مترجم وكاتب من مصر .
لا تعدو هذه الإطلالة على جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية أن تكون، على وجه الدقة، ما يشير إليه عنوانها، فهي عشر ملاحظات، لا غيرها، حول موضوعها، مستمدة من ثلاثة عقود من الاهتمام بالآداب الآسيوية ومتابعة جهود ترجمة نماذج منها إلى اللغة العربية، سواء مباشرة أو عبر لغة وسيطة.
وهذه الإطلالة تأخذ شكل الملاحظات الأولية، لأن هذا أمر حتمي، بحكم طبيعة الموضوع الذي تدور حوله؛ فالآداب الآسيوية كيان هائل يشمل آداب نصف البشرية تقريباً، امتداداً من الأرخبيل الياباني عبر كتلة البر الآسيوية، بما في ذلك الصين والهند وكوريا، وصولاً إلى غرب آسيا حيث اللغات السلافية والفارسية والتركية وغيرها كثير، ابتداء من أقدم العصور، وصولاً إلى أحدث تيارات الإبداع في هذه الآداب.
ومن الناحية المنهاجية، فإن هذه الملاحظات تعتمد في طرحها والانطلاق بها على ثلاثة مناهج، يتم استخدامها بشكل متداخل ومتكامل لتطويرها، هي على التوالي المنهاج التاريخي والمنهاج التحليلي والمنهاج الجدلي.
وقد حاولنا، بقدر الإمكان، الالتزام بأقصى قدر من الإيجاز في طرح هذه النقاط، إدراكاً منا للحقيقة القائلة إن تفصيل القول في كل منها كفيل بأن ينتهي بنا إلى مجلد ضاف يضم عشرة فصول في موضوع تنطلق مادته، بحكم طبيعتها، هادرة لتشكل طوفاناً معرفيا لا ينتهي.
غير أننا يتعين علينا، قبل الانطلاق في رحلة الملاحظات العشر هذه أن نشدد على أننا رغم حرصنا على الاستناد إلى مجموعة من المصادر والمراجع في طرحنا لها، إلا أنها جميعها نتاج تأملات رافقتنا طويلاً في غمار عملية الترجمة الفعلية، لأعمال من عيون الآداب الآسيوية ولدراسات حولها، وبالتالي فإن كاتب هذه السطور يتحمل المسؤولية كاملة عن هذه الملاحظات، بما في ذلك أكثرها إثارة للجدل والخلاف بين المترجمين العرب. وخاصة ما يتعلق بالأهداف الكلية لمشروعات الترجمة العربية وقواعد اختيار الأعمال التي ينبغي ترجمتها والتطلع إلى آفاق المستقبل في هذا الميدان، الذي لا يفتقر إلى الصعوبة ولا التعقيد.
هذا التأكيد، من منظورنا، أمر بالغ الأهمية، لأن ما نطرحه هنا هو نتاج تجربة عملية، في غمار الترجمة الفعلية، وبالتالي فقد يكون مخالفاً لما درجت عليه المعالجات الأكاديمية والدراسات التقليدية في هذا الاطار، بل انه اختلاف يكاد يكون حتمياً، وربما سيظل مطروحاً لأمد ليس بالقصير.
في اعتقادنا أن الخط الأصيل الناظم لهذه النقاط العشر، بل ربما لكل الجهود التي بذلناها، وبذلها غيرنا، في ترجمة الآداب والفلسفات والتقاليد الفكرية الآسيوية، على امتداد أكثر من ثلاثين عاماً، يتمثل في الإيمان بأن المحيط الهندي كان، منذ أقدم العصور، بحيرة هائلة يتواصل سكانها فيما بينهم على جناحي الرياح الموسمية قديماً والتقنية الحديثة اليوم، فمنذ أدرك أبناء هذا المحيط أن الرياح الموسمية تهب في اتجاه واحد على امتداد ستة أشهر ثم تهب في الاتجاه المعاكس خلال النصف الثاني من العام، انطلقوا عبر البحار المفتوحة ليتحقق التواصل بينهم على امتداد ألوف السنين.
حقاً إن دخول القوى الإمبراطورية الأوروبية على الخط في حياة أبناء هذا المحيط، بالاستعانة بالمدافع والبارود على متن السفن ذات القدرة الهائلة على المناورة منذ القرن السادس عشر، قد غير للأبد ملامح الحياة في المحيط الهندي، إلا أنه كان مستحيلاً أن يتكرر في آسيا ما حدث في الأمريكيتين، حيث حالت الكثافة السكانية الآسيوية والجذور الحضارية القوية دون إخضاع أوروبا للآسيويين بصورة مستديمة.
اليوم، يعود التواصل بين أبناء شرق آسيا وغربها ليغدو طريقة حياة وعمل، ويصبح من الطبيعي أن تقوم الصين بالعديد من المشروعات الهندسية الجبارة لاختصار الطريق بين مناطق الإنتاج فيها ومصبات النفط في الخليج العربي.
ليس من قبيل الصدفة أنه عندما قام الصينيون بمد أول سكة حديدية عملاقة في إفريقيا المستقلة عبر ألف ميل من دار السلام إلى زامبيا حرصوا على إعادة تذكير العالم بزيارات أساطيل الأميرال الصيني زينج هي إلى شرق إفريقيا، قبل خمسة قرون.
وليس من قبيل الصدفة أيضاً أن نشهد إنشاء التجمع الاقتصادي الإقليمي لدول المحيط الهندي، وأن تتوالى دورات الحوار العربي ــ الصيني بهذا القدر من التوفيق أو ذاك.
ومن المحقق أن جهود ترجمة الأدب والفكر والفن والعلوم الآسيوية تشكل الأرضية الحقيقية لهذا التيار المستقبلي، فمن المحتم أن يتعاون العالم العربي اليوم مع الشرق، لأن هذا هو الاتجاه الطبيعي والمنطقي ومن ثم العقلي.
وعلى الرغم من أهمية هذه الأرضية الجغرافية، فإنها لم تكن إلا تياراً واحداً ضمن تيارات لا تنتهي من التفاعل التاريخي والديني والثقافي والتجاري والحضاري، بأوسع المعاني، الذي فرض حضوره في الماضي، ويعود اليوم ليتواصل بقوة وعنفوان، ويجعل من اتجاه العرب شرقاً أمراً حتمياً وملحاً وضرورياً في آن.
أولاً – في التاريخ:
درج الكثير من الكتاب والباحثين العرب، في تناولهم لانطلاق حركة الترجمة العربية، على البدء باستعادة جهود خالد بن يزيد المتوفى عام 85 هجرية، وهو حفيد معاوية الأكبر الملقب بحكيم آل مروان، الذي اشتهر بصفة خاصة بترجمة علوم الكيمياء وعلم النجوم، بالاستعانة بعلماء مدرسة الاسكندرية(1). ومن ثم الانطلاق إلى جهود الترجمة في ظل الدولة العباسية، وبصفة خاصة خلال عهد الخليفة المأمون، مع التركيز على النقل عن اللغة اليونانية، ومن ثم يسود سكوت عن آفاق تاريخية هائلة، ليستأنف المسار مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر، وقيام محمد علي بإرسال البعوث إلى إيطاليا وفرنسا، ومن ثم إنشاء مدرسة الألسن الشهيرة والجهود الموازية في الدول العربية الأخرى، انتهاء بجهود الترجمة الحالية في دول عربية عدة.
تكاد هذه الصورة تكون التاريخ الرسمي لحركة الترجمة العربية، ونراها تتكرر في كل مجال تطرح فيه الترجمة، ونلاحظ أن الإشارة إلى جهود الترجمة إلى العربية عن اللغات الشرقية وإليها تكاد تكون غائبة تماما عن ملامح هذه الصورة، مع استثناء وحيد يتعلق، على وجه التحديد، بجهود عبدالله بن المقفع وترجمته الشهيرة لكتاب «كليلة ودمنة».
إننا نعتقد أن هذه الصورة، رغم ترسخها وشهرتها، ليست إلا اجتزاء لمحطات بعينها في مسار التاريخ الطويل لحركة الترجمة العربية، ولسنا نرفضها، لكننا نتساءل: كيف يمكن للجزء أن يحجب الكل على هذا النحو؟
دعنا، في هذا الصدد، نشر إلى ما نتصور أنه حقائق أساسية لا بد من إدراجها في أي صورة بديلة ترشح للحلول محل هذه الصورة التقليدية لحركة الترجمة العربية:
1– لم تكن شبه الجزيرة العربية منذ أقدم العصور كياناً معزولاً عما يجاوره، وإنما فرضت عليها ضرورات الحياة التواصل الكثيف مع العديد من المناطق المجاورة لها، وفي مقدمتها شرق إفريقيا والعديد من مناطق آسيا، ومن هنا جاءت التجارة تصديراً للجياد العربية الشهيرة والأسماك المجففة والمر واللبان وغيرها من السلع وعروض التجارة، واستيراداً لسلع لها أهميتها الحقيقية في حياة العرب، وفي مقدمتها الحديد والسلع الكمالية التي يجري الإتجار فيها كالحرير والآنية الخزفية(2).
كانت السفن التي تنطلق من شبه الجزيرة العربية إلى الصين تبحر جنوباً على امتداد ساحل الهند، إلى سرنديب، أو جزيرة الياقوت، أي سيلان، فشرقاً إلى سومطرة، عبر مضيق ملقا، عند أكثر أطراف آسيا إيغالاً باتجاه الجنوب، ثم شمالاً إلى بحر الصين. وكانت رحلة الذهاب والإياب تستغرق عاماً ونصف العام، وغالباً ما اختار قباطنة هذه السفن الرحيل في قوافل، تجنباً لمخاطر الوقوع تحت رحمة القراصنة.
ومن المحقق أن مثل هذه السفن كانت تقل مترجمين، تلك مهنتهم، أو على الأقل كانت تقل تجاراً أو بحارة يتقنون لغات الشعوب التي يتم التعامل معها، على امتداد مثل هذه الرحلات، وهو لا نزال نجد ملامح منه في إتقان الكثير من أبناء الخليج للغات شبه القارة الهندية.
عن طريق هؤلاء المترجمين أخذ العرب في جاهليتهم كلمات كثيرة فارسية ورومانية ومصرية وحبشية، وليس من قبيل الصدفة أن نجد في شعر الأعشى العديد من الكلمات ذات الأصل الفارسي.
وكان اللخميون، من عرب الحيرة، هم الصلة بين الفرس وعرب الجزيرة، وأتقن الكثير منهم الفارسية، كما كان الغسانيون، من عرب الشام، على اتصال وثيق بالثقافتين اليونانية والرومانية، وكانوا هم الصلة بين العرب واليونان، وترجموا الكثير من الكتب عن اليونانية.
2 – حث الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته على تعلم اللغات الأجنبية، وأثر عنه قوله: «من تعلم لغة قوم أمن شرهم، وبأمر منه تعلم زيد بن ثابت اللغة العبرية، بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: «يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي»، أي أنه لا يثق باليهود الذين قد يكلفهم بالكتابة بالعبرية.
ويلفت نظرنا هنا اجتهاد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي حظر ترجمة الطروحات النظرية والأفكار التأصيلية، على حين سمح بترجمة ما هو متعلق بضرورات حياة الناس ومعايشهم، ومن المحقق أن الحظر في الجانب الأول كانت تخوفاً على العقيدة في مستهل مسيرتها من أن تحف بها طروحات الأمم المجاورة، التي يكتنفها الكثير من اللبس والغموض في العقائد والالهيات.
3 – إننا نعرف الكثير عن الجهود التي بذلت في ظل الدولة العباسية للترجمة عن اليونانية في الطب والفلسفة والعلوم، لكن الجهود المبذولة للنقل عن المصادر الشرقية يكتنفها قدر ليس باليسير من الغموض.
وعلى سبيل المثال، فإن الكثيرين يعرفون أن عبدالله بن المقفع ترجم عن الفارسية كتاب «كليلة ودمنة»، لكنهم لا يعرفون أنه ترجم كتباً عديدة أخرى، منها كتاب «تاريخ ملوك الفرس» و«الأدب الكبير»، و«الأدب الصغير» وكتاب «اليتيمة».
وعلى الرغم من أن الجاحظ لم يعان أهوال الترجمة، إلا أنه كتب في قيمتها وشروطها، وهو يلفت نظرنا إلى موسى بن سيار الأسواري الذي يقول عنه إن فصاحته بالفارسية كانت في وزن فصاحته بالعربية(3).
4 – على الرغم من الكثير الذي نعرفه عن «دار الحكمة» في بغداد، إلا أن بعضنا لا يعرف أن قسم الترجمة فيها كان مؤلفاً من أقسام أصغر حسب اللغات الأجنبية السائدة آنذاك، وهي اليونانية والفارسية والسريانية والهندية، وهو ما يعني أن ثلاثة أرباع هذه اللغات المعتمدة في الدار كانت لغات شرقية.
وبينما يكثر الحديث عن النقل عن اليونانية والحصول على الكتب اليونانية من مصادرها لترجمتها، فإن هناك ما يشبه الصمت حول الاستعانة بالمصادر الهندية، وإن كنا نعرف أن المنصور كلف رجلاً هندياً ماهراً في معرفة حركات الكواكب وحسابها بترجمة كتاب الفلكي الرياضي برهمكبت من السنكرينية إلى العربية، وهو الذي عرف تقليديا باسم «السندهند». وأخذ العرب عن الهند طرقاً مهمة في حل جملة من المسائل الفلكية المتعلقة بعلم حساب المثلثات الكروية وبعض الاصطلاحات الرياضية، كما جلب يحيى بن خالد أطباء من الهند، وكان هناك تراجمة يترجمون من الهندية إلى العربية.
5 – يلفت نظرنا إلى جانب «دار الحكمة» إنشاء حنين بن اسحق مدرسة خاصة به لإعداد المترجمين، لعلها الأولى في الحضارة الإسلامية العربية، وكان من تلامذتها ابنه اسحق وابن اخته حبيش بن الحسن الأعسم، حيث يترجم حنين من اليونانية إلى السريانية، ثم يقوم حبيش بالنقل إلى العربية، أو يترجم اسحق من اليونانية إلى العربية رأساً، ويراجع عليه أبوه، وشارك في جهود هذه المدرسة موسى بن خالد ويحيى بن هارون واصطفان باسيل، وكرست هذه المدرسة بعض القواعد في الترجمة مع التمرين العملي عليها.
6 – على الرغم من تعدد الأدلة والمؤشرات على التواصل بين العرب والعديد من أرجاء آسيا، منذ ألوف السنين، إلا أن هناك استثناء بارزاً في هذا الصدد، هو اليابان، حيث يحسم المسعودي حيرة الباحثين العرب حول ما إذا كان الرحالة العرب قد وصلوا إلى الياباني قديماً من عدمه بالنفي، حيث يبادر إلى القول: «ليس بعد بلاد الصين مما يلي البحر ممالك تعرف ولا توصف إلا بلاد السيلي وجزائرها، ولم يصل إليها من الغرباء أحد من العراق ولا غيره فخرج منها لصحة هوائها ورقة مائها وجودة تربتها وكثرة خيرها، إلا النادر من الناس». ويخيل إلى أن هذا النص يحسم النقاش حول ما إذا كانت كتب التراث تضم كتابات عن اليابان، فمن الواضح أن المسعودي يجزم باستحالة ذلك(4).
7 – غير أننا إذا وجدنا أنفسنا أمام طريق مسدود في هذا الصدد، عبر المراجع والمصادر العربية، فإن من المهم أن نلجأ إلى الطرف الآخر في العلاقة، فالمصادر اليابانية تحدثنا عن أن اليابان حققت اتصالاً مبكراً بالعرب، عن طريق الصين، فعلى امتداد عهد ملكية التانج (630 – 894) بعثت اليابان بالسفراء والمبعوثين إلى الصين حيث التقوا في البلاط بنظرائهم من المسلمين، ومن المحقق أنهم التقوا بالتجار المسلمين في الشوارع والأسواق والمسارح. وأقدم وثيقة تظهر وعي اليابانيين بالمسلمين تظهر في كتاب «شوكو – نيهوني» المؤلف عام 753 ميلادية من قبل نائب سفير ياباني إلى بلاط التانج، حيث يتحدث عن لقاء مبعوثين أجانب من المسلمين العرب. غير أن الاتصال الشخصي بين اليابانيين والمسلمين كان غير موجود تقريباً، حتى أوائل القرن الثالث عشر، عندما التقى الراهب كويساي من كيوتو بمسلم من بلاد فارس خلال زيارة لسفينة فارسية في ميناء كانتون عام 1217، حيث أهديت إليه قصيدة عربية لا تزال محفوظة في اليابان حتى اليوم، يعتقد أنها أقدم وثيقة مكتوبة باللغة العربية في الشرق الأقصى(5).
8 – يشكل إنشاء مدرسة الألسن في مصر، في إطار جهود التحديث عام 1839 باسم مدرسة الترجمة بناء على اقتراح من رفاعة الطهطاوي إلى محمد على باشا، خطوة مهمة في تاريخ حركة الترجمة العربية، ويلاحظ الاهتمام فيها باللغات العربية والتركية والفرنسية. وعلى الرغم من أن التركيز فيها كان على نقل العلوم الحديثة من الفرنسية، إلا أن التركية انفردت بوجود قسم خاص بها يعرف بقلم ترجمة اللغة التركية.
9– تعود الترجمة اليوم لتحظى باهتمام نسبي، يبرز في المركز القومي للترجمة في مصر وبرنامجي «كلمة» و«ترجم» في الإمارات والمنظمة العربية للترجمة في بيروت والعديد من معاهد وكليات الترجمة في مختلف أرجاء العالم العربي، غير أن الترجمة عن اللغات الشرقية تظل بعيدة عن تحقيق الحد الأدنى من التكامل، سواء بالترجمة المباشرة أو حتى من خلال لغة وسيطة.
ثانياً – في الأصول الفكرية:
من المؤكد أن الآداب الآسيوية تستمد جدارتها بالاهتمام والمتابعة والتأمل والترجمة أيضاً من العديد من الأبعاد، وفي صدارة هذه الأبعاد استنادها إلى أصول فكرية شديدة العمق والثراء والامتداد، حتى لنحار في قراءتنا للنصوص الأدبية أين يبدأ الدين وأين تنتهي الفلسفة وعند أي خط يقف الأدب الخالص أم أننا حيال مزيج مدهش من هذا كله.
الواقع أنه إذا كان الكتاب والأدباء والفلاسفة في الغرب قد أتى عليهم حين من الدهر اتهموا فيه بأنهم يعيشون في أبراج عاجية، ويعكفون على مفاهيم مجردة بعيدة عن حياة الناس، متجاهلين المسائل الكبرى المتعلقة بالحياة، فإن نظراءهم في الشرق قد تجنبوا هذه التهمة، عندما استمر التواصل بينهم وبين مسائل الحياة، حيث عادوا بصفة مستمرة إلى محك التجربة الإنسانية.
لا يعني هذا بالضرورة أن الآداب الآسيوية قد انصرفت إلى التركيز على مشكلات السلوك البشري والقيم الأخلاقية وحدها، فهناك تيارات تبدي اهتماماً بمشكلات ميتافيزيقية أساسية، وتركز على أن الذات أو النفس جوهر قائم بذاته، وتنظر إلى الواقع من هذا المنظور، ولعل «رواية الأنا» اليابانية الشهيرة تضرب جذورها في هذا التيار، بينما هناك تيارات أخرى ترى في فكرة الجوهر وهماً لا أساس له، وهناك تيارات ترى أن الواقع مؤلف من عدد هائل من العناصر النهائية، وهي التي تحمل اسم «الواقعية التعددية».
في مواجهة المدارس الواقعية، هناك مدارس مثالية، بل مغرقة في مثاليتها، وهناك أعمال أدبية تضرب جذورها في مدرسة التاو الشهيرة، التي تجعل المبدأ الأول المطلق لكل شيء وجودا لاسمه له ولا خواص(6).
بهذا المعنى، فإن من يتابع الآداب الآسيوية سوف يراها تضرب جذورها في حشد مدهش من الفلسفات المثالية والواقعية والمادية والروحية والواحدية والتعددية، فضلاً عن النزعة العدمية، واللاادرية ومذهب الشك الفلسفي.
وإذا كانت هذه الرؤية تتسم بشيء من العمومية، ما دمنا حيال كيان هائل من الإبداع الأدبي، فدعنا نقترب بشكل أكبر من الأصول الفكرية للأدب الياباني، على وجه التحديد، ربما لأن اليابانيين لم يترددوا منذ أول احتكاك لهم بالحضارات الآسيوية الأخرى في الاستعارة منها، سواء فيما يتعلق بالموضوعات أو أشكال التعبير أو الخلفيات الدينية والفكرية.
من خلال تأمل امتد طويلاً للأدب الياباني واهتمام قديم بفلسفات الشرق، من جانب كانت هذه السطور، أستطيع تصور خمسة أبعاد تشكل الخلفية الفلسفية للأعمال الأدبية اليابانية هي كالتالي:
1 – البوذية – تم إدخالها إلى الأرخبيل الياباني من كوريا، في القرن الخامس الميلادي، فشكلت ما يمكن النظر إليه على أنه أقوى تأثير على الأدب الياباني، حيث لونت كل قوالب التعبير الأدبي وأشكاله، وقد يمكنني الذهاب إلى القول إنه من المستحيل فهم الأدب الياباني في المرحلة ما قبل الحديثة دون حد أدنى معقول من الفهم للبوذية، وقد كان هذا هو التحدي الأول الذي واجهته في محاولة قراءة النص الكامل لــ «حكاية جينجي» دع جانباً محاولة ترجمته.
2 – الأخلاق الكونفوشية – تم إدخالها إلى الأرخبيل الياباني من الصين، وقد أثرت بدورها بعمق بالغ في الأدب الياباني، وهو تأثير أخذ في بعض الأحيان صورة عظات فجة تقاطع السرد للحكاية التاريخية، وتبرز في بعض الأحيان في الأعمال الدرامية التي تصور الشوط الهائل الذي يقطعه الرجال والنساء لاظهار الولاء لآبائهم، أو غير ذلك من الفضائل الكونفوشيه. وعلى الرغم من أن المبادئ الكونفوشية لا تمنح نفسها في يسر للتعبير الشعري، كالمعتقدات البوذية الأساسية، إلا أنها لونت مواقف المجتمع ككل وخاصة منذ القرن السابع عشر.
3 – تأثير الشنتو ــ يعد اظهار هذا التأثير في الأدب الياباني أمراً أكثر صعوبة، ولكنه ماثل بلا شك، وربما كانت طبيعة العبادة الشنتوية، التي تدور حول عبادة الطبيعية، هي المبرر للاهتمام المدهش في كل أشكال التعبير الأدبي الياباني بالمواسم وما يرتبط بها من زهور وحيوانات. ويكفي أن نتذكر في هذا الصدد أن قصيدة الهايكو إذا خلت من كلمة تشير إلى الموسم فإنها لا تعد قصيدة هايكو، وإنما تعتبر «شعرا منوعاً»، بل أن مسرحيات النو تصنف بحسب الموسم، وسوف يبدو غريباً تؤدي أن تؤدي «مسرحية خريفية» في أي موسم آخر غير الخريف.
4 – مزيج من البوذية والكونفوشية والشنتو– يمكن لمثل هذا المزيج أن يتخلل الكثير من الأعمال الإبداعية الأدبية، فعلى الرغم من التناقضات البارزة بين التيارات الثلاثة إلا أن المرء لا يقرأ عن أناس يشعرون بالتمزق بين أديان متصارعة، ذلك أنه بعد القرن السابع عشر أصبحت الكونفوشية تنظم واجبات الفرد حيال المجتمع، بينما تنظم البوذية اهتماماته الروحية، أما متعته في الدنيا حيال جمال المواسم أو حب الصغار فتنبع من المعتقدات الشنتوية.
5 – ميتشي – هذه الكلمة التي تعني «الطريق» المرتبط بالإبداع الأدبي تنضم إلى الديانات والأنساق الفلسفية في تمسك المؤلفين اليابانيين بها. وهذا يمثل ما يزيد عن الإخلاص العادي من جانب الشاعر أو المؤلف الدرامي بمهنته، فهو تكريس لما يعتقد أنه أسمى مبادئ الفن(7).
وإذا أردنا أن نقطع شوطاً أبعد في تفهم مدى ثراء الأصول الفكرية للأدب الياباني، التي تجعله جديراً بتحمل عناء الجهد الهائل الذي يبذل في إطار محاولة ترجمته، فما علينا إلا إلقاء نظرة على المجلدين اللذين يقع فيهما كتاب «مصادر العرف الياباني»، حيث يتبين لنا أن هذا الجهد المبذول لرصد أبعاد العرف الأدبي الياباني، منذ عام 1600 إلى عام 2000، إنما يشكل رحلة هائلة الامتداد تبدأ برصد الحضور الياباني في التواريخ الملكية الصينية، ومن ثم أقدم الكتابات الصينية، وصولاً إلى حرب المحيط الهادي في التاريخ والذاكرة اليابانيين وانتهاء بالعنوان الدال «إعادة النظر في الأمة».
وجوهر هذا العمل هو محاولة مساعدة القارئ على الوصول إلى «فهم خلفية الحضارة اليابانية المعاصرة، وبخاصة على نحو ما تنعكس في الأعراق الفكرية التي لاتزال نابضة بالحياة اليوم»(8).
ثالثاً – في النطاق:
ربما كان من أهم الجوانب التي يتعين التوقف عندها، لدى تأمل الآداب الآسيوية، هو الجانب المتعلق بنطاق هذه الآداب، أي باتساعه مقارنة بالآداب الأخرى، وهي مسألة تعد من أكثر المسائل غموضاً وتشابكا وتعقيداً في الآداب الآسيوية.
أول ما يلفت نظرنا في التعامل مع مفهوم الأدب هو أن الكثير من الأوعية الفكرية، التي تمضي إليها متطلعاً إلى رؤية واضحة ومحددة لما يعنيه الأدب، تخذلك تماماً، ربما بشكل فوري، استناداً إلى أنه يفترض أنك تعرف مسبقاً ما هو الأدب، وأن مفهومه ليس بحاجة إلى إيضاح.
يقال، في لغتنا الجميلة، أدب الرجل، بضم الدال، أدباً، بفتحتين، فهو أديب، واستأدب أي تأدب(9). كما يقال أدركته حرفة الأدب، إذا انشغل عن كسب قوته بالأدب، فغدا رقيق الحال. ويقال أيضاً صناعة الشعر.
ونقرأ في قاموس أكسفورد الأصغر «إن كلمة أدب Literature انتقلت إلى الانجليزية عبر الفرنسية عن الأصل اللاتيني Littera أي حرف، وهي تعني المعرفة بالحروف أو الكتب، كما تعني أيضاً الثقافة الأدبية، وتعني كذلك العمل أو الإنتاج الأدبي أو نشاط أو مهنة رجل الأدب أو عالم الحروف، والإنتاج الأدبي ككل، وكتابات بلد أو مرحلة زمنية أو العالم بصفة عامة، والكلمة تعني الآن أيضاً، على نطاق أضيق، الكتابات التي تلقى التقدير لجمال قالبها أو تأثيرها العاطفي، وتعني الكيان من الكتب وغيرها الذي يعالج موضوعاً بعينه(10).
الآن إذا انتقلنا إلى مادة «أدب» في «موسوعة كولومبيا»، فسوف يذهلنا أن نجد أنفسنا أمام مدخل يقع في ستة أسطر لا غيرها، تتضمن الإحالة إلى مواد أخرى، بحسب جنسية الأدب أو قالبه الفني أو أسلوبه أو الغرض منه، وهو ما يعني ضمناً افتراض أن القارئ يعرف معنى الأدب، وأن ما يهمه هو معرفة متخصصة فيما يتعلق به(11).
المنهاج نفسه سنجده في «موسوعة أفريكانا»، فهي لا تفرد مدخلاً للأدب على إطلاقه، وإنما نجد مدخلاً عن الأدب الأمريكي الإفريقي، دونما تعريف له، وإنما عبر التطرق إلى مداخل متفرعة عنه(12).
وتفاجئنا مادة الأدب في «الموسوعة اليابانية المصورة» بأنها تحيلنا مباشرة إلى المراحل التاريخية الثلاث لتطور الأدب الياباني، وهي على التوالي: الأدب الياباني المبكر والهاييني، وأدب القرون الوسطى، والأدب الحديث(13).
إذا حاولنا الخروج من غيمة الغموض والتداخل هذه، لنقف بالتأمل عند النطاق الهائل للآداب الآسيوية وامتداداتها عبر العصور، لوجدنا أنفسنا أمام مجموعة من النقاط التي تقتضي الحد الأقصى من الانتباه في تتبعها وتحليلها، وهي كالتالي:
1 – إن الآداب الآسيوية، في تقاليدها العريقة، تعكس فهماً للأدب أوسع نطاقاً مما يقفز إلى الذهن عادة عندما ينصرف إلى مفهومنا المعتاد عن الأدب، وإذا تأملنا الآداب في الصين واليابان وكوريا، على سبيل المثال، فسوف نلاحظ أنها حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت تعيش في بيئة ثنائية اللغة، واللغتان هنا ليستا لغتين محليتين، كما هي الحال بالنسبة للانجليزية والفرنسية في كندا، وإنما كانت هناك في كل دولة لغة حديثة محكية، أو أكثر، لكن كل الاتصال الجدي المكتوب كان يتم إنجازه عبر اللغة الصينية الكلاسيكية، التي ترتبط بالأساس الايديولوجي البارز للثقافات الثلاث، أي الكونفوشية. وكما نعلم جميعاً فإن الكونفوشية تتصور مجتمعاً مقسماً إلى شرائح على أساس طبقي، يحتل فيه البيرقراطيون المثقفون موقع القمة، بينما يحتل التجار موقع القاع، وتتخذ البنى العائلية طابعاً بطريركرياً تماماً، ولا تتلقى المرأة إلا قسطاً محدوداً من التعليم، ولا تتمتع بسلطة اقتصادية أو سياسية تذكر.
بالمثل، فإن الأجناس الأدبية في الثقافات الكونفوشية تندرج في شرائح تراتبية إلى حد كبير بدورها، وتتحدد قيمتها ومكانتها من خلال استخدامها من قبل المسؤولين المثقفين، فالرجال الذين تلقوا تعليماً رفيعاً كانوا يدرسون التاريخ والشعر، وهما القالبان الأكثر تقديراً، جنباً إلى جنب مع الفلسفة والمقالات والتعليقات، وقد وجدت الروايات والقصص الأهلية في الثقافات الثلاث، ولكنها على الصعيد الرسمي كان ينظر إليها باعتبارها هامشية، بل وتافهة. أما الكتابات ذات القيمة فكان يقال لها «وين Wen» بالصينية و«بان bun» باليابانية و«مون mun» بالكورية، وشملت أجناساً متنوعة مثل السرد التاريخي القائم على الأحداث والوقائع، القصائد الغنائية والمذكرات التفسيرية المرفوعة إلى العرش أو إلى رئيس الحكومة(14).
غير أن اليابانيين والكوريين ما لبثوا أن ساروا على خطى تطور فقه اللغة الأوروبي، وخاصة على يد الباحثين الألمان، وربطوا بين أدبهم القومي ولغتهم الأهلية بصورة حصرية، وانتهت الدول الثلاث، ومن بينها الصين إلى تحديد أدبها الحديث باعتباره الأدب المكتوب بلغة تقارب عن كثب الخطاب المعاصر، غير أن هذا التطور استغرق وقتاً طويلاً، ففي اليابان، على سبيل المثال، ظل الشعر الذي يكتبه اليابانيون باللغة الصينية الكلاسيكية تأثيراً أدبياً مهماً، حتى حوالي عام 1911، وفي حقيقة الأمر أن كل عمالقة الأدب الياباني في بداية المرحلة الحديثة، من أمثال أوجاي موري وسوسيكي ناتسومي قد تلقوا تعليمهم في صدر العمر من خلال الأدب الصيني، واستمروا في الكتابة بالصينية التقليدية طوال عمرهم. وكتب أدباء صينيون محدثون من أمثال لوشان ودو دافو القصائد بالصينية الكلاسيكية، حتى وهم يروجون لكتابة الروايات والقصص بالأسلوب الغربي، بل ان الزعيم الصيني ماو تسي تونج واصل كتابة القصائد الكلاسيكية حتى وفاته، بما في ذلك خلال مرحلة الثورة الثقافية.
هكذا فإن مفهوم «الأدب» كان مختلفاً عن مفهوم «وين – بان – مون» أو ماكان يشار إليه على أنه «التعلم» في اللغات الثلاث (شوين – جاكومون – هانجومون). وبدا هذا الفارق كأوضح ما يكون من خلال الحقيقة القائلة إن ذروة تراتبية الأدب الأوروبي كانت تحتلها الرواية، بينما في شرقي آسيا شغل الشعر هذه المكانة، على حين أبعدت الرواية إلى القاع، باعتبارها لا تليق إلا بالنساء ومن هم موضع الشبهة أخلاقياً، وبتعبير آخر فإن تراتيبة الأدب الأوروبي والوين – بان – مون في شرقي آسيا كانتا على طرفي نقيض.
2 – كل من أتيح له زيارة اليابان والتردد على مكتباتها لابد أنه لاحظ ما أشرنا إليه من اتساع نطاق أدبها عن مفهومنا التقليدي للأدب، ففي كل مكتبة يابانية يوجد قسم كبير يحتله جنس أدبي ليس له نظير مقارب له في الآداب الأوروبية وكذلك في أدبنا العربي، وهذا الجنس هو ما يعرف باسم «زويهتسو» Zuihtu وهو ما يعني حرفياً «تتبع دفقات الفرشاة» والمقصود به المقالات القصيرة التي تدور حول موضوعات أدرجت كيفما اتفق، أو على نحو عشوائي، وهذا القالب حقق تطوراً كبيرا،ً واكتسب شعبية لا يستهان بها.
3 – مما يساعدنا على تأصيل فكرتنا عن اتساع نطاق الآداب الآسيوية وجود أجناس تندرج في صميم الأدب في التقاليد الآسيوية، غير أنها تصنف بحسب رؤية مختلفة في التقاليد الأوروبية، ويحضرني في هذا الصدد كتاب على جانب كبير من الأهمية، من المؤسف أنه لم تتم ترجمته بعد إلى اللغة العربية، ويغلب على ظني أنه لن يشق طريقه إليها عما قريب، وهذا الكتاب هو «تسوريزوريجوسا» The Tsurezuregusa للراهب كينكو، الذي ترجمه دونالد كين تحت عنوان «مقالات في الكسل»(15). فهذا الكتاب هو في واقع الأمر تأملات في الجمال والتصوف، وهو يدرج تقليدياً في الأدب، لكنه يتحدى التصنيف بالمعايير الأدبية الغربية، وهناك أيضاً تأملات في الوجود والحياة والدين تدرج في إطار التقاليد الآسيوية في الأدب، حتى اليوم.
4 – في مقابل كل ما سبق، لابد لنا من أن نلاحظ أن هناك أجناساً أدبية عرفت في أوروبا كأقصى ما تكون المعرفة لم يقدر لها أن تطور على الإطلاق في إطار بعض التقاليد الأدبية الآسيوية، فعلى سبيل المثال لم تطور في اليابان القصيدة الملحمية ولا القصيدة السردية الطويلة، ولم تكتسب السيرة الذاتية إلا أهمية محدودة وهامشية إلى حد بعيد. وربما على سبيل التعويض نجد أن التقاليد الأدبية اليابانية قد طورت إلى حد كبير اليوميات وصور الرحلات.
5– هناك أيضاً الأجناس المختلطة، أو المتداخلة، التي اكتسبت أهمية كبيرة في التقاليد الأدبية الآسيوية، ومنها الروايات التي يتخللها الشعر، ويشكل جزءا لا يتجزأ من نسيجها الفني، والمسرحيات التي يكتب جانب منها بلغة أدبية راقية والجانب الآخر باللغة العامية، وأخيراً القصائد التي لا يمكن استيعابها وتقديرها حق التقدير إلا بمقدمات نثرية طويلة.
رابعا – في التطور:
شهدت أجزاء كبيرة من القارة الآسيوية، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تغيرات هائلة، بحيث يمكن القول إنه في العقد الثاني من القرن العشرين لم يعد للنظام العالمي لشرقي آسيا وجود، فملكية مانشو الصينية سقطت في عام 1911، وسبقتها كوريا إلى مصير فاجع، حيث سقطت تحت الحماية اليابانية في 1905، وما لبثت اليابان أن أعلنت ضمها إلى إمبراطوريتها في عام 1910.
وعلى الرغم من أن مصائر الصين واليابان وكوريا سوف تختلف إلى حد كبير مع اطراد مسيرة القرن العشرين، فإن منطلقات الدول الثلاث كانت متشابهة إلى حد كبير، وهذا التشابه كان في مقدمة الأسباب الكامنة وراء العوامل المشتركة في آدابها الحديثة، وفي مسيرة تطور هذه الآداب.
لقد سبقت لنا الإشارة إلى أن في مقدمة عناصر التشابه هذه تحرك أدب كل من الدول الثلاث في بيئة نسيجها لغتان، إحداهما الصينية الكلاسيكية، ولكن العديد من قوى الضغط وعناصره ستدفع إلى ما عبر عنه رائد التحديث الياباني يوكيتشي فوكوزاوا في سيرته الذاتية على نحو قاطع بقوله: «من المستحيل توقع تقدم الصين»(16).
لم يكن هذا الرفض الذي عبر عنه فوكوزاوا بهذه الصرامة رفضاً لجانب بعينه في الحضارة الصينية، وإنما رفضاً لها في مجملها باعتبارها أصبحت قرينة التردي والسقوط، وكان لابد لهذا الطرح من أن ينعكس في نسيج الحياة الأدبية في شرقي آسيا بأسره.
تلك كانت المرحلة التي بعثت فيها اليابان بطلابها إلى أوروبا، في ظل الصيغة الرسمية «أخلاق شرقية وعلم غربي». وفيها أيضاً تدفقت على المنطقة ترجمات لكل الأعمال الأدبية الغربية المهمة. وقد قيل إنه إذا لم يكن بوسع المرء القراءة بأي لغة غير لغته، فإنه يمكن أن يقرأ باليابانية أعمالاً تنتمي إلى الأدب العالمي أكثر من أي لغة أخرى.
في التسعينات من القرن التاسع عشر أطلت روايات إميل زولا وليو تولستوي الواقعية، وكان أوجاي موري، الذي أمضى أربع سنوات مبتعثاً في ألمانيا لدراسة الطب، من بين أهم الكتاب الذين أدخلوا الفكر الأوروبي إلى اليابان، وبصفة خاصة الرومانسية الألمانية، وعلى الرغم من نجاحه في تقديم الرواية القصيرة عبر رائعته «الفتاة الراقصة» في عام 1890، إلا أنه كرس طاقته للنقد والترجمة. وبرز بالتزامن معه سوسيكي ناتسومي، الذي قدم نموذجاً احتذاه الكثيرون في الصين وكوريا.
وشهدت اليابان في هذا العقد بروز الحركة الرومانسية، عبر استلهام كتاب أوروبيين، في مقدمتهم بايرون وشيللي.
وتعد الطبيعية الأوروبية الحركة الأدبية الأوسع انتشاراً في تأثيرها على مسار الأدب في شرقي آسيا، واعتقد أنصارها أنهم يخدمون المجتمع بتقديم «الحقيقة» بلا صقل أو تجميل، ولأن أفكارهم وحياتهم كانت المجال الوحيد الذي يمكنهم فيه التيقن من الوصول إلى الحقيقة، فإن الجنس الأدبي السائد لدى الحركة كان «الرواية الشخصية» أو «الشيشو سيتسو» باليابانية(17).
ويمكن أن نرى منهاجاً مماثلاً في الصين عند يودافو، الذي كتب في عشرينات القرن العشرين، معلناً أن «الأدب ليس إلا سيرة ذاتية للمؤلف».
وفي كوريا تحقق الانطلاق إلى النزعة الطبيعية بعد ذلك بعقد من الزمان إثر هزيمة حركة الاستقلال عام 1919، وكرد فعل على كتاب مبالغين في برمجتهم مثل يي كوانجسو، قام كتاب على رأسهم كيم تونجين بتأسيس مجلتهم التي حملت اسم «الإبداع» أو «تشانجو» بالكورية، وصوروا جهامة الواقع وضراوته في ظل الاحتلال الياباني.
على الرغم من هذه التشابهات، فإنه في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين كان هناك تباين كبير بين الأدب الحديث في الصين ونظيره في اليابان، من خلال استجابتهما المختلفة للحركتين اللتين ورثتا النزعة الطبيعية الفرنسية، وهما الواقعية والأدب الماركسي.
لقد قامت الحكومة اليابانية بعملية سحق شاملة للجماعات اليسارية، بعد غزوها منشوريا في عام 1931، وبلغ هذا التوجه ذروته في تعذيب ومن ثم قتل الروائي تاكيجي كوباياشي، مؤلف رواية «السفينة المصنع» في 1933.
في الصين، التقطت إحدى الجماعات الأدبية في شنغهاي راية جماعة «الحسيون الجدد»، وقدمت جانباً من أكثر الكتابات الحداثية تواصلاً باللغة الصينية، ولكن كتابها ما لبثوا أن وقعوا بين مطرقة الحكومة الوطنية وسندان الكتاب الماركسيين. وما لبث المجال المتاح لأي كتابة تنأى عن السياسة أن اختفى مع إعلان اليابان الحرب على الصين في عام 1937.
جلبت نهاية الحرب العالمية الثانية معها تغيرات بالغة العمق بالنسبة للدول الثلاث، فقد عايشت اليابان القصف النووي والاحتلال العسكري، وأعلنت الصين قيام جمهورية الصين الشعبية، وحصلت كوريا على استقلالها لتجد نفسها رهينة التقسيم بعد الحرب الكورية، وانعكست كل هذه الوقائع على صقال الأدب في هذه المرحلة.
شهدت اليابان في الستينيات المعجزة الاقتصادية وقبولها كجزء من الغرب، الذي وجد أبرز تجلياته الأدبية في منح الروائي الياباني ياسوناري كاوباتا جائزة نوبل في 1968، وبالمقابل تعرضت الصين للعزلة الدولية في عقد الثورة الثقافية 1966 – 1976، وشهدت كوريا الكثير من القمع السياسي.
وبرهن النصف الثاني من القرن العشرين على أنه حافل بالاضطرابات بالنسبة لشرقي آسيا كسابقه، وتراجعت عزلة الصين مع زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لها في 1971، ومهدت وفاة ماوتسي تونج في 1976 الطريق لبروز قيادات معتدلة اقتصادياً، على رأسها دينج شياو بينج، لكن ضوابط هذا الاعتدال تجلت في أحداث ميدان بوابة السلام السماوي.
يمكن القول إن النصف الثاني من القرن العشرين شهد بروز خمسة تيارات رئيسية في أدب المنطقة، هي على التوالي:
1 – الحضور القوي للكاتبات.
2 – الارتياد الملح لآفاق النشاط الجنسي والنزعة الإيروتيكية، وإن كان هذا التيار أقل وضوحاً في الأدب الكوري.
3- التجريب الشكلاني في الرواية الميتافيزيقية وأساليب السرد ما بعد الحداثية، مثل الواقعية السحرية.
4 – الاختفاء العام للتمييز بين الأدب والثقافة الشعبية الذي يدفعه قدماً التسليع والعولمة المنطلقان بلا هوادة.
5 – التركيز على تجربة الشتات، التي تفضي من ناحية إلى وضع الهوية الوطنية موضع التساؤل، ومن ناحية أخرى إلى التلقيح المتبادل الهائل، فيما يكتب الكتاب أدباً قومياً ليس بلغة تلك الأمة فحسب، وإنما بلغات دولية، كالانجليزية(18).
واذا تجاوزنا آفاق القرن العشرين، وشرعنا في تأمل مسيرة الأدب الآسيوي في مستهل الألفية الثالثة، لوجدنا أننا أمام حشد هائل من علامات الاستفهام بأكثر مما نحن أمام معطيات واضحة تفرض نفسها على مائدة التحليل.
وفي الأدب الياباني، بصفة خاصة، يلفت نظرنا الإيغال المدهش في مسيرة التغاضي عن التمييز بين الأدب والثقافة الشعبية، الذي يجد أبرز تجلياته في روايات «المانجا» وروايات الهاتف المحمول والروايات التي تقلد الأدب الأمريكي في أسوأ تقاليده.
خامساً – في الاختيار:
درج المعنيون بالترجمة، منذ أقدم العصور، على القول إن اختيار النص المناسب لترجمته يعد بمثابة إنجاز نصف مهمة الترجمة، وذلك في إشارة إلى الأهمية البالغة التي تتمتع بها عملية الاختيار.
فإذا تساءلنا عما تمت ترجمته إلى اللغة العربية من عيون الآداب الآسيوية، لا فستطل أمامنا غابة من علامات الاستفهام الفرعية حول المعايير التي تم اعتمادها في اختيار النصوص المترجمة إلى العربية من الآداب الآسيوية، سواء بشكل مباشر أو عن طريق لغة وسيطة، وطبيعة المشروعات التي اندرجت فيها هذه الترجمات، والأسرار الكامنة وراء غياب آداب بكاملها عن جهود الترجمة إلى العربية، وغير ذلك كثير.
في اعتقادي أنه قد يكون من المناسب أن نضع أمامنا عينة من الأعمال الأدبية التي ترجمت إلى العربية، ثم نقدم قراءة في هذه العينة قبل أن ننتقل، في مرحلة لاحقة، إلى هذه الأسئلة التي طرحناها هناك.
وقد حاولت التوصل إلى عينة من هذا النوع، فوجدت أنها تشتمل على اثنين وخمسين عملاً، هي كالتالي:
1 – حكاية جينجي – موراساكي شيكيبو هيئة أبوظبي للثقافة والتراث – أبوظبي – 2011.
2 – فن الحرب – صف تسو – المجمع الثقافي – أبوظبي – 2005.
3 – سيرة فوكوزاوا يوكيتشي ومقدمة أعماله الكاملة – فوكوزاو يوكيتشي – المجمع الثقافي – 2011.
4 – البوشيدو: روح اليابان إينازو نيتوبي – هيئة أبوظبي للثقافة والتراث – 2006.
5 – الطريق الضيق إلى داخل البلاد ماتسو باشو – مؤسسة الانتشار العربي – بيروت – 2005.
6 – علمنا أن نتجاوز جنوننا – كينزابورو أوي – دار الآداب – بيروت – 1988.
7 – التاريخ السري لأمير موساشي – جونيتشيرو تانيزاكي – دار الآداب – بيروت – 1989.
8 – امرأة في الرمال – كوبو آبي – دار الآداب – بيروت – 1989.
9 – موعد سرى – كوبو آبي – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2006.
10 – قصص بحجم راحة اليد – ياسوناري كاواباتا – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2003.
11- الصمت شوساكو إندو – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 2006.
12 – البحر والسم – شوساكو إندو – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2005.
13 – راشومون وقصص أخرى – رايونوسوكي أكوتاجاوا – دائرة الثقافة والاعلام – الشارقة – 2004.
14- ذراع واحدة وقصص أخرى ياسوناري كاواباتا – دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة – 2005.
15 – اعترافات قناع – يوكيو ميشيما – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2004.
16 – ثلج الربيع – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1990.
17 – الجياد الهاربة – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1991.
18 – معبد الفجر – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1993.
19 – سقوط الملاك – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1995.
20- البحار الذي لفظه البحر – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1988.
21 – هدير الأمواج – يوكيو ميشيما – دار الرشيد – بغداد – 1979.
22 – عطش للحب – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1988.
23 – سرب طيور بيضاء – ياسوناري كاواباتا – المركز الثقافي العربي – بيروت – 1991.
24 – البحيرة – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 1980.
25 – ضجيج الجبل – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 2009.
26- بلاد الثلوج – ياسوناري كاواباتا – دار المأمون – بغداد – 1986.
27- العاصمة القديمة – ياسوناري كاواباتا – دار المدى – دمشق – 1999.
28- أستاذ الغو – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير بيروت – 2007.
29 – حزن وجمال – ياسوناري كاواباتا – دار الآداب – بيروت – 1983.
30 – الجميلات النائمات – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 1989.
31 – راقصة إيزو – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 1990.
32 – حبان طاغيان – جونيشيرو تانيزاكي – دار الفارابي – بيروت – 1991.
33 – فتاة اسمها ناوومي – جونيشيرو تانيزاكي – دار الآداب – بيروت – 1990.
34 – الرحلة العجيبة – شوساكو إندو – اتحاد كتاب وأدباء الإماراتي – الشارقة 1989.
35 – الشاعر النمر: قصص يابانية – مجموعة مختارات – المجمع الثقافي – أبوظبي 1995.
36 – الليمون: قصص من اليابان والصين – مجموعة مختارات – دار المأمون – بغداد – 1989.
37 – مختارات من الأدب الياباني – مجموعة من الكتاب اليابانيين – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهر – 1988.
38 – الموت عند مصب النهر – مجموعة مختارات – مطبعة الكتاب العربي – دمشق – 1985.
39 – مسألة شخصية – كنزابورو أوي – مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت – 1987.
40 – الصرخة الصامتة – كنزابورو أوي – دار الهلال – القاهرة – 1995.
41 – كوكورو – ناتسومي سوسكي – دار المأمون – بغداد 1988.
42 – ناراياما – شيتشيرو فوكازاو – دار التنوير – بيروت – 2007.
43 – زهرة الصيف – مجموعة من القاصين اليابانيين – المجلس الوطني للثقافة – الكويت – 1990.
44 – مطبخ – بنانا يوشيموتو – المجلس الوطني للثقافة – الكويت – 1990.
45 – واحدة بعد أخرى تتفتح أزهار البرقوق – كينيث ياسودا – المجلس الوطني للثقافة – الكويت – 1999.
46 – يوكو أوغاوا – حوض السباحة – دار الآداب – بيروت – 2001.
47 – الجبل الملتهب – فوستعين – دار النشر باللغات الأجنبية – بكين – 1984.
48 – كتاب الشاي، أوكاكورا كاكوزو– هيئة أبوظبي للثقافة والتراث – أبوظبي – 2010.
49 – سيرة الأمير جينجي – موراساكي شيكيبو – دار ميريت – القاهرة – 2004.
50 – محاورات كونفوشيوس – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – 2000.
51 – كوجيكي – دار التكوين – دمشق – 2005.
52 – الأديان القديمة في الشرق مع ترجمة لكتاب البوذية «الداما بادا» – دار الشروق – بيروت – 1983.
هذه القائمة، في اعتقادنا بالغة الأهمية، ولابد لي، ابتداء، من التسليم بأنها كعينة للدراسة مليئة بالعيوب التي لا تجعلها عينة ممثلة للميدان الذي استمدت منه.
أول هذه العيوب أن هذه العينة تعكس اهتمام كاتب هذه السطور بالأدب الياباني، في المقام الأول، وبالتالي فهي تعكس تحيزاً لما ترجم من الأدب الياباني إلى اللغة العربية، كما أن الكتب التسعة عشرة الأولى من هذه العينة هي من ترجمتي، وهو ما يعكس تحيزاً داخل التحيز، وفضلاً عن ذلك، فإن العينة تضم كتباً لا تندرج بحكم موضوعها في عينة من هذا النوع بالمعنى الصحيح، وإنما ادرجت فيها لأنها افرغت في قالب أدبي بالغ الرقي، فعلى سبيل المثال من الواضح أن كتاب «فن الحرب» هو كتاب في الاستراتيجية، وكتاب «محاورات كونفوشيوس» هو أيضاً كتاب في الفلسفة، وكتاب «كوجيكي» هو كتاب في الأديان أكثر مما هو كتاب أدبي، والكتاب الأخير في القائمة هو أيضاً كتاب في الأديان يضم ترجمة لنص «الداما بادا». والمبرر الوحيد لضم هذه الكتب إلى العينة هو افراغها في قالب أدبي رفيع، يستحق الاهتمام في حد ذاته.
إذا أخذنا عيوب هذه العينة في الاعتبار، فإن السؤال المهم الذي يفرض نفسه علينا، على الفور تقريباً، هو: ما الذي نقرأه في هذه العينة كدالة أو مؤشر فيما اخترناه نحن العرب للترجمة الفعلية إلى اللغة العربية من الآداب الآسيوية؟
1 – غياب الحد الأدنى من التوازن في ترجمة الآداب الآسيوية: حتى إذا تداركنا النقص الذي تعكسه هذه العينة، من خلال ما نعلمه عن الترجمات التي لم تشملها، ومنها على سبيل المثال ترجمة ملحمة «الرامايانا» الهندية ضمن إصدارات المجمع الثقافي في أبوظبي، وصدور طبعة دمشقية للترجمة إلى العربية لنص مختصر من ملحمة «المهابها راتا» وترجمة أعمال روائية حديثة مثل «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي، وغير ذلك كثير من أوجه الاستدراك فإن مالدينا من ترجمات للآداب الآسيوية إلى اللغة العربية سيظل يعكس اختلالاً مدهشاً، حيث نلاحظ أن ما لدينا من أعمال مترجمة ينتمي إلى الآداب اليابانية والصينية والهندية، وكأن هذا هو كل ما يستحق الترجمة في الآداب الآسيوية.
والمرء لا يحتاج إلا إلى إلقاء نظرة عابرة على المطبوعات الانجليزية الاختصاصية في ترجمة الآداب العالمية، ومنها على سبيل المثال ومجلة «ورلد لتراتشور توداي» ومجلة «مانوا» الصادرة عن جامعة هاواي، لأدركنا النطاق الهائل للآداب الآسيوية الغائبة عن الترجمة إلى اللغة العربية.
دعنا، على سبيل المثال، نبادر إلى إلقاء نظرة عل عدد ربيع 1991 من مجلة «مانوا»، وعلى الفور سنجد أنه ينفتح أمامنا أفق باهر من الإبداع القصصي الاندونيسي لا نعرف عنه شيئا في عالمنا العربي، ونقرأ لكتاب مثل سيتور سيتومورانج، حمسد رانجكوتي، عمر نور زين، بوتو وجايا، سينو جوميرا أجيدارما، وبرامودايا أنانتا توير، حيث نتلمس ذلك الشعور بالقلق الحاد من جانب أندونيسيا حيال العلاقة السائدة بين الماضي والحاضر، بين المجتمع القديم والترتيب الاجتماعي الحديث، بين الوعد التقليدي بالأمن وضوابطه(19).
وفي عدد خاص من المجلة نفسها، سوف نجد أنفسنا على موعد مع أبرز أدباء ماليزيا ومبدعيها، حيث يمتد لقاء مع الشاعر ونج فوي نام، الذي يعد من أبرز شعراء ماليزيا وكتابها، ويبادر إلى إيضاح أبرز التحديات التي يواجهها الكتاب في ماليزيا، وفي مقدمتها تراتبية اللغات والتحيزات الثقافية التي تؤدي إلى إفراز شعور بالاغتراب لدى الكثير من الكتاب وهم في وطنهم(20)، ونقرأ لقاصين مبدعين من أمثال كي. إس. مانيام، ومليكة حجاز، ولي كوك ليانج وغيرهم، فضلاً عن قصائد لكل من صالح بن جند، دينا زمان، دونج فوى نام نفسه.
لا تعدو هذه الإطلالة على جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية أن تكون، على وجه الدقة، ما يشير إليه عنوانها، فهي عشر ملاحظات، لا غيرها، حول موضوعها، مستمدة من ثلاثة عقود من الاهتمام بالآداب الآسيوية ومتابعة جهود ترجمة نماذج منها إلى اللغة العربية، سواء مباشرة أو عبر لغة وسيطة.
وهذه الإطلالة تأخذ شكل الملاحظات الأولية، لأن هذا أمر حتمي، بحكم طبيعة الموضوع الذي تدور حوله؛ فالآداب الآسيوية كيان هائل يشمل آداب نصف البشرية تقريباً، امتداداً من الأرخبيل الياباني عبر كتلة البر الآسيوية، بما في ذلك الصين والهند وكوريا، وصولاً إلى غرب آسيا حيث اللغات السلافية والفارسية والتركية وغيرها كثير، ابتداء من أقدم العصور، وصولاً إلى أحدث تيارات الإبداع في هذه الآداب.
ومن الناحية المنهاجية، فإن هذه الملاحظات تعتمد في طرحها والانطلاق بها على ثلاثة مناهج، يتم استخدامها بشكل متداخل ومتكامل لتطويرها، هي على التوالي المنهاج التاريخي والمنهاج التحليلي والمنهاج الجدلي.
وقد حاولنا، بقدر الإمكان، الالتزام بأقصى قدر من الإيجاز في طرح هذه النقاط، إدراكاً منا للحقيقة القائلة إن تفصيل القول في كل منها كفيل بأن ينتهي بنا إلى مجلد ضاف يضم عشرة فصول في موضوع تنطلق مادته، بحكم طبيعتها، هادرة لتشكل طوفاناً معرفيا لا ينتهي.
غير أننا يتعين علينا، قبل الانطلاق في رحلة الملاحظات العشر هذه أن نشدد على أننا رغم حرصنا على الاستناد إلى مجموعة من المصادر والمراجع في طرحنا لها، إلا أنها جميعها نتاج تأملات رافقتنا طويلاً في غمار عملية الترجمة الفعلية، لأعمال من عيون الآداب الآسيوية ولدراسات حولها، وبالتالي فإن كاتب هذه السطور يتحمل المسؤولية كاملة عن هذه الملاحظات، بما في ذلك أكثرها إثارة للجدل والخلاف بين المترجمين العرب. وخاصة ما يتعلق بالأهداف الكلية لمشروعات الترجمة العربية وقواعد اختيار الأعمال التي ينبغي ترجمتها والتطلع إلى آفاق المستقبل في هذا الميدان، الذي لا يفتقر إلى الصعوبة ولا التعقيد.
هذا التأكيد، من منظورنا، أمر بالغ الأهمية، لأن ما نطرحه هنا هو نتاج تجربة عملية، في غمار الترجمة الفعلية، وبالتالي فقد يكون مخالفاً لما درجت عليه المعالجات الأكاديمية والدراسات التقليدية في هذا الاطار، بل انه اختلاف يكاد يكون حتمياً، وربما سيظل مطروحاً لأمد ليس بالقصير.
في اعتقادنا أن الخط الأصيل الناظم لهذه النقاط العشر، بل ربما لكل الجهود التي بذلناها، وبذلها غيرنا، في ترجمة الآداب والفلسفات والتقاليد الفكرية الآسيوية، على امتداد أكثر من ثلاثين عاماً، يتمثل في الإيمان بأن المحيط الهندي كان، منذ أقدم العصور، بحيرة هائلة يتواصل سكانها فيما بينهم على جناحي الرياح الموسمية قديماً والتقنية الحديثة اليوم، فمنذ أدرك أبناء هذا المحيط أن الرياح الموسمية تهب في اتجاه واحد على امتداد ستة أشهر ثم تهب في الاتجاه المعاكس خلال النصف الثاني من العام، انطلقوا عبر البحار المفتوحة ليتحقق التواصل بينهم على امتداد ألوف السنين.
حقاً إن دخول القوى الإمبراطورية الأوروبية على الخط في حياة أبناء هذا المحيط، بالاستعانة بالمدافع والبارود على متن السفن ذات القدرة الهائلة على المناورة منذ القرن السادس عشر، قد غير للأبد ملامح الحياة في المحيط الهندي، إلا أنه كان مستحيلاً أن يتكرر في آسيا ما حدث في الأمريكيتين، حيث حالت الكثافة السكانية الآسيوية والجذور الحضارية القوية دون إخضاع أوروبا للآسيويين بصورة مستديمة.
اليوم، يعود التواصل بين أبناء شرق آسيا وغربها ليغدو طريقة حياة وعمل، ويصبح من الطبيعي أن تقوم الصين بالعديد من المشروعات الهندسية الجبارة لاختصار الطريق بين مناطق الإنتاج فيها ومصبات النفط في الخليج العربي.
ليس من قبيل الصدفة أنه عندما قام الصينيون بمد أول سكة حديدية عملاقة في إفريقيا المستقلة عبر ألف ميل من دار السلام إلى زامبيا حرصوا على إعادة تذكير العالم بزيارات أساطيل الأميرال الصيني زينج هي إلى شرق إفريقيا، قبل خمسة قرون.
وليس من قبيل الصدفة أيضاً أن نشهد إنشاء التجمع الاقتصادي الإقليمي لدول المحيط الهندي، وأن تتوالى دورات الحوار العربي ــ الصيني بهذا القدر من التوفيق أو ذاك.
ومن المحقق أن جهود ترجمة الأدب والفكر والفن والعلوم الآسيوية تشكل الأرضية الحقيقية لهذا التيار المستقبلي، فمن المحتم أن يتعاون العالم العربي اليوم مع الشرق، لأن هذا هو الاتجاه الطبيعي والمنطقي ومن ثم العقلي.
وعلى الرغم من أهمية هذه الأرضية الجغرافية، فإنها لم تكن إلا تياراً واحداً ضمن تيارات لا تنتهي من التفاعل التاريخي والديني والثقافي والتجاري والحضاري، بأوسع المعاني، الذي فرض حضوره في الماضي، ويعود اليوم ليتواصل بقوة وعنفوان، ويجعل من اتجاه العرب شرقاً أمراً حتمياً وملحاً وضرورياً في آن.
أولاً – في التاريخ:
درج الكثير من الكتاب والباحثين العرب، في تناولهم لانطلاق حركة الترجمة العربية، على البدء باستعادة جهود خالد بن يزيد المتوفى عام 85 هجرية، وهو حفيد معاوية الأكبر الملقب بحكيم آل مروان، الذي اشتهر بصفة خاصة بترجمة علوم الكيمياء وعلم النجوم، بالاستعانة بعلماء مدرسة الاسكندرية(1). ومن ثم الانطلاق إلى جهود الترجمة في ظل الدولة العباسية، وبصفة خاصة خلال عهد الخليفة المأمون، مع التركيز على النقل عن اللغة اليونانية، ومن ثم يسود سكوت عن آفاق تاريخية هائلة، ليستأنف المسار مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر، وقيام محمد علي بإرسال البعوث إلى إيطاليا وفرنسا، ومن ثم إنشاء مدرسة الألسن الشهيرة والجهود الموازية في الدول العربية الأخرى، انتهاء بجهود الترجمة الحالية في دول عربية عدة.
تكاد هذه الصورة تكون التاريخ الرسمي لحركة الترجمة العربية، ونراها تتكرر في كل مجال تطرح فيه الترجمة، ونلاحظ أن الإشارة إلى جهود الترجمة إلى العربية عن اللغات الشرقية وإليها تكاد تكون غائبة تماما عن ملامح هذه الصورة، مع استثناء وحيد يتعلق، على وجه التحديد، بجهود عبدالله بن المقفع وترجمته الشهيرة لكتاب «كليلة ودمنة».
إننا نعتقد أن هذه الصورة، رغم ترسخها وشهرتها، ليست إلا اجتزاء لمحطات بعينها في مسار التاريخ الطويل لحركة الترجمة العربية، ولسنا نرفضها، لكننا نتساءل: كيف يمكن للجزء أن يحجب الكل على هذا النحو؟
دعنا، في هذا الصدد، نشر إلى ما نتصور أنه حقائق أساسية لا بد من إدراجها في أي صورة بديلة ترشح للحلول محل هذه الصورة التقليدية لحركة الترجمة العربية:
1– لم تكن شبه الجزيرة العربية منذ أقدم العصور كياناً معزولاً عما يجاوره، وإنما فرضت عليها ضرورات الحياة التواصل الكثيف مع العديد من المناطق المجاورة لها، وفي مقدمتها شرق إفريقيا والعديد من مناطق آسيا، ومن هنا جاءت التجارة تصديراً للجياد العربية الشهيرة والأسماك المجففة والمر واللبان وغيرها من السلع وعروض التجارة، واستيراداً لسلع لها أهميتها الحقيقية في حياة العرب، وفي مقدمتها الحديد والسلع الكمالية التي يجري الإتجار فيها كالحرير والآنية الخزفية(2).
كانت السفن التي تنطلق من شبه الجزيرة العربية إلى الصين تبحر جنوباً على امتداد ساحل الهند، إلى سرنديب، أو جزيرة الياقوت، أي سيلان، فشرقاً إلى سومطرة، عبر مضيق ملقا، عند أكثر أطراف آسيا إيغالاً باتجاه الجنوب، ثم شمالاً إلى بحر الصين. وكانت رحلة الذهاب والإياب تستغرق عاماً ونصف العام، وغالباً ما اختار قباطنة هذه السفن الرحيل في قوافل، تجنباً لمخاطر الوقوع تحت رحمة القراصنة.
ومن المحقق أن مثل هذه السفن كانت تقل مترجمين، تلك مهنتهم، أو على الأقل كانت تقل تجاراً أو بحارة يتقنون لغات الشعوب التي يتم التعامل معها، على امتداد مثل هذه الرحلات، وهو لا نزال نجد ملامح منه في إتقان الكثير من أبناء الخليج للغات شبه القارة الهندية.
عن طريق هؤلاء المترجمين أخذ العرب في جاهليتهم كلمات كثيرة فارسية ورومانية ومصرية وحبشية، وليس من قبيل الصدفة أن نجد في شعر الأعشى العديد من الكلمات ذات الأصل الفارسي.
وكان اللخميون، من عرب الحيرة، هم الصلة بين الفرس وعرب الجزيرة، وأتقن الكثير منهم الفارسية، كما كان الغسانيون، من عرب الشام، على اتصال وثيق بالثقافتين اليونانية والرومانية، وكانوا هم الصلة بين العرب واليونان، وترجموا الكثير من الكتب عن اليونانية.
2 – حث الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته على تعلم اللغات الأجنبية، وأثر عنه قوله: «من تعلم لغة قوم أمن شرهم، وبأمر منه تعلم زيد بن ثابت اللغة العبرية، بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: «يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي»، أي أنه لا يثق باليهود الذين قد يكلفهم بالكتابة بالعبرية.
ويلفت نظرنا هنا اجتهاد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي حظر ترجمة الطروحات النظرية والأفكار التأصيلية، على حين سمح بترجمة ما هو متعلق بضرورات حياة الناس ومعايشهم، ومن المحقق أن الحظر في الجانب الأول كانت تخوفاً على العقيدة في مستهل مسيرتها من أن تحف بها طروحات الأمم المجاورة، التي يكتنفها الكثير من اللبس والغموض في العقائد والالهيات.
3 – إننا نعرف الكثير عن الجهود التي بذلت في ظل الدولة العباسية للترجمة عن اليونانية في الطب والفلسفة والعلوم، لكن الجهود المبذولة للنقل عن المصادر الشرقية يكتنفها قدر ليس باليسير من الغموض.
وعلى سبيل المثال، فإن الكثيرين يعرفون أن عبدالله بن المقفع ترجم عن الفارسية كتاب «كليلة ودمنة»، لكنهم لا يعرفون أنه ترجم كتباً عديدة أخرى، منها كتاب «تاريخ ملوك الفرس» و«الأدب الكبير»، و«الأدب الصغير» وكتاب «اليتيمة».
وعلى الرغم من أن الجاحظ لم يعان أهوال الترجمة، إلا أنه كتب في قيمتها وشروطها، وهو يلفت نظرنا إلى موسى بن سيار الأسواري الذي يقول عنه إن فصاحته بالفارسية كانت في وزن فصاحته بالعربية(3).
4 – على الرغم من الكثير الذي نعرفه عن «دار الحكمة» في بغداد، إلا أن بعضنا لا يعرف أن قسم الترجمة فيها كان مؤلفاً من أقسام أصغر حسب اللغات الأجنبية السائدة آنذاك، وهي اليونانية والفارسية والسريانية والهندية، وهو ما يعني أن ثلاثة أرباع هذه اللغات المعتمدة في الدار كانت لغات شرقية.
وبينما يكثر الحديث عن النقل عن اليونانية والحصول على الكتب اليونانية من مصادرها لترجمتها، فإن هناك ما يشبه الصمت حول الاستعانة بالمصادر الهندية، وإن كنا نعرف أن المنصور كلف رجلاً هندياً ماهراً في معرفة حركات الكواكب وحسابها بترجمة كتاب الفلكي الرياضي برهمكبت من السنكرينية إلى العربية، وهو الذي عرف تقليديا باسم «السندهند». وأخذ العرب عن الهند طرقاً مهمة في حل جملة من المسائل الفلكية المتعلقة بعلم حساب المثلثات الكروية وبعض الاصطلاحات الرياضية، كما جلب يحيى بن خالد أطباء من الهند، وكان هناك تراجمة يترجمون من الهندية إلى العربية.
5 – يلفت نظرنا إلى جانب «دار الحكمة» إنشاء حنين بن اسحق مدرسة خاصة به لإعداد المترجمين، لعلها الأولى في الحضارة الإسلامية العربية، وكان من تلامذتها ابنه اسحق وابن اخته حبيش بن الحسن الأعسم، حيث يترجم حنين من اليونانية إلى السريانية، ثم يقوم حبيش بالنقل إلى العربية، أو يترجم اسحق من اليونانية إلى العربية رأساً، ويراجع عليه أبوه، وشارك في جهود هذه المدرسة موسى بن خالد ويحيى بن هارون واصطفان باسيل، وكرست هذه المدرسة بعض القواعد في الترجمة مع التمرين العملي عليها.
6 – على الرغم من تعدد الأدلة والمؤشرات على التواصل بين العرب والعديد من أرجاء آسيا، منذ ألوف السنين، إلا أن هناك استثناء بارزاً في هذا الصدد، هو اليابان، حيث يحسم المسعودي حيرة الباحثين العرب حول ما إذا كان الرحالة العرب قد وصلوا إلى الياباني قديماً من عدمه بالنفي، حيث يبادر إلى القول: «ليس بعد بلاد الصين مما يلي البحر ممالك تعرف ولا توصف إلا بلاد السيلي وجزائرها، ولم يصل إليها من الغرباء أحد من العراق ولا غيره فخرج منها لصحة هوائها ورقة مائها وجودة تربتها وكثرة خيرها، إلا النادر من الناس». ويخيل إلى أن هذا النص يحسم النقاش حول ما إذا كانت كتب التراث تضم كتابات عن اليابان، فمن الواضح أن المسعودي يجزم باستحالة ذلك(4).
7 – غير أننا إذا وجدنا أنفسنا أمام طريق مسدود في هذا الصدد، عبر المراجع والمصادر العربية، فإن من المهم أن نلجأ إلى الطرف الآخر في العلاقة، فالمصادر اليابانية تحدثنا عن أن اليابان حققت اتصالاً مبكراً بالعرب، عن طريق الصين، فعلى امتداد عهد ملكية التانج (630 – 894) بعثت اليابان بالسفراء والمبعوثين إلى الصين حيث التقوا في البلاط بنظرائهم من المسلمين، ومن المحقق أنهم التقوا بالتجار المسلمين في الشوارع والأسواق والمسارح. وأقدم وثيقة تظهر وعي اليابانيين بالمسلمين تظهر في كتاب «شوكو – نيهوني» المؤلف عام 753 ميلادية من قبل نائب سفير ياباني إلى بلاط التانج، حيث يتحدث عن لقاء مبعوثين أجانب من المسلمين العرب. غير أن الاتصال الشخصي بين اليابانيين والمسلمين كان غير موجود تقريباً، حتى أوائل القرن الثالث عشر، عندما التقى الراهب كويساي من كيوتو بمسلم من بلاد فارس خلال زيارة لسفينة فارسية في ميناء كانتون عام 1217، حيث أهديت إليه قصيدة عربية لا تزال محفوظة في اليابان حتى اليوم، يعتقد أنها أقدم وثيقة مكتوبة باللغة العربية في الشرق الأقصى(5).
8 – يشكل إنشاء مدرسة الألسن في مصر، في إطار جهود التحديث عام 1839 باسم مدرسة الترجمة بناء على اقتراح من رفاعة الطهطاوي إلى محمد على باشا، خطوة مهمة في تاريخ حركة الترجمة العربية، ويلاحظ الاهتمام فيها باللغات العربية والتركية والفرنسية. وعلى الرغم من أن التركيز فيها كان على نقل العلوم الحديثة من الفرنسية، إلا أن التركية انفردت بوجود قسم خاص بها يعرف بقلم ترجمة اللغة التركية.
9– تعود الترجمة اليوم لتحظى باهتمام نسبي، يبرز في المركز القومي للترجمة في مصر وبرنامجي «كلمة» و«ترجم» في الإمارات والمنظمة العربية للترجمة في بيروت والعديد من معاهد وكليات الترجمة في مختلف أرجاء العالم العربي، غير أن الترجمة عن اللغات الشرقية تظل بعيدة عن تحقيق الحد الأدنى من التكامل، سواء بالترجمة المباشرة أو حتى من خلال لغة وسيطة.
ثانياً – في الأصول الفكرية:
من المؤكد أن الآداب الآسيوية تستمد جدارتها بالاهتمام والمتابعة والتأمل والترجمة أيضاً من العديد من الأبعاد، وفي صدارة هذه الأبعاد استنادها إلى أصول فكرية شديدة العمق والثراء والامتداد، حتى لنحار في قراءتنا للنصوص الأدبية أين يبدأ الدين وأين تنتهي الفلسفة وعند أي خط يقف الأدب الخالص أم أننا حيال مزيج مدهش من هذا كله.
الواقع أنه إذا كان الكتاب والأدباء والفلاسفة في الغرب قد أتى عليهم حين من الدهر اتهموا فيه بأنهم يعيشون في أبراج عاجية، ويعكفون على مفاهيم مجردة بعيدة عن حياة الناس، متجاهلين المسائل الكبرى المتعلقة بالحياة، فإن نظراءهم في الشرق قد تجنبوا هذه التهمة، عندما استمر التواصل بينهم وبين مسائل الحياة، حيث عادوا بصفة مستمرة إلى محك التجربة الإنسانية.
لا يعني هذا بالضرورة أن الآداب الآسيوية قد انصرفت إلى التركيز على مشكلات السلوك البشري والقيم الأخلاقية وحدها، فهناك تيارات تبدي اهتماماً بمشكلات ميتافيزيقية أساسية، وتركز على أن الذات أو النفس جوهر قائم بذاته، وتنظر إلى الواقع من هذا المنظور، ولعل «رواية الأنا» اليابانية الشهيرة تضرب جذورها في هذا التيار، بينما هناك تيارات أخرى ترى في فكرة الجوهر وهماً لا أساس له، وهناك تيارات ترى أن الواقع مؤلف من عدد هائل من العناصر النهائية، وهي التي تحمل اسم «الواقعية التعددية».
في مواجهة المدارس الواقعية، هناك مدارس مثالية، بل مغرقة في مثاليتها، وهناك أعمال أدبية تضرب جذورها في مدرسة التاو الشهيرة، التي تجعل المبدأ الأول المطلق لكل شيء وجودا لاسمه له ولا خواص(6).
بهذا المعنى، فإن من يتابع الآداب الآسيوية سوف يراها تضرب جذورها في حشد مدهش من الفلسفات المثالية والواقعية والمادية والروحية والواحدية والتعددية، فضلاً عن النزعة العدمية، واللاادرية ومذهب الشك الفلسفي.
وإذا كانت هذه الرؤية تتسم بشيء من العمومية، ما دمنا حيال كيان هائل من الإبداع الأدبي، فدعنا نقترب بشكل أكبر من الأصول الفكرية للأدب الياباني، على وجه التحديد، ربما لأن اليابانيين لم يترددوا منذ أول احتكاك لهم بالحضارات الآسيوية الأخرى في الاستعارة منها، سواء فيما يتعلق بالموضوعات أو أشكال التعبير أو الخلفيات الدينية والفكرية.
من خلال تأمل امتد طويلاً للأدب الياباني واهتمام قديم بفلسفات الشرق، من جانب كانت هذه السطور، أستطيع تصور خمسة أبعاد تشكل الخلفية الفلسفية للأعمال الأدبية اليابانية هي كالتالي:
1 – البوذية – تم إدخالها إلى الأرخبيل الياباني من كوريا، في القرن الخامس الميلادي، فشكلت ما يمكن النظر إليه على أنه أقوى تأثير على الأدب الياباني، حيث لونت كل قوالب التعبير الأدبي وأشكاله، وقد يمكنني الذهاب إلى القول إنه من المستحيل فهم الأدب الياباني في المرحلة ما قبل الحديثة دون حد أدنى معقول من الفهم للبوذية، وقد كان هذا هو التحدي الأول الذي واجهته في محاولة قراءة النص الكامل لــ «حكاية جينجي» دع جانباً محاولة ترجمته.
2 – الأخلاق الكونفوشية – تم إدخالها إلى الأرخبيل الياباني من الصين، وقد أثرت بدورها بعمق بالغ في الأدب الياباني، وهو تأثير أخذ في بعض الأحيان صورة عظات فجة تقاطع السرد للحكاية التاريخية، وتبرز في بعض الأحيان في الأعمال الدرامية التي تصور الشوط الهائل الذي يقطعه الرجال والنساء لاظهار الولاء لآبائهم، أو غير ذلك من الفضائل الكونفوشيه. وعلى الرغم من أن المبادئ الكونفوشية لا تمنح نفسها في يسر للتعبير الشعري، كالمعتقدات البوذية الأساسية، إلا أنها لونت مواقف المجتمع ككل وخاصة منذ القرن السابع عشر.
3 – تأثير الشنتو ــ يعد اظهار هذا التأثير في الأدب الياباني أمراً أكثر صعوبة، ولكنه ماثل بلا شك، وربما كانت طبيعة العبادة الشنتوية، التي تدور حول عبادة الطبيعية، هي المبرر للاهتمام المدهش في كل أشكال التعبير الأدبي الياباني بالمواسم وما يرتبط بها من زهور وحيوانات. ويكفي أن نتذكر في هذا الصدد أن قصيدة الهايكو إذا خلت من كلمة تشير إلى الموسم فإنها لا تعد قصيدة هايكو، وإنما تعتبر «شعرا منوعاً»، بل أن مسرحيات النو تصنف بحسب الموسم، وسوف يبدو غريباً تؤدي أن تؤدي «مسرحية خريفية» في أي موسم آخر غير الخريف.
4 – مزيج من البوذية والكونفوشية والشنتو– يمكن لمثل هذا المزيج أن يتخلل الكثير من الأعمال الإبداعية الأدبية، فعلى الرغم من التناقضات البارزة بين التيارات الثلاثة إلا أن المرء لا يقرأ عن أناس يشعرون بالتمزق بين أديان متصارعة، ذلك أنه بعد القرن السابع عشر أصبحت الكونفوشية تنظم واجبات الفرد حيال المجتمع، بينما تنظم البوذية اهتماماته الروحية، أما متعته في الدنيا حيال جمال المواسم أو حب الصغار فتنبع من المعتقدات الشنتوية.
5 – ميتشي – هذه الكلمة التي تعني «الطريق» المرتبط بالإبداع الأدبي تنضم إلى الديانات والأنساق الفلسفية في تمسك المؤلفين اليابانيين بها. وهذا يمثل ما يزيد عن الإخلاص العادي من جانب الشاعر أو المؤلف الدرامي بمهنته، فهو تكريس لما يعتقد أنه أسمى مبادئ الفن(7).
وإذا أردنا أن نقطع شوطاً أبعد في تفهم مدى ثراء الأصول الفكرية للأدب الياباني، التي تجعله جديراً بتحمل عناء الجهد الهائل الذي يبذل في إطار محاولة ترجمته، فما علينا إلا إلقاء نظرة على المجلدين اللذين يقع فيهما كتاب «مصادر العرف الياباني»، حيث يتبين لنا أن هذا الجهد المبذول لرصد أبعاد العرف الأدبي الياباني، منذ عام 1600 إلى عام 2000، إنما يشكل رحلة هائلة الامتداد تبدأ برصد الحضور الياباني في التواريخ الملكية الصينية، ومن ثم أقدم الكتابات الصينية، وصولاً إلى حرب المحيط الهادي في التاريخ والذاكرة اليابانيين وانتهاء بالعنوان الدال «إعادة النظر في الأمة».
وجوهر هذا العمل هو محاولة مساعدة القارئ على الوصول إلى «فهم خلفية الحضارة اليابانية المعاصرة، وبخاصة على نحو ما تنعكس في الأعراق الفكرية التي لاتزال نابضة بالحياة اليوم»(8).
ثالثاً – في النطاق:
ربما كان من أهم الجوانب التي يتعين التوقف عندها، لدى تأمل الآداب الآسيوية، هو الجانب المتعلق بنطاق هذه الآداب، أي باتساعه مقارنة بالآداب الأخرى، وهي مسألة تعد من أكثر المسائل غموضاً وتشابكا وتعقيداً في الآداب الآسيوية.
أول ما يلفت نظرنا في التعامل مع مفهوم الأدب هو أن الكثير من الأوعية الفكرية، التي تمضي إليها متطلعاً إلى رؤية واضحة ومحددة لما يعنيه الأدب، تخذلك تماماً، ربما بشكل فوري، استناداً إلى أنه يفترض أنك تعرف مسبقاً ما هو الأدب، وأن مفهومه ليس بحاجة إلى إيضاح.
يقال، في لغتنا الجميلة، أدب الرجل، بضم الدال، أدباً، بفتحتين، فهو أديب، واستأدب أي تأدب(9). كما يقال أدركته حرفة الأدب، إذا انشغل عن كسب قوته بالأدب، فغدا رقيق الحال. ويقال أيضاً صناعة الشعر.
ونقرأ في قاموس أكسفورد الأصغر «إن كلمة أدب Literature انتقلت إلى الانجليزية عبر الفرنسية عن الأصل اللاتيني Littera أي حرف، وهي تعني المعرفة بالحروف أو الكتب، كما تعني أيضاً الثقافة الأدبية، وتعني كذلك العمل أو الإنتاج الأدبي أو نشاط أو مهنة رجل الأدب أو عالم الحروف، والإنتاج الأدبي ككل، وكتابات بلد أو مرحلة زمنية أو العالم بصفة عامة، والكلمة تعني الآن أيضاً، على نطاق أضيق، الكتابات التي تلقى التقدير لجمال قالبها أو تأثيرها العاطفي، وتعني الكيان من الكتب وغيرها الذي يعالج موضوعاً بعينه(10).
الآن إذا انتقلنا إلى مادة «أدب» في «موسوعة كولومبيا»، فسوف يذهلنا أن نجد أنفسنا أمام مدخل يقع في ستة أسطر لا غيرها، تتضمن الإحالة إلى مواد أخرى، بحسب جنسية الأدب أو قالبه الفني أو أسلوبه أو الغرض منه، وهو ما يعني ضمناً افتراض أن القارئ يعرف معنى الأدب، وأن ما يهمه هو معرفة متخصصة فيما يتعلق به(11).
المنهاج نفسه سنجده في «موسوعة أفريكانا»، فهي لا تفرد مدخلاً للأدب على إطلاقه، وإنما نجد مدخلاً عن الأدب الأمريكي الإفريقي، دونما تعريف له، وإنما عبر التطرق إلى مداخل متفرعة عنه(12).
وتفاجئنا مادة الأدب في «الموسوعة اليابانية المصورة» بأنها تحيلنا مباشرة إلى المراحل التاريخية الثلاث لتطور الأدب الياباني، وهي على التوالي: الأدب الياباني المبكر والهاييني، وأدب القرون الوسطى، والأدب الحديث(13).
إذا حاولنا الخروج من غيمة الغموض والتداخل هذه، لنقف بالتأمل عند النطاق الهائل للآداب الآسيوية وامتداداتها عبر العصور، لوجدنا أنفسنا أمام مجموعة من النقاط التي تقتضي الحد الأقصى من الانتباه في تتبعها وتحليلها، وهي كالتالي:
1 – إن الآداب الآسيوية، في تقاليدها العريقة، تعكس فهماً للأدب أوسع نطاقاً مما يقفز إلى الذهن عادة عندما ينصرف إلى مفهومنا المعتاد عن الأدب، وإذا تأملنا الآداب في الصين واليابان وكوريا، على سبيل المثال، فسوف نلاحظ أنها حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت تعيش في بيئة ثنائية اللغة، واللغتان هنا ليستا لغتين محليتين، كما هي الحال بالنسبة للانجليزية والفرنسية في كندا، وإنما كانت هناك في كل دولة لغة حديثة محكية، أو أكثر، لكن كل الاتصال الجدي المكتوب كان يتم إنجازه عبر اللغة الصينية الكلاسيكية، التي ترتبط بالأساس الايديولوجي البارز للثقافات الثلاث، أي الكونفوشية. وكما نعلم جميعاً فإن الكونفوشية تتصور مجتمعاً مقسماً إلى شرائح على أساس طبقي، يحتل فيه البيرقراطيون المثقفون موقع القمة، بينما يحتل التجار موقع القاع، وتتخذ البنى العائلية طابعاً بطريركرياً تماماً، ولا تتلقى المرأة إلا قسطاً محدوداً من التعليم، ولا تتمتع بسلطة اقتصادية أو سياسية تذكر.
بالمثل، فإن الأجناس الأدبية في الثقافات الكونفوشية تندرج في شرائح تراتبية إلى حد كبير بدورها، وتتحدد قيمتها ومكانتها من خلال استخدامها من قبل المسؤولين المثقفين، فالرجال الذين تلقوا تعليماً رفيعاً كانوا يدرسون التاريخ والشعر، وهما القالبان الأكثر تقديراً، جنباً إلى جنب مع الفلسفة والمقالات والتعليقات، وقد وجدت الروايات والقصص الأهلية في الثقافات الثلاث، ولكنها على الصعيد الرسمي كان ينظر إليها باعتبارها هامشية، بل وتافهة. أما الكتابات ذات القيمة فكان يقال لها «وين Wen» بالصينية و«بان bun» باليابانية و«مون mun» بالكورية، وشملت أجناساً متنوعة مثل السرد التاريخي القائم على الأحداث والوقائع، القصائد الغنائية والمذكرات التفسيرية المرفوعة إلى العرش أو إلى رئيس الحكومة(14).
غير أن اليابانيين والكوريين ما لبثوا أن ساروا على خطى تطور فقه اللغة الأوروبي، وخاصة على يد الباحثين الألمان، وربطوا بين أدبهم القومي ولغتهم الأهلية بصورة حصرية، وانتهت الدول الثلاث، ومن بينها الصين إلى تحديد أدبها الحديث باعتباره الأدب المكتوب بلغة تقارب عن كثب الخطاب المعاصر، غير أن هذا التطور استغرق وقتاً طويلاً، ففي اليابان، على سبيل المثال، ظل الشعر الذي يكتبه اليابانيون باللغة الصينية الكلاسيكية تأثيراً أدبياً مهماً، حتى حوالي عام 1911، وفي حقيقة الأمر أن كل عمالقة الأدب الياباني في بداية المرحلة الحديثة، من أمثال أوجاي موري وسوسيكي ناتسومي قد تلقوا تعليمهم في صدر العمر من خلال الأدب الصيني، واستمروا في الكتابة بالصينية التقليدية طوال عمرهم. وكتب أدباء صينيون محدثون من أمثال لوشان ودو دافو القصائد بالصينية الكلاسيكية، حتى وهم يروجون لكتابة الروايات والقصص بالأسلوب الغربي، بل ان الزعيم الصيني ماو تسي تونج واصل كتابة القصائد الكلاسيكية حتى وفاته، بما في ذلك خلال مرحلة الثورة الثقافية.
هكذا فإن مفهوم «الأدب» كان مختلفاً عن مفهوم «وين – بان – مون» أو ماكان يشار إليه على أنه «التعلم» في اللغات الثلاث (شوين – جاكومون – هانجومون). وبدا هذا الفارق كأوضح ما يكون من خلال الحقيقة القائلة إن ذروة تراتبية الأدب الأوروبي كانت تحتلها الرواية، بينما في شرقي آسيا شغل الشعر هذه المكانة، على حين أبعدت الرواية إلى القاع، باعتبارها لا تليق إلا بالنساء ومن هم موضع الشبهة أخلاقياً، وبتعبير آخر فإن تراتيبة الأدب الأوروبي والوين – بان – مون في شرقي آسيا كانتا على طرفي نقيض.
2 – كل من أتيح له زيارة اليابان والتردد على مكتباتها لابد أنه لاحظ ما أشرنا إليه من اتساع نطاق أدبها عن مفهومنا التقليدي للأدب، ففي كل مكتبة يابانية يوجد قسم كبير يحتله جنس أدبي ليس له نظير مقارب له في الآداب الأوروبية وكذلك في أدبنا العربي، وهذا الجنس هو ما يعرف باسم «زويهتسو» Zuihtu وهو ما يعني حرفياً «تتبع دفقات الفرشاة» والمقصود به المقالات القصيرة التي تدور حول موضوعات أدرجت كيفما اتفق، أو على نحو عشوائي، وهذا القالب حقق تطوراً كبيرا،ً واكتسب شعبية لا يستهان بها.
3 – مما يساعدنا على تأصيل فكرتنا عن اتساع نطاق الآداب الآسيوية وجود أجناس تندرج في صميم الأدب في التقاليد الآسيوية، غير أنها تصنف بحسب رؤية مختلفة في التقاليد الأوروبية، ويحضرني في هذا الصدد كتاب على جانب كبير من الأهمية، من المؤسف أنه لم تتم ترجمته بعد إلى اللغة العربية، ويغلب على ظني أنه لن يشق طريقه إليها عما قريب، وهذا الكتاب هو «تسوريزوريجوسا» The Tsurezuregusa للراهب كينكو، الذي ترجمه دونالد كين تحت عنوان «مقالات في الكسل»(15). فهذا الكتاب هو في واقع الأمر تأملات في الجمال والتصوف، وهو يدرج تقليدياً في الأدب، لكنه يتحدى التصنيف بالمعايير الأدبية الغربية، وهناك أيضاً تأملات في الوجود والحياة والدين تدرج في إطار التقاليد الآسيوية في الأدب، حتى اليوم.
4 – في مقابل كل ما سبق، لابد لنا من أن نلاحظ أن هناك أجناساً أدبية عرفت في أوروبا كأقصى ما تكون المعرفة لم يقدر لها أن تطور على الإطلاق في إطار بعض التقاليد الأدبية الآسيوية، فعلى سبيل المثال لم تطور في اليابان القصيدة الملحمية ولا القصيدة السردية الطويلة، ولم تكتسب السيرة الذاتية إلا أهمية محدودة وهامشية إلى حد بعيد. وربما على سبيل التعويض نجد أن التقاليد الأدبية اليابانية قد طورت إلى حد كبير اليوميات وصور الرحلات.
5– هناك أيضاً الأجناس المختلطة، أو المتداخلة، التي اكتسبت أهمية كبيرة في التقاليد الأدبية الآسيوية، ومنها الروايات التي يتخللها الشعر، ويشكل جزءا لا يتجزأ من نسيجها الفني، والمسرحيات التي يكتب جانب منها بلغة أدبية راقية والجانب الآخر باللغة العامية، وأخيراً القصائد التي لا يمكن استيعابها وتقديرها حق التقدير إلا بمقدمات نثرية طويلة.
رابعا – في التطور:
شهدت أجزاء كبيرة من القارة الآسيوية، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تغيرات هائلة، بحيث يمكن القول إنه في العقد الثاني من القرن العشرين لم يعد للنظام العالمي لشرقي آسيا وجود، فملكية مانشو الصينية سقطت في عام 1911، وسبقتها كوريا إلى مصير فاجع، حيث سقطت تحت الحماية اليابانية في 1905، وما لبثت اليابان أن أعلنت ضمها إلى إمبراطوريتها في عام 1910.
وعلى الرغم من أن مصائر الصين واليابان وكوريا سوف تختلف إلى حد كبير مع اطراد مسيرة القرن العشرين، فإن منطلقات الدول الثلاث كانت متشابهة إلى حد كبير، وهذا التشابه كان في مقدمة الأسباب الكامنة وراء العوامل المشتركة في آدابها الحديثة، وفي مسيرة تطور هذه الآداب.
لقد سبقت لنا الإشارة إلى أن في مقدمة عناصر التشابه هذه تحرك أدب كل من الدول الثلاث في بيئة نسيجها لغتان، إحداهما الصينية الكلاسيكية، ولكن العديد من قوى الضغط وعناصره ستدفع إلى ما عبر عنه رائد التحديث الياباني يوكيتشي فوكوزاوا في سيرته الذاتية على نحو قاطع بقوله: «من المستحيل توقع تقدم الصين»(16).
لم يكن هذا الرفض الذي عبر عنه فوكوزاوا بهذه الصرامة رفضاً لجانب بعينه في الحضارة الصينية، وإنما رفضاً لها في مجملها باعتبارها أصبحت قرينة التردي والسقوط، وكان لابد لهذا الطرح من أن ينعكس في نسيج الحياة الأدبية في شرقي آسيا بأسره.
تلك كانت المرحلة التي بعثت فيها اليابان بطلابها إلى أوروبا، في ظل الصيغة الرسمية «أخلاق شرقية وعلم غربي». وفيها أيضاً تدفقت على المنطقة ترجمات لكل الأعمال الأدبية الغربية المهمة. وقد قيل إنه إذا لم يكن بوسع المرء القراءة بأي لغة غير لغته، فإنه يمكن أن يقرأ باليابانية أعمالاً تنتمي إلى الأدب العالمي أكثر من أي لغة أخرى.
في التسعينات من القرن التاسع عشر أطلت روايات إميل زولا وليو تولستوي الواقعية، وكان أوجاي موري، الذي أمضى أربع سنوات مبتعثاً في ألمانيا لدراسة الطب، من بين أهم الكتاب الذين أدخلوا الفكر الأوروبي إلى اليابان، وبصفة خاصة الرومانسية الألمانية، وعلى الرغم من نجاحه في تقديم الرواية القصيرة عبر رائعته «الفتاة الراقصة» في عام 1890، إلا أنه كرس طاقته للنقد والترجمة. وبرز بالتزامن معه سوسيكي ناتسومي، الذي قدم نموذجاً احتذاه الكثيرون في الصين وكوريا.
وشهدت اليابان في هذا العقد بروز الحركة الرومانسية، عبر استلهام كتاب أوروبيين، في مقدمتهم بايرون وشيللي.
وتعد الطبيعية الأوروبية الحركة الأدبية الأوسع انتشاراً في تأثيرها على مسار الأدب في شرقي آسيا، واعتقد أنصارها أنهم يخدمون المجتمع بتقديم «الحقيقة» بلا صقل أو تجميل، ولأن أفكارهم وحياتهم كانت المجال الوحيد الذي يمكنهم فيه التيقن من الوصول إلى الحقيقة، فإن الجنس الأدبي السائد لدى الحركة كان «الرواية الشخصية» أو «الشيشو سيتسو» باليابانية(17).
ويمكن أن نرى منهاجاً مماثلاً في الصين عند يودافو، الذي كتب في عشرينات القرن العشرين، معلناً أن «الأدب ليس إلا سيرة ذاتية للمؤلف».
وفي كوريا تحقق الانطلاق إلى النزعة الطبيعية بعد ذلك بعقد من الزمان إثر هزيمة حركة الاستقلال عام 1919، وكرد فعل على كتاب مبالغين في برمجتهم مثل يي كوانجسو، قام كتاب على رأسهم كيم تونجين بتأسيس مجلتهم التي حملت اسم «الإبداع» أو «تشانجو» بالكورية، وصوروا جهامة الواقع وضراوته في ظل الاحتلال الياباني.
على الرغم من هذه التشابهات، فإنه في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين كان هناك تباين كبير بين الأدب الحديث في الصين ونظيره في اليابان، من خلال استجابتهما المختلفة للحركتين اللتين ورثتا النزعة الطبيعية الفرنسية، وهما الواقعية والأدب الماركسي.
لقد قامت الحكومة اليابانية بعملية سحق شاملة للجماعات اليسارية، بعد غزوها منشوريا في عام 1931، وبلغ هذا التوجه ذروته في تعذيب ومن ثم قتل الروائي تاكيجي كوباياشي، مؤلف رواية «السفينة المصنع» في 1933.
في الصين، التقطت إحدى الجماعات الأدبية في شنغهاي راية جماعة «الحسيون الجدد»، وقدمت جانباً من أكثر الكتابات الحداثية تواصلاً باللغة الصينية، ولكن كتابها ما لبثوا أن وقعوا بين مطرقة الحكومة الوطنية وسندان الكتاب الماركسيين. وما لبث المجال المتاح لأي كتابة تنأى عن السياسة أن اختفى مع إعلان اليابان الحرب على الصين في عام 1937.
جلبت نهاية الحرب العالمية الثانية معها تغيرات بالغة العمق بالنسبة للدول الثلاث، فقد عايشت اليابان القصف النووي والاحتلال العسكري، وأعلنت الصين قيام جمهورية الصين الشعبية، وحصلت كوريا على استقلالها لتجد نفسها رهينة التقسيم بعد الحرب الكورية، وانعكست كل هذه الوقائع على صقال الأدب في هذه المرحلة.
شهدت اليابان في الستينيات المعجزة الاقتصادية وقبولها كجزء من الغرب، الذي وجد أبرز تجلياته الأدبية في منح الروائي الياباني ياسوناري كاوباتا جائزة نوبل في 1968، وبالمقابل تعرضت الصين للعزلة الدولية في عقد الثورة الثقافية 1966 – 1976، وشهدت كوريا الكثير من القمع السياسي.
وبرهن النصف الثاني من القرن العشرين على أنه حافل بالاضطرابات بالنسبة لشرقي آسيا كسابقه، وتراجعت عزلة الصين مع زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لها في 1971، ومهدت وفاة ماوتسي تونج في 1976 الطريق لبروز قيادات معتدلة اقتصادياً، على رأسها دينج شياو بينج، لكن ضوابط هذا الاعتدال تجلت في أحداث ميدان بوابة السلام السماوي.
يمكن القول إن النصف الثاني من القرن العشرين شهد بروز خمسة تيارات رئيسية في أدب المنطقة، هي على التوالي:
1 – الحضور القوي للكاتبات.
2 – الارتياد الملح لآفاق النشاط الجنسي والنزعة الإيروتيكية، وإن كان هذا التيار أقل وضوحاً في الأدب الكوري.
3- التجريب الشكلاني في الرواية الميتافيزيقية وأساليب السرد ما بعد الحداثية، مثل الواقعية السحرية.
4 – الاختفاء العام للتمييز بين الأدب والثقافة الشعبية الذي يدفعه قدماً التسليع والعولمة المنطلقان بلا هوادة.
5 – التركيز على تجربة الشتات، التي تفضي من ناحية إلى وضع الهوية الوطنية موضع التساؤل، ومن ناحية أخرى إلى التلقيح المتبادل الهائل، فيما يكتب الكتاب أدباً قومياً ليس بلغة تلك الأمة فحسب، وإنما بلغات دولية، كالانجليزية(18).
واذا تجاوزنا آفاق القرن العشرين، وشرعنا في تأمل مسيرة الأدب الآسيوي في مستهل الألفية الثالثة، لوجدنا أننا أمام حشد هائل من علامات الاستفهام بأكثر مما نحن أمام معطيات واضحة تفرض نفسها على مائدة التحليل.
وفي الأدب الياباني، بصفة خاصة، يلفت نظرنا الإيغال المدهش في مسيرة التغاضي عن التمييز بين الأدب والثقافة الشعبية، الذي يجد أبرز تجلياته في روايات «المانجا» وروايات الهاتف المحمول والروايات التي تقلد الأدب الأمريكي في أسوأ تقاليده.
خامساً – في الاختيار:
درج المعنيون بالترجمة، منذ أقدم العصور، على القول إن اختيار النص المناسب لترجمته يعد بمثابة إنجاز نصف مهمة الترجمة، وذلك في إشارة إلى الأهمية البالغة التي تتمتع بها عملية الاختيار.
فإذا تساءلنا عما تمت ترجمته إلى اللغة العربية من عيون الآداب الآسيوية، لا فستطل أمامنا غابة من علامات الاستفهام الفرعية حول المعايير التي تم اعتمادها في اختيار النصوص المترجمة إلى العربية من الآداب الآسيوية، سواء بشكل مباشر أو عن طريق لغة وسيطة، وطبيعة المشروعات التي اندرجت فيها هذه الترجمات، والأسرار الكامنة وراء غياب آداب بكاملها عن جهود الترجمة إلى العربية، وغير ذلك كثير.
في اعتقادي أنه قد يكون من المناسب أن نضع أمامنا عينة من الأعمال الأدبية التي ترجمت إلى العربية، ثم نقدم قراءة في هذه العينة قبل أن ننتقل، في مرحلة لاحقة، إلى هذه الأسئلة التي طرحناها هناك.
وقد حاولت التوصل إلى عينة من هذا النوع، فوجدت أنها تشتمل على اثنين وخمسين عملاً، هي كالتالي:
1 – حكاية جينجي – موراساكي شيكيبو هيئة أبوظبي للثقافة والتراث – أبوظبي – 2011.
2 – فن الحرب – صف تسو – المجمع الثقافي – أبوظبي – 2005.
3 – سيرة فوكوزاوا يوكيتشي ومقدمة أعماله الكاملة – فوكوزاو يوكيتشي – المجمع الثقافي – 2011.
4 – البوشيدو: روح اليابان إينازو نيتوبي – هيئة أبوظبي للثقافة والتراث – 2006.
5 – الطريق الضيق إلى داخل البلاد ماتسو باشو – مؤسسة الانتشار العربي – بيروت – 2005.
6 – علمنا أن نتجاوز جنوننا – كينزابورو أوي – دار الآداب – بيروت – 1988.
7 – التاريخ السري لأمير موساشي – جونيتشيرو تانيزاكي – دار الآداب – بيروت – 1989.
8 – امرأة في الرمال – كوبو آبي – دار الآداب – بيروت – 1989.
9 – موعد سرى – كوبو آبي – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2006.
10 – قصص بحجم راحة اليد – ياسوناري كاواباتا – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2003.
11- الصمت شوساكو إندو – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 2006.
12 – البحر والسم – شوساكو إندو – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2005.
13 – راشومون وقصص أخرى – رايونوسوكي أكوتاجاوا – دائرة الثقافة والاعلام – الشارقة – 2004.
14- ذراع واحدة وقصص أخرى ياسوناري كاواباتا – دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة – 2005.
15 – اعترافات قناع – يوكيو ميشيما – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2004.
16 – ثلج الربيع – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1990.
17 – الجياد الهاربة – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1991.
18 – معبد الفجر – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1993.
19 – سقوط الملاك – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1995.
20- البحار الذي لفظه البحر – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1988.
21 – هدير الأمواج – يوكيو ميشيما – دار الرشيد – بغداد – 1979.
22 – عطش للحب – يوكيو ميشيما – دار الآداب – بيروت – 1988.
23 – سرب طيور بيضاء – ياسوناري كاواباتا – المركز الثقافي العربي – بيروت – 1991.
24 – البحيرة – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 1980.
25 – ضجيج الجبل – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 2009.
26- بلاد الثلوج – ياسوناري كاواباتا – دار المأمون – بغداد – 1986.
27- العاصمة القديمة – ياسوناري كاواباتا – دار المدى – دمشق – 1999.
28- أستاذ الغو – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير بيروت – 2007.
29 – حزن وجمال – ياسوناري كاواباتا – دار الآداب – بيروت – 1983.
30 – الجميلات النائمات – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 1989.
31 – راقصة إيزو – ياسوناري كاواباتا – دار التنوير – بيروت – 1990.
32 – حبان طاغيان – جونيشيرو تانيزاكي – دار الفارابي – بيروت – 1991.
33 – فتاة اسمها ناوومي – جونيشيرو تانيزاكي – دار الآداب – بيروت – 1990.
34 – الرحلة العجيبة – شوساكو إندو – اتحاد كتاب وأدباء الإماراتي – الشارقة 1989.
35 – الشاعر النمر: قصص يابانية – مجموعة مختارات – المجمع الثقافي – أبوظبي 1995.
36 – الليمون: قصص من اليابان والصين – مجموعة مختارات – دار المأمون – بغداد – 1989.
37 – مختارات من الأدب الياباني – مجموعة من الكتاب اليابانيين – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهر – 1988.
38 – الموت عند مصب النهر – مجموعة مختارات – مطبعة الكتاب العربي – دمشق – 1985.
39 – مسألة شخصية – كنزابورو أوي – مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت – 1987.
40 – الصرخة الصامتة – كنزابورو أوي – دار الهلال – القاهرة – 1995.
41 – كوكورو – ناتسومي سوسكي – دار المأمون – بغداد 1988.
42 – ناراياما – شيتشيرو فوكازاو – دار التنوير – بيروت – 2007.
43 – زهرة الصيف – مجموعة من القاصين اليابانيين – المجلس الوطني للثقافة – الكويت – 1990.
44 – مطبخ – بنانا يوشيموتو – المجلس الوطني للثقافة – الكويت – 1990.
45 – واحدة بعد أخرى تتفتح أزهار البرقوق – كينيث ياسودا – المجلس الوطني للثقافة – الكويت – 1999.
46 – يوكو أوغاوا – حوض السباحة – دار الآداب – بيروت – 2001.
47 – الجبل الملتهب – فوستعين – دار النشر باللغات الأجنبية – بكين – 1984.
48 – كتاب الشاي، أوكاكورا كاكوزو– هيئة أبوظبي للثقافة والتراث – أبوظبي – 2010.
49 – سيرة الأمير جينجي – موراساكي شيكيبو – دار ميريت – القاهرة – 2004.
50 – محاورات كونفوشيوس – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – 2000.
51 – كوجيكي – دار التكوين – دمشق – 2005.
52 – الأديان القديمة في الشرق مع ترجمة لكتاب البوذية «الداما بادا» – دار الشروق – بيروت – 1983.
هذه القائمة، في اعتقادنا بالغة الأهمية، ولابد لي، ابتداء، من التسليم بأنها كعينة للدراسة مليئة بالعيوب التي لا تجعلها عينة ممثلة للميدان الذي استمدت منه.
أول هذه العيوب أن هذه العينة تعكس اهتمام كاتب هذه السطور بالأدب الياباني، في المقام الأول، وبالتالي فهي تعكس تحيزاً لما ترجم من الأدب الياباني إلى اللغة العربية، كما أن الكتب التسعة عشرة الأولى من هذه العينة هي من ترجمتي، وهو ما يعكس تحيزاً داخل التحيز، وفضلاً عن ذلك، فإن العينة تضم كتباً لا تندرج بحكم موضوعها في عينة من هذا النوع بالمعنى الصحيح، وإنما ادرجت فيها لأنها افرغت في قالب أدبي بالغ الرقي، فعلى سبيل المثال من الواضح أن كتاب «فن الحرب» هو كتاب في الاستراتيجية، وكتاب «محاورات كونفوشيوس» هو أيضاً كتاب في الفلسفة، وكتاب «كوجيكي» هو كتاب في الأديان أكثر مما هو كتاب أدبي، والكتاب الأخير في القائمة هو أيضاً كتاب في الأديان يضم ترجمة لنص «الداما بادا». والمبرر الوحيد لضم هذه الكتب إلى العينة هو افراغها في قالب أدبي رفيع، يستحق الاهتمام في حد ذاته.
إذا أخذنا عيوب هذه العينة في الاعتبار، فإن السؤال المهم الذي يفرض نفسه علينا، على الفور تقريباً، هو: ما الذي نقرأه في هذه العينة كدالة أو مؤشر فيما اخترناه نحن العرب للترجمة الفعلية إلى اللغة العربية من الآداب الآسيوية؟
1 – غياب الحد الأدنى من التوازن في ترجمة الآداب الآسيوية: حتى إذا تداركنا النقص الذي تعكسه هذه العينة، من خلال ما نعلمه عن الترجمات التي لم تشملها، ومنها على سبيل المثال ترجمة ملحمة «الرامايانا» الهندية ضمن إصدارات المجمع الثقافي في أبوظبي، وصدور طبعة دمشقية للترجمة إلى العربية لنص مختصر من ملحمة «المهابها راتا» وترجمة أعمال روائية حديثة مثل «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي، وغير ذلك كثير من أوجه الاستدراك فإن مالدينا من ترجمات للآداب الآسيوية إلى اللغة العربية سيظل يعكس اختلالاً مدهشاً، حيث نلاحظ أن ما لدينا من أعمال مترجمة ينتمي إلى الآداب اليابانية والصينية والهندية، وكأن هذا هو كل ما يستحق الترجمة في الآداب الآسيوية.
والمرء لا يحتاج إلا إلى إلقاء نظرة عابرة على المطبوعات الانجليزية الاختصاصية في ترجمة الآداب العالمية، ومنها على سبيل المثال ومجلة «ورلد لتراتشور توداي» ومجلة «مانوا» الصادرة عن جامعة هاواي، لأدركنا النطاق الهائل للآداب الآسيوية الغائبة عن الترجمة إلى اللغة العربية.
دعنا، على سبيل المثال، نبادر إلى إلقاء نظرة عل عدد ربيع 1991 من مجلة «مانوا»، وعلى الفور سنجد أنه ينفتح أمامنا أفق باهر من الإبداع القصصي الاندونيسي لا نعرف عنه شيئا في عالمنا العربي، ونقرأ لكتاب مثل سيتور سيتومورانج، حمسد رانجكوتي، عمر نور زين، بوتو وجايا، سينو جوميرا أجيدارما، وبرامودايا أنانتا توير، حيث نتلمس ذلك الشعور بالقلق الحاد من جانب أندونيسيا حيال العلاقة السائدة بين الماضي والحاضر، بين المجتمع القديم والترتيب الاجتماعي الحديث، بين الوعد التقليدي بالأمن وضوابطه(19).
وفي عدد خاص من المجلة نفسها، سوف نجد أنفسنا على موعد مع أبرز أدباء ماليزيا ومبدعيها، حيث يمتد لقاء مع الشاعر ونج فوي نام، الذي يعد من أبرز شعراء ماليزيا وكتابها، ويبادر إلى إيضاح أبرز التحديات التي يواجهها الكتاب في ماليزيا، وفي مقدمتها تراتبية اللغات والتحيزات الثقافية التي تؤدي إلى إفراز شعور بالاغتراب لدى الكثير من الكتاب وهم في وطنهم(20)، ونقرأ لقاصين مبدعين من أمثال كي. إس. مانيام، ومليكة حجاز، ولي كوك ليانج وغيرهم، فضلاً عن قصائد لكل من صالح بن جند، دينا زمان، دونج فوى نام نفسه.
(يتبع البقية بموقع المجلة على الانترنت)
وتخصص مجلة «مانوا» عدد خريف 1999 تحت عنوان «الموسم الجريح» لمجموعة من قصص أبرز كتاب كوريا، والتي تصور حياة شعب غيرت الأحداث والوقائع حياته، ثم تعمقت جراحاته من خلال صياغات غير أصيلة لكنها مقبولة رسميا لما جرى له(21). ونجد أنفسنا حيال حشد من الشخصيات التي تستقطب اهتمامنا حقاً، ما بين طبيب كان يمكن أن يرتكب جريمة قتل خلال الحرب الكورية، وكاتب يعاني من ويلات البطالة، وأستاذ جامعي وابنته المتمردة، ينفصلان عاطفياً بالطريقة نفسها التي يقسم بها بلدهما إيديولوجيا، ومجموعة من الأصدقاء الذين لابد لهم من أن يواجهوا خيانتهم لأحد المنتمين لجماعتهم.
2 – الاختلال في الأجناس الأدبية المترجمة – هنا على وجه الدقة نلاحظ ملمحاً من أبرز ملامح الاختلال في الترجمة من الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية، فعلى الرغم من الأهمية الفائقة للشعر في هذه الآداب، إلا أن الشعر لا يكاد يكون له وجود في الترجمات إلى العربية، باستثناء ترجمة شعر الهايكو، الذي يحظى باهتمام خاص من جانب الشعراء العرب، وبينما نجد اهتماماً كبيراً بترجمة الروايات، فإننا لا نجد اهتماماً يذكر بترجمة قوالب تحظى باهتمام كبير في الآداب الآسيوية، مثل «الزويهتسو» والتأملات وأدب الرحلات، ويشعر المرء بالأسف الشديد، حينما يعرف أن ترجمة القصص القصيرة الآسيوية لا تحظى بحضور كبير لا لشيء إلا لأن الناشرين العرب لا يتحمسون كثيراً لنشر الأعمال التي تندرج في هذا الجنس الأدبي لأن توزيعه لا يلبي تطلعاتهم.
3 – إذا تأملنا العينة التي طرحناها هنا، فسوف يلفت نظرنا أن الغالبية الكاسحة من الأعمال المدرجة فيها لم تترجم من اللغات الآسيوية التي كتبت بها مباشرة، وإنما ترجمت عن لغة وسيطة، هي الانجليزية أو الفرنسية في الغالب. ومن بين اثنين وخمسين عملاً أدرجتها في هذه العينة فإن سبعة كتب لاغيرها ترجمت مباشرة عن اللغة الأصلية، وقد تم تأليف «كتاب الشاي» و«البوشيدو: روح اليابان بالانجليزية أصلاً لأنهما قصد بهما مخاطبة القارئ الغربي، ومن هنا جاءت سهولة ترجمتهما عن الإنجليزية مباشرة، وكتاب «فن الحرب» قمت بترجمته عن ترجمة شامبالا الجديدة المنقولة عن النص الخشبي الذي يعد النص الأكثر اكتمالاً، وبادر المركز القومي للترجمة في القاهرة، عقب ذلك، إلى إصدار ترجمة عن اللغة الصينية مباشرة. وقد ترجم محسن سيد فرجاني «محاورات كونفوشيوس» عن الصينية مباشرة أيضاً. وترجم دكتور أحمد فتحي «سيرة الأمير جينجي» عن اليابانية مباشرة، وأصدرت دار النشر باللغات الأجنبية في بكين عن الصينية كتاب «الجبل الملتهب» كما ترجم دكتور رؤوف شلبي كتاب «دامابادا» عن الهندية مباشرة. وفي اعتقادنا أن هذا هو الاتجاه الصحيح، على الرغم من صعوبته، الذي يتعين علينا نحن العرب أن نسير فيه، حتى وإن تكبدنا فيه المشاق، وتفرقت بنا شعبه.
4 – خلافاً لما نجده في الجهود المعاكسة، أي التي يتم في إطارها نقل الأعمال الأدبية العربية إلى اللغات الآسيوية، فإن المترجمين العرب ليسوا في الغالب باحثين متخصصين أو دارسين للغات الآسيوية، تلك مهنتهم، ويكرسون أعمارهم لهذا الجهد، بل ان من المترجمين العرب من لا علاقة لهم أصلاً بالآداب الآسيوية، وتصادف أن عهدت دور نشر لهم بترجمة كتاب ينتمي إلى الآداب الآسيوية، أو أرغمهم على ذلك عملهم في مؤسسات تهتم بتلك الآداب.
5 – معظم هذه الكتب لم تترجم في إطار جهود مؤسسية، وبالتالي لم يقدر لها أن تحقق الحد الأدنى من التكامل، كما أن مستقبل جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية يكتنفه الغموض، وهذه الجهود على الرغم من محدوديتها وضآلتها مرشحة للتراجع.
6 – لعل النقطة الجوهرية التي يتعين طرحها هنا هي أن جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية ليست جزءا من مشروع سياسي ولا مشروع معرفي ولا محاولة لمد جسور تعاون حقيقي شامل يشكل التثاقف جناحاً فيه، ربما لأن العالم العربي يفتقر إلى مشروع قومي، لدى القائمين عليه سياسة خارجية واضحة، ترى في توثيق التعاون مع الدول الآسيوية ميداناً مثمراً للعمل والحركة.
سادساً – في تجاوز «الهراء العميق»:
كل من قرأ، بحب وتعاطف، الأعمال الكلاسيكية في الأدب الآسيوي وأيضاً الأعمال الأدبية الحديثة التي استلهمت آفاقها منها يدرك إلى أي حد تطرح هذه الإبداعات نفسها على نحو يتحدى محاولات الإمساك بجوهرها، ذلك أن جزءاً من صميم عظمتها وعبقريتها وفرادتها يستمد من أنها لا تمنح نفسها لقارئها بسهولة.
ولست أريد تفصيل القول في هذا المجال، غير أنني أعتقد أن جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية ينبغي أن تمر عبر بوابة الفهم الواضح، الذي لا يحتمل اللبس لهذا الموضوع، الذي سأحاول إيضاحه عبر ثلاثة أمثلة محددة، ينتمي اثنان منها إلى أكثر الأعمال الكلاسيكية الآسيوية ثراء وشهرة، وهما ملحمة «المهابهاراتا» الهندية ورواية «الهسي يوتشي» الصينية ذات الفصول المئة، بينما المثال الثالث هو رائعة الروائي الياباني كينجي ناكاجامي «الشلال القرمزي» وهي رواية قصيرة أو قصة طويلة في مجموعته «الحب الأفعواني».
إذا شئنا البدء برواية «الهسى يوتشي» الصينية، أي «الرحلة إلى الغرب»، فسوف نبادر إلى القول إن هذه الرواية التي تعد أثراً بارزاً من آثار إبداع العقل الصيني، ظل يتكامل، عبر تسعة قرون كاملة، إلى أن بلغ أوجه في النص ذي الفصول المئة الذي ينسب إلى الشاعر والأديب المبدع ووتشينج – إين، تقع ترجمة العلامة أنطوني سي. يو لها إلى الانجليزية نقلاً عن الصينية في 1889 صفحة في طبعة جامعة شيكاغو.
هذا النص، في أبسط صورة عنه، هو سجل روائي للرحلة التي قام بها المغامر الصيني تريبيتاكا، مع أغرب مجموعة يمكن تصورها من الأتباع، هم قرد وخنزير وجواد وتنين، انطلاقاً من الصين في عهد التانج، وصولاً إلى الهند لجلب الكتب القديمة المقدسة. ويواجه هذا الفريق العجيب مايزيد على ثمانين محنة على امتداد الطريق، الذي ينبغي أن يقطعه الراهب المغامرة خطوة فأخرى، ومرحلة إثر غيرها، دون أن تعينه إلا القدرات السحرية والخارقة التي يتمتع بها فريق الأتباع العجيب، والتي تقف بدورها عند حدود معينة.
غير أن قراءة «الهسى يوتشي عند هذا المستوى لن تكشف لنا، بحسب التعبير الشهير في الأدبيات الصينية، إلا عند امتداد متطاول من «الهراء العميق»22.
قراءة النص، على هذا المستوى، لابد أن تكون ممتعة لأي قارئ في العالم وبأي لغة، إلا أن الوقوف عنده يعني فقدان القارئ لجوهر هذا العمل، وذلك على الرغم من وجود تيار من الباحثين يقول بوقف المتابعة للنص عند هذا المستوى، الخارجي إذا شئت، والمفارق لروح النص، من مستويات المتابعة.
هكذا فإن أبرز تحديات عملية قراءة هذا النص تمر بالكشف عن «هسي يوتشي» أخرى، كامنة تحت هذا المستوى السطحي، بهدف وضع يد القارئ على أسرار النص العميق الكامن وراء هذا المستوى، والذي تتداخل فيه فقرات العمل الروائي ومغامراته مع ثمار الفكر الصيني في أعمق تقاليده وأكثرها ثراء وأصالة.
ولا يتردد فوجو كسيانج، كاتب مقدمة «الجبل الملتهب» وهو مقتطف من «الهسي يوتشي» في تقديم تفسير إيديولوجي للنص الكلاسيكي، نرى فيه القرد، أبرز الأتباع الأربعة، يخوض غمار صراعات ثورية ضد ما يسمى المناطق الدائرية الثلاث التي ترمز إلى السلطات الإقطاعية، وتغدو جهود الأتباع الأربعة لتجاوز المشاق تجسيداً لسعي الشعب لإخضاع الطبيعة والتحكم بها، ويجري تفسير شخصية التابع الخنزير باعتباره يمتلك صفات عديدة من تلك الصفات التي يتسم بها الملاك من طبقة الفلاحين الصغار، بما في ذلك التذبذب المستمر والافتقار إلى الثقة بالذات والولع بالمكاسب الصغيرة(23).
أما في ملحمة «المهاباراتا» فإننا نتابع الانتقال من «البهارتا» المؤلفة من 24000 مقطوعة شعرية يضم كل منها بيتين إلى «المهابهارتا» التي تضم 100 ألف مقطوعة. وعلى المستوى السطحي فإننا أمام عقدة بالغة التركيب تتعلق بحقوق التوارث بالنسبة للذكور من أبناء الأسرة الحاكمة، وهي بالفعل كابوس بالنسبة لعالم الأنساب، والملحمة على هذا المستوى قصد بها أن تكون لغزاً، ولكن تحت هذا المستوى هناك مهابهارتا أخرى، هي في جوهرها تفسير كلي للحياة وللوجود انطلاقاً من مفهوم الصراع، وسعي هائل للتوصل إلى «كوزموجني» متكامل(24).
إذا انتقلنا إلى المثال الثالث، وهو قصة «الشلال القرمزي»، فإننا سنجد أن كاتب هذا النص الجميل، الروائي كينجي ناكاجامي، هو أحد الكتاب اليابانيين المميزين الذي رحلوا عن عالمنا من دون أن يعرف عنهم القارئ العربي شيئاً، على وجه التقريب، فبقدر علمي فإن المحاولة الوحيدة التي ثم القيام بها لتعريف القارئ العربي به، كانت تلك التي أنجزها كاتب هذا السطور بنشر روايته القصيرة «الخالدة» مع تعريف مطول بالمؤلف في أحد أعداد مجلة شؤون أدبية» الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
في قصة «الشلال القرمزي» نحن مع قصة مطاردة تتعرض لها أميرة شابة في غابة مع مرافقاتها وعدد محدود من حراسها في إقليم كومانو، وعلى امتداد المطاردة يصل الجمع الهارب إلى أربعة أشخاص فقط، هم الأميرة ووصيفتاها وحارس وحيد، وفي أجواء حلمية يستل الحارس سيفه، ويقضي به على الوصيفتين اللتين كانتا تحاولان عبثاً التخلص من العلق المنهمر عليهما من أشجار الغابة، ويتواصل حلمه بالاقتراب من الأميرة من دون أن يتاح له أن يمسها أو يفهم الحزبن الكامن في روحها والذي يرتسم على محياها، وتنتهي الرحلة بدمه يراق في نهير، ورأسه تجثت على حجر على الشاطئ فيما يمضي أحد قطاع الطرق واضعاً الأميرة على كتفه، بعد أن ألقى الدم المنساب عن سيفه على شفتيها، وكأنهما أكثر شحوباً مما يناسب ذوقه.
على أحد المستويات، فإن القارئ لا يملك إلا أن يتابع لاهثاً هذه المطاردة الوحشية، الحافلة بالمفاجآت عند كل منعطف، والتي يكتنفها الموت من كل منحياتها، لكن القصة الحقيقية ليست قصة المطاردة، ولا التابع الذي يبحث عبثاً عن معنى لوجوده، وإنما هي قصة هذا الحزن الوحشي، الذي يواكب الأميرة من العاصمة إلى الغابة والنهير، حيث لا تعود بوذيساتفا تبهر العيون، وإنما تغدو غنيمة يتلمسها قطاع الطريق في طريقهم إلى انحدار وحشي(25).
2 – الاختلال في الأجناس الأدبية المترجمة – هنا على وجه الدقة نلاحظ ملمحاً من أبرز ملامح الاختلال في الترجمة من الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية، فعلى الرغم من الأهمية الفائقة للشعر في هذه الآداب، إلا أن الشعر لا يكاد يكون له وجود في الترجمات إلى العربية، باستثناء ترجمة شعر الهايكو، الذي يحظى باهتمام خاص من جانب الشعراء العرب، وبينما نجد اهتماماً كبيراً بترجمة الروايات، فإننا لا نجد اهتماماً يذكر بترجمة قوالب تحظى باهتمام كبير في الآداب الآسيوية، مثل «الزويهتسو» والتأملات وأدب الرحلات، ويشعر المرء بالأسف الشديد، حينما يعرف أن ترجمة القصص القصيرة الآسيوية لا تحظى بحضور كبير لا لشيء إلا لأن الناشرين العرب لا يتحمسون كثيراً لنشر الأعمال التي تندرج في هذا الجنس الأدبي لأن توزيعه لا يلبي تطلعاتهم.
3 – إذا تأملنا العينة التي طرحناها هنا، فسوف يلفت نظرنا أن الغالبية الكاسحة من الأعمال المدرجة فيها لم تترجم من اللغات الآسيوية التي كتبت بها مباشرة، وإنما ترجمت عن لغة وسيطة، هي الانجليزية أو الفرنسية في الغالب. ومن بين اثنين وخمسين عملاً أدرجتها في هذه العينة فإن سبعة كتب لاغيرها ترجمت مباشرة عن اللغة الأصلية، وقد تم تأليف «كتاب الشاي» و«البوشيدو: روح اليابان بالانجليزية أصلاً لأنهما قصد بهما مخاطبة القارئ الغربي، ومن هنا جاءت سهولة ترجمتهما عن الإنجليزية مباشرة، وكتاب «فن الحرب» قمت بترجمته عن ترجمة شامبالا الجديدة المنقولة عن النص الخشبي الذي يعد النص الأكثر اكتمالاً، وبادر المركز القومي للترجمة في القاهرة، عقب ذلك، إلى إصدار ترجمة عن اللغة الصينية مباشرة. وقد ترجم محسن سيد فرجاني «محاورات كونفوشيوس» عن الصينية مباشرة أيضاً. وترجم دكتور أحمد فتحي «سيرة الأمير جينجي» عن اليابانية مباشرة، وأصدرت دار النشر باللغات الأجنبية في بكين عن الصينية كتاب «الجبل الملتهب» كما ترجم دكتور رؤوف شلبي كتاب «دامابادا» عن الهندية مباشرة. وفي اعتقادنا أن هذا هو الاتجاه الصحيح، على الرغم من صعوبته، الذي يتعين علينا نحن العرب أن نسير فيه، حتى وإن تكبدنا فيه المشاق، وتفرقت بنا شعبه.
4 – خلافاً لما نجده في الجهود المعاكسة، أي التي يتم في إطارها نقل الأعمال الأدبية العربية إلى اللغات الآسيوية، فإن المترجمين العرب ليسوا في الغالب باحثين متخصصين أو دارسين للغات الآسيوية، تلك مهنتهم، ويكرسون أعمارهم لهذا الجهد، بل ان من المترجمين العرب من لا علاقة لهم أصلاً بالآداب الآسيوية، وتصادف أن عهدت دور نشر لهم بترجمة كتاب ينتمي إلى الآداب الآسيوية، أو أرغمهم على ذلك عملهم في مؤسسات تهتم بتلك الآداب.
5 – معظم هذه الكتب لم تترجم في إطار جهود مؤسسية، وبالتالي لم يقدر لها أن تحقق الحد الأدنى من التكامل، كما أن مستقبل جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية يكتنفه الغموض، وهذه الجهود على الرغم من محدوديتها وضآلتها مرشحة للتراجع.
6 – لعل النقطة الجوهرية التي يتعين طرحها هنا هي أن جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية ليست جزءا من مشروع سياسي ولا مشروع معرفي ولا محاولة لمد جسور تعاون حقيقي شامل يشكل التثاقف جناحاً فيه، ربما لأن العالم العربي يفتقر إلى مشروع قومي، لدى القائمين عليه سياسة خارجية واضحة، ترى في توثيق التعاون مع الدول الآسيوية ميداناً مثمراً للعمل والحركة.
سادساً – في تجاوز «الهراء العميق»:
كل من قرأ، بحب وتعاطف، الأعمال الكلاسيكية في الأدب الآسيوي وأيضاً الأعمال الأدبية الحديثة التي استلهمت آفاقها منها يدرك إلى أي حد تطرح هذه الإبداعات نفسها على نحو يتحدى محاولات الإمساك بجوهرها، ذلك أن جزءاً من صميم عظمتها وعبقريتها وفرادتها يستمد من أنها لا تمنح نفسها لقارئها بسهولة.
ولست أريد تفصيل القول في هذا المجال، غير أنني أعتقد أن جهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية ينبغي أن تمر عبر بوابة الفهم الواضح، الذي لا يحتمل اللبس لهذا الموضوع، الذي سأحاول إيضاحه عبر ثلاثة أمثلة محددة، ينتمي اثنان منها إلى أكثر الأعمال الكلاسيكية الآسيوية ثراء وشهرة، وهما ملحمة «المهابهاراتا» الهندية ورواية «الهسي يوتشي» الصينية ذات الفصول المئة، بينما المثال الثالث هو رائعة الروائي الياباني كينجي ناكاجامي «الشلال القرمزي» وهي رواية قصيرة أو قصة طويلة في مجموعته «الحب الأفعواني».
إذا شئنا البدء برواية «الهسى يوتشي» الصينية، أي «الرحلة إلى الغرب»، فسوف نبادر إلى القول إن هذه الرواية التي تعد أثراً بارزاً من آثار إبداع العقل الصيني، ظل يتكامل، عبر تسعة قرون كاملة، إلى أن بلغ أوجه في النص ذي الفصول المئة الذي ينسب إلى الشاعر والأديب المبدع ووتشينج – إين، تقع ترجمة العلامة أنطوني سي. يو لها إلى الانجليزية نقلاً عن الصينية في 1889 صفحة في طبعة جامعة شيكاغو.
هذا النص، في أبسط صورة عنه، هو سجل روائي للرحلة التي قام بها المغامر الصيني تريبيتاكا، مع أغرب مجموعة يمكن تصورها من الأتباع، هم قرد وخنزير وجواد وتنين، انطلاقاً من الصين في عهد التانج، وصولاً إلى الهند لجلب الكتب القديمة المقدسة. ويواجه هذا الفريق العجيب مايزيد على ثمانين محنة على امتداد الطريق، الذي ينبغي أن يقطعه الراهب المغامرة خطوة فأخرى، ومرحلة إثر غيرها، دون أن تعينه إلا القدرات السحرية والخارقة التي يتمتع بها فريق الأتباع العجيب، والتي تقف بدورها عند حدود معينة.
غير أن قراءة «الهسى يوتشي عند هذا المستوى لن تكشف لنا، بحسب التعبير الشهير في الأدبيات الصينية، إلا عند امتداد متطاول من «الهراء العميق»22.
قراءة النص، على هذا المستوى، لابد أن تكون ممتعة لأي قارئ في العالم وبأي لغة، إلا أن الوقوف عنده يعني فقدان القارئ لجوهر هذا العمل، وذلك على الرغم من وجود تيار من الباحثين يقول بوقف المتابعة للنص عند هذا المستوى، الخارجي إذا شئت، والمفارق لروح النص، من مستويات المتابعة.
هكذا فإن أبرز تحديات عملية قراءة هذا النص تمر بالكشف عن «هسي يوتشي» أخرى، كامنة تحت هذا المستوى السطحي، بهدف وضع يد القارئ على أسرار النص العميق الكامن وراء هذا المستوى، والذي تتداخل فيه فقرات العمل الروائي ومغامراته مع ثمار الفكر الصيني في أعمق تقاليده وأكثرها ثراء وأصالة.
ولا يتردد فوجو كسيانج، كاتب مقدمة «الجبل الملتهب» وهو مقتطف من «الهسي يوتشي» في تقديم تفسير إيديولوجي للنص الكلاسيكي، نرى فيه القرد، أبرز الأتباع الأربعة، يخوض غمار صراعات ثورية ضد ما يسمى المناطق الدائرية الثلاث التي ترمز إلى السلطات الإقطاعية، وتغدو جهود الأتباع الأربعة لتجاوز المشاق تجسيداً لسعي الشعب لإخضاع الطبيعة والتحكم بها، ويجري تفسير شخصية التابع الخنزير باعتباره يمتلك صفات عديدة من تلك الصفات التي يتسم بها الملاك من طبقة الفلاحين الصغار، بما في ذلك التذبذب المستمر والافتقار إلى الثقة بالذات والولع بالمكاسب الصغيرة(23).
أما في ملحمة «المهاباراتا» فإننا نتابع الانتقال من «البهارتا» المؤلفة من 24000 مقطوعة شعرية يضم كل منها بيتين إلى «المهابهارتا» التي تضم 100 ألف مقطوعة. وعلى المستوى السطحي فإننا أمام عقدة بالغة التركيب تتعلق بحقوق التوارث بالنسبة للذكور من أبناء الأسرة الحاكمة، وهي بالفعل كابوس بالنسبة لعالم الأنساب، والملحمة على هذا المستوى قصد بها أن تكون لغزاً، ولكن تحت هذا المستوى هناك مهابهارتا أخرى، هي في جوهرها تفسير كلي للحياة وللوجود انطلاقاً من مفهوم الصراع، وسعي هائل للتوصل إلى «كوزموجني» متكامل(24).
إذا انتقلنا إلى المثال الثالث، وهو قصة «الشلال القرمزي»، فإننا سنجد أن كاتب هذا النص الجميل، الروائي كينجي ناكاجامي، هو أحد الكتاب اليابانيين المميزين الذي رحلوا عن عالمنا من دون أن يعرف عنهم القارئ العربي شيئاً، على وجه التقريب، فبقدر علمي فإن المحاولة الوحيدة التي ثم القيام بها لتعريف القارئ العربي به، كانت تلك التي أنجزها كاتب هذا السطور بنشر روايته القصيرة «الخالدة» مع تعريف مطول بالمؤلف في أحد أعداد مجلة شؤون أدبية» الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
في قصة «الشلال القرمزي» نحن مع قصة مطاردة تتعرض لها أميرة شابة في غابة مع مرافقاتها وعدد محدود من حراسها في إقليم كومانو، وعلى امتداد المطاردة يصل الجمع الهارب إلى أربعة أشخاص فقط، هم الأميرة ووصيفتاها وحارس وحيد، وفي أجواء حلمية يستل الحارس سيفه، ويقضي به على الوصيفتين اللتين كانتا تحاولان عبثاً التخلص من العلق المنهمر عليهما من أشجار الغابة، ويتواصل حلمه بالاقتراب من الأميرة من دون أن يتاح له أن يمسها أو يفهم الحزبن الكامن في روحها والذي يرتسم على محياها، وتنتهي الرحلة بدمه يراق في نهير، ورأسه تجثت على حجر على الشاطئ فيما يمضي أحد قطاع الطرق واضعاً الأميرة على كتفه، بعد أن ألقى الدم المنساب عن سيفه على شفتيها، وكأنهما أكثر شحوباً مما يناسب ذوقه.
على أحد المستويات، فإن القارئ لا يملك إلا أن يتابع لاهثاً هذه المطاردة الوحشية، الحافلة بالمفاجآت عند كل منعطف، والتي يكتنفها الموت من كل منحياتها، لكن القصة الحقيقية ليست قصة المطاردة، ولا التابع الذي يبحث عبثاً عن معنى لوجوده، وإنما هي قصة هذا الحزن الوحشي، الذي يواكب الأميرة من العاصمة إلى الغابة والنهير، حيث لا تعود بوذيساتفا تبهر العيون، وإنما تغدو غنيمة يتلمسها قطاع الطريق في طريقهم إلى انحدار وحشي(25).
سابعاً – في «حكاية جينجي»:
تنتمي حكاية جينجي «إلى الأعمال الأدبية الكلاسيكية الشامخة، التي تمنيت أن أراها تترجم إلى اللغة العربية قبل أن تغرب شمس العمر، وقد أنتظرت طويلاً، قبل أبادر، مع صدور ترجمة رويال تايلر للنص الكامل لــ «حكاية جينيجي»(26) في عام 2001 إلى اقتراح المبادرة بترجمته على المسؤولين في المجمع الثقافي بأبوظبي، الذين بادروا إلى تبني الاقتراح والتعاقد معي على ترجمته، رغم أن هذا العمل يقع في أقل قليلاً من ألفي صفحة ولا يفتقر إلى الصعوبة ولا التعقيد في ترجمته أو الاطلالة به إلى النور.
ولكن لماذا نعتقد أن هذا العمل يتمتع بهذه الأهمية الاستثنائية؟ لماذا نتمنى أن يبادر مترجمون آخرون إلى ترجمة الأعمال الأدبية الآسيوية المناظرة؟ لماذا ندعو المؤسسات المعنية بالترجمة إلى استهداف هذه النوعية من الأعمال على الرغم مما يكتنفها من صعوبات؟
قد لا يكون من قبيل المبالغة القول إن أبعاد أهمية «حكاية جينجي» بالنسبة لنا نحن العرب تكاد تكون بلا حصر تقريباً. غير أنني سأكتفي هنا بإلقاء الضوء على أربعة أبعاد فحسب للأهمية الفائقة لــ «حكاية جينجي» بالنسبة لنا نحن العرب، والتي من شأنها أن تدفعنا إلى المزيد من الاهتمام بالأعمال المماثلة من كنوز الآداب الشرقية، التي ظلت حتى الآن من دون الحد الأدنى من التعريف بها وإلقاء الضوء عليها.
هذه الأبعاد الأربعة هي في اعتقادي، وبأكبر قدر من الإيجاز، كما يلي:
1 – «حكاية جينجي» هي الرواية الأولى بالمعنى الصحيح في الأدب العالمي: هذا العمل الذي يقع فيما يزيد على ثلاثة أرباع مليون كلمة مدرجة في أربعة وخمسين فصلاً، يتميز بصفة جوهرية بحبكة بسيطة، تدور حول حياة البطل جينجي وغرامياته، ومن ثم كاورو، الذي يُعتقد بأنه ابنه من بعده، هو بحسب إجماع حشد هائل من الباحثين والكتاب والشراح والنقاد أول رواية، بالمعنى الصحيح، في أي أدب من آداب العالم.
بينما يميل تيار قوى من المنظرين والنقاد إلى القول إن علينا أن ننتظر حتى القرن التاسع عشر، وأن نرحل إلى المعاقل الحضرية الأوروبية، لكي نلتقي بالرواية، فإن هناك تياراً لا يقل قوة عن سابقة يذهب إلى القول إننا على امتداد صفحات «حكاية جينجي» نلتقي مع الرواية الأولى بالمعنى الصحيح.
والمنخرطون في هذا التيار يبررون وجهة نظرهم بالإشارة إلى أسباب عديدة وراء اعتقادهم بأن هذه هي الرواية الأولى في العالم، فهم يشددون على ما تعكسه من اهتمام فائق بالحبكة، واللغة الواضحة والدقيقة في آن، والبراعة المدهشة في رسم الشخصيات، وما تمتعت به من عمق التأثير واتساع نطاق الرواج على مدار أكثر من ألف عام والامتداد إلى العديد من القوالب والأشكال الفنية، وصولاً إلى الأدب الشعبي والتحول إلى مصدر رئيسي لمسرح النو والكابوكي، وانتهاء بالشاشتين الفضية والصغيرة. ومن المدهش أن تشق «حكاية جينجي»، في أكثر من محاولة إبداعية واحدة لنقلها من اليابانية القديمة إلى اليابانية الحديثة، طريقها إلى قوائم أكثر الكتب مبيعاً في اليابان.
2 – «حكاية جينجي» تشكل تطوراً نوعياً بلا مثيل في مسار الأدب الياباني، والحقيقة الأساسية في معرض تقويم هذا العمل هي أن مؤلفته، موراساكي شيكيبو، تعني بالنسبة لليابان ما يعنيه هوميروس لليونان، وشكسبير لانجلترا، ودانتي لإيطاليا، وجوته لألمانيا، وشعراء ملكية تانج للصين. وهذا التقويم لم يأت من فراغ، ولا يعكس مبالغة ولا تضخيماً. وسواء أقبلنا وجهة النظر القائلة بأن «حكاية جينجي» بكاملها تشكل وثبة تخيلية هائلة، تم عبرها تجاوز كل ما قبلها على نحو نوعى لا مجال لإنكاره، أو ذهبنا إلى تبني وجهة النظر المختلفة القائلة إن كل فصل أو مجموعة فصول منها تعكس قفزة تخيلية جزئية بالمقارنة مع ما سبقها، فإننا في نهاية المطاف مع «حكاية جينجي» نجد أنفسنا حيال تطور نوعي لا موضوع للتشكيك فيه، بحيث أن الأدب الياباني بعدها سيختلف تماماً عما كان عليه قبلها. والقفزة الباهرة التي حققتها المؤلفة جعلت إدواردجي. سد نستكر يقول في مقدمة ترجمته لــ «الحكاية» إن موراساكي أنجزت عبرها محاولة، ناجحة بحسب رؤية الكثيرين، لشيء غير مألوف بالمرة، وهو إبداع أول بطل في الأدب العالمي كله، والذي يتمثل في شخصية كاورو. ومن المهم أن نتوقف عند تلك الإشارة البارعة التي يتقدم بها ثيودور دي باري(27) إلى أن موراساكي نفسها تقدم لنا اضاءة للتساؤل عما أرادت قوله من خلال عملها، وذلك في واحد من أقدم الأمثلة على النقد الياباني، فعلى امتداد الحوار بين جينجي وتاما كازورا الذي يشمل صفحتين، سنجد ملامح من رؤية موراساكي لما يعنيه القص الإبداعي بالنسبة له، فهي ترفض القول بأن هذا القالب الإبداعي يستهدف الترفيه لا غيره، وترى فيه قناة لمتابعة المصائر، أي لتأمل الماضي، ولاستشراف المستقبل، لتجنب الوقوع في شراك الخديعة، ثم أن هذا القالب رسالة إلى أجيال المستقبل، حول الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم، ثم أن هذا الإبداع أداة فاعلة في ردم الهوة بين الاستنارة والعواطف، فضلاً عن أنه في ذاته يتمتع بقيمته.
3 – تدين «حكاية جينجي» بوجودها لمؤلفة هي الجدة العليا لإبداع المرأة: على الرغم من الشهرة المدوية التي تمتعت بها مؤلفة «حكاية جينجي» على امتداد القرون التي انقضت منذ أطل عملها في صورته الأولى في دوائر سيدات البلاط الهاييني، إلا أنها لا يعرف عنها إلا القليل حقاً، إلى حد أن «موسوعة اليابان المصورة» تشير إلى أنها ازدهرت عام 1000 (28)، فالنساء في العصر الهاييني لم يكن يسجل شيء يذكر عنهن، بما في ذلك تاريخ الميلاد والوفاة، إلا في حالة الاستثناء النادر المتمثل في كونهن إمبراطورات. وما يهمنا في القليل المعروف عنها أنها مبدعة ثلاثة أعمال، أولها «حكاية جينجي»، أو على الأقل الغالبية العظمى من النص الكامل لهذا العمل الشامخ، و«يوميات موراساكي شيكيبو»، ومجموعتها الشعرية المعروفة باسم «موراساكي شيكيبو شو». ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن موراساكي على الرغم من أنها تجعل البطولة في «حكاية جينجي» لكل من جينجي وكاورو، إلا أنها تترك الكلمة الفصل دائما للإناث، ومن هنا يعتبر الكثير من النقاد هذا العمل أول عمل أدبي أنثوي حقاً في تاريخ الكتابة. وهذا التقويم يضرب جذوره بقوة في حساسية موراساكي في تحليل الأحداث والشخصيات، فالمجتمع الذي تصفه هو في جوهره مجتمع نسائي، لا يظهر فيه الرجال إلا كأطياف عابرة، فالحب ومن ثم المرأة هو الذي يتحكم في حياتهم، وربما يحسم أقدارهم. ومن هنا على وجه الدقة يأتي ما أخذه فريق من النقاد اليابانيين تقليدياً على موراساكي من أنها في روايتها تترك القرار الأخير في النهاية للإرادة الأنثوية، التي مهما أسلمت قيادها للرجل فإنها ينتهي بها الأمر، أخيراً، إلى أن تملي عليه تصرفه سلباً أو إيجاباً. ربما لهذا، على وجه الدقة، لا يملك المرء إلا التوقف بمزيد من الاهتمام عند ما تقوله الباحثة دوريس جي. بارجن من ان موراساكي في مشاهد تلبس الروح، على امتداد الرواية، تضفي طابعاً درامياً عليه بطرق تخرب وتنسف بشكل حاذق وبارع بنية السيطرة الذكورية، وتغير بصورة مؤثرة هيكل الجندر (الجنس) في العصور الهايينية(29). ونحن هنا أمام كاتبة درامية، بمعنى أنها قادرة على تحقيق تأثيراتها ونقل رسائلها عبر الشخصية التي تبدعها، وليس من خلال التشبيه والاستعارة، وهما الأداتان الأكثر بروزاً، اللتان درج التقليد الغنائي الياباني على توظيفهما أكثر من غيرهما. ومن هذا المنظور فإن الباحث هارو شيرين يعبر عن رأي الكثيرين، عندما يذهب إلى القول إن «حكاية جينجي» نتاج تراكمي للمحاولة والتغيير، وإبداع مؤلفة تطورت مواقفها واهتماماتها وأساليبها الفنية بصورة يعتد بها في الزمن والتجربة، وهو لا يتردد في التشديد على أن الخصائص التي يتسم بها هذا العمل، وفي مقدمتها إبداع شخصيات ذات طابع فردي إلى حد كبير في إطار مشهد اجتماعي واقعي والطرح الحساس للفكر والعاطفة والدراما، التي يتم الحفاظ على استمراريتها، تميز هذا العمل السردي عن الأعمال التي سبقته، وهي التي شجعت النقاد على وصفه بأنه أول رواية نفسية عرفها العالم(30).
4 – هذا العمل يقدم للقراء والباحثين ثروة هائلة من المعرفة الانثروبولوجية والروحية والاجتماعية: تعد «حكاية جينجي» ثروة إبداعية تتألف من أفق هائل من الإبداع النثري الذي يعانق ما لا يقل عن 795 قصيدة طالما شغلت بال القراء والباحثين، لكنها ليست كذلك فحسب، وانما هي أيضاً كنز معرفي، في جوانب لا حصر لها، منها ما هو اجتماعي وأنثروبولوجي وغير ذلك كثير. ودعنا معاً نتخيل أن مخطوطاً عربياً يضم ثلاثة أرباع مليون كلمة قد ظهر، بمعجزة ما، من قلب المجهول، ليحمل لنا رؤية داخلية بالغة الدقة لما كان يجري وراء السُتر المنسدلة في قصور الأمراء والخلفاء وقادة الجند، في العصر العباسي الأول، على سبيل المثال. ترى أي قفزة معرفية هائلة هي التي ستتحقق لنا عبر مثل هذا العمل؟ أي دقة هائلة في تفاصيل العمل والحياة اليومية والاحتفالات والزيجات والمشاحنات سنحققها؟ ألا يعني مثل هذا العمل استحضاراً مذهلاً للتاريخ بالصوت والصورة واللون والتفاصيل الدقيقة إلى حد التناهي؟ هذا هو على وجه الدقة ما تقدمه لنا «حكاية جينجي»، ولكن تحت سماء يابان العصر الهاييني، الذي كان عصراً مفعماً بالسلام، يعد فيه الإمبراطور الشخصية الأبرز والمركز الذي يستقطب كل تفاصيل الأنشطة المراسمية، على حين يحكم قادة قبيلة فوجيوارا القوية أيديهم على السلطة، ويمثلون القوة التي وقفت وراء العرش على مدار خمسة قرون. وقد يكون من المهم الالتفات بشكل خاص إلى قراءة هذا العمل على المستوى الاجتماعي والفلسفي، وهذا ليس ترفاً فكرياً وليس حماساً للنزوع إلى التأمل، فالكثير من الجوانب التي نتلمسها على هذا المستوى لا تزال ضاربة الجذور في المجتمع الياباني، ولكن عبر تجليات أخرى. ومن شأن القارئ المدقق في النص الكامل لــ «حكاية جينجي» أن يلاحظ في الفصول التي تعقب وفاة جينجي نزوعاً إلى التشاؤم، وكأنه يجد نفسه في مواجهة كارو ونيئو مع رجلين أقل قدراً بكثير من جينجي وتونو تشوجو، وهذا النزوع يعود في أحد أبعاده إلى الجانب الاجتماعي المتعلق بالعلاقة بين العائلة الإمبراطورية وبين قبيلة فوجيوارا، وفي البعد الآخر إلى المفهوم الفلسفي المتعلق بالزوال والعبور، وهو المفهوم الضارب الجذور في صميم الوعي الياباني حتى اليوم. هكذا فإن «حكاية جينجي» يمكن أن تقرأ، عند أحد المستويات، باعتبارها رواية النذير من التردي النهائي، الذي ساد الاعتقاد بأنه سيبدأ في منتصف العصر الهاييني، وبمعنى آخر فإن المحيط الهائل المتمثل في «حكاية جينجي» يتجلى حكاية رمزية، أو إن شئت يبين سرداً أو وصفاً لهذا التردي النهائي، هذا الانهيار الكاسح للمجتمع، عندما تترك الشابة الوديعة أو كيفوني وحيدة في مواجهة قدرها، كأنما تُرك القانون الأخلاقي نفسه للمجتمع الهاييني وحيداً ليذوى.
وفي اعتقادي أن ترجمة النص الكامل لــ «حكاية جينجي» يعد مؤشراً لاهتمام حقيقي بإعطاء دفعة قوية للعلاقات الثقافية العربية ــــ الآسيوية. وعلى الرغم من أن هذه العلاقات لا تمضي بالقوة ولا بالزخم ولا بالسرعة التي يتمناها من يتحمسون لها، إلا أن الآمال معقودة على تسارع خطاها في المستقبل القريب، لكن تأملها عند هذا المنعطف من مسيرتها يفتح المجال واسعاً لتأمل الملاحظة التالية من هذه الملاحظات العشر، وهي المتعلقة بالهدف الكلي لمشروع الترجمة إلى العربية نقلاً عن الآداب الآسيوية.
تنتمي حكاية جينجي «إلى الأعمال الأدبية الكلاسيكية الشامخة، التي تمنيت أن أراها تترجم إلى اللغة العربية قبل أن تغرب شمس العمر، وقد أنتظرت طويلاً، قبل أبادر، مع صدور ترجمة رويال تايلر للنص الكامل لــ «حكاية جينيجي»(26) في عام 2001 إلى اقتراح المبادرة بترجمته على المسؤولين في المجمع الثقافي بأبوظبي، الذين بادروا إلى تبني الاقتراح والتعاقد معي على ترجمته، رغم أن هذا العمل يقع في أقل قليلاً من ألفي صفحة ولا يفتقر إلى الصعوبة ولا التعقيد في ترجمته أو الاطلالة به إلى النور.
ولكن لماذا نعتقد أن هذا العمل يتمتع بهذه الأهمية الاستثنائية؟ لماذا نتمنى أن يبادر مترجمون آخرون إلى ترجمة الأعمال الأدبية الآسيوية المناظرة؟ لماذا ندعو المؤسسات المعنية بالترجمة إلى استهداف هذه النوعية من الأعمال على الرغم مما يكتنفها من صعوبات؟
قد لا يكون من قبيل المبالغة القول إن أبعاد أهمية «حكاية جينجي» بالنسبة لنا نحن العرب تكاد تكون بلا حصر تقريباً. غير أنني سأكتفي هنا بإلقاء الضوء على أربعة أبعاد فحسب للأهمية الفائقة لــ «حكاية جينجي» بالنسبة لنا نحن العرب، والتي من شأنها أن تدفعنا إلى المزيد من الاهتمام بالأعمال المماثلة من كنوز الآداب الشرقية، التي ظلت حتى الآن من دون الحد الأدنى من التعريف بها وإلقاء الضوء عليها.
هذه الأبعاد الأربعة هي في اعتقادي، وبأكبر قدر من الإيجاز، كما يلي:
1 – «حكاية جينجي» هي الرواية الأولى بالمعنى الصحيح في الأدب العالمي: هذا العمل الذي يقع فيما يزيد على ثلاثة أرباع مليون كلمة مدرجة في أربعة وخمسين فصلاً، يتميز بصفة جوهرية بحبكة بسيطة، تدور حول حياة البطل جينجي وغرامياته، ومن ثم كاورو، الذي يُعتقد بأنه ابنه من بعده، هو بحسب إجماع حشد هائل من الباحثين والكتاب والشراح والنقاد أول رواية، بالمعنى الصحيح، في أي أدب من آداب العالم.
بينما يميل تيار قوى من المنظرين والنقاد إلى القول إن علينا أن ننتظر حتى القرن التاسع عشر، وأن نرحل إلى المعاقل الحضرية الأوروبية، لكي نلتقي بالرواية، فإن هناك تياراً لا يقل قوة عن سابقة يذهب إلى القول إننا على امتداد صفحات «حكاية جينجي» نلتقي مع الرواية الأولى بالمعنى الصحيح.
والمنخرطون في هذا التيار يبررون وجهة نظرهم بالإشارة إلى أسباب عديدة وراء اعتقادهم بأن هذه هي الرواية الأولى في العالم، فهم يشددون على ما تعكسه من اهتمام فائق بالحبكة، واللغة الواضحة والدقيقة في آن، والبراعة المدهشة في رسم الشخصيات، وما تمتعت به من عمق التأثير واتساع نطاق الرواج على مدار أكثر من ألف عام والامتداد إلى العديد من القوالب والأشكال الفنية، وصولاً إلى الأدب الشعبي والتحول إلى مصدر رئيسي لمسرح النو والكابوكي، وانتهاء بالشاشتين الفضية والصغيرة. ومن المدهش أن تشق «حكاية جينجي»، في أكثر من محاولة إبداعية واحدة لنقلها من اليابانية القديمة إلى اليابانية الحديثة، طريقها إلى قوائم أكثر الكتب مبيعاً في اليابان.
2 – «حكاية جينجي» تشكل تطوراً نوعياً بلا مثيل في مسار الأدب الياباني، والحقيقة الأساسية في معرض تقويم هذا العمل هي أن مؤلفته، موراساكي شيكيبو، تعني بالنسبة لليابان ما يعنيه هوميروس لليونان، وشكسبير لانجلترا، ودانتي لإيطاليا، وجوته لألمانيا، وشعراء ملكية تانج للصين. وهذا التقويم لم يأت من فراغ، ولا يعكس مبالغة ولا تضخيماً. وسواء أقبلنا وجهة النظر القائلة بأن «حكاية جينجي» بكاملها تشكل وثبة تخيلية هائلة، تم عبرها تجاوز كل ما قبلها على نحو نوعى لا مجال لإنكاره، أو ذهبنا إلى تبني وجهة النظر المختلفة القائلة إن كل فصل أو مجموعة فصول منها تعكس قفزة تخيلية جزئية بالمقارنة مع ما سبقها، فإننا في نهاية المطاف مع «حكاية جينجي» نجد أنفسنا حيال تطور نوعي لا موضوع للتشكيك فيه، بحيث أن الأدب الياباني بعدها سيختلف تماماً عما كان عليه قبلها. والقفزة الباهرة التي حققتها المؤلفة جعلت إدواردجي. سد نستكر يقول في مقدمة ترجمته لــ «الحكاية» إن موراساكي أنجزت عبرها محاولة، ناجحة بحسب رؤية الكثيرين، لشيء غير مألوف بالمرة، وهو إبداع أول بطل في الأدب العالمي كله، والذي يتمثل في شخصية كاورو. ومن المهم أن نتوقف عند تلك الإشارة البارعة التي يتقدم بها ثيودور دي باري(27) إلى أن موراساكي نفسها تقدم لنا اضاءة للتساؤل عما أرادت قوله من خلال عملها، وذلك في واحد من أقدم الأمثلة على النقد الياباني، فعلى امتداد الحوار بين جينجي وتاما كازورا الذي يشمل صفحتين، سنجد ملامح من رؤية موراساكي لما يعنيه القص الإبداعي بالنسبة له، فهي ترفض القول بأن هذا القالب الإبداعي يستهدف الترفيه لا غيره، وترى فيه قناة لمتابعة المصائر، أي لتأمل الماضي، ولاستشراف المستقبل، لتجنب الوقوع في شراك الخديعة، ثم أن هذا القالب رسالة إلى أجيال المستقبل، حول الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم، ثم أن هذا الإبداع أداة فاعلة في ردم الهوة بين الاستنارة والعواطف، فضلاً عن أنه في ذاته يتمتع بقيمته.
3 – تدين «حكاية جينجي» بوجودها لمؤلفة هي الجدة العليا لإبداع المرأة: على الرغم من الشهرة المدوية التي تمتعت بها مؤلفة «حكاية جينجي» على امتداد القرون التي انقضت منذ أطل عملها في صورته الأولى في دوائر سيدات البلاط الهاييني، إلا أنها لا يعرف عنها إلا القليل حقاً، إلى حد أن «موسوعة اليابان المصورة» تشير إلى أنها ازدهرت عام 1000 (28)، فالنساء في العصر الهاييني لم يكن يسجل شيء يذكر عنهن، بما في ذلك تاريخ الميلاد والوفاة، إلا في حالة الاستثناء النادر المتمثل في كونهن إمبراطورات. وما يهمنا في القليل المعروف عنها أنها مبدعة ثلاثة أعمال، أولها «حكاية جينجي»، أو على الأقل الغالبية العظمى من النص الكامل لهذا العمل الشامخ، و«يوميات موراساكي شيكيبو»، ومجموعتها الشعرية المعروفة باسم «موراساكي شيكيبو شو». ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن موراساكي على الرغم من أنها تجعل البطولة في «حكاية جينجي» لكل من جينجي وكاورو، إلا أنها تترك الكلمة الفصل دائما للإناث، ومن هنا يعتبر الكثير من النقاد هذا العمل أول عمل أدبي أنثوي حقاً في تاريخ الكتابة. وهذا التقويم يضرب جذوره بقوة في حساسية موراساكي في تحليل الأحداث والشخصيات، فالمجتمع الذي تصفه هو في جوهره مجتمع نسائي، لا يظهر فيه الرجال إلا كأطياف عابرة، فالحب ومن ثم المرأة هو الذي يتحكم في حياتهم، وربما يحسم أقدارهم. ومن هنا على وجه الدقة يأتي ما أخذه فريق من النقاد اليابانيين تقليدياً على موراساكي من أنها في روايتها تترك القرار الأخير في النهاية للإرادة الأنثوية، التي مهما أسلمت قيادها للرجل فإنها ينتهي بها الأمر، أخيراً، إلى أن تملي عليه تصرفه سلباً أو إيجاباً. ربما لهذا، على وجه الدقة، لا يملك المرء إلا التوقف بمزيد من الاهتمام عند ما تقوله الباحثة دوريس جي. بارجن من ان موراساكي في مشاهد تلبس الروح، على امتداد الرواية، تضفي طابعاً درامياً عليه بطرق تخرب وتنسف بشكل حاذق وبارع بنية السيطرة الذكورية، وتغير بصورة مؤثرة هيكل الجندر (الجنس) في العصور الهايينية(29). ونحن هنا أمام كاتبة درامية، بمعنى أنها قادرة على تحقيق تأثيراتها ونقل رسائلها عبر الشخصية التي تبدعها، وليس من خلال التشبيه والاستعارة، وهما الأداتان الأكثر بروزاً، اللتان درج التقليد الغنائي الياباني على توظيفهما أكثر من غيرهما. ومن هذا المنظور فإن الباحث هارو شيرين يعبر عن رأي الكثيرين، عندما يذهب إلى القول إن «حكاية جينجي» نتاج تراكمي للمحاولة والتغيير، وإبداع مؤلفة تطورت مواقفها واهتماماتها وأساليبها الفنية بصورة يعتد بها في الزمن والتجربة، وهو لا يتردد في التشديد على أن الخصائص التي يتسم بها هذا العمل، وفي مقدمتها إبداع شخصيات ذات طابع فردي إلى حد كبير في إطار مشهد اجتماعي واقعي والطرح الحساس للفكر والعاطفة والدراما، التي يتم الحفاظ على استمراريتها، تميز هذا العمل السردي عن الأعمال التي سبقته، وهي التي شجعت النقاد على وصفه بأنه أول رواية نفسية عرفها العالم(30).
4 – هذا العمل يقدم للقراء والباحثين ثروة هائلة من المعرفة الانثروبولوجية والروحية والاجتماعية: تعد «حكاية جينجي» ثروة إبداعية تتألف من أفق هائل من الإبداع النثري الذي يعانق ما لا يقل عن 795 قصيدة طالما شغلت بال القراء والباحثين، لكنها ليست كذلك فحسب، وانما هي أيضاً كنز معرفي، في جوانب لا حصر لها، منها ما هو اجتماعي وأنثروبولوجي وغير ذلك كثير. ودعنا معاً نتخيل أن مخطوطاً عربياً يضم ثلاثة أرباع مليون كلمة قد ظهر، بمعجزة ما، من قلب المجهول، ليحمل لنا رؤية داخلية بالغة الدقة لما كان يجري وراء السُتر المنسدلة في قصور الأمراء والخلفاء وقادة الجند، في العصر العباسي الأول، على سبيل المثال. ترى أي قفزة معرفية هائلة هي التي ستتحقق لنا عبر مثل هذا العمل؟ أي دقة هائلة في تفاصيل العمل والحياة اليومية والاحتفالات والزيجات والمشاحنات سنحققها؟ ألا يعني مثل هذا العمل استحضاراً مذهلاً للتاريخ بالصوت والصورة واللون والتفاصيل الدقيقة إلى حد التناهي؟ هذا هو على وجه الدقة ما تقدمه لنا «حكاية جينجي»، ولكن تحت سماء يابان العصر الهاييني، الذي كان عصراً مفعماً بالسلام، يعد فيه الإمبراطور الشخصية الأبرز والمركز الذي يستقطب كل تفاصيل الأنشطة المراسمية، على حين يحكم قادة قبيلة فوجيوارا القوية أيديهم على السلطة، ويمثلون القوة التي وقفت وراء العرش على مدار خمسة قرون. وقد يكون من المهم الالتفات بشكل خاص إلى قراءة هذا العمل على المستوى الاجتماعي والفلسفي، وهذا ليس ترفاً فكرياً وليس حماساً للنزوع إلى التأمل، فالكثير من الجوانب التي نتلمسها على هذا المستوى لا تزال ضاربة الجذور في المجتمع الياباني، ولكن عبر تجليات أخرى. ومن شأن القارئ المدقق في النص الكامل لــ «حكاية جينجي» أن يلاحظ في الفصول التي تعقب وفاة جينجي نزوعاً إلى التشاؤم، وكأنه يجد نفسه في مواجهة كارو ونيئو مع رجلين أقل قدراً بكثير من جينجي وتونو تشوجو، وهذا النزوع يعود في أحد أبعاده إلى الجانب الاجتماعي المتعلق بالعلاقة بين العائلة الإمبراطورية وبين قبيلة فوجيوارا، وفي البعد الآخر إلى المفهوم الفلسفي المتعلق بالزوال والعبور، وهو المفهوم الضارب الجذور في صميم الوعي الياباني حتى اليوم. هكذا فإن «حكاية جينجي» يمكن أن تقرأ، عند أحد المستويات، باعتبارها رواية النذير من التردي النهائي، الذي ساد الاعتقاد بأنه سيبدأ في منتصف العصر الهاييني، وبمعنى آخر فإن المحيط الهائل المتمثل في «حكاية جينجي» يتجلى حكاية رمزية، أو إن شئت يبين سرداً أو وصفاً لهذا التردي النهائي، هذا الانهيار الكاسح للمجتمع، عندما تترك الشابة الوديعة أو كيفوني وحيدة في مواجهة قدرها، كأنما تُرك القانون الأخلاقي نفسه للمجتمع الهاييني وحيداً ليذوى.
وفي اعتقادي أن ترجمة النص الكامل لــ «حكاية جينجي» يعد مؤشراً لاهتمام حقيقي بإعطاء دفعة قوية للعلاقات الثقافية العربية ــــ الآسيوية. وعلى الرغم من أن هذه العلاقات لا تمضي بالقوة ولا بالزخم ولا بالسرعة التي يتمناها من يتحمسون لها، إلا أن الآمال معقودة على تسارع خطاها في المستقبل القريب، لكن تأملها عند هذا المنعطف من مسيرتها يفتح المجال واسعاً لتأمل الملاحظة التالية من هذه الملاحظات العشر، وهي المتعلقة بالهدف الكلي لمشروع الترجمة إلى العربية نقلاً عن الآداب الآسيوية.
ثامناً – في الأهداف الكلية لمشروع الترجمة العربية نقلاً عن الآداب الآسيوية:
رأينا كيف أن العديد من الروافد تندفع لتصلب في إطار مشروع متكامل للترجمة العربية، فعلى سبيل المثال قدم المركز القومي للترجمة في مصر حتى الآن أكثر من ألفي كتاب، وتقدم منظمة الترجمة العربية وكذلك برنامجا «كلمة» في أبوظبي و«ترجم» في دبي والعديد من القنوات المماثلة عطاء جديراً بالمتابعة والاهتمام حقاً.
لكننا نلاحظ أن النقل عن الآداب الآسيوية على اختلافها يظل محدوداً للغاية، في إطار هذا المشروع، وبصفة خاصة عبر الترجمة المباشرة من اللغات الأصلية إلى اللغة العربية.
وفي اعتقادنا أن من أبرز الأسباب التي تقف وراء عدم التكامل والافتقار إلى الرسوخ في إطار هذ المشروع الغموض الذي يلف أهدافه ويفرض حضوره على نقاط تماس هذا المشروع مع الحياة العملية في عالمنا العربي.
لقد أتيح لنا خلال المساهمة في الإعداد لندوة التواصل الثقافي العربي الآسيوي، في إطار نشاط ندوة الثقافة والعلوم، قبل سنوات أن ندرك بوضوح إلى أي حد يتسم هذا المشروع بالبعد عن الوضوح في الأهداف المتوخاة منه، وبالتالي في آليات عمله والمواد المختاره للترجمة في إطاره.
ونعتقد أن الملامح التالية يمكن أن تساعدنا في بلورة ملامح هذا المشروع، وبالتالي دفعه قدماً بسرعة مضاعفة:
1 – ان الجهود المندرجة في إطار هذا المشروع للترجمة عن الآداب الآسيوية ينبغي أن تكون جهوداً علمية، لا توظف في خدمة مشروع سياسي، فالغاية منها هي التوصل إلى أفضل السبل للتعاون المثمر بين العرب وبين الشعوب الآسيوية، وتحقيق النفع المتبادل بين الجانبين.
2 – ان جهود الترجمة في هذا المشروع ينبغي أن تستند إلى الفهم الواضح الذي يخرج من ضباب التعميمات الاستشراقية إلى وضوح إعمال المنهاجية العلمية في الدراسة والبحث.
3 – عمليات ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية ينبغي ألا تنفصل عن مشروع معرفي متكامل، يسعى إلى مراكمة معرفة دقيقة وموثقة بالشعوب التي تتم ترجمة آدابها، بما في ذلك مد الجسور إلى النخب الثقافية فيها، وتحليل سبل نهضتها ونظمها الدستورية وتنوعها اللغوي والعرقي والطائفي وكيفية تغلبها على مشكلات التنمية والتعليم والتصنيع والتحديث وغيرها.
4 – جهود الترجمة العربية ينبغي أن تنطلق من دراسة المشكلات الكبرى للبلاد التي تتم ترجمة آدابها وكيفية بناء دولها الحديثة وتحليل ذهنية أبنائها والصورة القومية لهذه الدول وطابعها القومي واتجاهات الرأي العام فيها.
5 – ستظل جهود ترجمة الآداب الآسيوية قاصرة ما لم تقترن بدراسات مكثفة لأديان الدول التي تترجم آدابها وحضاراتها وتاريخها والتيارات الفكرية فيها.
6 – الترجمة لابد لها من أن تقترن بالدراسة المكثفة لمختلف العصور وآدابها إلى جوار دراسة التاريخ، الآثار، الفنون والانثروبولوجيا في مختلف المراحل.
ولكن كيف تتحقق أهداف هذا المشروع في الترجمة؟
ربما يكون من المهم، في معرض الإجابة على هذا السؤال، أن نهتدي ببعض ملامح التجربة اليابانية، ولنأخذ على وجه التحديد التعامل الياباني مع حالة مصر، فكثير من الباحثين العرب يشيرون إلى أن العرب كانت لهم مبادرة في تقديم النصح للعديد من الدول الشرقية، ومن بينها اليابان، وبصفة خاصة النصيحة التقليدية الموجهة من مصر إلى اليابان بعدم اللجوء إلى الديون لتمويل تجربة التنمية والتحديث، خشية الوقوع تحت طائلة عواقبها الوخيمة.
الواقع أننا نلاحظ، منذ البداية، وجود تيارين كليين في الفكر الياباني حيال المجتمعات العربية:
أ – تيار يقول بأهمية دراسة أوضاع هذه المجتمعات للاستفادة بتجربتها، في اطار اهتمام أشمل بالمجتمعات الاسلامية، ومن هنا جاءت الدراسات المكثفة التي أجراها فوكوتشي جينيتشيرو وميتسوكوري رينشو حول القوانين المصرية، تمهيداً لتعديل المعاهدات غير المتكافئة التي فرضت على اليابان، وفي عام 1889 قام كاي هارا، الذي أصبح في وقت لاحق رئيساً لوزراء اليابان بتأليف كتاب «المحاكم المختلطة المصرية». وقام سانشي توكاي بتأليف كتاب عن أوضاع العالم العربي في ظل الاستعمار، يفصح عن تعاطف حقيقي مع المقهورين على امتداد أرضه(31).
ب – التيار الثاني لم يبد اهتماماً حقيقاً بالعالم العربي، فنلاحظ أن رائد التنوير الياباني فوكوزاوا يوكيتشي يشير إلى مصر في سطر واحد في سيرته الذاتية، خلال رحلة قام بها ضمن بعثه يابانية إلى أوروبا، فيقول: «انطلقنا عبر البحر الأحمر إلى السويس، حيث رسونا ليقلنا القطار إلى القاهرة. وبعد نحول يومين هناك انطلقنا بالسفينة مجدداً عبر البحر المتوسط إلى مرسيليا(32). وهو سيبدي في كتب أخرى له اهتماماً أكبر بنظام السكك الحديدية في مصر، لكنه سيظل اهتماماً محدوداً. غير أن اتشيكاوا واتارو لن يتردد في ابداء انتقاد صارم للأوضاع في القاهرة كما رآها خلال رحيله مع بعثة يابانية أخرى إلى أوروبا في عام 1862، حيث لا يتردد في القول عن القاهرة: «يتضافر كل شيء لجعل المكان لا يطاق، فالشوارع لا تغيب عنها الروائح الكريهة، والذباب يتقافز على وجه المرء»(33)، وعلى الرغم من انتقاده للأوروبيين، إلا أنه يقر بأن اليابانيين لديهم ما يتعلمونه منهم، وبالمقابل يعرب عن ثقته بأن الصينيين والمصريين ليس لديهم ما يعلمونه لليابانيين. وبالمثل فإن الخبير المالي شيبو ساوا إيتشي لا يتردد في القول في ضوء تجربة مماثلة في كتابه «رحلة إلى الغرب»، في إطار حكم قيمي أصدره على مصر: «هذا البلد هو الأقرب إلى الغرب، ولكنه ما لم يغير أساليبه المفعمة بالجهل، فإن المرء سيتعين عليه القول إنه تهيمن عليه الأعراف القديمة وانه يتراجع في ميدان التقدم»(34).
وبالطبع، فقد قطع الجانبان شوطاً طويلاً في إطار حركة التثاقف بينهما، وقد تستفيد حركة الترجمة العربية نقلاً عن الآداب الآسيوية من قيام التجربة اليابانية في تعاملها مع الثقافة العربية ببلورة أربعة أجيال من المفكرين والباحثين اليابانيين في قضايا الشرق الأوسط والثقافة العربية الإسلامية بعامة في التاريخ والأدب والسياسة والدين، هي كالتالي بحسب إيضاح نوبو أكي نوتوهارا(35):
أ – الجيل الأول: هو جيل اكتشاف الموضوع، أي الجيل الذي بحث في القضايا العربية والإسلامية لأول مرة ولفت الانتباه إليها، وفي مقدمة أبناء هذا الجبل ما ئجيما شينجي، إزوتسو توشيهيكو.
ب – الجيل الثاني: هو جيل توسيع دائرة الاهتمام وزيادة عدد الباحثين وتنظيمهم وتوفير الاتصال بينهم، وفي هذا الجيل يبرز إتانجاكي يوزوق.
ج – الجيل الثالث: هو جيل يشكل تياراً واضحاً، يتابع ويعمق المعرفة، وينتمي إليه نوتوهارا.
د – الجيل الرابع: هو جيل الباحثين الشباب.
في اعتقادنا أن هذه المسيرة تقدم خارطة يمكن للباحثين والمترجمين العرب الانطلاق عبرها، في محاولتهم نقل الآداب الآسيوية إلى العربية، خاصة وأن أعداداً متزايدة من الباحثين والمترجمين العرب يولون الآن اهتماماً كافياً بالدراسات في اليابان وباقي الدول الآسيوية، خاصة في الصين وكوريا والهند، وابتعدوا تدريجياً عن إطلاق أحكام قيمية على تلك الدراسات بأنها مستمدة من مقولات الاستشراق الغربي الذي يتجاهل المصادر العربية والإسلامية بلغاتها الأصلية.
رأينا كيف أن العديد من الروافد تندفع لتصلب في إطار مشروع متكامل للترجمة العربية، فعلى سبيل المثال قدم المركز القومي للترجمة في مصر حتى الآن أكثر من ألفي كتاب، وتقدم منظمة الترجمة العربية وكذلك برنامجا «كلمة» في أبوظبي و«ترجم» في دبي والعديد من القنوات المماثلة عطاء جديراً بالمتابعة والاهتمام حقاً.
لكننا نلاحظ أن النقل عن الآداب الآسيوية على اختلافها يظل محدوداً للغاية، في إطار هذا المشروع، وبصفة خاصة عبر الترجمة المباشرة من اللغات الأصلية إلى اللغة العربية.
وفي اعتقادنا أن من أبرز الأسباب التي تقف وراء عدم التكامل والافتقار إلى الرسوخ في إطار هذ المشروع الغموض الذي يلف أهدافه ويفرض حضوره على نقاط تماس هذا المشروع مع الحياة العملية في عالمنا العربي.
لقد أتيح لنا خلال المساهمة في الإعداد لندوة التواصل الثقافي العربي الآسيوي، في إطار نشاط ندوة الثقافة والعلوم، قبل سنوات أن ندرك بوضوح إلى أي حد يتسم هذا المشروع بالبعد عن الوضوح في الأهداف المتوخاة منه، وبالتالي في آليات عمله والمواد المختاره للترجمة في إطاره.
ونعتقد أن الملامح التالية يمكن أن تساعدنا في بلورة ملامح هذا المشروع، وبالتالي دفعه قدماً بسرعة مضاعفة:
1 – ان الجهود المندرجة في إطار هذا المشروع للترجمة عن الآداب الآسيوية ينبغي أن تكون جهوداً علمية، لا توظف في خدمة مشروع سياسي، فالغاية منها هي التوصل إلى أفضل السبل للتعاون المثمر بين العرب وبين الشعوب الآسيوية، وتحقيق النفع المتبادل بين الجانبين.
2 – ان جهود الترجمة في هذا المشروع ينبغي أن تستند إلى الفهم الواضح الذي يخرج من ضباب التعميمات الاستشراقية إلى وضوح إعمال المنهاجية العلمية في الدراسة والبحث.
3 – عمليات ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية ينبغي ألا تنفصل عن مشروع معرفي متكامل، يسعى إلى مراكمة معرفة دقيقة وموثقة بالشعوب التي تتم ترجمة آدابها، بما في ذلك مد الجسور إلى النخب الثقافية فيها، وتحليل سبل نهضتها ونظمها الدستورية وتنوعها اللغوي والعرقي والطائفي وكيفية تغلبها على مشكلات التنمية والتعليم والتصنيع والتحديث وغيرها.
4 – جهود الترجمة العربية ينبغي أن تنطلق من دراسة المشكلات الكبرى للبلاد التي تتم ترجمة آدابها وكيفية بناء دولها الحديثة وتحليل ذهنية أبنائها والصورة القومية لهذه الدول وطابعها القومي واتجاهات الرأي العام فيها.
5 – ستظل جهود ترجمة الآداب الآسيوية قاصرة ما لم تقترن بدراسات مكثفة لأديان الدول التي تترجم آدابها وحضاراتها وتاريخها والتيارات الفكرية فيها.
6 – الترجمة لابد لها من أن تقترن بالدراسة المكثفة لمختلف العصور وآدابها إلى جوار دراسة التاريخ، الآثار، الفنون والانثروبولوجيا في مختلف المراحل.
ولكن كيف تتحقق أهداف هذا المشروع في الترجمة؟
ربما يكون من المهم، في معرض الإجابة على هذا السؤال، أن نهتدي ببعض ملامح التجربة اليابانية، ولنأخذ على وجه التحديد التعامل الياباني مع حالة مصر، فكثير من الباحثين العرب يشيرون إلى أن العرب كانت لهم مبادرة في تقديم النصح للعديد من الدول الشرقية، ومن بينها اليابان، وبصفة خاصة النصيحة التقليدية الموجهة من مصر إلى اليابان بعدم اللجوء إلى الديون لتمويل تجربة التنمية والتحديث، خشية الوقوع تحت طائلة عواقبها الوخيمة.
الواقع أننا نلاحظ، منذ البداية، وجود تيارين كليين في الفكر الياباني حيال المجتمعات العربية:
أ – تيار يقول بأهمية دراسة أوضاع هذه المجتمعات للاستفادة بتجربتها، في اطار اهتمام أشمل بالمجتمعات الاسلامية، ومن هنا جاءت الدراسات المكثفة التي أجراها فوكوتشي جينيتشيرو وميتسوكوري رينشو حول القوانين المصرية، تمهيداً لتعديل المعاهدات غير المتكافئة التي فرضت على اليابان، وفي عام 1889 قام كاي هارا، الذي أصبح في وقت لاحق رئيساً لوزراء اليابان بتأليف كتاب «المحاكم المختلطة المصرية». وقام سانشي توكاي بتأليف كتاب عن أوضاع العالم العربي في ظل الاستعمار، يفصح عن تعاطف حقيقي مع المقهورين على امتداد أرضه(31).
ب – التيار الثاني لم يبد اهتماماً حقيقاً بالعالم العربي، فنلاحظ أن رائد التنوير الياباني فوكوزاوا يوكيتشي يشير إلى مصر في سطر واحد في سيرته الذاتية، خلال رحلة قام بها ضمن بعثه يابانية إلى أوروبا، فيقول: «انطلقنا عبر البحر الأحمر إلى السويس، حيث رسونا ليقلنا القطار إلى القاهرة. وبعد نحول يومين هناك انطلقنا بالسفينة مجدداً عبر البحر المتوسط إلى مرسيليا(32). وهو سيبدي في كتب أخرى له اهتماماً أكبر بنظام السكك الحديدية في مصر، لكنه سيظل اهتماماً محدوداً. غير أن اتشيكاوا واتارو لن يتردد في ابداء انتقاد صارم للأوضاع في القاهرة كما رآها خلال رحيله مع بعثة يابانية أخرى إلى أوروبا في عام 1862، حيث لا يتردد في القول عن القاهرة: «يتضافر كل شيء لجعل المكان لا يطاق، فالشوارع لا تغيب عنها الروائح الكريهة، والذباب يتقافز على وجه المرء»(33)، وعلى الرغم من انتقاده للأوروبيين، إلا أنه يقر بأن اليابانيين لديهم ما يتعلمونه منهم، وبالمقابل يعرب عن ثقته بأن الصينيين والمصريين ليس لديهم ما يعلمونه لليابانيين. وبالمثل فإن الخبير المالي شيبو ساوا إيتشي لا يتردد في القول في ضوء تجربة مماثلة في كتابه «رحلة إلى الغرب»، في إطار حكم قيمي أصدره على مصر: «هذا البلد هو الأقرب إلى الغرب، ولكنه ما لم يغير أساليبه المفعمة بالجهل، فإن المرء سيتعين عليه القول إنه تهيمن عليه الأعراف القديمة وانه يتراجع في ميدان التقدم»(34).
وبالطبع، فقد قطع الجانبان شوطاً طويلاً في إطار حركة التثاقف بينهما، وقد تستفيد حركة الترجمة العربية نقلاً عن الآداب الآسيوية من قيام التجربة اليابانية في تعاملها مع الثقافة العربية ببلورة أربعة أجيال من المفكرين والباحثين اليابانيين في قضايا الشرق الأوسط والثقافة العربية الإسلامية بعامة في التاريخ والأدب والسياسة والدين، هي كالتالي بحسب إيضاح نوبو أكي نوتوهارا(35):
أ – الجيل الأول: هو جيل اكتشاف الموضوع، أي الجيل الذي بحث في القضايا العربية والإسلامية لأول مرة ولفت الانتباه إليها، وفي مقدمة أبناء هذا الجبل ما ئجيما شينجي، إزوتسو توشيهيكو.
ب – الجيل الثاني: هو جيل توسيع دائرة الاهتمام وزيادة عدد الباحثين وتنظيمهم وتوفير الاتصال بينهم، وفي هذا الجيل يبرز إتانجاكي يوزوق.
ج – الجيل الثالث: هو جيل يشكل تياراً واضحاً، يتابع ويعمق المعرفة، وينتمي إليه نوتوهارا.
د – الجيل الرابع: هو جيل الباحثين الشباب.
في اعتقادنا أن هذه المسيرة تقدم خارطة يمكن للباحثين والمترجمين العرب الانطلاق عبرها، في محاولتهم نقل الآداب الآسيوية إلى العربية، خاصة وأن أعداداً متزايدة من الباحثين والمترجمين العرب يولون الآن اهتماماً كافياً بالدراسات في اليابان وباقي الدول الآسيوية، خاصة في الصين وكوريا والهند، وابتعدوا تدريجياً عن إطلاق أحكام قيمية على تلك الدراسات بأنها مستمدة من مقولات الاستشراق الغربي الذي يتجاهل المصادر العربية والإسلامية بلغاتها الأصلية.
تاسعاً – في اللغة الوسيطة:
رأينا من خلال العينة التي سبق أن طرحناها من الآداب الآسيوية أن الغالبية الكاسحة منها مترجمة عبر لغات وسيطة، هي الانجليزية أو الفرنسية في الغالب، ومن بين اثنين وخمسين كتابا ضمتها العينة لا نجد إلا سبعة كتب فقط ترجمت مباشرة عن اللغة الأصلية، ومن بين هذه الكتب السبعة هناك كتابات تم تأليفهما باللغة الانجليزية، مما يعني أن العينة لا تضم إلا خمسة كتب لاغيرها مترجمة مباشرة عن لغات آسيوية.
من البديهي أن المنهاج الصحيح هو الترجمة مباشرة إلى اللغة العربية عن اللغات الآسيوية الأصلية، وأنا أقول هذا على الرغم من أنني قمت بترجمة تسعة عشر كتاباً، معظمها من عيون الأدب الياباني، نقلاً عن لغة وسيطة، هي الانجليزية، وفي اعتقادي أنه ليس هناك تناقض في هذا الصدد، فالأصل هو الترجمة مباشرة، ولكننا حتى الآن لسنا قادرين على ذلك بالقدر الذي نتمناه. فما العمل إذن؟
من الواضح أنني أنتمي إلى تيار يرى اعتماد اللغات الوسيطة أداة للترجمة إلى أن نستطيع التوصل إلى الترجمة مباشرة عن الآداب الآسيوية، ويرى المنخرطون في هذا التيار أن بروز أعداد ولو متواضعة من القائمين بالترجمة المباشرة سيكون هو المنعطف الذي يكفون عنده عن الترجمة عبر اللغات الوسيطة.
وهناك تيار آخر يرى أن الترجمة عبر اللغات الوسيطة لا تحقق الأهداف المطلوبة منها، وأنه يتعين الإحجام عنها إلى أن نحقق التراكم المعرفي الذي يتيح لنا الترجمة المباشرة.
وفي اعتقادي أن الخلاف بين التيارين لم يعد له مجال، حيث تبرز في الأفق أعداد من المترجمين والباحثين المعنيين باللغات الآسيوية، مما يعني أننا لن نرى في المستقبل القريب المزيد من الترجمات عن لغات وسيطة.
دعنا نقرأ تلك الملاحظة الوجيهة التي أوردها د. مسعود ضاهر في أحد هوامش كتابه «المستعربون اليابانيون والقضايا العربية المعاصرة»، حيث يقول: «لقد تأخر الباحثون العرب في ترجمة المصادر اليابانية الأصلية مباشرة عن اليابانية لتأسيس مكتبة عربية تقدم دراسات علمية جادة عن اليابان من خلال مصادرها الأصلية. لكن مراكز تدريس اللغة العربية، وأقدمها وأبرزها قسم اللغة اليابانية في جامعة القاهرة، بدأت تخرج أعداداً متزايدة من الباحثين العرب الذين اتقنوا اللغة اليابانية، وهم يترجمون عنها مباشرة إلى اللغة العربية»(36).
وتبرز في هذا الصدد أسماء عديدة، فهناك الدكتور سمير نوح، الذي يساهم في نشر مجلة «دراسات يابانية وشرقية» والدكتور عصام حمزة الذي ترجم عن اليابانية كتاب «ميجي: قوى بشرية قادت التغيير» ودكتور خليل درويش الذي ترجم عن اليابانية كتاب كينيئيشي أونو «التنمية الاقتصادية في اليابان»، ودكتور أحمد فتحي الذي ترجم عن اليابانية «سيرة الأمير جينجي».
غير أننا قبل أن نغرق في التفاؤل كثيراً يتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار ذلك التحذير الذي يقدمه لنا نوبوأكي نوتوهارا، حيث يقول مشيراً إلى الثقافتين العربية واليابانية: «أظن أن الحاجز كبير بين الثقافتين وبدون أن نتجاور هذا الحاجز سنبقى قريباً من السطح، بعيداً عن الأعماق. مثلاً العرب لا يعرفون شيئاً جوهرياً عن اليابان. أنا أفهم هذا. العرب غير مهتمين حتى الآن، السبب مفهوم وواضح، ولذلك أشك بأن يكون اهتمام اليابانيين بالثقافة العربية الإسلامية حقيقياً»(37).
ما العمل إذن؟
يعود د. ضاهر مسعود من ترحال طويل في مطاردة هذا السؤال باقتراح محدد، هو أن يوحد الباحثون العرب المهتمون بالتجربة اليابانية جهودهم الثقافية، وأن يخططوا لحوار جماعي منظم، والارتقاء بالحوار الثقافي العربي الياباني إلى طرح مشكلات ثقافية تهم جميع العرب، وليس دولة واحدة من دولهم(38).
ومن ارتحال مماثل تحت آفاق تطوير العلاقات الثقافية العربية الهندية يعود الدكتور عبدالله المدني، بالإشارة إلى أن الهند، التي تقدم للعالم سنويا ما معدله 200 ألف عنوان في مختلف العلوم والمعارف، لا يصل من عطائها هذا أي شيء إلى الخليج على الرغم من أن 10% من هذه العناوين تصدر بالانجليزية التي تجيدها أعداد متزايدة من أبناء الخليج، كما أن المنتديات الثقافية والأكاديمية الخليجية لا تستضيف أحدا من رموز الهند الفكرية، وتتراجع أعداد الدارسين الخليجيين في الجامعات الهندية. وكل هذا يفرض إعادة صياغة العلاقات الثقافية الهندية لتأخذ شكل الشراكة الاستراتيجية ضمن منهجية واضحة وهياكل مؤسسية دائمة(39).
ومن ارتحال ثالث يعود الدكتور محمد موسى بن هويدن داعياً إلى التوسع في التواصل بين الجانبين العربي والصيني ليتجاوز الإطار الحكومي ويمتد إلى إنشاء شبكة بين المتخصصين في مختلف المجالات وعقد ندوات منتظمة وتكريس التعاون بين الجامعات والمعاهد العلمية وإنشاء معاهد تعليمية تدرس الحضارة والثقافة واللغة الصينية في العالم العربي وكذلك إنشاء معاهد تعليمية تدرس الحضارة والثقافة واللغة العربية في الصين، حيث أنه حتى اليوم لا توجد جامعة أو مؤسسة علمية عربية تقوم بتدريس اللغة الصينية(40).
وفي اعتقادي أن النقاش حول دور اللغة الوسيطة في ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية لن يكون له موضع في المستقبل القريب، في ضوء اطلالة الدور المهم والمتزايد لباحثين ومترجمين يقومون بالترجمة عن اللغات الآسيوية مباشرة، وذلك على الرغم من أن الأولوية دائماً تعطي من جانب الباحثين العرب للعلوم التطبيقية، وبصفة خاصة الطب والهندسة والدراسات المالية والمصرفية وعلوم الكمبيوتر والبحار، لكننا نعلق آمالاً كباراً على أن يمتد هذا الاتجاه في اعطاء الأولويات إلى الدراسات الإنسانية ومن ثم الاهتمام بالأدب على اختلاف أجناسه.
رأينا من خلال العينة التي سبق أن طرحناها من الآداب الآسيوية أن الغالبية الكاسحة منها مترجمة عبر لغات وسيطة، هي الانجليزية أو الفرنسية في الغالب، ومن بين اثنين وخمسين كتابا ضمتها العينة لا نجد إلا سبعة كتب فقط ترجمت مباشرة عن اللغة الأصلية، ومن بين هذه الكتب السبعة هناك كتابات تم تأليفهما باللغة الانجليزية، مما يعني أن العينة لا تضم إلا خمسة كتب لاغيرها مترجمة مباشرة عن لغات آسيوية.
من البديهي أن المنهاج الصحيح هو الترجمة مباشرة إلى اللغة العربية عن اللغات الآسيوية الأصلية، وأنا أقول هذا على الرغم من أنني قمت بترجمة تسعة عشر كتاباً، معظمها من عيون الأدب الياباني، نقلاً عن لغة وسيطة، هي الانجليزية، وفي اعتقادي أنه ليس هناك تناقض في هذا الصدد، فالأصل هو الترجمة مباشرة، ولكننا حتى الآن لسنا قادرين على ذلك بالقدر الذي نتمناه. فما العمل إذن؟
من الواضح أنني أنتمي إلى تيار يرى اعتماد اللغات الوسيطة أداة للترجمة إلى أن نستطيع التوصل إلى الترجمة مباشرة عن الآداب الآسيوية، ويرى المنخرطون في هذا التيار أن بروز أعداد ولو متواضعة من القائمين بالترجمة المباشرة سيكون هو المنعطف الذي يكفون عنده عن الترجمة عبر اللغات الوسيطة.
وهناك تيار آخر يرى أن الترجمة عبر اللغات الوسيطة لا تحقق الأهداف المطلوبة منها، وأنه يتعين الإحجام عنها إلى أن نحقق التراكم المعرفي الذي يتيح لنا الترجمة المباشرة.
وفي اعتقادي أن الخلاف بين التيارين لم يعد له مجال، حيث تبرز في الأفق أعداد من المترجمين والباحثين المعنيين باللغات الآسيوية، مما يعني أننا لن نرى في المستقبل القريب المزيد من الترجمات عن لغات وسيطة.
دعنا نقرأ تلك الملاحظة الوجيهة التي أوردها د. مسعود ضاهر في أحد هوامش كتابه «المستعربون اليابانيون والقضايا العربية المعاصرة»، حيث يقول: «لقد تأخر الباحثون العرب في ترجمة المصادر اليابانية الأصلية مباشرة عن اليابانية لتأسيس مكتبة عربية تقدم دراسات علمية جادة عن اليابان من خلال مصادرها الأصلية. لكن مراكز تدريس اللغة العربية، وأقدمها وأبرزها قسم اللغة اليابانية في جامعة القاهرة، بدأت تخرج أعداداً متزايدة من الباحثين العرب الذين اتقنوا اللغة اليابانية، وهم يترجمون عنها مباشرة إلى اللغة العربية»(36).
وتبرز في هذا الصدد أسماء عديدة، فهناك الدكتور سمير نوح، الذي يساهم في نشر مجلة «دراسات يابانية وشرقية» والدكتور عصام حمزة الذي ترجم عن اليابانية كتاب «ميجي: قوى بشرية قادت التغيير» ودكتور خليل درويش الذي ترجم عن اليابانية كتاب كينيئيشي أونو «التنمية الاقتصادية في اليابان»، ودكتور أحمد فتحي الذي ترجم عن اليابانية «سيرة الأمير جينجي».
غير أننا قبل أن نغرق في التفاؤل كثيراً يتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار ذلك التحذير الذي يقدمه لنا نوبوأكي نوتوهارا، حيث يقول مشيراً إلى الثقافتين العربية واليابانية: «أظن أن الحاجز كبير بين الثقافتين وبدون أن نتجاور هذا الحاجز سنبقى قريباً من السطح، بعيداً عن الأعماق. مثلاً العرب لا يعرفون شيئاً جوهرياً عن اليابان. أنا أفهم هذا. العرب غير مهتمين حتى الآن، السبب مفهوم وواضح، ولذلك أشك بأن يكون اهتمام اليابانيين بالثقافة العربية الإسلامية حقيقياً»(37).
ما العمل إذن؟
يعود د. ضاهر مسعود من ترحال طويل في مطاردة هذا السؤال باقتراح محدد، هو أن يوحد الباحثون العرب المهتمون بالتجربة اليابانية جهودهم الثقافية، وأن يخططوا لحوار جماعي منظم، والارتقاء بالحوار الثقافي العربي الياباني إلى طرح مشكلات ثقافية تهم جميع العرب، وليس دولة واحدة من دولهم(38).
ومن ارتحال مماثل تحت آفاق تطوير العلاقات الثقافية العربية الهندية يعود الدكتور عبدالله المدني، بالإشارة إلى أن الهند، التي تقدم للعالم سنويا ما معدله 200 ألف عنوان في مختلف العلوم والمعارف، لا يصل من عطائها هذا أي شيء إلى الخليج على الرغم من أن 10% من هذه العناوين تصدر بالانجليزية التي تجيدها أعداد متزايدة من أبناء الخليج، كما أن المنتديات الثقافية والأكاديمية الخليجية لا تستضيف أحدا من رموز الهند الفكرية، وتتراجع أعداد الدارسين الخليجيين في الجامعات الهندية. وكل هذا يفرض إعادة صياغة العلاقات الثقافية الهندية لتأخذ شكل الشراكة الاستراتيجية ضمن منهجية واضحة وهياكل مؤسسية دائمة(39).
ومن ارتحال ثالث يعود الدكتور محمد موسى بن هويدن داعياً إلى التوسع في التواصل بين الجانبين العربي والصيني ليتجاوز الإطار الحكومي ويمتد إلى إنشاء شبكة بين المتخصصين في مختلف المجالات وعقد ندوات منتظمة وتكريس التعاون بين الجامعات والمعاهد العلمية وإنشاء معاهد تعليمية تدرس الحضارة والثقافة واللغة الصينية في العالم العربي وكذلك إنشاء معاهد تعليمية تدرس الحضارة والثقافة واللغة العربية في الصين، حيث أنه حتى اليوم لا توجد جامعة أو مؤسسة علمية عربية تقوم بتدريس اللغة الصينية(40).
وفي اعتقادي أن النقاش حول دور اللغة الوسيطة في ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية لن يكون له موضع في المستقبل القريب، في ضوء اطلالة الدور المهم والمتزايد لباحثين ومترجمين يقومون بالترجمة عن اللغات الآسيوية مباشرة، وذلك على الرغم من أن الأولوية دائماً تعطي من جانب الباحثين العرب للعلوم التطبيقية، وبصفة خاصة الطب والهندسة والدراسات المالية والمصرفية وعلوم الكمبيوتر والبحار، لكننا نعلق آمالاً كباراً على أن يمتد هذا الاتجاه في اعطاء الأولويات إلى الدراسات الإنسانية ومن ثم الاهتمام بالأدب على اختلاف أجناسه.
عاشراً – في آفاق المستقبل:
بعد ثلاثة عقود من المتابعة الدقيقة لجهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية، لا أجدني إلا متفائلاً بما يمتد تحت آفاق المستقبل، حيث تدخل الساحة أجيال جديدة تتسلح بالحماس وبالاهتمام وبالقدرة على الترجمة عن اللغات الآسيوية مباشرة، كما أنها تحظى بفرص التعرف عن قرب على النسيج الحي للمجتمعات التي تقوم بدراستها وترجمة آدابها.
هذا التفاؤل ليس معلقاً في الهواء، ولا هو وليد التفكير بالتمني، وإنما هو نابع من أعمال ودراسات وترجمات مقدمة بالفعل وبين أيدينا، وهذا كله يفتح الباب أمام المزيد وأمام طموح حقيقي آن له أن يتحقق.
لا تزال الحكمة القديمة ترفدنا هنا بما ينبغي أن يتحقق في إطار هذا الطموح، فلابد لنا من العمل في اتجاهين أساسيين، الأول هو الاتجاه نحو ترجمة الأعمال الكلاسيكية التي تشكل الأعمدة الرئيسية الحاملة للكيانات الأدبية الآسيوية على اختلافها، وفي الوقت نفسه يتعين علينا الاتجاه إلى الجانب الآخر من قوس قزح، إلى أحدث ما قدمته الآداب الآسيوية من ابداعات.
لقد سبقت لي الإشارة، في إطار هذه الملاحظات العشر، إلى نماذج لابد من الاهتمام بها من آداب إندونيسيا، ماليزيا وكوريا، بعد أن طال إهمالها أو تجاهلها، وهناك كثير مثلها على امتداد آسيا.
غير أنني أود أن أشير إلى الأهمية الاستثنائية التي تتمتع بها الآداب الصينية والهندية واليابانية، التي أشير إليها كنماذج بارزة أتطلع إلى التعامل معها ومع غيرها بمزيد من الاهتمام من جانب الباحثين والمترجمين العرب في المستقبل القريب.
إذا أشرنا إلى الأعمال الأدبية الكلاسيكية في اليابان الجديرة بالاهتمام من جانب الباحثين والمترجمين العرب، فإنني اعتقد أن ترجمة النص الكامل لــ «حكاية جيني»، حتى وإن جاءت عبر لغة وسيطة، هي الانجليزية، قد فتحت المجال أمام ترجمة أعمال أخرى مهمة، لم يكن الحديث وارداً عنها طالماً أن ترجمة «الحكاية» لم تصبح عملاً منجزاً بعد.
لو أننا أردنا إيراد قائمة بمثل هذه الأعمال، لامتدت طويلاً بما يتجاوز أغراض هذه الملاحظات، لكنني أود أن ألفت الانتباه بصفة خاصة إلى ثلاثة أعمال من عيون التراث الأدبي الياباني، هي على التوالي:
أ- «كوكين واكاشو»: هذه هي المجموعة الإمبراطورية الأولى من الشعر الياباني، وكما بوسع القارئ إدراكه من نظرة واحدة على هوامش ترجمتي لــ «حكاية جينجي»، فإن هذه المجموعة من عيون الشعر الياباني العريق، ومن المهم الالتفات إلى ترجمتها من الأصل الياباني، أو على الأقل التعريف بها من خلال الترجمة الإنجليزية التي أنجزتها هيلين كريج ماكلو، والصادرة عن دار نشر جامعة ستانفورد.
ب- «حكايات آيسي»: هذه الحكايات النثرية الغنائية العائدة إلى القرن العاشر الميلادي تعد من كنوز الأدب الياباني، وهي تنافس «كوكين واكاشو» في الإطلال من هوامش «حكاية جينجي» ومن المفيد حقاً ترجمتها عن الأصل الياباني، أو إذا تعذر ذلك التعريف بها عبر ترجمتها إلى الانجليزية الصادر عن جامعة ستانفورد، التي أنجزتها هيلين كريج ماكلو أيضاً.
ح- «حكايات هايكي»: هذه الحكايات النثرية، التي تعد العمل الأكثر تألقاً في أدب مرحلة كاماكورا – موراماتشي، تتناول ذروة مجد قبيلة تايرا والحروب التي خاضتها ضد قبيلة ميناموتو، وتحفل بمشاهد القتال الدموية، ولكنها أيضاً تحفل بالرؤية الروحية القائلة إن كل النشاط الإنساني عابر وزائل وإن الأبطال سرعان ما يرحلون، وما من شيء يبقى إلا بهاء الروح.
على الجانب الآخر، فإن هناك العديد من الأسماء الشابة الجديرة بالاهتمام حقاً، ولكن المشكلة أن هذه الأسماء لا تدوم طويلاً، حيث ان الساحة اليابانية تبادر إلى إضافة أسماء جديدة أخرى بعد وقت جد قصير من ظهورها، والمثال البارز هنا هو الروائية هيتومي كانيهارا، وهي من مواليد 8 أغسطس 1983، التي لمع اسمها مع فوزها بجائزة سوبارو للأدب في عام 2003 ثم بجائزة أكوتاجاوا في العام التالي عن روايتها الأولى «ثعابين واقراط» وقفزت روايتها الثانية «طفل الرماد» إلى قائمة أفضل الكتب مبيعاً في اليابان، لدى صدورها في عام 2004، وهي اليوم لا تدرج ضمن الكتاب الشبان في اليابان.
ربما لهذا، بالضبط، أقترح أن يهتم الباحثون والدارسون العرب بكاتبات الرواية والقصة القصيرة في اليابان، اللواتي ربما نلاحظ أن أيا منهن لم يكن لها حضور في قائمة الكتب الاثنين والخمسين التي قدمناها كعينة قابلة للدراسة لما تمت ترجمته عن الآداب الآسيوية. ومنهن يوشيموتو بانانا، أوزاكي ميدوري، أمينو كيكو، تسومورا سيتسوكو، كونو تايكو، توميوكو تايكو، هاياشي كابوكو وغيرهن كثيرات.
إذا أنتقلنا إلى الأدب الصيني، فإنني أقترح ترجمة أعمال كلاسيكية بارزة مثل النص ذي المئة فصل لرواية «الهسي يوتشي» أو «الرحيل إلى الغرب»، التي سبقت الإشارة إليها، إن لم يكن عن الأصل الصيني مباشرة، فعن ترجمة أنطوني سي. يو الصادر عن مطبعة جامعة شيكاغو في أربعة مجلدات تقع في قرابة ألفي صفحة، كما أقترح ترجمة عيون روائع شعراء عهد تانج، التي تعد جوهرة تاج الأدب الصيني الكلاسيكي.
وإذا أشرنا إلى الأدب الصيني الحديث، وتساءلنا عما ينبغي أن نترجمة منه، للاحظنا أن الكثير من النقاد الغربيين يميلون إلى التقليل من شأن الإبداع الروائي الصيني الحديث إلى حد لا يتردد معه الناقد مارتن سيمور سميث في القول إنه: «ما من عمل روائي كبير كتب في الصين، فقد أخمدت الثورة الثقافية صوت العديد من الكتاب، وقد عاود بعضهم الظهور، ولكن ذلك لم يحدث فارقاً، وإذا لم يكن بمقدور الكتاب الكتابة إلا عن موضوعات معينة، فإن الأدب يكون قد مات مؤقتا، ولم تطل حياة سياسية ماو التي حملت شعار «دع مئة زهرة تتفتح» التي تعود إلى عام 1957 بحيث تحقق نتائج تذكر على الصعيد الأدبي بشكل عام(41).
على الرغم من ذلك، فإنني لا أقترح أن يتجه الباحثون والمترجمون العرب إلى الترجمة عن أدباء المنفى الصيني، لأن ذلك من شأنه أن يوقعنا في مصيدة الايديولوجيات. بأكثر مما يدفعنا إلى البحث عن الإبداع.
اقترح بالمقابل أن يوغل الباحثون والمترجمون العرب في تتبع الإبداع الصيني الأكثر حداثة، ويلفت نظرنا في هذا الصدد العدد الذي قدمته مجلة «مانوا» المتخصصة في أداب حوض المحيط الهادئ عن قصص ما بعد الحداثة في الصين، حيث نلتقي بكتابات رائعة لكتاب من نوعية، ماه يوان، هونج ينج، سو توج، ماه جيان، لين باي، يان لي، كان شو وغيرهم كثير(42).
فيما يتعلق بالأدب الهندي، فلست أشك في أن القارئ سيشاركني في الحماس لترجمة ملحمة «المهابهارتا»، وإذا لم يكن ذلك ممكناً ولا واقعياً في المستقبل المنظور، فقد يكون من المنطقي أن يتم التعريف بها من خلال ترجمة المجلدات الأربعة التي صدرت بالانجليزية حتى الآن في إطار مشروع دار نشر جامعة شيكاغو لتقديم النص الكامل للملحمة للقارئ.
وبالنسبة للأدب الهندي الحديث، فإن النماذج عديدة للأعمال الرائعة والمميزة، وهناك مترجمون عرب كثيرون يتحمسون لترجمتها عن لغات شبه القارة الهندية مباشرة، ونحن نتوقع أن يكون الاختيار الأفضل جزءاً من مهمتهم.
وإذا كانت هناك كلمة أخيرة نختتم بها هذه الملاحظات العشر، فإننا لا نملك إلا أن نشدد على أن الاتجاه شرقاً هو طريق المستقبل بالنسبة لنا نحن العرب، وهو طريق نخشى أننا تجاهلناه طويلاً وتنكبناه بأكثر مما تسمح به الظروف الموضوعية، وقد آن الأوان أن ننغذ السير عليه، لأن هذا طبيعي ومنطقي وعقلي، والتمهل فيه ترف لم نعد نملكه.
بعد ثلاثة عقود من المتابعة الدقيقة لجهود ترجمة الآداب الآسيوية إلى اللغة العربية، لا أجدني إلا متفائلاً بما يمتد تحت آفاق المستقبل، حيث تدخل الساحة أجيال جديدة تتسلح بالحماس وبالاهتمام وبالقدرة على الترجمة عن اللغات الآسيوية مباشرة، كما أنها تحظى بفرص التعرف عن قرب على النسيج الحي للمجتمعات التي تقوم بدراستها وترجمة آدابها.
هذا التفاؤل ليس معلقاً في الهواء، ولا هو وليد التفكير بالتمني، وإنما هو نابع من أعمال ودراسات وترجمات مقدمة بالفعل وبين أيدينا، وهذا كله يفتح الباب أمام المزيد وأمام طموح حقيقي آن له أن يتحقق.
لا تزال الحكمة القديمة ترفدنا هنا بما ينبغي أن يتحقق في إطار هذا الطموح، فلابد لنا من العمل في اتجاهين أساسيين، الأول هو الاتجاه نحو ترجمة الأعمال الكلاسيكية التي تشكل الأعمدة الرئيسية الحاملة للكيانات الأدبية الآسيوية على اختلافها، وفي الوقت نفسه يتعين علينا الاتجاه إلى الجانب الآخر من قوس قزح، إلى أحدث ما قدمته الآداب الآسيوية من ابداعات.
لقد سبقت لي الإشارة، في إطار هذه الملاحظات العشر، إلى نماذج لابد من الاهتمام بها من آداب إندونيسيا، ماليزيا وكوريا، بعد أن طال إهمالها أو تجاهلها، وهناك كثير مثلها على امتداد آسيا.
غير أنني أود أن أشير إلى الأهمية الاستثنائية التي تتمتع بها الآداب الصينية والهندية واليابانية، التي أشير إليها كنماذج بارزة أتطلع إلى التعامل معها ومع غيرها بمزيد من الاهتمام من جانب الباحثين والمترجمين العرب في المستقبل القريب.
إذا أشرنا إلى الأعمال الأدبية الكلاسيكية في اليابان الجديرة بالاهتمام من جانب الباحثين والمترجمين العرب، فإنني اعتقد أن ترجمة النص الكامل لــ «حكاية جيني»، حتى وإن جاءت عبر لغة وسيطة، هي الانجليزية، قد فتحت المجال أمام ترجمة أعمال أخرى مهمة، لم يكن الحديث وارداً عنها طالماً أن ترجمة «الحكاية» لم تصبح عملاً منجزاً بعد.
لو أننا أردنا إيراد قائمة بمثل هذه الأعمال، لامتدت طويلاً بما يتجاوز أغراض هذه الملاحظات، لكنني أود أن ألفت الانتباه بصفة خاصة إلى ثلاثة أعمال من عيون التراث الأدبي الياباني، هي على التوالي:
أ- «كوكين واكاشو»: هذه هي المجموعة الإمبراطورية الأولى من الشعر الياباني، وكما بوسع القارئ إدراكه من نظرة واحدة على هوامش ترجمتي لــ «حكاية جينجي»، فإن هذه المجموعة من عيون الشعر الياباني العريق، ومن المهم الالتفات إلى ترجمتها من الأصل الياباني، أو على الأقل التعريف بها من خلال الترجمة الإنجليزية التي أنجزتها هيلين كريج ماكلو، والصادرة عن دار نشر جامعة ستانفورد.
ب- «حكايات آيسي»: هذه الحكايات النثرية الغنائية العائدة إلى القرن العاشر الميلادي تعد من كنوز الأدب الياباني، وهي تنافس «كوكين واكاشو» في الإطلال من هوامش «حكاية جينجي» ومن المفيد حقاً ترجمتها عن الأصل الياباني، أو إذا تعذر ذلك التعريف بها عبر ترجمتها إلى الانجليزية الصادر عن جامعة ستانفورد، التي أنجزتها هيلين كريج ماكلو أيضاً.
ح- «حكايات هايكي»: هذه الحكايات النثرية، التي تعد العمل الأكثر تألقاً في أدب مرحلة كاماكورا – موراماتشي، تتناول ذروة مجد قبيلة تايرا والحروب التي خاضتها ضد قبيلة ميناموتو، وتحفل بمشاهد القتال الدموية، ولكنها أيضاً تحفل بالرؤية الروحية القائلة إن كل النشاط الإنساني عابر وزائل وإن الأبطال سرعان ما يرحلون، وما من شيء يبقى إلا بهاء الروح.
على الجانب الآخر، فإن هناك العديد من الأسماء الشابة الجديرة بالاهتمام حقاً، ولكن المشكلة أن هذه الأسماء لا تدوم طويلاً، حيث ان الساحة اليابانية تبادر إلى إضافة أسماء جديدة أخرى بعد وقت جد قصير من ظهورها، والمثال البارز هنا هو الروائية هيتومي كانيهارا، وهي من مواليد 8 أغسطس 1983، التي لمع اسمها مع فوزها بجائزة سوبارو للأدب في عام 2003 ثم بجائزة أكوتاجاوا في العام التالي عن روايتها الأولى «ثعابين واقراط» وقفزت روايتها الثانية «طفل الرماد» إلى قائمة أفضل الكتب مبيعاً في اليابان، لدى صدورها في عام 2004، وهي اليوم لا تدرج ضمن الكتاب الشبان في اليابان.
ربما لهذا، بالضبط، أقترح أن يهتم الباحثون والدارسون العرب بكاتبات الرواية والقصة القصيرة في اليابان، اللواتي ربما نلاحظ أن أيا منهن لم يكن لها حضور في قائمة الكتب الاثنين والخمسين التي قدمناها كعينة قابلة للدراسة لما تمت ترجمته عن الآداب الآسيوية. ومنهن يوشيموتو بانانا، أوزاكي ميدوري، أمينو كيكو، تسومورا سيتسوكو، كونو تايكو، توميوكو تايكو، هاياشي كابوكو وغيرهن كثيرات.
إذا أنتقلنا إلى الأدب الصيني، فإنني أقترح ترجمة أعمال كلاسيكية بارزة مثل النص ذي المئة فصل لرواية «الهسي يوتشي» أو «الرحيل إلى الغرب»، التي سبقت الإشارة إليها، إن لم يكن عن الأصل الصيني مباشرة، فعن ترجمة أنطوني سي. يو الصادر عن مطبعة جامعة شيكاغو في أربعة مجلدات تقع في قرابة ألفي صفحة، كما أقترح ترجمة عيون روائع شعراء عهد تانج، التي تعد جوهرة تاج الأدب الصيني الكلاسيكي.
وإذا أشرنا إلى الأدب الصيني الحديث، وتساءلنا عما ينبغي أن نترجمة منه، للاحظنا أن الكثير من النقاد الغربيين يميلون إلى التقليل من شأن الإبداع الروائي الصيني الحديث إلى حد لا يتردد معه الناقد مارتن سيمور سميث في القول إنه: «ما من عمل روائي كبير كتب في الصين، فقد أخمدت الثورة الثقافية صوت العديد من الكتاب، وقد عاود بعضهم الظهور، ولكن ذلك لم يحدث فارقاً، وإذا لم يكن بمقدور الكتاب الكتابة إلا عن موضوعات معينة، فإن الأدب يكون قد مات مؤقتا، ولم تطل حياة سياسية ماو التي حملت شعار «دع مئة زهرة تتفتح» التي تعود إلى عام 1957 بحيث تحقق نتائج تذكر على الصعيد الأدبي بشكل عام(41).
على الرغم من ذلك، فإنني لا أقترح أن يتجه الباحثون والمترجمون العرب إلى الترجمة عن أدباء المنفى الصيني، لأن ذلك من شأنه أن يوقعنا في مصيدة الايديولوجيات. بأكثر مما يدفعنا إلى البحث عن الإبداع.
اقترح بالمقابل أن يوغل الباحثون والمترجمون العرب في تتبع الإبداع الصيني الأكثر حداثة، ويلفت نظرنا في هذا الصدد العدد الذي قدمته مجلة «مانوا» المتخصصة في أداب حوض المحيط الهادئ عن قصص ما بعد الحداثة في الصين، حيث نلتقي بكتابات رائعة لكتاب من نوعية، ماه يوان، هونج ينج، سو توج، ماه جيان، لين باي، يان لي، كان شو وغيرهم كثير(42).
فيما يتعلق بالأدب الهندي، فلست أشك في أن القارئ سيشاركني في الحماس لترجمة ملحمة «المهابهارتا»، وإذا لم يكن ذلك ممكناً ولا واقعياً في المستقبل المنظور، فقد يكون من المنطقي أن يتم التعريف بها من خلال ترجمة المجلدات الأربعة التي صدرت بالانجليزية حتى الآن في إطار مشروع دار نشر جامعة شيكاغو لتقديم النص الكامل للملحمة للقارئ.
وبالنسبة للأدب الهندي الحديث، فإن النماذج عديدة للأعمال الرائعة والمميزة، وهناك مترجمون عرب كثيرون يتحمسون لترجمتها عن لغات شبه القارة الهندية مباشرة، ونحن نتوقع أن يكون الاختيار الأفضل جزءاً من مهمتهم.
وإذا كانت هناك كلمة أخيرة نختتم بها هذه الملاحظات العشر، فإننا لا نملك إلا أن نشدد على أن الاتجاه شرقاً هو طريق المستقبل بالنسبة لنا نحن العرب، وهو طريق نخشى أننا تجاهلناه طويلاً وتنكبناه بأكثر مما تسمح به الظروف الموضوعية، وقد آن الأوان أن ننغذ السير عليه، لأن هذا طبيعي ومنطقي وعقلي، والتمهل فيه ترف لم نعد نملكه.
الهوامش
1 – حكيم، د. أسعد مظفر الدين – علم الترجمة النظري – دار طلاس للدرات والترجمة والنشر – دمشق – 1989 – ص 29.
2 – هول، ريتشارد – امبراطوريات الرياح الموسمية – مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية – أبوظبي – 1999 – ص 27.
3 – خورشيد، إبراهيم زكي – الترجمة ومشكلاتها – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1985 ص 6.
4 – المسعودي، أبو الحسن على بن الحسين بن على – مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحفة الأشراف والملوك – مطبعة السعادة، القاهرة – 1948 – ص 155.
5 – Katakura, Kunio and Motoko – Japan and the Middle East- The Middle East Institute of Japan – Tokyo – 1994 – P.3.
6 – كولر، جون – الفكر الشرقي القديم – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2001 ص 11.
7 – Keene, Donald – Seeds In the Heart – Columbia University Press – New York – 1999 – P 15.
8 – De Bary, Theodor – Sources of J apanese Tradition – Columbia U.P. – Newyor –P. 17.
9 – الرازي، محمد بن أبي ياسر بن عبدالقادر – مختار الصحاح – دار الكتاب العربي – بيروت – 1982 – ص 10.
10 – Little, William – The Shorter Oxford Dictionary Oxford University Press – London – 1964 – P. 1152.
11 – Lagass>e, Paul – the Columbia Enoyclopedia, Columbia U.P. New York – 2000 – P. 1650.
12 – Appiah, Kwame – Africana – Pasic Civitas Books – New York – 1999 – P 1171.
13 – Campbell, Alan –Japan: An illustrated Encychopedia I- Kodamsha – Tokyo – 1993 – P. 895..
14 – Mostow, Joshua – The Columbia Campanion to Modern East Asian Literature – Columbia U.P. – New York – 2003 – P. 10.
15 – Kenko – The Tsurazuragusa – Colambia U.P. – New York – 1998 – P. xvil.
16 – يوكيتشي، فوكوزاوا – سيرة يوكيتشي فوكوزاوا ومقدمة أعماله الكاملة – المجمع الثقافي – أبوظبي – 2001 – ص 316.
17 – Mostow, Joshua – The Columbia Companion to Modern East Asian Literature. Op.Cit – P. 15.
18 – Ibid – P.17.
19 – Mohamed, Goenwan – Notes in Indonesian Literary Scene – in: Manoa – Volume 3 No. 1 – University of Hawaii Press – Honolulu – 1991 – P. 166.
20 – Samad, Daizal Rafeek – A Heritage of Fragments – in: Manoa – 11:1- University of Hawaii Press – Honolulu – 1997 – P. 98.
21- Stweart, Frank – The Wounded Season – In: Manoa – 11:2 – University of Hawaii Press – Honolulu – 1999 – P.90.
22 – يو، أنطوني سي – مقدمة الهسي يوتشي – ندوة الثقافة والعلوم – دبي – 2004 – ص 14.
23 – سنغين، فو – الجبل الملتهب – دار النشر باللغات الأجنبية – بكين- 1984 0 ص 19.
24 –Van B uitenen, J.A.B (trans.) – The Mahabharata Vol. I – The Universitu Of Chicago – Chicago – 1973 – P.xix.
25 – Nakagami, Kenji – Snakelust –Kodansha International- Tokyo – 1974 – P.98.
26 – Shikibu, Murasaki – The Tale of Genji – Viking – New York – 2001.
2 – هول، ريتشارد – امبراطوريات الرياح الموسمية – مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية – أبوظبي – 1999 – ص 27.
3 – خورشيد، إبراهيم زكي – الترجمة ومشكلاتها – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1985 ص 6.
4 – المسعودي، أبو الحسن على بن الحسين بن على – مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحفة الأشراف والملوك – مطبعة السعادة، القاهرة – 1948 – ص 155.
5 – Katakura, Kunio and Motoko – Japan and the Middle East- The Middle East Institute of Japan – Tokyo – 1994 – P.3.
6 – كولر، جون – الفكر الشرقي القديم – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 2001 ص 11.
7 – Keene, Donald – Seeds In the Heart – Columbia University Press – New York – 1999 – P 15.
8 – De Bary, Theodor – Sources of J apanese Tradition – Columbia U.P. – Newyor –P. 17.
9 – الرازي، محمد بن أبي ياسر بن عبدالقادر – مختار الصحاح – دار الكتاب العربي – بيروت – 1982 – ص 10.
10 – Little, William – The Shorter Oxford Dictionary Oxford University Press – London – 1964 – P. 1152.
11 – Lagass>e, Paul – the Columbia Enoyclopedia, Columbia U.P. New York – 2000 – P. 1650.
12 – Appiah, Kwame – Africana – Pasic Civitas Books – New York – 1999 – P 1171.
13 – Campbell, Alan –Japan: An illustrated Encychopedia I- Kodamsha – Tokyo – 1993 – P. 895..
14 – Mostow, Joshua – The Columbia Campanion to Modern East Asian Literature – Columbia U.P. – New York – 2003 – P. 10.
15 – Kenko – The Tsurazuragusa – Colambia U.P. – New York – 1998 – P. xvil.
16 – يوكيتشي، فوكوزاوا – سيرة يوكيتشي فوكوزاوا ومقدمة أعماله الكاملة – المجمع الثقافي – أبوظبي – 2001 – ص 316.
17 – Mostow, Joshua – The Columbia Companion to Modern East Asian Literature. Op.Cit – P. 15.
18 – Ibid – P.17.
19 – Mohamed, Goenwan – Notes in Indonesian Literary Scene – in: Manoa – Volume 3 No. 1 – University of Hawaii Press – Honolulu – 1991 – P. 166.
20 – Samad, Daizal Rafeek – A Heritage of Fragments – in: Manoa – 11:1- University of Hawaii Press – Honolulu – 1997 – P. 98.
21- Stweart, Frank – The Wounded Season – In: Manoa – 11:2 – University of Hawaii Press – Honolulu – 1999 – P.90.
22 – يو، أنطوني سي – مقدمة الهسي يوتشي – ندوة الثقافة والعلوم – دبي – 2004 – ص 14.
23 – سنغين، فو – الجبل الملتهب – دار النشر باللغات الأجنبية – بكين- 1984 0 ص 19.
24 –Van B uitenen, J.A.B (trans.) – The Mahabharata Vol. I – The Universitu Of Chicago – Chicago – 1973 – P.xix.
25 – Nakagami, Kenji – Snakelust –Kodansha International- Tokyo – 1974 – P.98.
26 – Shikibu, Murasaki – The Tale of Genji – Viking – New York – 2001.
27 – De Bary, Theodor – Sources of Japanese Tradition OP. Cit – P. 201.
28 – Campbell, Alan – Japan: An Illustrated Encyclopedia 2 – Op. Cit -P.1015.
(29) Bargen, Doris G- A Waman>s Weapon – University of Hawaii Press – Honolulu – 1997 – P. XVI.
30 – Shirane, Harou – The Bridge of Dreams: A Poetics of The Tale of Genji – Stanford University Press – Stanvord- 1987 – P. XIX.
31- Katakura, Kunia and Motoko – Op. Cit – P.9.
32 – يوكيتشي، فوكوزاوا – م.س.ذ. – ص 162
33 – Keene, Donald – Modern Japanese Diaries – Columbia University Press – New York – 1998. P. 49.
34 – Ibid, P. 84.
35 – نوتوهارا، نوبوأكي – العرب: وجهة نظر يابانية – منشورات الجمل – المانيا – 2003 – ص 123.
36 – ضاهر، مسعود – المستعربون اليابانيون والقضايا العربية المعاصرة – مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية – أبوظبي – 2009 ص 105.
37 – نوتارا، نوبو أكي، م. س.د. – ص 127.
30 – Shirane, Harou – The Bridge of Dreams: A Poetics of The Tale of Genji – Stanford University Press – Stanvord- 1987 – P. XIX.
31- Katakura, Kunia and Motoko – Op. Cit – P.9.
32 – يوكيتشي، فوكوزاوا – م.س.ذ. – ص 162
33 – Keene, Donald – Modern Japanese Diaries – Columbia University Press – New York – 1998. P. 49.
34 – Ibid, P. 84.
35 – نوتوهارا، نوبوأكي – العرب: وجهة نظر يابانية – منشورات الجمل – المانيا – 2003 – ص 123.
36 – ضاهر، مسعود – المستعربون اليابانيون والقضايا العربية المعاصرة – مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية – أبوظبي – 2009 ص 105.
37 – نوتارا، نوبو أكي، م. س.د. – ص 127.
38 – ضاهر، مسعود – كيف يرى المثقفون العرب تجربة التحديث اليابانية – ورقة بحثية غير منشورة – ص 17.
39 – مدني، عبدالله – رؤية مقترحة لتطوير العلاقات العربية الهندية – ورقة بحثية غير منشورة – ص20.
40 – بن هويدن، د. محمد موسى – البعد الثقافي بوصفه متغيراً أصيلاً في العلاقات العربية الصينية – ورقة بحثية غير منشورة – ص 10.
39 – مدني، عبدالله – رؤية مقترحة لتطوير العلاقات العربية الهندية – ورقة بحثية غير منشورة – ص20.
40 – بن هويدن، د. محمد موسى – البعد الثقافي بوصفه متغيراً أصيلاً في العلاقات العربية الصينية – ورقة بحثية غير منشورة – ص 10.
41 – Smith, Martin Seymour, Guide to Modern World Literature – Macmillan – London – 1985 – P. 364.
42 – Cai, Yongchun – Into the Labyrinth – in: Manoa 15:2- Honolulu – Uninversity of Hawaii Press – P. 49.
42 – Cai, Yongchun – Into the Labyrinth – in: Manoa 15:2- Honolulu – Uninversity of Hawaii Press – P. 49.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق