عندما كنت صغيرة، كنت أقرأ الكثير من الروايات المترجمة، وكانت تأخذني إلى عالم آخر يختلف عن بلادنا وعاداتنا وثقافتنا، فتمنيت أن أصبح يوما مترجمة أنقل ثقافات بلدان مختلفة. وعندما التحقت بكلية الألسن لدراسة اللغة الصينية سمعت في قسم اللغة الصينية كثيرا عن د. إسراء عبد السيد، أستاذة الترجمة وعن قدراتها المميزة في الترجمة لدرجة أنها تترجممعاني القرآن الكريم، وهذا أمر صعب ويحتاج إلى دراسة اللغة العربية وإتقان متميز للغة الصينية. تمنيت أن تدرس لي الدكتورة إسراء مادة الترجمة حتى أستفيد من خبراتها، ولكن للأسف لم يصادفني الحظ خلال الأربع سنوات، ولكن جمعتني بها مناسبات كثيرة بعد التخرج في احتفالات صينية وندوات، وبعد أن حصلت هي على شهادة الدكتوراه الثانية من جامعةبكين للغات وتم تكريمها من قبل الدولة، تواصلت معها لنجري لقاء عن مشوارها مع اللغة الصينية والترجمة، وكيف كانتدراستها للغة الصينية وكيف تفوقت وأتقنت اللغة حتى تُقدم على خطوة ترجمة معاني القرآن الكريم وتكون هي مادة بحث رسالتها للدكتوراه.
د. إسراء عبد السيد حسن، أستاذة بقسم اللغة الصينية في كلية الألسن بجامعة عين شمس المصرية، ورئيسة قسم اللغة الصينية في المعهد الدولي للغات والترجمة بمصر وهي مؤسسة القسم بالمعهد. قالت إن بدايتها مع اللغة الصينية جاءت بمحض الصدفة، فبعد أن التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرةـ اكتشفت بعد حوالي شهرين من الدراسة أن دراستها للاقتصاد والعلوم السياسية ليس ما تتمناه، فقررت أن تحول أوراقها لتدرس إحدى اللغات في كلية الألسن بجامعة عين شمس. لم تجد مكانا في أقسام اللغات بالكلية لتأخرها في التقديم فنصحها زملاؤها بالتقدم لقسم اللغة الصينية الذي كان جديدا وغير معروف في ذلك الوقت. قالت د. إسراء: "مع بداية دراستي كان زملائي في القسم متقدمين عني كثيرا، فقد مر شهران ودرسوا الصوتيات والرموز الصينية فشعرت بخيبة أمل كبيرة، ولكن مع إصراري ومساندة أستاذي الصيني الذي كلف اثنين من المعيدين بالكلية تعليمي ما فاتني. تفوقت في السنة الثانية وكنت الأولى على دفعتي خلال سنوات الدراسة الأربع. في ذلك الوقت، كان القسم يبعث الطلبة المتوفقين في السنة الثانية للسفر والدراسة في الصين، فكان أول سفري إلى الصين في السنة الثالثة من دراستي، عام 1986، وبعد التخرج أصبحت معيدة ثم حصلت على دبلومة في الترجمة التحريرية ثم سجلت للدكتوراه وذهبت إلى الصين أثناء إعدادي لأطروحة الدكتوراه لجمع المادة العلمية. كانت أطروحة الدكتوراه عن معاني سورة الكهف في القرآن الكريم وطرق ترجمتها إلى اللغة الصينية وحصلت على الدرجة سنة 1998من جامعة عين شمس. كانت أول ترجمة في حياتي هي سورة الكهف، وبعد ذلك ترجمت بعض الكتب وشاركت في المؤتمرات كمترجمة فورية. ولكن، ظلت ترجمة سورة الكهف هي الأكثر إمتاعاً لي وشجعتني لخوض التجربة وترجمة باقيمعاني القرآن الكريم ما بين مواصلة وانقطاع حتى وصلت الآن والحمد لله إلى ترجمة معاني 23 جزءا من القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغة الصينية."
واجهت د. إسراء في بداية الأمر صعوبات لغوية كثيرة سواء صينية أو عربية فترجمة القرآن الكريم تحتاج إلى إتقان جيد جدا للغتين العربية والصينية، وأهم هذه الصعوبات هي أن من يقدم على هذا العمل يجب أن يكون متقنا للغة العربية، ويحتاج إلى قراءة واسعة في التراث العربي. قالت: "يقابلني كثير من الآيات بها معان متعلقة بأسباب النزول، ويجب أن أكون قد درست فترة ظهور الإسلام والأحداث التي تلتها، وكل ذلك يتطلب قراءة في كتب التاريخ والتراث. ومع الوقت والبحث والتعرف على أساتذة في علوم القرآن والتفسير وغيرها من التخصصات أصبح معي في الترجمة فريق يساعدني، وهو فريق مكون من أساتذة في التفسير وعلوم القرآن والتجويد والتاريخ واللغة العربية، وكلهم أساتذة في جامعة الأزهر الشريف. وهناك صديق صيني سيقوم بالمراجعة بعد الانتهاء من الترجمة، وهو أستاذ في اللغة العربية."
ومن الصعوبات التي واجهت د. إسراء في الترجمة اختلاف المفسرين على كثير من معاني كلمات القرآن. قالت: "هناأحتار في الأخذ برأي أي من الآراء. هو حقا عمل مرهق وشاق ولكن ممتع كثيرا، وقد اخترت ترجمة معاني القرآن الكريم لميل شخصي. كنت أول من سجل أطروحة دكتوراه في القرآن الكريم، وكان من الصعوبات أيضا عدم توافر مراجع باللغة الصينية تتحدث عن ترجمة معاني القرآن الكريم، فأنا أول باحث على مستوى الوطن العربي يقوم بترجمة معاني القرآن الكريم، وهذا شرف عظيم بالنسبة لي. واجهت صعوبة في كتابة أطروحة الدكتوراه الأولى، حيث لم يكن هناك في ذلك الوقت برنامج كتابة عربي- صيني فكنت أضطر للكتابة بالصينية وترك فراغات ولصق الكلمات العربية في الفراغات.ولكن، كل هذا أكسبني خبرة واسعة. ومن أكثر الأشياء التي أفادتني في الترجمة إجادتي للغة العربية خاصة في أطروحةالدكتوراه الثانية التي حصلت عليها من جامعة اللغات في بكين، وكانت حول المشترك اللفظي في اللغة العربية واللغة الصينية. وسبب اختياري لهذا الموضوع هو ترجمتي لمعاني القرآن الكريم، فقد كان يقابلني في القرآن كلمات متعددة لهانفس النطق ولكن المعنى مختلف. كانت أطروحتي هذه هي الأولى من نوعها، فكنت أول باحثة تبحث في معاني الكلمات بينالصينية والعربية من منظور المشترك اللفظي واكتشفت أنه يوجد مشترك لفظي بين الكلمة باللغة العربية والصينية، وأن هناك معاني في اللغة العربية مشتركة مع اللغة الصينية، وحصلت على الدكتوراه الثانية في عام 2014، وكانت مشرفتي أستاذة علم المفردات في جامعة بكين للغات د. تشانغ بو التي أكنُ لها كل الاحترام والتقدير فقد ساعدتني كثيرا ودعمتني وشجعتني. ورغم شدتها ودقتها في العمل، أعرف أن شدتها تلك كانت لحرص على أن تخرج أطروحة الدكتوراه في أفضل شكل وتكون مميزة وذات أثر علمي. وقد كرمتني جامعة اللغات في بكين حيث أنني أول من حصل على درجتي دكتوراه.وتقديرا من أساتذتي في بكين، رشحوني لإلقاء كلمة الخريجين الأجانب في حفل التخرج الذي شمل أعدادا كبيرة من الطلاب الأجانب من أكثر من سبعين دولة في العالم.
عندما عادت د. إسراء إلى وطنها مصر وجدت تكريما آخر ينتظرها، في عيد العمل. قام بتكريمها رئيس مجلس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب، فتم منحها جائزة التميز في العلم بحفل أقيم في دار الضيافة بجامعة عين شمس.قالت د. إسراء: "كنت سعيدة بهذا التقدير، وكان التكريم الأكبر من وجهة نظري هو تكريم أساتذتي وأصدقائي في كلية الألسن، فقد كرمتني الكلية التي أدين لها بكل الفضل، فهي أول كلية في مصر والعالم العربي تدرس اللغة الصينية ولهاالفضل علينا جميعا في كل نجاح."
ترجمت د. إسراء العديد من الكتب والأعمال الدينية إلى اللغة الصينية، ومنها كتب جمعية تبليغ الإسلام التابعة لمشيخة الأزهر مثل سلسلة "أنا مسلم" وكتاب أخر عن التبت، وتعكف حاليا على ترجمة كتاب "التراث الصيني" المترجم إلى كل اللغات تقريبا. بالإضافة إلى ذلك، تتولى د. إسراء الإشراف على أطروحات الماجستير والدكتوراه لطلابها. قالت: "أتعاملمعهم بنفس طريقة مشرفتي التي أشرفت على أطروحتي الدكتوراة، بحزم وشدة خوفا عليهم ورغبة مني في أن يقدموا أفضل ما لديهم. وأعتقد أن الترجمة الأدبية ستكون مرحلة جديدة في رحلة الترجمة ولكن بعد انتهائي من ترجمة معاني القرآن الكريم على أمل الانتهاء منها بعد عام من الآن إن شاء الله."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق