التي تخصصت في صناعة الأدوية لمعالجة المرضى من حراس القصر والرعايا الفقراء في العاصمة، وعين لإدارة هذه الدار والإشراف عليها طبيب عربي مشهور اسمه يوسف، وعمل في هذا المستشفى عدد من الأطباء العرب، وفي مكتبة جامع بكين اليوم بقايا موسوعة طبية ألفت في تلك المرحلة تحتوي على 36 جزءاً([39]).
العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين المسلمين والصين: ومعتأسيس الدولة الإسلامية العربية، وتطور التبادلات الخارجية في أواسطالقرن السابع، تكثفت العلاقات الصينية العربية، ففي السنة الثانية منعهد الإمبراطور يونغ خويلأسرة تانغ عام 651 ميلادي،أوفد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مبعوثا رسميا إلى تشانغ آنعاصمة أسرة تانغ، فمنذ ذلك التاريخ وحتى عهد الإمبراطور تانغ يوانالرابع عشر لأسرة تانغ كان العرب قد أوفدوا 37 مبعوثا دبلوماسيا للصين، بينما وصل عدد المبعوثين العرب للصين في عهد أسرة سونغالى 39مبعوثا، وفي عهد أسرة يوانوصل إلى الصين العديد من المبعوثين العرب، أما في عهد أسرة مينغفقد وصل عدد المبعوثين الرسميين العرب للصين 40 مبعوثاً([40]). وعلى الرغم من وجود صدامات عسكرية بين الجانبين، إلا أن هناك تعاون عسكري أيضاً، ففي أواسط فترة حكم أسرة تانغ قام البلاط الإمبراطوري بطلب المساعدةالعسكرية من الجانب العربي، ففي عام 755، وعلى اثر تمرد بعض القادة قام البلاط الإمبراطوري بالاستغاثة بالخليفة العباسي، فأرسل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ما يقارب من 4000 مقاتل إلى الصين بقيادة آن لوشان وقد أسهمت هذه القوات في نصرة إمبراطور الصين وتوطيد عرشه، وقد أجاز لهم إمبراطور الصين الإقامة في الصين والزواج من بنات الأهالي ومصاهرة الأعيان من الصينيين، وثبت في سجلات أسرة تانغ أن دولة الصين كانت تمنح الأسرة الإسلامية المقيمة في ولاية سيانغو 500 أوقية من الفضة كل سنة وذلك مكافأة لهم على نجدتهم لإمبراطور الصين، وقد ازداد عدد من استوطن الصين من العرب التجار، ففي القرن الرابع الهجري أوفد الأمير المسلم نصر بن أحمد الساماني وفداً يخطب ابنة ملك الصين لابنه الأمير نوح فقبل أبوها وأرسلها إلى خراسان([41]). أماأحوال المبعوثين الدبلوماسيين العرب للصين فقد وردت بشكل واضح في (سلسلة التواريخ) النسخة الصينية المترجمة بعنوان "رحلات سليمان إلى الشرق"و "الكامل في التاريخ" وغيرهما من السجلات والكتب العربية، كماوردت أيضاً في "مجلد تانغ القديمة" ومجلد أسرة يوان "مختاراتالمصادر" و"تاريخ أسرة مينغ" و "التاريخ مرآة" وغيرها من الكتبوالسجلات الصينية التاريخية، أتوا إلى الصين يحملون النوايا الطيبة للشعوب العربية ونقلرغباتها الصادقة في إقامة علاقات ودية مع الشعب الصيني، كما ويحملون معهمالأشياء النادرة والنفيسة كالزرافة (الغزال ذو العنق الطويل) مثلا التيلم تكن آنذاك موجودة في الصين، كما واحضروا معهم القرآن الكريم وغيره منالكتب الدينية، مما ادخل الديانة الإسلامية والثقافة العربية إلى الصين([42]). ظهر خلال حكم أسرة "يوان" المغولية لبلاد الصين لمدة تسعين عاما أن اصطحبوا فريقا من الموظفين الأجانب خصوصا من المسلمين الذين سكنوا آسيا الوسطى وكان المسلمون على خلق رفيع وأدب لدرجة أنه يشترط في امتحان الصينيين الأصليين بالشرط الأول معرفة اللغة المغولية والشرط الثاني معرفة دين الإسلام ومما يدل على مشاركة المسلمين في الحكم أنه كان على ثماني مقاطعات من اثني عشرة مقاطعة في المملكة حكام مسلمين وأيضاً وزراء واشتهر منهم حسن وأحمد وكولاسا وشمس الدين عمر وغيرهم وارتقى المسلمون إلى مناصب رؤساء الدواوين في العاصمة أو في الولايات التابعة للإمبراطورية([43]). النظم الإدارية: عين الإمبراطور الصيني قوبلاي خان وزيراً مسلماً في حكومته اسمه "أحمد البناكتي" (أهاما بالصينية)، كما أن بعض العرب الذين استقروا في تلك البلاد تلقوا التعليم الصيني، واجتازوا الامتحان الرسمي للخدمة بالحكومة، وأصبحوا من كبار الموظفين، ومنهم شقيقان مسلمان أحدهما بوشوشنغ الذي عين قاضياً، ونظم ديواناً من الشعر الكلاسيكي، والآخر شوقنغ الذي كان مساعداً لرئيس وزراء قوبلاي خان، وتتناثر في مختلف الكتب أسماء مثل عبد الرحمن الذي اختير رئيساً على بيت المال، وخول حق تقدير الضرائب المفروضة على الصين، وقطب الدين أو "يوتنغ" الذي كان وزيراً للملكة في سنة 1302م([44]). وبرز أيضاً سعد الله الشاعر الشهير، الذي يطلق عليه الصينيون اسم تيان شي، وقد تقدم في سلك الوظيفة حتى نال بعد الامتحان إحدى درجاتها الرفيعة التي تعرف باسم "جينشي" مما أتاح له فرصة تولي مناصب الدولة العليا، حتى أصبح مسئولاً عن الإسكان والبلديات في مدينة جينكو "تشنجيانج الآن"، وتشير إليه الكتابات الصينية باعتباره الرجل الذي نظم الأسواق وحدد المقاييس والمكاييل والموازين، حتى استقامت أمور البيع والشراء، كما كان سبباً في إنقاذ 800 ألف نسمة من المجاعة بعد أن طلب من والي المدينة بنجدة الشعب بكل ما في المستودعات من حبوب حينما وقعت كارثة طبيعية هناك([45]). ومن أشهر الشخصيات المسلمة التي برزت في الإدارة في الصين "السيد الأجل" وهو اسم شهرة لعمر شمس الدين، ويقال أنه من آل البيت، وأنه قدم إلى الصين من بخارى، والتقى بجنكيز خان عندما زحف إلى الغرب، ودخل في طاعته ومعه ألف فارس، وأصبح قريباً من القائد المغولي، الأمر الذي فتح له باب ترقي المناصب، حتى أعطاه الإمبراطور قوبلاي خان رتبة الوزارة، وجعله عضواً في مجلس أمانة السر الأعلى، وفي كل موقع تولاه كان مواهبه في السياسة والإدارة تمكنه من أداء مهمته على أفضل وجه، حتى عينه الإمبراطور حاكماً على مقاطعة يوننان، التي كانت تعاني من تخلف مروع، فتصدى السيد الأجل لبناء المدارس وشق الطرق والجسور والسدود، وأزال المغارم والمظالم وأبطل السخرة، وشيد ملاجئ للأيتام والعجزة وخفف المكوس وأحداث أنموذجات زراعية يحتذى بها، وحفر الآبار، وأقام الأسواق، وأدخل في طاعة الدولة ما لا يعد من الأقوام، وأثناء وجوده في تلك الولاية عمر مساجد للإسلام، ولكنه شيد أيضاً معابد لكونفوشيوس وبوذا([46]).
العلاقات التجارية: أول من قصد بلاد الصين للتجارة هو أبو عبيدة عبد الله القاسم الذي أقلع من عمان إلى كانتون حوالي عام 133هـ/750م، لشراء الصبار والأخشاب، وهو الرجل الذي يقول عنه العمانيون إنه أول من أطلق عليه وصف السندباد([47]). بدأتتتحول العلاقة التجارية بين الوطن العربي والصين من التبادل غير المباشرإلى التبادل المباشر منذ عهد أسرة تانغ، حيث ازداد عدد التجار العربالقادمون للصين لمزاولة الأعمال التجارية، ففي عهد اسرة تانغ كان يتجمعالتجار العرب في مدن الموانئ الدولية الصينية الهامة، كمدينة كوانجوالساحلية جنوب الصين والعاصمة تشانغ اّن، وان" المقيمونالأجانب" الذي كان يطلق على الأجانب الذين يمكثون فترة طويلة في الصينوأخلاقهم قد تحول فيما بعد إلى "الصينيون من أصول أجنبية"، كما كان فييانغجووتشوانجوالكثير من التجار العرب المقيمين([48]). ومن المعروف أن اتصال العرب بالصين قبل ظهور الإسلام عن طريق التجارة حيث أصبح ثغر صيراف على الخليج العربي مركزاً لتوزيع البضائع الصينية في بلاد العرب، وكانت السفن الصينية تدخل في نهر الفرات إلى الحيرة، وبعد ذلك جاء الاتصال وزاد بعد ظهور الإسلام، حيث جاء ذكر المسلمين في المصادر الصينية لأول مرة في بداية القرن السابع الميلادي، وقد أشار المؤرخون الصينيون إلى وجود المسلمين قديماً في بلاد الصين قائلين: "أنها تختلف عن مبادئ بوذا، وأتباعها لا تماثيل لهم ولا أصنام ولا صور"، وأضافوا أن فريقاً من المسلمين جاءوا إلى كنتون في حكم أسرة تنغ وحصلوا الإذن بالبقاء من الإمبراطور واتخذوا لأنفسهم بيوتاً جميلة تختلف في طرازها على البيوت الصينية، وكانوا يطيعون رئيساً ينتخبونه من بينهم([49]). كانالتجار العرب يسافرون شرقا باتجاه شواطئ الجنوب الشرقي للصين، والكثيرمنهم يرسون في مدينة كوانجو أو مدينة يانجو الوقعة في الشمال منها، حيثكانوا ينقلون المئات من اصناف البضائع كالعطور (اللبان، الصمغ، الكافور،العنبر، الفلفل، عود الند (عود هندي) عود البخور وماء الورد، الخ ) والمجوهرات (عاج الفيل، قرن الكركدن، ذبل اللجأة السهفية، اللؤلؤ، العقيق، المرجان، الكهرمان) والأدوية (العرّ، الليلك، والقرنفل والمنتجات الزجاجية بمختلف الأشكال والأنواع، ويعودون محملين بالبضائعالصينية كالخزف والحرير والشاي والمسك وغيرها من البضائع الصينية واسعةالشهرة، بينما السفن التجارية الصينية فكانت تبحر بعيدا لتصل عمانوالبحرين و والبصرة وبغداد العراقيتين وغيرها، لمزاولة التجارة مع التجارالمحليين هناك. سبقوان أشار المنصور، الخليفة الثاني في الحكم العباسي، عند إقراره لبناءعاصمة جديدة له في بغداد إلى أن نهر دجلة سيربط بيننا وبين الصين البعيدة، وكما هو متوقع، لم يمض إلا وقت قصير على تأسيس بغداد حتى فتحت "سوقصينية" يباع فيها الحرير والخزف وغيرهما من البضائع الصينية، كما وصفالرحال العربي المعروف سليمان ميناء كوانجو، اكبر الموانيء الصينية في عهدأسرة تانغ بأنه "مجمع البضائع العربية"، وبالإضافة إلى ذلك فتحت أسواقخاصة في بيع المنتجات العربية والفارسية في كل من تشانغ آن العاصمة ومدينةيانغجو وغيرهما من المدن الأخرى. وفيعهد أسرة سونغ، كانت منطقة الشمال الغربي قد خضعت على التوالي لسيطرةأسرة لياو (907-1125م)، ودولة شي شي (1032-1227م)، مما أدى إلىإغلاق ممر خا شي، حيث عادت التبادلات تعتمد على الطريق البحري، إلا أن ذلك لم يمنع تدفق المبعوثين العرب إلى الصين، فقد كانت المملكةالفاطمية بمصر(909-1171) نشطة جدا في هذا المجال، حيث أرسلت العديد منالمبعوثين لها إلى الصين، واستمرت التبادلات التجارية بين الطرفين، وقدكانت الموانئ الصينية في كوانجو، وتشوانجو، وخانجو، ومينجو (نينغ بوحاليا) مزدحمة بالتجار الأجانب، ويشكل التجار العرب الأغلبية. وقد أنشئت عدة مساجد على أيدي التجار المسلمين منها مسجد (تسي تون) الكبير وبني على طراز المسجد الأموي في دمشق سنة 400هـ / 1009م، ومسجد يحمل اسم "شوق النبي" واجهة المسجد ثبتت عليها لوحة رخامية ذات لون غامق وحفرت عليها كلمات باللغة العربية، وحول المسجد أكثر من خمسين قبرا للمسلمين دونت على شواهدها آيات قرآنية وأحاديث، وحديث للرسول "من مات غريباً مات شهيداً"، وهذا يشير أن هؤلاء من العرب المسلمين، والمسلمون يذكرون في السجلات الصينية القديمة باسم "داشي" ومعناها التاجر، لأن تجارهم أول الوجوه المسلمة التي رآها أهل الصين، وذكر الأمويون باسم "باي لي داشي"، أي المسلمون ذوي الرايات البيض، والعباسيون ذكروا بـ"خي لي داشي"، أي ذوي الرايات السود، وأمير المؤمنين يشار إليه باسم "هنجي موموي"، وذكر هارون الرشيد باسم "ألون"([50]). وفيالقرن الحادي عشر انتشر فن صنع الأوان الخزفية الصينية إلى الوطن العربي، ومنه إلى فينيسيا الإيطالية عام 1470 ولم يبدأ الأوروبيون إنتاج الأوانالخزفية إلا بعد ذلك التاريخ. وفيعهد أسرة يوان، فتحت الطرق البرية والبحرية ثانية بين الشرق والغرب، وشهدت التبادلات التجارية الصينية العربية تطورا كبيرا، حيث السفنالراسية تغطي موانيء كل من تشوانجو وكوانجو، كما ذكر ابن بطوطة الرحالة العربي المشهور الذي زار جنوب الصين في القرن الرابععشر في كتابه أن تشوانجو "من أكبر المواني التجارية، ويمكن القول أنها أكبر ميناء تجاري في العالم"، حيث شاهدت أكثر من مائة سفينة راسية فيمينائها، بينما السفن والقوارب الصغيرة لا تعد ولا تحصى"، بينما كوانجوفهي من أكبر مدن العالم، وفيها أفضل سوق في العالم"، وسماها (خانقو)([51]) لقد شاهد هذا الرحال العربي عمق التبادلات التجارية العربية بأم عينيه، وان كل ماشاهده ووصفه وسجله هذا الرحال المشهور يتفق مع ما دون في السجلات التاريخيةالصينية([52]). اللغة العربية : تسربت اللغة العربية في بلاد الصين ولكنها لم تصل إلى درجة القوة والنفوذ والتأثير فهي موجودة في بعض البيئات وتنعدم في البعض الآخر فولاية قانصو وولاية يوننان المسلمون بها كثير ونالت اللغة العربية وجودا كبيرا فقد ألف الشيخ محمود الكاشغري كتابا باللغة العربية سماه "ديوان لغات الترك" وهناك العديد من القوميات مثل "هوى" و"سالار" و"تغشيانغ" و"باوان" لها لغة تسمى "لغة المسجد" وتتكون من مفردات وعبارات مأخوذة من العربية مثل عبارات التحية الدينية وحركات الإنسان ومشاعره ويطلق عليها لغة "جينغتانغ" وهذهٍ الألفاظ: إيمان، حق، باطل، خير، روح، حج، عالم، جاهل، وعظ، رزق، شفاعة، المسلم، رسول، الإمام، المعلم، الخليفة وغيرها من الألفاظ ([53]). الفن: اهتم الصينيون بالفن الجميل المصبوغ بالعربية والإسلامية فقاموا بكتابة كلمات كبيرة الحجم بخطوط رفيعة مكونة من عبارات عربية وأدعية إسلامية وآيات قرآنية بغرض الزينة في بيوت الأشراف والعظماء وقد تم اكتشاف قطعة مستديرة دقيقة من اليشم في قبر قديم منحوت عليها عبارة الشهادتين باللغة العربية([54]).
المصادر والمراجع
[1] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص10.
[2] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص54-55.
[3] - تاريخ الصين، ج1، ص43.
[4] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص10.
[5] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص54.
[6] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص39.
[7] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ص306-308.
[8] - تاريخ الصين، ج1، ص254.
[9] - تاريخ الصين، ج1، ص270.
[10] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ص295.
[11] - تاريخ الصين، ج1، ص46.
[12] - تاريخ الصين، ج1، ص87.
[13] - تاريخ الصين، ج1، ص51.
[14] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ص369-370.
[15] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص636.
[16] - تاريخ الصين، ج1، ص55.
[17] - تاريخ الصين، ج1، ص63-64.
[18] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، 299-302.
[19] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص635.
[20] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص636.
[21] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص636.
[22] - تاريخ الحضارات العام، ج1، ص637.
[23] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص4.
[24] - القزويني: آثار البلاد، ج1، ص536.
[25] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص3.
[26] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص45.
[27] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص3.
[28] - المرجع نفسه، ص2.
[29] - خه جاووو: تاريخ تطور الفكر الصيني، ترجمة: عبد العزيز حمدي عبد العزيز، ص291.
[30] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص62.
[31] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص94.
[32] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص51.
[33] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، المركز العربي للمعلومات.
[34] - شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية، ص62.
[35] - محمد شفيق غربال: الموسوعة الميسرة، ص307.
[36] - إحسان هندي: العرب واختراع البارود، موسوعة دهشة.
[37] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، ص2.
[38] - رغد الرفاعي: البارود والبندقية، مجلة الدفاع الخليجي،" العدد 2، يناير 1993، ص 50.
[39] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص50.
[40] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص34.
[41] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص86.
[42] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها، المركز العربي للمعلومات.
[43] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص89.
[44] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص51.
[45] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص51.
[46] - المرجع نفسه، ص53.
[47] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص14.
[48] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها.
[49] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص83.
[50] - فهمي هويدي: الإسلام في الصين، ص29-30.
[51] - ابن بطوطة: رحلة، ج2، ص498.
[52] - لي رونغ جوان: تاريخ العلاقات الصينية العربية ومستقبلها.
[53] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص130.
[54] - كرم فرحات: الثقافة العربية والإسلامية في الصين، ص130.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق